الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( أضل رحله في رحال ) لظلمة ونحوها وأمعن في الطلب أو ضل عن الرفقة أو أدرج ماء أو ثمنه أو آلة الاستقاء في رحله بعد طلبه ولم يعلم به ولا ببئر خفية وتيمم وصلى ( فلا ) قضاء وإن وجد ذلك لعدم تقصيره بخلافه في النسيان لتقدم علمه بذلك وفي الإضلال في رحله إذ مخيم الرفقة أوسع من مخيمه فكان أبعد عن التقصير ، ويؤخذ منه كما قاله الشيخ أنه لو اتسع مخيمه كما في مخيم بعض الأمراء كان كمخيم الرفقة ، أما لو كانت ظاهرة فإنه يجب القضاء ، أو لم يطلبه من رحله لعلمه أن لا ماء فيه وأدرج فيه فكذلك أيضا لتقصيره ، ولو تيمم لإضلاله عن القافلة أو عن الماء أو لغصب مائه فلا إعادة قطعا ، وختم السبب الأول بهاتين مع أنهما بآخر الباب المبحوث فيه عن القضاء أنسب كما يظهر ببادي الرأي تذييلا لهذا المبحث لمناسبتهما له وإفادتهما مسائل حسنة في الطلب ، وهي أنه يعيد مع وجود التقصير ، وأن النسيان ليس عذرا مقتضيا لسقوطه ، وأن الإضلال يغتفر تارة ولا يغتفر أخرى ، فاندفع اعتراض الشراح عليه في ذكر هاتين هنا ووضح أنهما هنا أنسب ، ولو باع الماء في الوقت أو وهبه فيه بلا حاجة له ولا للمشتري أو المتهب لم يصح بيعه ولا هبته للعجز عنه شرعا لتعينه للطهر ويفرق بينه وبين صحة هبة من لزمته كفارة أو ديون فوهب ما يملكه بأن رب الدين [ ص: 277 ] رضي بتعلق حقه بالذمة فلا حجر له في العين وإن فعل ذلك حيلة من تعلق غرمائه بعين ماله ويلزمه استرداد ذلك ، فإن لم يفعل مع تمكنه لم يصح تيممه لبقائه على ملكه ، فإن عجز عن الاسترداد تيمم وصلى وقضى تلك الصلاة التي وقع تفويت الماء في وقتها لتقصيره فيها دون غيرها ، ولو تلف الماء في يد المشتري أو المتهب ثم تيمم وصلى لم تجب عليه إعادة ، ويضمن المشتري الماء لا المتهب إذ فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه ، ولو قدر على تحصيل الماء الذي تصرف فيه قبل الوقت ببيع جائز وهبة لفرع لزم الأصل الرجوع فيه عند احتياجه له لطهارته ولزم البائع فسخ البيع في القدر المحتاج إليه فيما إذا كان له خيار كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى .

