الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            أما لو باع نيابة عن غيره كوكيل وولي وناظر ، وقف وعامل قراض .

                                                                                                                            لم يجبر على التسليم ، بل لا يجوز له حتى يقبض الثمن كما يعلم من كلامه في الوكالة ولا يتأتى هنا إلا إجبارهما أو إجبار المشتري ، ولو تبايع نائبان عن الغير لم يتأت إلا إجبارهما ( وإذا سلم البائع أجبر المشتري ) على التسليم في الحال ( إن حضر الثمن ) أي عينه إن تعين وإلا فنوعه مجلس العقد للزوم التسليم عليه بلا مانع ولإجباره عليه لم يتخير البائع وإن أصر على عدم التسليم إليه ، وفي الثانية بالإجبار عليه يصير [ ص: 104 ] عليه فيه فلا يصح تصرفه فيه بما يفوت حق البائع كما يؤخذ مما مر وإلا لم يكن للإجبار فائدة ، وظاهر كلام المصنف أنه يجبر على التسليم عن عين ما حضر ولا يمهل لإحضار ثمن فورا ودفعه منه ، وهو واضح إن ظهر للحاكم منه عناد أو تسويف وإلا ففيه نظر .

                                                                                                                            ووجه إطلاقهم أنه حيث حضر النوع فطلب تأخير ما عينه كأن فيه نوع عناد وتسويف ، وإنما اعتبر مجلس العقد دون مجلس الخصومة لأنه الأصل فلا نظر لغيره لأنه قد لا يقع له خصومة ( وإلا ) أي وإن لم يحضر الثمن مجلس العقد ( فإن كان معسرا ) بأن لم يكن له مال يمكنه الوفاء منه غير المبيع ( فللبائع الفسخ بالفلس ) وأخذ المبيع لما سيأتي في بابه ، وحينئذ فيشترط فيه حجر الحاكم ولا يفتقر الرجوع بعد الحجر إلى إذن الحاكم كما قاله الرافعي ، هذا إن سلم بإخبار الحاكم ، وإلا امتنع عليه الاسترداد والفسخ إن كانت السلعة وافية بالثمن لأنه سلطه على المبيع باختياره ورضي بذمته كما نقل ذلك السبكي عن القاضي أبي الطيب وغيره ، وإن اقتضى كلام الرافعي الإطلاق وتبعه عليه الشيخ في شرح المنهج ، ولا ينافيه قول الشارح بإجبار أو دونه لأنه بالنسبة لما إذا حضر الثمن لا بالنسبة لما بعد إلا ( أو ) كان ( موسرا وماله بالبلد ) التي وقع العقد بها ( أو بمسافة قريبة ) منها وهي دون مسافة القصر ( حجر عليه ) الحاكم حيث لم يكن محجورا عليه بالفلس وإلا فلا فائدة له إذ حجر الفلس يتمكن فيه من الرجوع في عين ماله كما سيأتي في بابه ( في أمواله ) كلها ( حتى يسلم ) الثمن لئلا يتصرف فيها بما يفوت حق البائع ، وهذا يخالف حجر الفلس في أنه لا يعتبر فيه ضيق ماله ولا يتسلط البائع به على الرجوع [ ص: 105 ] لعين ماله ولا يفتقر لسؤال الغريم ولا يتوقف على فك الحاكم بل ينفك بمجرد التسليم كما جزم به الإمام وتبعه البلقيني خلافا للإسنوي ، وينفق على ممونه نفقة الموسرين ولا يتعدى للحادث ولا يباع فيه مسكن وخادم ولا يحل به دين مؤجل جزما وإن قيل بحلوله به ثم ولهذا سمى هنا بالغريب ( فإن كان ) ماله ( بمسافة القصر ) فأكثر من بلد البيع فيما يظهر ، فلو انتقل للبائع منها إلى بلد آخر فالأوجه كما يقتضيه ظاهر تعليلهم بالتضرر بالتأخير اعتبار بلد البائع لا بلد البيع ، لا يقال : التسليم إنما يلزم محل العقد دون غيره فليعتبر بلد العقد مطلقا .

                                                                                                                            لأنا نقول : ممنوع لما سيعلم في القرض أن له المطالبة بغير محل التسليم إن لم يكن له مؤنة أو تحملها ، فإن كان لنقله مؤنة ولم يتحملها طالبه بقيمته في بلد العقد وقت الطلب ، فإذا أخذها فهي الفيصولة لجواز الاستبدال عنه بخلاف السلم ( لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره ) لتضرره بتأخير حقه ( والأصح أن له الفسخ ) ولا يحتاج هنا للحجر خلافا لبعض المتأخرين لتعذر تحصيل الثمن كالإفلاس به ، والثاني ليس له الفسخ بل يباع المبيع ويؤدى حقه من الثمن كسائر الديون ( فإن صبر ) البائع إلى إحضار المال ( فالحجر ) يضرب على المشتري ( كما ذكرناه ) قريبا لئلا يفوت المال

