الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( الثاني ) من الأسباب ( أن يحتاج ) بالبناء للمفعول ( إليه ) أي الماء ( لعطش ) حيوان ( محترم ) ولو غير آدمي ( ولو ) كانت حاجته له ( مآلا ) أي في المستقبل صيانة للروح ونحوها عن التلف لأنه لا بدل له ، بخلاف طهارة الحدث وسواء أظن وجوده في غده أم لا فله التيمم ، ويحرم تطهره به وإن قل حيث ظن وجود محترم محتاج إليه في القافلة وإن كبرت وخرجت عن الضبط وكثير يجهلون فيتوهمون أن التطهر بالماء قربة حينئذ ، وهو خطأ قبيح كما نبه عليه المصنف في مناسكه ولا يلزمه استعماله في الطهارة ثم جمعه [ ص: 279 ] للشرب لأن النفس تعافه ، ويلحق بالمستعمل كل مستقذر عرفا ، بخلاف متغير بنحو ماء ورد ، نعم لو احتاجه لعطش بهيمة فالأوجه كما اقتضاه تعليلهم لزوم ذلك لانتفاء العيافة ، ولا يتيمم لعطش أو مرض عاص بسفره حتى يتوب ، فإن شرب الماء ثم تيمم لم يعد ، ولا يتيمم لاحتياجه له لغير العطش مآلا كبل كعك وفتيت وطبخ لحم ، بخلاف حاجته لذلك حالا فله التيمم من أجلها ، وعلى هذا يحمل كلام من أطلق أنه كالعطش والقائل بعدم جواز التيمم مع حضوره على الحاجة المآلية ، وللظامئ غصب الماء من مالك غير ظامئ ومقاتلته عليه ، فإن قتل هدر أو الظامئ ضمنه ، ولو احتاج مالك ماء إليه مآلا وثم من يحتاجه حالا لزمه بذله له لتحقق حاجته ، ومن علم أو ظن حاجة غيره له مآلا لزمه التزود له إن قدر ، وإذا تزود للمآل ففضلت فضلة فإن ساروا على العادة ولم يمت منهم أحد فالقضاء وإلا فلا ، ومن معه في الوقت ماءان طاهر ونجس وبه ظمأ أو يتوقعه تيمم وشرب الطاهر ولا يجوز له شرب النجس وخرج بالمحترم غيره كما مر ، وضابط العطش المبيح للتيمم ما يأتي في خوف المرض ونحوه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بالبناء للمفعول ) أي ليشمل غير مالكه ( قوله : لعطش حيوان محترم إلخ ) قال في شرح العباب : وخرج بالمحترم غيره فلا يكون عطشه مجوزا لبذل الماء له ، وهل يعتبر الاحترام في مالك الماء أيضا أولا فيكون أحق بمائه وإن كان مهدرا لزناه مع إحصانه أو غيره للنظر فيه مجال ، ولعل الثاني أقرب لأنا مع ذلك لا نأمره بقتل نفسه وهو لا يحل له قتلها ويفارق ما يأتي في العاصي بسفره بقدرة ذاك على التوبة وهي تجوز ترخصه وتوبة هذا لا تمنع إهداره .

                                                                                                                            نعم إن كان إهداره يزول بالتوبة كتركه الصلاة بشرطه لم يبعد أن يكون كالعاصي بسفره فلا يكون أحق بمائه إلا إن تاب ، على أن الزركشي استشكل عدم حل بذل الماء لغير المحترم بأن عدم احترامه لا يجوز عدم سقيه وإن قتل شرعا .

                                                                                                                            لأنا مأمورون بإحسان القتلة بأن نسلك أسهل طرق القتل وليس العطش والجوع من ذلك .

                                                                                                                            وقد يجاب بأن ذلك إنما يجب أن لو منعناه الماء مع عدم الاحتياج إليه .

                                                                                                                            وأما مع الاحتياج إليه للطهر فلا محذور لمنعه إلى آخر ما أطال به في الجواب سم على حج .

                                                                                                                            ( فرع ) ظاهر قولهم أنه يشترط كون نحو ثمن الماء فاضلا عن مؤنة حيوانه المحترم أنه لا فرق بين كونه محتاجا إلى ذلك الحيوان أو لا ، وقد قيدوا المسكن والخادم بالمحتاج إليهما فليحرر سم على منهج .

