الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويستثنى ) من النهي عن بيع وشرط ( صور ) تصح ( كالبيع بشرط الخيار أو البراءة من العيب أو بشرط قطع الثمر ) وسيأتي الكلام عليها في محالها ( و ) بشرط ( الأجل ) في غير الربوي لأول آية الدين .

                                                                                                                            وشرط الصحة أن يحدده بمعلوم لهما كإلى صفر أو رجب لا إلى الحصاد ونحوه كما يأتي في السلم بتفضيله المطرد هنا كما لا يخفى ، وأن لا يبعد بقاء الدنيا إليه كألف سنة وإلا بطل البيع للعلم حال العقد بسقوط بعضه ، وهو يؤدي إلى الجهل به المستلزم للجهل بالثمن ; لأن الأجل يقابله قسط منه ، وقول بعض الأصحاب يجوز إيجار الأرض ألف سنة شاذ غير معمول به ، وإذا صح كأن أجل بما لا يبعد بقاء الدنيا إليه وإن بعد بقاء المتعاقدين إليه كمائتي سنة انتقل بموت البائع لوارثه وحل بموت المشتري ، ولا يقدح السقوط بموته إذ هو أمر غير متيقن حال العقد فلم ينظر إليه وإلا لم يصح بأجل طويل لمن يعلم [ ص: 453 ] عادة أنه لا يعيش بقية يومه وقد صرحوا بخلافه ( والرهن ) للحاجة إليه لا سيما في معاملة من لا يعرف حاله ، وشرطه العلم به إما بالمشاهدة أو الوصف بصفات السلم ، ثم الكلام هنا في وصف لم يرد على عين معينة فهو مساو لما مر من أن الوصف لا يجزي عن الرؤية ; لأنه في معين لا موصوف في الذمة خلافا لمن وهم فيه وأن يكون غير المبيع ، فلو شرط رهنه إياه ولو بعد قبضه فسد ; لأنه لا يملكه إلا بعد البيع فهو بمنزلة استثناء منفعة في المبيع ، فلو رهنه بعد قبضه بلا شرط مفسد صح .

                                                                                                                            ( والكفيل ) للحاجة إليه أيضا ، وشرطه العلم به بالمشاهدة ، ولا نظر إلى أنها لا تعلم بحاله ; لأن ترك البحث معها تقصير ; ولأن الظاهر عنوان الباطن أو باسمه ونسبه ، ولا يكفي وصفه بموسر ثقة إذ الأحرار لا يمكن التزامهم في الذمة لانتفاء القدرة عليهم ، بخلاف المرهون فإنه يثبت في الذمة ، وهذا جري على الغالب ، وإلا فقد يكون الضامن رقيقا مع صحة التزامه في الذمة وصحة ضمانه بإذن سيده ، وأيضا فكم من موسر يكون مماطلا ، فالناس مختلفون في الإيفاء وإن اتفقوا يسارا وعدالة ، فاندفع بحث الرافعي أن الوصف بهذين أولى من مشاهدة من لا يعرف حاله ، وبما تقرر علم أن الكلام في الأجل والرهن والكفيل ( المعينات ) بما ذكرناه وإلا فسد البيع وغلب غير العاقد المذكور ; لأنه أكثر ، إذ الأكثر في الرهن كونه غير عاقل ، فاندفع قول الإسنوي صوابه [ ص: 454 ] المعينين " ، وشرط كل منها أن يكون ( لثمن ) أي عوض ( في الذمة ) إذ الأعيان لا تقبل التأجيل ثمنا ولا مثمنا ولا يرتهن بها ولا تضمن أصالة كما يأتي ، فلو قال اشتريت بهذا على أن أسلمه وقت كذا ، أو أرهن به كذا ، أو يكفلني به زيد لم يصح ; لأن تلك إنما شرعت لتحصيل ما في الذمة والمعين حاصل ، ولا يرد على ذلك صحة ضمان العين المبيعة والثمن المعين بعد القبض فيهما .

                                                                                                                            وكذا سائر الأعيان المضمونة للعلم به من كلامه الآتي في باب الضمان ، ولا يصح بيع سلعة من اثنين على أن يتضامنا كما في تعليق القاضي الحسين والوسيط وغيرهما ; لأنه شرط على كل ضمان غيره وهو خارج عن مصلحة عقده ، ولو قال اشتريته بألف على أن يضمنه زيد إلى شهر صح ، وإذا ضمنه زيد مؤجلا تأجل في حقه وكذا في حق المشتري على أحد وجهين .

