الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم شرع في القسم الثالث فقال ( ولو ) ( جمع ) العاقد أو العقد ( في صفقة مختلفي الحكم كإجارة وبيع ) كأجرتك داري شهرا وبعتك ثوبي هذا بدينار ، ووجه اختلافهما [ ص: 484 ] اشتراط التأقيت فيها غالبا وبطلانه به وانفساخها بالتلف بعد القبض دونه ( أو ) إجارة عين ( وسلم ) كأجرتك داري شهرا وبعتك صاع قمح في ذمتي سلما بكذا لاشتراط قبض العوض في المجلس في سائر أنواعه بخلافها ( صحا في الأظهر ) كل منهما بقسطه من المسمى إذا وزع على قيمة المبيع أو المسلم فيه وأجرة الدار كما قال ( ويوزع المسمى على قيمتهما ) وتسمية الأجرة قيمة صحيح إذ هي في الحقيقة قيمة المنفعة .

                                                                                                                            ووجه صحتهما أن كلا يصح منفردا فلم يضر الجمع بينهما ، ولا أثر لما قد يعرض لاختلاف حكمهما باختلاف أسباب الفسخ والانفساخ المحوجين إلى التوزيع المستلزم للجهل عند العقد بما يخص كلا من العوض ; لأنه غير ضار كبيع ثوب وشقص صفقة وإن اختلفا في الشفعة واحتيج للتوزيع المستلزم لما ذكر ، فعلم أنه ليس المراد باختلاف الأحكام هنا مطلق اختلافها ، بل اختلافها فيما يرجع للفسخ والانفساخ مع عدم دخولهما تحت عقد واحد فلا ترد مسألة الشقص المذكورة ; لأنه والثوب دخلا تحت عقد واحد هو البيع ، وما أورد عليه من بيع عبدين بشرط الخيار في أحدهما أكثر من الآخر فإنه من القاعدة مع اتحاد العقد ; ولهذا قال مختلفي الحكم ولم يقل كأصله وغيره عقدين مختلفي الحكم يرد بأن الاختلاف هنا لما وقع في نفس العقد [ ص: 485 ] كأن أفضى إلى جريان الخلاف فيه فألحقناه بالقاعدة ، بخلافه في مسألة الشقص وتملكه بالشفعة بمنزلة عقد آخر يقع بعد فلا يؤثر والتقييد بمختلفي الحكم لبيان محل الخلاف .

                                                                                                                            فلو جمع بين متفقين كشركة وقراض كأن خلط ألفين له بألف لغيره وشاركه على أحدهما وقارضه على الآخر فقبل صح جزما لرجوعهما إلى الإذن في التصرف ، بخلاف ما لو كان أحدهما جائزا كالبيع : أي الذي يشترط قبض العوضين فيه بدلالة ما يأتي والجعالة فلا يصح قطعا لتعذر الجمع بينهما إذ الجمع بين جعالة لا تلزم وبيع في صفقة واحدة غير ممكن لما فيه من تناقض الأحكام ; لأن العوض في الجعالة لا يلزم تسليمه إلا بفراغ العمل ، ومن جهة صرف يجب تسليمه في المجلس ليتوصل إلى قبض ما يخص الصرف منها ، وتنافي اللوازم يقتضي تنافي الملزومات كما علم ، ويقاس بذلك ما إذا جمع بين إجارة ذمة أو سلم وجعالة ، بخلاف الجمع بين البيع والجعالة فإنه لا يشترط القبض في المجلس ، كذا أفاده بعض المتأخرين ، ومقابل الأظهر ببطلان ; لأنه قد يعرض لاختلاف حكمهما باختلاف أسباب الفسخ والانفساخ ما يقتضي فسخ أحدهما فيحتاج إلى التوزيع ، ويلزم الجهل عند العقد بما يخص كلا منهما من العوض وذلك محذور .

                                                                                                                            وأجاب الأول بما مر في قولنا ولا أثر لما قد يعرض إلى آخره ، وشمل كلام المصنف ما لو اشتمل العقد على ما يشترط فيه التقابض وما لا يشترط كصاع بر وثوب بصاع شعير كما في بيع وسلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولو جمع العاقد ) هو الأولى للمغايرة بين المفاعل ومحل الجمع ، بخلاف العقد فإن التقدير عليه ولو جمع عقد في عقد مختلفي إلخ فيتحد الفاعل للجمع ومحله في أن كلا منهما عقد ، ثم رأيت حج [ ص: 484 ] صرح بذلك وأطال فيه فليراجع ( قوله فيها غالبا ) وقد لا يشترط كأن قدرت على المنفعة بمحل العمل ( قوله : وانفساخها ) عطف على اشتراط فهو توجيه ثان للاختلاف ( قوله أو إجارة عين ) لعله إنما قيد بالعين ليتأتى اختلاف الأحكام بينها وبين السلم في وجوب قبض عوضه دونها ، وإلا فقضية ما يأتي أن الحكم كذلك في إجارة الذمة والسلم على أنه لو أطلق فيها لصح ذلك ، وكفى في الفرق أن السلم يعتبر القبض في جميع أنواعه ، بخلاف الإجارة فإن الأجرة يشترط قبضها إذا ورد عقد الإجارة على ما في الذمة بخلاف ما لو ورد على العين ( قوله : بخلافها ) أي الإجارة ( قوله ; لأنه غير ضار ) أي لاغتفارهم له في غير ذلك كمسألة الشقص المذكور ( قوله : فعلم ) أي من قوله ولا أثر لما قد يعرض إلخ ( قوله مع عدم دخولهما ) أي العينين اللذين اختلفت أحكامهما .

