الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والنجش بأن يزيد في الثمن ) لسلعة معرضة للبيع ( لا لرغبة ) [ ص: 470 ] في شرائها ( بل ليخدع غيره ) مثال لا قيد ; لأنه لو زاد لنفع البائع ولم يقصد خديعة غيره كان الحكم كذلك ، ولا فرق بين بلوغ السلعة قيمتها أو لا وكونها ليتيم أو غيره فيما يظهر خلافا لما في الكفاية في الشق الأول وإن ارتضاه الشارح لما في ذلك من المشتري إيذاء ولعموم النهي ، والمعتمد اختصاص الإثم بالعالم بالحرمة في هذا كبقية المناهي سواء أكان ذلك بعموم أو خصوص وقد قال الشافعي رضي الله عنه في اختلاف الحديث : من نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالما بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي نسخة للروض لم يشرح عليها شارحه : والتحريم في جميع المناهي شرطه العلم حتى النجش ، ويعلم مما قررناه أنه لا أثر للجهل في حق من هو بين أظهر المسلمين بخصوص تحريم النجش ونحوه ، وقد أشار السبكي إلى أن من لم يعلم الحرمة لا إثم عليه عند الله ، وأما بالنسبة للحكم الظاهر للقضاة ، فما اشتهر تحريمه لا يحتاج إلى اعتراف متعاطيه بالعلم ، بخلاف الخفي ، وظاهره أنه لا إثم عليه عند الله تعالى وإن قصر في التعلم ، والظاهر أنه غير مراد ، ومدح السلعة ليرغب فيها بالكذب كالنجش ، قاله السبكي ( والأصح أنه لا خيار ) للمشتري لتفريطه بعدم مراجعة أهل الخبرة وتأمله .

                                                                                                                            والثاني له الخيار للتدليس كالتصيرة ، ومحل الخلاف عند مواطأة البائع للناجش وإلا فلا خيار جزما ويجري الوجهان فيما لو قال البائع : أعطيت في هذه السلعة كذا فبان خلافه وكذا لو أخبره بأن هذا عقيق أو فيروزج بمواطأة فاشتراه فبان خلافه ويفارق التصرية بأنها تغرير [ ص: 471 ] في ذات المبيع وهذا خارج عنه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : والنجش ) فعله نجش كنصر مختار ، وفي شرح مسلم للنووي : وأما النجش فبنون مفتوحة ثم جيم ساكنة ثم شين معجمة ، وأصل النجش الاستثارة ، ومنه نجشت الصيد أنجشه بضم الجيم إذا [ ص: 470 ] استثرته . سمي الناجش في البيع ناجشا ; لأنه يثير الرغبة فيها : أي السلعة ويرفع الثمن . قال ابن قتيبة : وأصل النجش الختل وهو الخداع ، ومنه قيل للصائد ناجش ; لأنه يختل الصيد ويحتال له ، وكل من استثار شيئا فهو ناجش ، وقال الهروي : قال أبو بكر : النجش أصله الإطراء والمدح ، وعلى هذا معنى الحديث { لا يمدح أحدكم السلعة ويزيد في ثمنها بلا رغبة } ، والصحيح الأول ( قوله : والنجش ) فعله نجش كضرب ( قوله : سواء أكان ذلك بعموم ) أي كالإيذاء أم خصوص كالنهي المتعلق به عينا ( قوله : في اختلاف الحديث ) اسم كتاب ( قوله : ويعلم مما قررناه ) أي في قوله سواء أكان ذلك بعموم أم خصوص ( قوله : حتى النجش إلخ ) بالرفع : أي حكمه كذلك ، ويجوز جره عطفا على جميع .

                                                                                                                            ( قوله : أنه لا أثر ) أي في دفع الإثم ( قوله والظاهر أنه غير مراد ) أي بل متى قصر في التعلم حرم ، وقد يقال إنما يحرم التقصير في عدم التعلم دون تعاطي العقد الفاسد ونحوه حيث لم يعلم حرمته ، إلا أن مقتضى ما قدمه في أول الباب من حرمة تعاطي العقد الفاسد من الجاهل المقصر خلافه ( قوله : ليرغب فيها بالكذب ) قضيته أنه لو كان صادقا في الوصف لم يكن مثله ، وهو ظاهر ; لأن المدح بمجرده لا يحمل المالك على الامتناع من البيع بما دفع فيها أولا ، بخلاف الزيادة ; لأن المالك إذا علم بها يمتنع في العادة من البيع بما دفع له أولا ( قوله : فيما لو قال البائع أعطيت ) ومثله الإخبار بما اشترى به كاذبا حيث لم يبع مرابحة . أما إذا باعه مرابحة وثبت كذبه فإنه يثبت للمشتري الخيار ( قوله : فبان خلافه ) وصورة المسألة أن يقول بعتك هذا مقتصرا عليه ، أما لو قال بعتك هذا العقيق أو الفيروزج فبان خلافه لم يصح العقد ; لأنه حيث سمى جنسا فبان خلافه فسد ، بخلاف ما لو سمى نوعا وتبين من غيره فإن البيع صحيح ويثبت الخيار . وعبارة سم على حج قبيل الفصل اعتراضا على حج في قوله لو اشترى بذر قثاء فأورق غيره من أنه يلزمه أرش النقص نصها : قضيته صحة البيع ، وفيه نظر ; لأنه لو باع ثوبا على أنه قطن [ ص: 471 ] فبان كتانا بطل البيع كما صرح به الشيخ أبو حامد وجزم به العباب وغيره لاختلاف الجنس ، وقياس ذلك البطلان فيما نحن فيه ; لأنه إذا أورق غير ورق القثاء فقد بان غير قثاء فقد بان غير جنس المبيع .

                                                                                                                            وسئل شيخنا الرملي عما لو بيع برد على أن حواشيه حرير فبانت غيره هل يبطل البيع كما في مسألة الشيخ أبي حامد ؟ فأجاب بصحة البيع ، وفرق بأن الذي بان هنا من غير الجنس بعض المبيع لا كله كما في مسألة الشيخ أبي حامد ا هـ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 468 - 470 ] قوله : ويعلم مما قررناه ) أي من قوله سواء أكان ذلك بعموم أم خصوص إذ هو تعميم في قوله بالعالم : أي فمن هو بين أظهر المسلمين وإن لم يعلم الحرمة من خصوص كونه نجشا فهو يعلمها من عموم كونه إيذاء [ ص: 471 ] قوله : وهذا خارج عنه ) يعني النجش




                                                                                                                            الخدمات العلمية