الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 460 ] وإن شرط ( وصفا يقصد ككون العبد كاتبا أو الدابة ) أو الأمة بل يمكن شمول كلامه لها حملا للدابة على معناها لغة ( حاملا أو لبونا ) أي ذات لبن ( صح ) العقد مع الشرط ; لأنه شرط يتعلق بمصلحة العقد وهو العلم بصفات المبيع التي يختلف بها الأغراض ; ولأنه التزم موجودا عند العقد ، ولا يتوقف التزامه على إنشاء أمر مستقبل فلا يدخل في النهي عن بيع وشرط وإن سمي شرطا تجوزا فإن الشرط لا يكون إلا مستقبلا ، ويكفي أن يوجد من الوصف المشروط ما ينطلق عليه الاسم إلا إن شرط الحسن في شيء فإنه لا بد أن يكون حسنا عرفا وإلا تخير ، ولو قيد بحلب أو كتابة شيء معين كل يوم وإن علم قدرته عليه كما اقتضاه إطلاقهم ، ولا يأتي هنا بحث السبكي الآتي في الجمع في الإجارة بين العمل والزمان ، ولو تعذر الفسخ في محل ثبوته لنحو حدوث عيب عنده فله الأرش بتفصيله الآتي ، ولو مات المبيع قبل اختياره صدق المشتري بيمينه في فقد الشرط ; لأن الأصل عدمه كما أفتى به القفال ، بخلاف ما لو ادعى عيبا قديما ; لأن الأصل السلامة ، ولا ينافي ما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى في أنهما لو اختلفا في كون الحيوان حاملا صدق البائع بيمينه ; لأن الأصل عدم تسلط المشتري عليه بالرد بدليل ما سيأتي في دعوى المشتري قدم العيب مع احتمال ذلك ; لأن ما مر في موت الرقيق قبل اختباره وما هنا في شيء يمكن الوقوف عليه من أهل الخبرة ودعوى أن ذكر الموت تصوير ممنوعة على أن الكتابة أمر مشاهد لا يخفى ولا كذلك الحمل فلا قياس ، وسيعلم مما يأتي أنه يتيقن وجود الحمل عنده بانفصاله لدون ستة أشهر منه مطلقا أو لدون أربع سنين منه بشرط أن لا توطأ وطئا يمكن أن يكون منه ، ويأتي في الوصية أنه يرجع في حمل البهيمة لأهل الخبرة فيكون هنا كذلك فيما يظهر ، [ ص: 461 ] ويكتفي برجلين أو رجل وامرأتين أو أربع نسوة ( وله الخيار إن أخلف ) الشرط لتضرره بذلك لو لم نخيره ، أما ما لا يقصد كالسرقة فلا خيار بفواته ; لأنه من البائع إعلام بعيبه من المشتري رضا به ، وأما إذا أخلف إلى ما هو أعلى كأن شرط ثيوبتها فخرجت بكرا فلا خيار أصلا ولا أثر لفوات غرضه لنحو ضعف آلته إذ العبرة في الأعلى وضده بالعرف لا يغيره ومن ثم قالوا لو شرط كونه خصيا فبان فحلا تخير ; لأنه يدخل على الحرم ومرادهم الممسوح الذي يباح له النظر إليهن فاندفع تنظير البدر بن شهبة فيه ( وفي قول يبطل العقد في الدابة ) إذا شرط فيها ما ذكر ; لأنه مجهول ويرد بأنهم أعطوه حكم المعلوم على أنه تابع ، إذ القصد الوصف بذلك لا إدخاله في العقد ; لأنه داخل فيه عند الإطلاق .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وإن شرط ) الأولى أو ( قوله : ككون العبد كاتبا ) .

