الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وقيء ) اتفاقا وهو الراجع بعد الوصول إلى المعدة ولو ماء وإن لم يتغير كما قالاه ، والمراد بذلك وصوله لما جاوز مخرج الحرف الباطن من ذلك لأنه باطن فيما يظهر .

                                                                                                                            نعم لو رجع منه حب صحيح صلابته باقية بحيث لو زرع نبت كان متنجسا لا نجسا ، ويحمل كلام من أطلق نجاسته على ما إذا لم يبق فيه تلك القوة .

                                                                                                                            ومن أطلق كونه متنجسا على بقائها فيه كما في نظيره من الروث ، وقياسه في البيض لو خرج منه صحيحا بعد ابتلاعه بحيث تكون فيه قوة خروج الفرخ أن يكون متنجسا لا نجسا .

                                                                                                                            ولو ابتلي شخص بالقيء عفي عنه منه في الثوب وغيره كدم البراغيث وإن كثر كما هو ظاهر وجرة ومرة ، ومثلهما سم الحية والعقرب وسائر الهوام فيكون نجسا .

                                                                                                                            قال ابن العماد : وتبطل الصلاة بلسعة الحية لأن سمها يظهر على محل اللسعة ، لا العقرب لأن إبرتها تغوص في باطن اللحم وتمج السم في باطنه وهو لا يجب غسله ، وما تقرر من بطلانها بالحية دون العقرب هو الأوجه ، إلا إن علم ملاقاة السم للظاهر أو لما لاقى سمها ، ومحل ما تقدم في المرارة بالنسبة لما فيها .

                                                                                                                            أما هي فمتنجسة كالكرش فتطهر بغسلها ، وأما الخرزة التي توجد في المرارة وتستعمل في الأدوية فينبغي كما قاله في الخادم نجاستها لأنها تجسدت من النجاسة فأشبهت الماء النجس إذا انعقد ملحا ، والبلغم الصاعد من المعدة نجس ، بخلاف النازل من الرأس أو من أقصى الحلق أو الصدر فإنه طاهر ، والماء السائل من فم النائم نجس إن كان من المعدة كأن خرج منتنا بصفرة لا إن كان من غيرها [ ص: 241 ]

                                                                                                                            أو شك في أنه منها أو لا فإنه طاهر ، نعم لو ابتلي به شخص فالظاهر كما في الروضة العفو .

                                                                                                                            والزباد طاهر .

                                                                                                                            وهو لبن سنور بحري أو عرق سنور بري ، ويتجه العفو عن يسير شعره عرفا ولم يبينوا أن المراد القليل في المأخوذ للاستعمال أو في الإناء المأخوذ منه ، والأوجه الأول إن كان جامدا لأن العبرة فيه بمحل النجاسة فقط ، فإن كثرت في محل واحد لم يعف عنه وإلا عفي ، بخلاف المائع فإن جميعه كالشيء الواحد ، فإن قل الشعر فيه عفي عنه وإلا فلا ، ولا نظر للمأخوذ .

                                                                                                                            والعنبر طاهر وهو نبت يلفظه البحر ، والمسك طاهر لخبر مسلم { المسك أطيب الطيب } وكذا فأرته بشعرها إن انفصلت في حال حياة الظبية ولو احتمالا فيما يظهر أو بعد ذكاتها وإلا فنجسان كما أفاده الشيخ في المسك قياسا على الإنفحة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : الحرف الباطن ) أي وهو الحاء المهملة ( قوله : بالقيء عفي عنه ) ومثله بالأولى لو ابتلي بدم اللثة ، والمراد بالابتلاء به أن يكثر وجوده بحيث يقل خلوه منه ( قوله : وجرة ) هي ما يخرجه البعير مثلا عند الاجترار ( قوله : بلسعة الحية ) ومثلها الثعبان ( قوله : في المرارة ) لم يعبر فيما مر بالمرار .

                                                                                                                            بل بالمرة ، وهي اسم للماء الذي في الجلدة ، والجلدة تسمى مرارة .

                                                                                                                            وعليه فلا حاجة للتقييد ، وعبارة المختار : المرارة التي فيها المرة ( قوله : والبلغم الصاعد ) ويعرف كونه منها بما يأتي في الماء السائل من فم النائم ( قوله : كأن خرج منتنا ) قضية عبارته أنه مع النتن والصفرة يقطع بأنه من المعدة ولا يكون من محل الشك [ ص: 241 ] قوله : أو شك في أنه منها ) من ذلك ما لو أكل شيئا نجسا أو متنجسا وغسل ما يظهر من الفم ثم خرج منه بلغم من الصدر فإنه طاهر ، لأن ما في الباطن لا يحكم عليه بالنجاسة فلا ينجس ما مر عليه ، ولأنا لم نتحقق مروره على محل نجس ( قوله : فالظاهر كما في الروضة العفو ) أي وإن كثر ، ولا فرق فيه بين أن يسيل على ملبوسه أو غيره لمشقة الاحتراز عنه .

                                                                                                                            وينبغي أن لا يعفى عنه بالنسبة لغير من ابتلي به إذا مسه بلا حاجة أخذا من قول سم على حج : إنه لو مس نجاسة معفوا عنها على غيره ، فالظاهر أنه لا يعفى عنها في حقه حيث كان مسه بلا حاجة ا هـ بالمعنى .

                                                                                                                            وليس من ذلك ما لو شرب من إناء فيه ماء قليل أو أكل من طعام ومس الملعقة مثلا بفمه ووضعها في الطعام ، فإن الظاهر أنه لا ينجس ما في الإناء من الماء ولا من الطعام لمشقة الاحتراز عنه ، ولا يلزم من النجاسة التنجيس ولو انصب من ذلك الطعام على غيره شيء لا ينجسه لأنا لم نحكم بنجاسة الطعام بل هو باق على طهارته ( قوله : وهو لبن سنور بحري ) عبارة حج : وهو لبن مأكول بحري كما في الحاوي ريحه كالمسك وبياضه بياض اللبن فهو طاهر ( قوله : نبت ) يؤيده ما نقله القسطلاني في شرح الصحيح .

                                                                                                                            قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه : كالرافعي بعضهم أنه ركب البحر فوقع إلى جزيرة ، فنظر إلى شجرة مثل عنق الشاة وإذا ثمرها عنبر ، قال : فتركناه حتى يكبر ثم نأخذ فهبت ريح فألقته في البحر .

                                                                                                                            قال الشافعي : والسمك ودواب البحر تبتلعه أول ما يقع لأنه لين ، فإذا ابتلعته قلما تسلم إلا قتلتها لفرط الحرارة التي فيه فإذا أخذ الصياد السمكة وجده في بطنها فيقدر أي يظن أنه منها وإنما هو ثمر نبت ( قوله : يلفظه البحر ) وعبارة حج : وليس العنبر روثا خلافا لمن زعمه بل هو نبات في البحر ، فما تحقق منه أنه مبلوع متنجس لأنه متجسد غليظ لا يستحيل ( قوله : فأرته ) بالهمز وتركه ، بخلاف الحيوان المعروف فإنه بالهمز فقط كما في القاموس ( قوله : ولو احتمالا ) يؤخذ منه أنه لو رأى ظبية ميتة وفأرة منفصلة عندها واحتمل أن انفصالها قبل موتها حكم بطهارتها وهو متجه لأنها كانت طاهرة قبل الموت فتستصحب طهارتها ولم يعلم ما يزيل الطهارة سم على حج .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ملاقاة السم للظاهر ) لعل صواب العبارة ملاقاة الظاهر للسم حتى ينسجم معه ما بعده .




                                                                                                                            الخدمات العلمية