                                                                                                                            ولو مات مالك ماء وثم ظامئون شربوه وييمم وضمن للوارث بقيمته لا مثله حيث كانوا ببرية له بها قيمة ورجعوا إلى محل لا قيمة للماء به أو كان لنقله مؤنة كما قاله ابن المقري ، وإن نوزع فيه وأراد الوارث تغريمهم مثله إذ لو ردوا الماء لكان إسقاطا للضمان بالكلية ، فإن فرض الغرم بمحل الشرب أو محل آخر للماء فيه قيمة ولو دون قيمته بمحل الإتلاف غرم مثله كبقية المثليات ، ولو أوصى بصرف ماء لأولى الناس به قدم حتما ظامئ محترم ولو غير آدمي حفظا لمهجته ثم ميت ، وإن احتاجه الحي لطهره للصلاة عليه إماما أو تعينت صلاته عليه بأن لم يوجد غيره كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى خلافا لبعض المتأخرين ، إذ غسل الميت متأكد لعدم إمكان تداركه مع كونه خاتمة أمره ، بخلاف الصلاة عليه لإمكان تداركها على قبره ، فلو مات اثنان مرتبا ووجد الماء قبل موتهما قدم الأول لسبقه ، فإن ماتا معا أو جهل أسبقهما أو وجد الماء بعدهما قدم أفضلهما بغلبة الظن بقربه للرحمة لا بحرية وذكورة ونحوهما ، فإن استويا أقرع بينهما ولا يشترط قبول الوارث ذلك ثم المتنجس ، إذ لا بدل لطهره سواء ذو النجاسة المغلظة وغيرها خلافا لبعض المتأخرين ، إذ مانع النجاسة شيء واحد بخلاف تقديم نحو حائض على جنب ، لأن مانع الحيض زائد على مانع الجنابة ثم الحائض كما يعلم مما مر والنفساء لغلظ حدثهما وعدم خلوهما عن النجاسة غالبا ، ولو اجتمعتا قدم أفضلهما [ ص: 278 ] ثم يقرع بينهما مع تساويهما ، ثم الجنب لأن مانعه أغلظ من مانع الحدث الأصغر ، فإن كفى الأصغر فقد قدم لارتفاع كامل حدثه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : كان كمخيم الرفقة ) وبقي عكسه وهو ما لو اتسع مخيم بعض الفقراء وضاق مخيم بعض الأمراء هل يجب القضاء أو لا ؟ فيه نظر ، والذي ينبغي أن المدار على الاتساع وعدمه فمخيم بعض الأمراء إذا ضاق بحيث تسهل معرفة ما فيه وجب القضاء لتقصيره وعكسه بعكسه ، لكن علل حج بذلك بأن شأن مخيم الرفقة أو الغالب فيه أنه أوسع من مخيمه فلم ينسب هنا لتقصير ألبتة ا هـ .

                                                                                                                            وقضيته أنه لا يعتبر ما يعرض من ضيق مخيم الرفقة ولا من اتساع مخيمه ، فقياس ذلك جريانه في مخيم بعض الأمراء وبعض الفقراء ، وأن الحكم ليس دائرا مع الاتساع وعدمه بل هو دائر مع الشأن ( قوله : أما لو كانت إلخ ) محترز قوله ولا ببئر خفية ( قوله : أو لم يطلبه من رحله ) محترز قوله قبل بعد طلبه ولم يعلم به ( قوله : ووضح أنهما هنا أنسب ) وذلك لأنهما لما كانا مناسبين لهذا السبب وهو متقدم سيما وقد اشتمل ذكرهما فيه على فوائد تتعلق به كان ذكرهما فيه أنسب ( قوله أو وهبه فيه ) مفهومه أنه لو باعه أو وهبه قبل الوقت صح ، وسيأتي في قوله ولو قدر على تحصيل الماء إلخ ما يصرح به ، وفيه ما تقدم من إشكاله لوجوب الطلب قبل الوقت لو عطلت القافلة ( قوله : لم يصح بيعه ) ظاهره أنه يبطل في الجميع وإن كان زائدا على القدر المحتاج إليه ، ولعله غير مراد بل الظاهر الصحة فيما زاد إذا كان مقداره معلوما أخذا مما قالوه في تفريق الصفقة .

                                                                                                                            لا يقال : مقدار ما يستعمله في الوضوء غير معلوم ، لأنه ليس محصورا في قدر معين من الماء لا يزيد ولا ينقص ، لأنا نقول : ممنوع فإنه قد يعلم مقدار ما يكفيه بواسطة استعماله لمثله سابقا .

                                                                                                                            ويؤيده ما يأتي في قوله ولزم البائع فسخ البيع في القدر المحتاج إليه .

