الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا يدخل ) في مطلق بيع الأرض كما في المحرر وإن قال بحقوقها كما قاله القمولي وغيره بخلاف ما فيها ( ما يؤخذ دفعة ) بضم أوله وفتحه واحدة ( كالحنطة والشعير وسائر الزروع ) كفجل وجزر وقطن خراساني وثوم وبصل إذ لا تراد للدوام ( ويصح بيع الأرض المزروعة ) هذا الزرع الذي لا يدخل كما قاله الشارح دونه بشرط سبق رؤيته لها ولم تمض مدة يغلب فيها تغيرها أو كان هو غير مانع من رؤيتها بأن أمكنت من خلاله كما قاله الأذرعي ( على المذهب ) كما لو باع دارا مشحونة بأمتعة .

                                                                                                                            والطريق الثاني تخريجه على القولين في بيع الدار المستأجرة لغير المكتري أحدهما البطلان ، وفرق الأول بأن يد المستأجر حائلة .

                                                                                                                            أما الزرع الذي يدخل فلا يمنع الصحة جزءا لأنه كله للمشتري فتقييد الشارح لأجل محل الخلاف ولقوله ( وللمشتري الخيار إن جهله ) أي الزرع الذي لا يدخل لتأخر انتفاعه ، ولا ينافي ذلك ما مر من تصويره برؤيتها من خلاله لأنه هنا مصور بما لو جهل كونه باقيا إلى الشراء ، وإلا فكيف يتصور أنه رأى الزرع [ ص: 125 ] وله الخيار نعم لو تركه له البائع ولا يملكه إلا بتمليك أو قال أفرغها منه في زمن لا أجرة له غالبا كيوم أو بعضه سقط خياره كما لو علم ولم يظهر ما يقتضي تأخر الحصاد عن وقته المعتاد كما بحثه ابن الرفعة فإنه لا يخير أيضا ( ولا يمنع الزرع ) المذكور ( دخول الأرض في يد المشتري وضمانه إذا حصلت التخلية في الأصح ) لوجود التسليم في عين المبيع مع عدم تأتي التفريغ حالا وبه فارقت الدار المشحونة بالأمتعة .

                                                                                                                            والثاني يمنع من قبضها كما تمنع الأمتعة المشحونة بها الدار من قبضها ، ورد بما مر ، وما زاده المصنف من ضمانه محتاج إليه إذ لا يلزم ، من دخولها في يده ضمانها فقد تدخل في يده ، ولا يضمن كما لو أودعها البائع إياه أو كانت في يده بنحو إجارة وإن زعم الإسنوي عدم الاحتياج له ( والبذر ) بإعجام الذال ( كالزرع ) فيما ذكر ويأتي فإن كان زرعه مما يدوم كنوى النخل دخل وإلا فلا ، ويأتي هنا ما مر من الخيار وفروعه ومنها قوله ( والأصح أنه لا أجرة للمشتري مدة بقاء الزرع ) الذي جهله وأجاز كما لا أرش له في الإجازة في العيب ا هـ ، قاله الشارح ، ولأنه بالإجازة رضي بتلف المنفعة تلك المدة فأشبه ما لو باع دارا مشحونة بأمتعة فإنه لا أجرة لمدة التفريغ والثاني له الأجرة .

                                                                                                                            قال في البسيط : لأن المنافع متميزة عن المعقود عليه : أي فليست كالعيب ، أما لو كان عالما فلا أجرة له جزما .

                                                                                                                            فتقييد الشارح [ ص: 126 ] لأجل محل الخلاف .

                                                                                                                            وظاهر أن الزرع يبقى إلى أوان الحصاد أو القلع وعند قلعه يلزم البائع تسوية الأرض وقطع ما ضر بها كعروق الذرة .

                                                                                                                            ولا أجرة عليه مدة تفريغ الأرض منه ولو بعد القبض .

