الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( يشترط له ) ليصح ( مع شروط البيع ) المتوقف صحته عليها كما قاله الشارح مشيرا به إلى أن الكلام فيما ورد على الذمة لا مطلقا وإلا لاقتضى اشتراط رؤية المسلم فيه والصيغة فلا يرد صحة سلم الأعمى دون شرائه ( أمور ) سبعة أخرى اختص بها [ ص: 184 ] فلذا عقد لها هذا الكتاب ( أحدها ) ( تسليم رأس المال ) وهو الثمن ( في المجلس ) الذي وقع العقد به قبل التفرق منه أو لزومه لما مر من أن لزومه كالتفرق ، إذ لو تأخر لكان في معنى بيع الدين بالدين إن كان رأس المال في الذمة ، ولأن في السلم غررا فلا يضم إليه غرر تأخير رأس المال ، ولا بد من حلول رأس المال كما قاله القاضي أبو الطيب كالصرف ، ولا يغني عنه شرط تسليمه في المجلس ، فلو تفرقا قبل قبض رأس المال أو ألزماه بطل العقد أو قبل تسليم بعضه بطل فيما لم يقبض وفيما يقابله من المسلم فيه وصح في الباقي بقسطه ، قالا كما لو اشترى شيئين فتلف أحدهما قبل القبض فيؤخذ منه ثبوت الخيار ، وبه صرح في الأنوار وإن جزم السبكي بخلافه ، ولو اختلفا فقال المسلم أقبضتك بعد التفرق وقال المسلم إليه قبله ولا بينة صدق مدعي الصحة كما علم مما مر ، فإن أقاما بينتين قدمت بينة المسلم إليه لأنها مع موافقتها للظاهر ناقلة والأخرى مستصحبة ، ولا يكفي قبض المسلم فيه الحال في المجلس عن قبض رأس المال لأن تسليمه فيه تبرع وأحكام البيع لا تبنى على التبرعات ، وأفهم كلامه أنه لو قال أسلمت إليك المائة التي في ذمتك مثلا في كذا أنه لا يصح السلم وهو كذلك ( فلو ) ( أطلق ) رأس المال [ ص: 185 ] عن تعيينه في العقد كأسلمت إليك دينارا في ذمتي في كذا ( ثم عين وسلم في المجلس ) قبل التخاير ( جاز ) أي حل العقد وصح لأن المجلس حريم العقد فله حكمه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لا مطلقا ) يؤخذ مما نقله الشيخ عميرة عن السبكي حيث قال : وينبغي أن يحذف كون المسلم فيه دينا لأنه ركن مذكور في [ ص: 184 ] الحد ا هـ أنه دفع بذلك ما يقال هذه الأمور المعتبرة بعضها ركن وبعضها شرط ، ووجه الدفع أنه أشار إلى أن المراد بالشروط ما تتوقف عليه الصحة ركنا كان أو غيره ، ويصرح به قول الشارح الآتي في الشرط الثاني فمراده بالشرط ما لا بد منه فيشمل الركن كما هنا ( قوله : أحدها تسليم رأس المال ) المعتمد جواز الاستبداد بقبض رأس المال لأن باب الربا أضيق من هذا الباب .

                                                                                                                            وصرحوا فيه بجواز الاستبداد بالقبض فهذا من باب أولى ، ويحمل ما هنا على ما إذ غلب على ظنه عدم الرضا بالقبض سواء كان السلم حالا أو مؤجلا رملي ا هـ شيخنا زيادي .

                                                                                                                            وقوله بقبض رأس المال : أي إذا كان معينا ، أما إذا كان في الذمة فلا ما لم يعين في المجلس ، فإن عين فيه جاز الاستبداد بقبضه لكن ينافيه قول المصنف بعد فلو أطلق ثم عين وسلم في المجلس جاز فإن مفهومه أنه لو لم يسلم ولكن استقل المسلم إليه بقبضه لم يجز ، ويؤيد الأول قاعدة أن الواقع في مجلس العقد كالواقع في نفسه ( قوله : قبل التفرق ) بيان للمراد من المجلس حتى لو قاما وتماشيا منازل حتى حصل القبض قبل التفرق لم يضر ( قوله : أو ألزماه ) أي أو أحدهما ( قوله : بطل العقد ) أي سواء حصل القبض بعد ذلك في المجلس أم لا ( قوله : فيؤخذ منه ثبوت الخيار ) ظاهره أنه لكل من المسلم والمسلم إليه وهو خيار عيب فيكون فوريا ، لكن في سم على حج ما نصه : أي للمسلم إليه بخلاف المسلم لتقصيره بعدم إقباض الجميع ا هـ فليحرر وليراجع .