                                                                                                                            ووجه التأييد أنه لو كان مقدار ما يستعمله مجهولا لما تأتى الفسخ فيه دون ما زاد على حاجته ( قوله : بأن رب الدين إلخ ) لم يبين الفرق بينه وبين الكفارة ، وبينه العراقي في شرح البهجة حيث قال : ويمكن أن يفرق بينه وبين الكفارة بأنها [ ص: 277 ] ليست على الفور ، بخلاف الصلاة فإن وقتها محدود الأول والآخر ( قوله : لتقصيره إلخ ) وبهذا فارق ما لو غصب ماؤه حيث لا يجب عليه القضاء كما مر مع أن المقبوض بالشراء الفاسد في حكم المغصوب ( قوله : ببيع جائز ) أي شرط فيه الخيار لغير المشتري وحده ( قوله : أو كان لنقله مؤنة ) أي لها وقع وإلا فالنقل من حيث هو لا يكاد يخلو عن مؤنة ، وعليه فلو غصب منه ماء بأرض الحجاز ثم وجده بمصر غرمه قيمة الماء لا مثله وإن كان لا قيمة له ( قوله : وإن نوزع فيه ) غاية لما قبله ( قوله : وأراد الوارث ) عطف على كانوا ولو ذكره عقبه وأبدل قوله تغريمهم مثله بقوله : وأراد الوارث تغريمهم بدله لكان أولى ( قوله ولو دون قيمته ) أي حيث لا مؤنة لنقله إلى ذلك المحل ( قوله : لسبقه ) أي وإن كان مفضولا ( قوله : ولا يشترط قبول إلخ ) أي بل يجب عليه القبول ( قوله : ثم المتنجس ) أي الشخص المتنجس إلخ بدنا أو ثوبا على ما اقتضاه قوله : إذ لا بدل لطهره ( قوله : قدم أفضلهما ) قضيته تقديم إزالة النجاسة على الحائض والنفساء سواء وجب عليهما القضاء أم لا ، وبه صرح حج في شرح الإرشاد حيث قال : ثم متنجس لأن طهره لا بدل له وإن كان حاضرا كما بينته في شرح الأصل ا هـ .

                                                                                                                            لكن قال حج في شرح المنهاج فيما لو وجد ماء لا يكفيه ما حاصله : أنه إذا اجتمع عليه حدثان سن تقديم أعضاء وضوئه ليرتفع الحدثان عنها ، ثم [ ص: 278 ] إذا أحدث وحضرت صلاة أخرى ومعه ماء لا يكفيه للوضوء ورفع جنابة بقية البدن غسل بقية البدن عن الجنابة وتيمم عن الحدث الأصغر ثم قال : نعم ينبغي أخذا مما قالوه في النجس أن محل ما ذكره فيمن لا قضاء عليه فمن يقضي يتخير ا هـ .

                                                                                                                            وأراد بما قالوه في النجس ما ذكره في شرح الإرشاد بقوله : ولو وجد محدث به أو بثوبه الذي لا يمكن نزعه كما هو ظاهر نجس لا يعفى عنه ماء يكفي أحدهما ، فقد تعين الخبث إن كان مسافرا لا حاضرا لوجوب الإعادة عليه على كل تقدير ا هـ .

                                                                                                                            ثم قال فيه : وإنما قدم في الإيصاء الآتي لأنه أولى بالإزالة لفحشه وجب قضاء أم لا ا هـ .

                                                                                                                            لكن تقدم للشارح فيمن وجد ماء لا يكفيه أن المعتمد تقديم إزالة النجاسة على الحدث سواء وجب القضاء أم لا ، وعليه فتقدم الجنابة على الحدث الأصغر وجب القضاء أم لا خلافا لما بحثه حج ( قوله : مع تساويهما ) الأولى لتساويهما ( قوله : فإن كفى الأصغر ) أي الحدث الأصغر .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 276 ] قوله : كما في مخيم بعض الأمراء ) ذكر الأمراء ليس بقيد وإنما هو لمجرد التصوير لأنه الغالب كما هو ظاهر وإن فهم منه شيخنا التقييد ورتب عليه في حاشيته [ ص: 277 ] قوله : في القدر المحتاج إليه ) إنما لم يقيد به في المسألة قبلها ; لأنه صورها باحتياجه لجميع الماء ، فلو فرض احتياجه للبعض فقط فسخ فيه فقط كما هو ظاهر فالمسألتان في ذلك سواء ( قوله : وأراد الوارث تغريمهم مثله ) كذا في النسخ ، ويجب حذف لفظة مثله لإفسادها المعنى ، وليست في شرح الروض الذي هذه عبارته .




                                                                                                                            الخدمات العلمية