                                                                                                                            نعم مقتضى قاعدة الشافعي رجوع القيد وهو هنا إلى شهر لجميع ما قبله وهو اشتريت يرجحه ، ويصح شرط الثلاثة أيضا في مبيع في الذمة ، ولا يرد عليه أن ذكر الثمن مثال بل قد يطلق على ما يشمل المبيع كما قررناه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويستثنى من النهي إلخ ) أي من البطلان اللازم للنهي المذكور ، ولو قال : ويستثنى من القول ببطلان البيع مع الشرط صور إلخ لكان أوضح ( قوله : في غير الربوي ) أفاد تقييده بذلك في الأجل دون الرهن ، والكفيل أنه لا فرق في العوض الذي يشترط فيه الرهن ، أو الكفيل بين كونه ربويا أو غيره وهو كذلك ( قوله وشرط الصحة ) أي صحة العقد مع الأجل ( قوله بمعلوم لهما ) أي فلا يكفي علم أحدهما ولا علم غيرهما كما يفهم من إطلاقه ، لكن سيأتي في السلم أنه يكفي علم العاقدين أو علم عدلين غيرهما ، وقياسه أن يقال بمثله هنا ; لأنه أضيق من البيع فيكفي علم غيرهما ( قوله : كإلى صفر إلخ ) زاد حج لا فيه ( قوله : إلى الحصاد ) ومثل ذلك التأجيل بنزول سيدنا عيسى ; لأنه مجهول ( قوله ونحوه ) أي ما لم يريدا وقته المعتاد ويعلمانه ( قوله : بسقوط بعضه ) أي الأجل ( قوله : شاذ ) أي لما قدمه من أن شرط صحة العقد أن لا يبعد بقاء الدنيا إلخ ( قوله : ولا يقدح السقوط ) أي للأجل .

                                                                                                                            ( قوله : بموته ) أي المشتري ( قوله : إذ هو أمر غير متيقن إلخ ) هذا مكابرة ظاهرة إذ لا شبهة إذا كان التأجيل بمائتي سنة مثلا في تيقن العاقدين عند العقد السقوط إذا كان كل قد بلغ مائة سنة مثلا لتيقنهما أنهما لا يعيشان المائتين أيضا فتأمل ا هـ سم على حج . أقول : وقد يجاب بأن ظن عدم الحياة هنا ناشئ من العادة وهي غير قطعية ، بخلاف عدم بقاء الدنيا فإنه مأخوذ من الأدلة ، فالظن فيها أقوى فنزل منزلة اليقين ( قوله وإلا ) أي بأن نظر إليه وقيل بالبطلان ( قوله لمن يعلم ) لعل المراد بالعلم هنا الظن وإلا لم تصح الملازمة في قوله وإلا لم يصح البيع إلخ : أي ولو نظر إلى [ ص: 453 ] غير المتيقن لم يصح البيع إلخ . ولنا في ذلك ما أفاده قوله ; لأنه أمر غير متيقن من الضرر في المتيقن ا هـ سم على حج ( قوله : عادة ) قضيته أنه لو علم موته بقية يومه مثلا بإخبار معصوم لم يصح العقد ، ولعله غير مراد اعتبارا بما هو الغالب في أحوال المتعاقدين ( قوله : بخلافه ) أي وهو الصحة ( قوله : إما بالمشاهدة ) أي ويحصل العلم إما بالمشاهدة إلخ ( قوله : أو الوصف بصفات السلم ) سيأتي فيه أنه لا بد في ذلك من معرفة العاقدين وعدلين بالوصف ، فقياسه أن يأتي مثله هنا ، وقد يفرق على بعد أن المسلم فيه معقود عليه فضويق فيه ما لم يضايق في الرهن وبأنه لو لم يمكن إثبات الصفات عند التنازع هنا لم يفت إلا مجرد التوثق مع بقاء الحق ( قوله من أن ) بيان لما مر ( قوله : وأن يكون ) أي المرهون .