                                                                                                                            ( قوله : وما أورد عليه ) أي على قوله ; لأنه والثوب إلخ ( قوله : بشرط الخيار في أحدهما ) أي إذا كان معينا فيصح العقد فيهما قطعا ، لكن عبارة حج : نعم أورد عليه بيع عبدين بشرط الخيار في أحدهما على الإبهام أكثر من الآخر فإنه يبطل فيهما مع أنه من القاعدة [ ص: 485 ] أي التي جرى في صحة البيع فيها القولان مع القطع بالصحة في مسألة العبدين ( قوله : لرجوعهما ) أي العقدين ( قوله قبض العوضين ) بأن كان المعقود عليه ربويا كما ذكره بعد بقوله ومن جهة الصرف ( قوله وتنافي اللوازم ) وهي فيما نحن فيه لزوم قبض العوض في أحدهما وعدم استحقاقه في الآخر ( قوله يقتضي تنافي الملزومات ) أي مع الجواز واللزوم : أي فيحكم ببطلان العقدين لتنافيهما ( قوله : بخلاف الجمع بين البيع إلخ ) أي لما لا يشترط فيه قبض العوضين في المجلس أخذا مما قدمه ، وظاهره ، وإن اشترط قبض أحدهما في المجلس كسلم وجعالة لكنه ليس مرادا لما تقدم في قوله ويقاس بذلك ، والفرق بين بيع ما لا يشترط قبض عوضه في المجلس حيث يصح مع الجعالة وبين ما يشترط فيه القبض حيث قلنا لا يصح مع الجعالة أن الجعالة لا يستحق قبض عوضه في المجلس والربويات يشترط فيها ذلك فكان عدم استحقاق قبض الجعل في الجعالة منافيا لاشتراط قبض الآخر في المجلس فإن بينهما غاية البعد ، بخلاف ما لا يشترط قبض عوضه في المجلس فإنه حيث جاز معه تأخير القبض فيه عن المجلس لم يعد منافيا للجعالة ، هذا وقد استشكل سم على منهج جواز الجمع بين بيع الأعيان والسلم في عقد بما نصه .

                                                                                                                            أقول : انظر هذا أي وهو أن المدار على منافاة الأحكام مع تنافي البيع والسلم باشتراط قبض رأس المال في السلم في المجلس دون البيع وهنا تناف في الأحكام وقد صحا وكذا الإجارة والبيع تأمل ( قوله : كذا أفاده إلخ ) معتمد ( قوله : وشمل كلام المصنف ) [ ص: 486 ] أي في الصحة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 484 ] قوله : اشتراط التأقيت فيها غالبا وبطلانه به ) لا يناسب قوله الآتي فعلم أنه ليس المراد باختلاف الأحكام مطلق اختلافها إلخ ( قوله : ووجه صحتهما أن كلا يصح منفردا فلم يضر الجمع بينهما ) هذا موجود في كل العقود فيقتضي أن كل عقدين كذلك من غير استثناء ( قوله : لاختلاف حكمهما ) تعليل لقوله يعرض ، وما في قوله لما قد يعرض واقع على الفسخ والانفساخ المعلومين من المقام كما سيعلم من عبارته الآتية في تعليل مقابل الأظهر ( قوله : وما أورد عليه ) أي على ما في الضابط من قوله مع عدم دخولهما تحت عقد واحد ( قوله : بشرط الخيار في أحدهما ) أي معينا حتى يكون من القاعدة ويصح البيع فيه على الأظهر ، فهذا غير ما في التحفة من بيع عبدين بشرط الخيار في أحدهما على الإبهام حيث يبطل العقد فيهما لأن ذاك إنما أورد هذا على عبارة المتن فإنه يقتضي الصحة فيه ، ومثل مسألة الشارح ما إذا شرط الخيار في أحد العبدين دون الآخر .

                                                                                                                            وحاصل إيراد الشارح أن المسألة المذكورة أجري فيها الخلاف : أي أجراه القاضي الحسين مع عدم دخولها في الضابط السابق . وحاصل الجواب أنه إنما أجرى الخلاف فيها مع عدم دخولها في الضابط لقربها من القاعدة بوقوع الاختلاف الموجب للفسخ الذي هو شرط الخيار في نفس العقد ( قوله : فإنه من القاعدة ) أي من حيث جريان الخلاف فيه [ ص: 485 ] قوله : لرجوعهما إلى الإذن في التصرف ) هذا تعليل لأصل الصحة كما يعلم من كلام غيره ، والجواب تقدم في قول الشارح والتقييد بمختلفي الحكم لبيان محل الخلاف .

                                                                                                                            وأصل ذلك أن مسألة القراض والشركة المذكورة أوردها بعضهم على عبارة المصنف حيث قيد بمختلفي الحكم فأجاب عنه الشارح بأن التقييد لبيان محل الاختلاف : أي لا للاحتراز وأجاب الأذرعي عنها بأن المراد هنا العقود اللازمة ، قال : وأما الجائزة فبابها واسع ( قوله : بخلاف ما لو كان أحدهما جائزا إلخ ) عبارة شرح الروض : ويستثنى من ذلك ما لو كان أحد العقدين جائزا إلخ ( قوله كصاع بر وثوب بصاع شعير ) في شمول المتن لهذه مع ما مر من اعتبار عدم الدخول تحت عقد واحد نظر ظاهر ، ثم إنه يعكر [ ص: 486 ] على ما قدمه قريبا في تعليل الجمع بين الجعالة والصرف فتأمل




                                                                                                                            الخدمات العلمية