                                                                                                                            بخلاف ما سيأتي في الأحجار خلافا لبعض المتأخرين لأنها تابعة لمدة بقائه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 124 ] قوله : وإن قال ) هي غاية ( قوله : بخلاف ما فيها ) قال سم على حج : ظاهره أن المعنى بخلاف ما إذا قال بما فيها وأن صورة المسألة أنه قال : بعتك هذه الأرض بما فيها فيدخل ما يأخذ دفعة واحدة فلينظر ذلك مع قوله الآتي ولو باع أرضا مع بذر أو زرع لا يفرد بالبيع إلخ فإنه صرح فيه ببطلان البيع في الجميع خلاف ما أفاده ما هنا من الصحة فإن المفهوم من الحكم بدخول شيء في البيع صحة البيع وتناوله لذلك الشيء .

                                                                                                                            نعم لا مانع من الصحة والتناول في نحو قصيل لم يسنبل وشعير إلا أنه لما عمم كالمتن أشكل الحال وأما ما قد يقال من الفرق بين أن يقول بما فيها كما هنا وبين أن ينص على ما فيها كأن يقول بعتك هذه الأرض وهذا الزرع الذي فيها ويحمل عليه ما يأتي فمن أبعد البعيد بل الكلام في صحته ا هـ .

                                                                                                                            وقد يقال مراده أنه إذا قال بحقوقها لا يدخل في بيعها ما يؤخذ دفعة ، بخلاف ما إذا قال بما فيها فإن لفظه شامل لما يؤخذ دفعة فيفصل فيه بين كونه كالبر في سنبله فيفسد العقد وكونه كالقصيل فيصح بيعه ويجعل قوله فيما يأتي ولو باع أرضا إلخ دليلا على هذا التفصيل ( قوله : وفتحه ) قضيته أن الضم والفتح بمعنى المرة ، وعبارة المختار : والدفعة بالضم من المطر وغيره مثل الدفقة ، والدفعة بالفتح المرة الواحدة ا هـ وفيه في باب القاف : وجاء القوم دفقة واحدة بضم الدال : أي جاءوا بمرة واحدة ( قوله : كالحنطة والشعير ) ومثل ذلك من الشجر بذره أو نواه ، فإذا طلع نقل إلى مكان آخر ويسمى الشتل فلا يدخل كما اعتمده مر ا هـ سم على منهج ( قوله : وللمشتري الخيار ) أي على الفور ا هـ حج ( قوله : لتأخر انتفاعه ) قال المحلي : فإن كان عالما بالزرع فلا خيار له ا هـ . أقول : ظاهره سواء كان الزرع للمالك أو لغيره ، ويوجه بأنه اشتراها مسلوبة المنفعة ، ولو قيل بأن له الخيار إذا باع الزرع لغير المالك لم يكن [ ص: 125 ] بعيدا لاختلاف الأغراض باختلاف الأشخاص والأحوال ( قوله : نعم لو تركه ) لو لم يكن لفائدته وقع وعظم ضرره لطول مدة تفريغه أو كثرة أجرته فينبغي عدم سقوط الخيار بتركه ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وينبغي أن محل سقوط خياره بتركه ما لم يتضرر المشتري بالزرع بأن كان يفوت عليه منفعة الأرض المرادة من الاستئجار له بأن كان مراده زرع شيء فيها لا يتأتى زرعه حالا مع وجود الزرع الذي بها ( قوله : كما لو علم ولم يظهر إلخ ) أي في أنه إن ظهر ثبت له الخيار ( قوله : وإن زعم الإسنوي ) رد كلام الإسنوي واضح بالنظر لقوله في يد المشتري ، أما مع النظر للسياق من أن المراد تدخل في يده من جهة البيع فالرد غير ظاهر ، لأنها متى دخلت في يده عن جهة البيع دخلت في ضمانه ، ثم رأيت في سم على حج ما يصرح به ( قوله : له ) أي الضمان ( قوله : مدة بقاء الزرع ) نعم ولو شرط عليه القطع فأخر وجبت عليه الأجرة لتركه الوفاء الواجب ا هـ شرح منهج ، والمراد وجوب الأجرة من وقت القبض ( قوله : إلى أوان الحصاد ) لكن لو أراد عند أوانه دياس الحنطة مثلا في مكانها لم يمكن إلا بالرضا ا هـ سم على منهج أقول : فلو أخر بعد أوانه هل تلزمه الأجرة وإن لم يطالب أم لا يلزم إلا بعد الطلب ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأن الظاهر أنه لا يلزم بالقطع بعد دخول أوان الحصاد إلا بعد طلب المشتري ، وفرق بينه وبين ما لو شرط القطع حيث لزمته فيه الأجرة مطلقا بوجود المخالفة للشرط في تلك صريحا ولا كذلك هنا ، ويؤيد هذا الفرق ما قيل فيما لو استأجر مكانا مدة لحفظ متاع وفرغت المدة ولم يطالبه المؤجر بالمفتاح ولا بإخراج الأمتعة من أنه لا تلزم الأجرة لما مضى بعد فراغ المدة ، لكن يخالف هذا ما يأتي للشارح في الفرع الآتي بعد قول المصنف وبشرط الإبقاء من قوله ولو أبقاها مدة مع شرط أحد ذينك : أي القطع أو القلع لم تلزمه الأجرة إلا أن يطالبه البائع بالشروط فامتنع ، ثم رأيت في حج هنا الجواب عن ذلك وعبارته : نعم إن شرط القطع فأخر لزمته الأجرة لتركه الوفاء الواجب عليه .