                                                                                                                            أقول : قول سم قريب ، وعليه فلو فسخ المسلم إليه ثم تنازعا في قدر ما قبضه صدق لأنه الغارم ، وإن أجاز وتنازعا في قدر ما قبضه فينبغي تصديق المسلم إليه ; لأن الأصل عدم قبضه لما يدعيه المسلم ، وليس هذا اختلافا في قدر رأس المال أو المسلم فيه لاتفاقهما على أن رأس المال كذا وإنما الخلاف فيما قبضه منه ( قوله : فإن أقاما بينتين ) أي على ما قالاه ( قوله : وأفهم كلامه إلخ ) لعل وجهه أن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح ولا يتأتى ذلك فيه ما دام في الذمة ( قوله : التي في ذمتك مثلا ) وخرج به ما لو كان له تحت يده وديعة فأسلمه إياها فإنه يصح ويحصل قبضها بمضي زمن يمكن فيه الوصول إليها إن كانت [ ص: 185 ] غائبة كما يأتي في كلامه ( قوله : كأسلمت إليك دينارا في ذمتي ) ليس بقيد بل يكفي أسلمت إليك دينارا ويحمل على ما في الذمة ( قوله : أي حل العقد وصح ) غرضه به تبعا للمحلي التورك على المصنف في تعبيره بالجواز لأن الكلام في الصحة وعدمها لا في الجواز وعدمه ( قوله : فله حكمه ) ويشترط في رأس المال الذي في الذمة بيان وصفه وعدده ما لم يكن من نقد البلد الذي مر في البيع تنزيله عليه فلا يحتاج لبيان نحو عدده إلخ ا هـ حج : وكتب عليه سم قوله : وعدده يتأمل ما المراد بهذا الكلام فإن ظاهره في غاية الإشكال ا هـ .

                                                                                                                            أقول : ووجهه أن النقود إنما يتميز بعضها عن بعض بالجنس أو النوع أو الصفة ، والعدد لا دخل له في تميز بعض النقود عن بعض اللهم إلا أن يقال : يجوز أن يقع الاصطلاح عند قوم على الاسم الفلاني كناية عن عدد مخصوص كاستعمال الدراهم في عشرة مثلا فيكفي ذكرها مطلقة عن بيان العدد وفيه ما فيه ، ثم رأيت كلام الشارح الآتي : ولو أسلم دراهم أو دنانير في الذمة حمل على غالب نقد البلد إلخ ، وهو صريح في أنه لا بد من ذكر العدد وإن كان نقد البلد بصفة معلومة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : مشيرا به إلى أن الكلام فيما ورد على الذمة إلخ ) أقول في كون الشارح الجلال أشار إلى هذا نظر ظاهر ، إذ لا يفهم مما قاله هذا بوجه ، والظاهر أنه إنما أشار به إلى أن المصنف أراد بالشرط ما يشمل الركن ، فيفيد أن أركانه أركان البيع كما أن شروطه شروط البيع ، وأما اشتراط الرؤية فليس في كل بيع كما لا يخفى بل الشرط العلم بالمبيع ، ثم إن كان معينا فعلمه بالرؤية ، وإن كان في الذمة فعلمه بالمقدار والوصف ، وهذا هو المراد هنا ; لأنه في الذمة فلا استثناء ، وإن ذهب إليه الشهاب حج فقد أشار إلى رده الشهاب سم ، ثم رأيت الشيخ عميرة صرح بأن مراد الشارح الجلال ما ذكرته . ( قوله : والصيغة ) لا يناسب ما قدمه ; لأن الصيغة ركن لا شرط ، ومراده أن الصيغة وإن توقفت عليها الصحة هنا وهناك إلا أنها هنا غيرها هناك ( قوله : فلا يرد صحة سلم الأعمى ) انظر ما موقع هذه العبارة وعبارة التحفة عقب قول المصنف يشترط له مع شروط البيع نصها ما عدا الرؤية ، وقيل المراد شروط البيع في الذمة فلا يحتاج لاستثناء الرؤية ، ويؤيده ما قدمه من صحة سلم الأعمى انتهت . ( قوله : سبعة أخرى اختص بها ) فيه أن بعض السبعة شرط للبيع أيضا كالقدرة على التسليم والعلم ، وأما ما فيه من [ ص: 184 ] التفصيل هنا فمقدار زائد على أصل الشرط ، على أن التفصيل بعينه يجري في البيع للذمي كما لا يخفى ( قوله : ولو اختلفا فقال المسلم أقبضتك بعد التفرق إلخ ) وظاهر أنه لو انعكس الأمر صدق المسلم وقدمت بينته لما ذكر من تعليلهما . ( قوله : قدمت بينة المسلم إليه ) كان الأولى الإضمار ( قوله : والأخرى مستصحبة ) أي لحالة عدم القبض




                                                                                                                            الخدمات العلمية