الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويزكي ماله ) وبدنه فورا حتما ; لأنه قائم مقامه كما مر في الزكاة ( وينفق عليه بالمعروف ) [ ص: 380 ] في طعام وكسوة وغيرهما مما لا بد منه بما يليق به في يساره وإعساره ، فإن قصر أثم أو أسرف ضمن وأثم ، ويخرج عنه أرش الجناية إن لم يطلب منه ذلك ، ولا ينافيه ما مر في الفلس مع أن الدين الحال لا يجب وفاؤه إلا بعد الطلب مع أن الأرش دين ; لأن ذاك ثبت بالاختيار فتوقف وجوب أدائه على طلبه بخلاف ما هنا ، وينفق على قريبه بعد الطلب منه كما ذكراه لسقوطها بمضي الزمان .

                                                                                                                            نعم لو كان المنفق عليه مجنونا أو طفلا أو زمنا يعجز عن الإرسال ، ولا ولي له خاص لم يحتج إلى طلب كما هو ظاهر ، وكلامهما في غير ذلك ، فإن كان له ولي خاص اعتبر طلبه فيما يظهر ، وكالصبي في ذلك المجنون والسفيه ، ولا يستحق الولي في مال محجوره نفقة ولا أجرة ، فإن كان فقيرا واشتغل بسببه عن الاكتساب أخذ أقل الأمرين من الأجرة والنفقة بالمعروف لقوله تعالى { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } ولأنه تصرف في مال من لا تمكن موافقته فجاز له الأخذ بغير إذنه كعامل الصدقات ، وكالأكل غيره من بقية المؤن وإنما خص بالذكر ; لأنه أعم وجوه الانتفاعات ومحل ذلك في غير الحاكم ، أما هو فليس له ذلك لعدم اختصاص ولايته بالمحجور عليه بخلاف غيره حتى أمينه كما صرح به المحاملي ، وله الاستقلال بالأخذ من غير مراجعة الحاكم ، ومعلوم أنه إذا نقص أجر الأب أو الجد أو الأم إذا كانت وصية عن نفقتهم وكانوا فقراء يتمونها من مال محجورهم ; لأنها إذا وجبت بلا عمل فمعه أولى ، ولا يضمن المأخوذ ; لأنه بدل عمله ، وللولي خلط ماله بمال الصبي ومواكلته للإرفاق حيث كان للصبي فيه حظ ، ويظهر ضبطه بأن تكون كلفته مع الاجتماع أقل منها مع الانفراد ، وله الضيافة والإطعام منه حيث فضل للمولى قدر حقه ، وكذا خلط أطعمة أيتام إن كانت المصلحة لكل منهم فيه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويزكي ماله وبدنه إلخ ) إن كان مذهبه ذلك وافق مذهب الولي أم لا ; لأنه قام مقامه ، فإن لم يكن ذلك مذهبه فالاحتياط كما أفتى به القفال أن يحسب زكاته حتى يبلغ فيخبره بها ، أو يرفع الأمر لقاض يرى وجوبها [ ص: 380 ] فيلزمه بها حتى لا يرفع بعد لحنفي يغرمه إياها ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وقضية التعبير بالاحتياط جواز الإخراج حالا ، وفيه نظر ، فإنه كيف يضيع ماله فيما لا يرى وجوبه عليه ، فلعل المراد بالاحتياط وجوب ذلك حفظا لمال المولى عليه

                                                                                                                            ( قوله : مما لا بد منه ) أي باعتبار ما جرت به العادة لمثله وإن زاد على الحاجة وتعدد من نوع أو أنواع ، ومنه ما يقع من التوسعة في شهر رمضان والأعياد ونحوها من مطعم وملبس

                                                                                                                            ( قوله : لأن ذاك ثبت بالاختيار ) ويؤخذ من هذا أن من أتلف مالا لغيره أو تعدى باستعماله وجب عليه دفع البدل لما أتلفه وأجرة ما استعمله ونحو ذلك ، وإن لم يطلبه صاحبه

                                                                                                                            ( قوله : بعد الطلب منه ) أي القريب ، فلو لم يطلب وصرف له ضمن ( قوله : أو زمنا ) أي وكذا لو كان عاقلا قادرا على الطلب واضطر ولم يطلب فيجب على الولي إعطاؤه ولا ضمان عليه

                                                                                                                            ( قوله : ولا ولي له ) أي أو له ولي خاص ولم يطلب

                                                                                                                            ( قوله : أخذ أقل الأمرين ) الضمير فيه للولي وخرج به غيره كالوكيل الذي لم يجعل له موكله شيئا على عمله فليس له الأخذ لما يأتي أن الولي جاز له الأخذ ; لأنه : أي أخذه تصرف في مال من لا تمكن موافقته ، وهو يفهم عدم جواز أخذ الوكيل لإمكان مراجعة موكله في تقدير شيء له أو عزله من التصرف ، ومنه يؤخذ امتناع ما يقع كثيرا من اختيار شخص حاذق لشراء متاع فيشتريه بأقل من قيمته لحذقه ومعرفته ، ويأخذ لنفسه تمام القيمة معللا ذلك بأنه هو الذي وفره لحذقه وبأنه فوت على نفسه أيضا زمنا كان يمكنه فيه الاكتساب فيجب عليه رد ما بقي لمالكه لما ذكر من إمكان مراجعة إلخ ، فتنبه له فإنه يقع كثيرا ( قوله من الأجرة ) ومحل الاقتصار على الأقل في الأجرة إذا لم يكن أبا ولا جدا ولا أما كما يأتي

                                                                                                                            ( قوله : أقل منها ) أي ولو بقدر يسير

                                                                                                                            ( قوله : والإطعام منه ) أي مما خلط .




                                                                                                                            الخدمات العلمية