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أما لو باع ) محترز قوله عن نفسه ( قوله : أو إجبار المشتري ) هو ضعيف أي أو محمول على ما إذا باع بثمن معين ليس في الذمة ( قوله : لم يتأت إلا إجبارهم ) معتمد والإشارة راجعة للوكيل والولي ( قوله : لم يتأت إلا إجبارهما ) قال في العباب مطلقا ا هـ سم على حج ( قوله : إن تعين ) [ ص: 104 ] كأن عين في العقد ( قوله : كما يؤخذ مما مر ) انظر في أي محل مر ، ولعل مراده به قوله لم يتخير ، وعبارة حج : ويؤخذ منه : أي عدم التخيير أنه في الثانية إلخ ( قوله : فورا ) معمول لإحضار ( قوله : فطلب ) أي المشتري ( قوله : كان فيه ) أي طلب التأخير ( قوله نوع عناد ) قد يمنع لجواز أن يكون له في التأخير غرض كتسليم ما لا شبهة فيه أو إبقائه ( قوله لأنه الأصل ) وعلم مما تقرر أنه لا يطلق القول باعتبار بلد المخاصمة ولا بلد العقد ولا العاقد ولو انتقل إلى بلدة أخرى ، وكتب أيضا قوله لأنه الأصل : أي وإلا فلو وقعت الخصومة في غير محل العقد كان العبرة بمحل الخصومة ( قوله : لأنه قد لا يقع له خصومة ) أي يكون حضور الثمن في مجلسها غير مجلس العقد ، كأن يتوجه أحد الخصمين إلى مجلس الحاكم ويطلب الآخر فيه ، وحيث كان التعبير بمجلس العقد لمجرد كونه الأصل لو حضر في مجلس الخصومة أجبر على تسليمه كما هو واضح ( قوله فيشترط فيه ) أي جواز الفسخ ( قوله : هذا إن سلم إلخ ) معتمد ، والإشارة راجعة إلى قوله فللبائع الفسخ إلخ ( قوله : لم يكن محجورا عليه إلخ ) فيه أمران : الأول أن الحجر بالفلس شرطه زيادة دينه على ماله ، وهذا ينافي اليسار الذي هو فرض مسألتنا فكيف تقيد بعدم الحجر بالفلس المفهم مجامعة الحجر بالفلس ليساره إلا أن يقال المراد اليسار بالثمن وذلك بجامع الحجر بالفلس .

                                                                                                                            والثاني أنه إذا كان محجورا عليه بالفلس ، فالبيع له هو الآتي في باب الفلس في قول المصنف ، والأصح أنه ليس لبائعه أن يفسخ ويتعلق بعين متاعه إن علم الحال وإن جهل فله ذلك ، وأنه إذا لم يمكن التعلق بها : أي بأن علم الحال لا يزاحم الغرماء بالثمن ا هـ . وبينا هناك أن الصحيح في حالة الجهل أنه ليس له مزاحمة الغرماء فلا يتأتى حينئذ قوله هنا حتى يسلم الثمن ، هذا ولك أن تقول ينبغي تخصيص قوله حتى يسلم الثمن بغير ما زاده الشارح بقوله إن [ ص: 105 ] لم يكن محجورا عليه الفلس فيندفع هذا الأمر الثاني ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : ويبقى الأمر الأول .

                                                                                                                            ويجاب عنه بما مر في كلامه .

                                                                                                                            هذا ، وقد يتوقف فيما أجاب به بأن يساره بالثمن إنما يكون بعد وفاء جميع الديون ، إذ بتقدير أن في يده ما يفي بالثمن يتعلق به حق الغرماء فلا يكون موسرا به .

                                                                                                                            ويمكن أن يجاب بأن اليسار إنما ينافي الفلس في الابتداء أما بعده فلا ينافيه لجواز طرو يساره بعد الحجر بموت مورث له أو اكتساب ما يزيد به ماله على دينه فيصدق عليه الآن أنه موسر مع الحجر بالفلس ، لأن الحجر بالفلس لا ينفك إلا بفك قاض ولا يلزم من مجرد يساره بذلك فك القاضي له ( قوله : وإن قيل بحلوله ) مرجوح ( قوله : منها ) أي بلد المبيع ( قوله : اعتبار بلد البائع ) أي الذي انتقل إليها ( قوله : مطلقا ) أي سواء انتقل البائع منه أم لا



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : أي عينه إن تعين ) أي ولو في مجلس العقد إذ المعين في المجلس كالمعين في العقد ، وحينئذ فمعنى حضور نوعه [ ص: 104 ] حضوره في المجلس من غير تعيين أصلا . ( قوله : فلا يصح تصرفه فيه ) أي في شيء منه كما يؤخذ مما سيأتي في شرح قول المصنف أو موسرا وماله بالبلد إلخ . ( قوله : بما يفوت حق البائع ) أي : كالمبيع مثلا . ( قوله : ووجه إطلاقهم أنه حيث حضر النوع إلخ ) هذا التوجيه جري على الغالب من أن الخصام يقع في موضع العقد [ ص: 105 ] قوله : فلو انتقل البائع منها إلى بلد آخر ) أي بينه وبين المال دون مسافة القصر كما هو ظاهر ، وإلا بأن كان أبعد من محل العقد إلى المال ، فظاهر أنه لا أثر له ; إذ الصورة أن المال بمسافة القصر من محل العقد




                                                                                                                            الخدمات العلمية