                                                                                                                            ( قوله : فلو رهنه ) أي المبيع بعد قبضه ، ظاهره ولو في المجلس ، وهو ظاهر ; لأن تصرف أحد العاقدين مع الآخر في مجلس العقد إجازة ( قوله : بلا شرط ) أي في الرهن المأتي به كأن يرهنه بشرط أن تحدث زوائده مرهونة ( قوله عنوان الباطن ) أي غالبا ( قوله : أو باسمه ) كأن المراد أنهما يعرفان ذلك المسمى المنسوب وإلا كان من قبيل الغائب المجهول ا هـ سم على حج ( قوله : وهذا جرى على الغالب ) أي فلا فرق في الضامن بين كونه حرا أو رقيقا بإذنه والإشارة راجعة إلى قوله إذ الأحرار لا يمكن التزامهم ( قوله : وعدالة ) فإن قلت : إذا اتفقوا في العدالة واليسار ، فما معنى اختلافهم في الوفاء مع وجوبه على المدين بمجرد الطلب ؟ قلت : إن اختلافهم ليس على وجه محرم ، ومن ذلك أن بعض المدينين قد يوفي ما عليه بلا طلب من صاحب الحق والآخر لا يوفي إلا بعد الطلب ، ولا ينافي ذلك عدالته لعدم وجوب الوفاء عليه بلا طلب ، ومنه أيضا أن بعض المدينين إذا طولب بسعي في الوفاء ولو ببيع بعض ماله إذا لم يكن جنس الدين بماله وتحصيل جنس الدين مع المساهلة في البيع والشراء والسعي في تحصيل جنس الدين ولو بمشقة وبعضهم بخلاف ذلك ( قوله : بهذين ) أي بموسر ثقة ( قوله كونه غير عاقل ) [ ص: 454 ] أي فلا يرد أنه قد يكون عبدا وهو عاقل ( قوله : ولا يرد على ذلك ) اسم الإشارة راجع لقوله ; لأن تلك إنما إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : صحة ضمان العين المبيعة ) وهو المسمى بضمان الدرك الآتي ( قوله : للعلم به ) قد يقال : لا يندفع الاعتراض بمجرد ذلك ; لأن غرض المعترض المنازعة في التعليل بصحة ضمان الأعيان وإن كانت آتية في كلامه ، وإنما يندفع لو كان مراده أن التعليل بما ذكر يقتضي عدم صحة ضمان الأعيان ، فالأولى في التعليل أن يقال : إنه لما كان يشترط لصحة ضمانها كونها بعد القرض أشبهت ما في الذمة ، هذا والأولى أن تجعل في قوله ولا يرد على ذلك راجعة إلى قول المصنف بثمن في الذمة ( قوله : على أن يتضامنا ) زاد في شرح الروض بخلاف عكسه ا هـ . ونظر فيه والد الشارح وقال : انظر ما صورته ، ثم ذكر خلافا في تصويره واستقرب منه أن يبيع اثنان واحدا شيئا بثمن في ذمته ثم يشرط كل من البائعين على صاحبه أن يضمن له المشتري أي بكسر الراء ا هـ . ونظر فيه بأن هذا التصوير وإن كان صحيحا في نفسه لكنه ليس بين البائع والمشتري بل بين البائعين ، وهما بالنظر للضمان أجنبيان عن العقد فلا يصلح حمل العكس على ذلك لكونه ليس بين العاقدين . وأجيب بأنه اكتفى بذلك وإن لم يكن بين العاقدين لكونه صحيحا في نفسه بقطع النظر عن كونه بين العاقدين فيحمل العكس على مجرد التخالف فقط . ومحل عدم الصحة إذا وقع ذلك في صلب العقد أو قبل لزومه . أما إذا تضامنا بعد لزوم العقد فيصح ( قوله : تأجل في حقه ) أي الضامن .

                                                                                                                            ( قوله : مقتضى قاعدة الشافعي إلخ ) قضية هذه القاعدة أن يتأجل في حق المشتري وإن لم يضمنه زيد وهو خلاف المفهوم من قوله وإذا ضمنه زيد إلخ ا هـ سم أقول : والأقرب قضية هذه القاعدة إلخ ( قوله : يرجحه ) قال سم على حج : خالف في شرح العباب فقال الذي يتجه أنه لا يتأجل ; لأنه لا ملازمة بين الأصيل والضامن في الحلول والتأجيل ، فلا يلزم من اشتراط الأجل في حق الضامن اشتراطه في حق الأصيل ، وصورة المسألة أن زيدا أنشأ بعد البيع ضمانا مستقلا إلى شهر ا هـ ( قوله ويصح شرط الثلاثة ) أي الأجل والرهن والكفيل ا هـ سم على حج ( قوله : كما قررناه ) أي من قوله عوض .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : انتقل بموت البائع ) أي أو المشتري فيما إذا كان المبيع مؤجلا ( قوله : وحل بموت المشتري ) أي أو البائع [ ص: 453 ] قوله : بعد قبضه بلا شرط ) أي بلا شرطه في عقد البيع فهو مفهوم قوله فلو شرط رهنه إياه خلافا لما وقع في حاشية الشيخ ( قوله وهذا ) أي التعليل ( قوله : مع صحة التزامه في الذمة ) أي في حد ذاته ، وكذا يقال في قوله وصحة ضمانه بإذن سيده .

                                                                                                                            وأجاب الشهاب ابن عبد الحق بأن صحة التزام الرقيق إنما هي من حيث كونه رقيقا لا من حيث كونه كفيلا وهو بمعنى ما أشرت إليه ( قوله : فكم من موسر يكون مماطلا ) قضيته الصحة إذا [ ص: 454 ] التزم كونه حسن الإيفاء وظاهر أنه غير مراد ( قوله : على أن يضمنه ) أي الألف ( قوله : وهو اشتريت ) عبارة التحفة : وهو بألف ويضمن انتهت ، وهي الصواب ( قوله ويصح شرط الثلاثة أيضا في مبيع في الذمة ) لا حاجة [ ص: 455 ] إليه مع قوله المار في حل المتن : أي عوض ، فكان الأولى غير هذا التعبير




                                                                                                                            الخدمات العلمية