                                                                                                                            [ فائدة ] لو شرط كون المبيع عالما هل يكفي ما ينطلق عليه الاسم أم يشترط كونه عالما عرفا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لانتفاء صدق العالم على من اشتغل بالعلم ولم يحصل منه قدرا يسمى به عالما عرفا وهل يشترط تعيين ما ينطلق عليه اسم العالم فإذا تعددت العلوم التي يشتغلون بها أم لا ؟ فيه نظر أيضا ، والظاهر الثاني ، ويكتفى بما ينطلق عليه في عرف أهل بلده أنه عالم . وبقي ما لو شرط كونه قارئا وينبغي أن يكتفى فيه بالقراءة العرفية بأن يكون يحسن الكتابة والقراءة ولو في المصحف ما لم يشرط حفظه عن ظهر قلب ( قوله : أي ذات لبن ) كأنه أشار به إلى أنه لو شرط كثرة لبنها لم يصح ا هـ سم على حج . أقول : قد يقال بصحة الشرط ويحمل على الكثرة عرفا كما لو شرط كونه كاتبا كتابة حسنة فيصح ويحمل على الحسن العرفي ، بل قد يشمله قول الشارح الآتي إلا إن شرط الحسن إلخ ، قال حج في شرح الإرشاد : لو شرط كونه كاتبا فهل يجب كون تلك الكتابة عربية أو غيرها أو لا ؟ وعلى الثاني فهل يحمل على الكتابة العربية أو يكتفى بكونه يحسن الكتابة بأي قلم كان ؟ أو يحمل ذلك على المتعارف الآتي في محل العقد ؟ للنظر فيه مجال ، ولا يبعد الاكتفاء بالإطلاق ويكون يحسن الكتابة بأي قلم كان ما لم تكن الأغراض في محل العقد مختلفة لاختلاف الأقلام فيجب التعيين ( قوله : ما ينطلق عليه الاسم ) وقضيته أنه لو شرط كونها ذات لبن وتبين أنها كذلك لكن ما تحلبه قليل جدا بالنسبة لأمثالها من جنسها اكتفي بذلك ، وقد يتوقف فيه بأن مثل هذا يعد عيبا ، وقد يشمله قول حج في شرح العباب لكن لا بد من وجود قدر منه : أي اللبن يقصد بالشرط عرفا فيما يظهر ( قوله : بين العمل والزمان ) أي من أنه لو قطع بإمكان فعله عادة صح وإن كان المعتمد ثم خلافه ( قوله : عنده ) أي المشتري ( قوله : قبل اختباره ) أي ولا طريق إلى إمكان معرفته بعده ( قوله صدق المشتري بيمينه ) أي في غير الحمل لما يأتي ( قوله : مطلقا ) أي توطأ أو لا ( قوله : لأهل الخبرة ) أي فلو فقدوا فينبغي تصديق المشتري [ ص: 461 ] لما علل به قبل من أن الأصل عدم وجود الوصف في المبيع ، وينبغي أن المراد بفقدهم فقدهم في محل العقد فلا يكلف السفر لهم لو وجدوا في غيره ، وينبغي أن مثل محل العقد ما دون مسافة العدوى ; لأن من بها بمنزلة الحاضر بدليل وجوب حضوره إذا استعدى عليه منه ( قوله : أو أربع نسوة ) هذا ظاهر في حمل الأمة ، أما البهيمة فقد يقال لا يثبت حملها بالنساء الخلص ; لأنه مما تطلع عليه الرجال غالبا .

                                                                                                                            [ فائدة ] قال حج : فرع : اختلف جمع متأخرون فيمن اشترى حبا للبذر بشرط أنه ينبت ، والذي يتجه فيه أنه إن شهد قبل بذره بعدم إنباته خبيران تخير في رده ، ولا نظر لإمكان علم عدم إنباته ببذر قليل منه لا يمكن العلم بدونه ، وليس كما لو اشترى بطيخا فغرز إبرة في واحدة منها فوجدها معيبة يرد الجميع ; لأنه ثم لم يتلف من عين المبيع شيء ، وكذا لو حلف المشتري أنه لا ينبت لما تقرر أنه يصدق بيمينه في فقد الشرط ، فإن انتفى ذلك كله بأن بذره كله فلم ينبت شيئا مع صلاحية الأرض وتعذر إخراجه منها أو صار غير متقوم أو حدث به عيب فله الأرش ، وهو ما بين قيمته حبا نابتا وحبا غير نابت ، كما لو اشترى بقرة بشرط أنها لبون فماتت في يده ولم يعلم أنها لبون وحلف على أنها غير لبون له الأرش والمبيع تلف من ضمان المشتري ، وأما إطلاق بعضهم أنه إذا لم ينبت يلزم البائع جميع ما خسره المشتري عليه كأجرة الباذر ونحو الحراثة وبعضهم أجرة الباذر فقط فبعيد جدا ، والوجه بل الصواب أنه لا يلزمه شيء من ذلك ، وليس مجرد شرط الإنبات تغريرا موجبا لذلك كما يعلم مما يأتي في باب خيار النكاح ، ثم رأيت شيخنا أفتى في بيع بذر على أنه بذر قثاء فزرعه المشتري فأورق ولم يثمر بأنه لا يتخير وإن أورق غير ورق القثاء فله الأرش ، وقوله لا يمكن العلم بدونه : أي فلو بذر قليلا منه ليختبره فلم ينبت امتنع عليه الرد قهرا .

                                                                                                                            ( قوله : وله الخيار ) قال حج فورا ا هـ قال سم عليه : لو شرط كونها حاملا فتبين أنها كانت عند العقد غير حامل لكن حملت قبل القبض فهل يسقط الخيار كما لو در اللبن على الحد الذي أشعرت به التصرية بجامع حصول المقصود ؟ فيه نظر ، ولا يبعد السقوط ا هـ . وقد يقال : بل الأقرب عدم سقوط الخيار ; لأن تأخير الحمل قد ينقص الرغبة في الحامل بتأخير الوضع فيفوت غرض المشتري ، ولا كذلك المصراة فإنه حيث در اللبن على الوجه الذي أشعرت به التصرية حصل به غرض المشتري ، وقياس ما في المصراة أن العبد لو تعلم الكتابة بعد العقد الصحة للعلة المذكورة ، وقوله لكن حملت قبل القبض مفهومه الضرر قبل القبض ، وقد يتوقف فيه ويقال الأقرب التسوية بين ما قبل القبض وما بعده ، فإما أن يقال بالسقوط فبهما أو بعدمه فيهما ( قوله : إن أخلف الشرط ) ومنه ما لو شرط كون العبد نصرانيا فتبين إسلامه فله الخيار ( قوله : ; لأنه ) أي الخصي .




                                                                                                                            الخدمات العلمية