                                                                                                                            وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين وجوب الأجرة بين أن يطالب بالقطع الواجب وأن لا ، وينافيه ما يأتي في الشجرة [ ص: 126 ] أو الثمرة أو قبل بدو الصلاح المشروط قطعهما أنه لا يجب إلا إن طولب بالمشروط فامتنع ، وقد يفرق بأن المؤخر ثم المبيع وهنا عين أجنبية عنه ، والمبيع يتسامح فيه كثيرا بما لا يتسامح في غيره لمصلحة بقاء العقد بل ولغيرها .

                                                                                                                            ألا ترى أن استعمال البائع له قبل القبض لا أجرة فيه وإن طلب منه قبضه فامتنع تعديا ولا كذلك غيره ، ثم رأيتني أجبت أول الفصل الآتي بما يوافق ذلك ا هـ ( قوله : الحصاد ) بكسر الحاء وفتحها ، وبهما قوي قوله تعالى { يوم حصاده } ( قوله : ما ضر بها ) كان الأولى أن يقول ما ضرها أو ما أضر بها لأن الفعل من هذه المادة إن كان مجردا تعدى بنفسه أو مزيدا فيه الهمزة تعدى بحرف الجر ( قوله : ولا أجرة عليه ) أي البائع ( قوله : منه ) أي الزرع .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ولا ينافي ذلك ما مر من تصويره ) أي صحة البيع ، ولك أن تقول لا حاجة إلى الجواب عن هذا الإشكال ; لأن الصحة ليست منحصرة في هذا التصوير كما مر ، والصحة لا تلازم حالة الجهل ، وحق الإشكال أن يقال : وهل يتأتى الجهل مع تصوير الأذرعي ؟ فحينئذ يجاب عنه بما ذكر [ ص: 125 ]

                                                                                                                            ( قوله : وإن زعم الإسنوي إلخ ) قد يقال هذا الجواب لا يدفع زعم الإسنوي ; لأن الكلام هنا في دخولها في يده عن جهة البيع كما هو صريح قول المصنف إذا حصلت التخلية ، والإسنوي إنما اعترض العبارة ولم يعترض الحكم في حد ذاته ، ثم رأيت الشهاب سم سبق إلى ذلك في حواشي التحفة




                                                                                                                            الخدمات العلمية