                                                                                                                            أقول : قد يجاب بأن المانع هنا خوف هلاكه وهو موجود اتحد الحيوان أو تعدد ، والكلام ثم فيما لو احتاج لبيع الخادم والمسكن لطهارته فلا جامع بينهما ، إلا أن يقال : مراد سم أنه لو كان معه حيوانات زائدة على حاجته وأمكن بيعها لمن يسقيها لا يكلف بيعها بل يسقيها ما يحتاج إلى طهارته به ويتيمم فيأتي الإشكال .

                                                                                                                            وقد يجاب بأنه إن فرض ذلك كلف بيعه ويستعمل الماء في الطهارة ، وحينئذ تكون هذه من أفراد ما سبق من أنه يشترط كون الماء فاضلا عما يحتاج إليه وهذا منه ( قوله : وسواء أظن إلخ ) فيه رد على ما قاله أبو محمد : لو غلب على ظنه لقي الماء عند الاحتياج إليه للعطش لو استعمل ما معه لزمه استعماله ا هـ .

                                                                                                                            وما قاله أبو محمد لا بعد فيه ، بل قد يقال إنه حيث غلب على ظنه وجوده لا يكون محتاجا إليه في المستقبل ( قوله : وهو خطأ قبيح ) أي ويكون كبيرة فيما يظهر لأن [ ص: 279 ] في بذله إنقاذا من الهلاك ، وتركه فيه تسبب لإهلاك من علم احتياجه إليه ( قوله : كل مستقذر عرفا ) أي فلا يكلف استعماله فيه : أي في الأمر المستقذر منه ثم جمعه : أي للشرب منه لأن النفس تعافه ، وكذا لو كان معه مستقذر وطهور لا يكلف شرب المستقذر واستعمال الطهور .

                                                                                                                            وقوله بخلاف متغير بنحو إلخ : أي فإنه يلزمه شربه ويتوضأ بالطهور ( قوله : لانتفاء العيافة ) ومثل الدابة غير المميز : أي من صبي ومجنون في المستقذر الطاهر لا في النجس ا هـ حج .

                                                                                                                            وبقي ما لو لم يكن المحتاج للماء حاضرا هل يلزم من معه الماء استعماله وجمعه ودفعه له لانتفاء العلة أم لا ؟ لأن من شأنه أنه مستقذر ؟ فيه نظر ، وظاهر إطلاقهم الثاني ، ولو قيل بالأول مع غرم التفاوت بين قيمته مستعملا وغير مستعمل لم يكن بعيدا فليراجع إلا أن يقال المالك مع حضوره لا يجب عليه بذل الماء لطهارة غيره وإن لم يحتج إليه ( قوله : كبل كعك ) ظاهره وإن لم يسهل استعماله إلا بالبل ، وصرح حج بخلافه فقيده بما لم يعسر استعماله ا هـ وأخذ سم عليه بمقتضاه فقال لو عسر استعماله بدون البل كان كالعطش ا هـ ( قوله : من مالك غير ظامئ ) أي بقرينة : دالة على ذلك ( قوله : لزمه بذله له إلخ ) أي ويقدم الآدمي على الدابة فيما يظهر أخذا مما قالوه فيما لو أشرفت سفينة على الغرق من إلقاء الدواب لنجاة الآدميين ، وهل يقدم الآدمي على الدابة ولو علم هلاكها وانقطاعه عن الرفقة وتولد الضرر له أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأن خشية الضرر مستقبلة وقد لا تحصل فقدمت الحاجة الحالية عليها ، وظاهر إطلاق الشارح أنه يؤثر المحتاج إليه حالا وإن أخبره معصوم بأنه لا يجد الماء في المآل وهو ظاهر للعلة المذكورة ( قوله : فالقضاء ) أي لما كانت تكفيه تلك الفضلة باعتبار عادته الغالبة فيما يظهر حج ورده ابن عبد الحق فقال : يجب القضاء : أي لجميع الصلوات السابقة لا لما تكفيه تلك الفضلة كما هو ظاهر وإن توهمه بعضهم ا هـ .

                                                                                                                            أقول : ويوجه بأن كل صلاة صلاها يصدق عليها أنها فعلت ومعهم ماء غير محتاج إليه ، فوجوب قضاء الأولى أو الأخيرة وهو ما استقر به سم من احتمالين أبداهما في كلام حج تحكم ( قوله : ما يأتي في خوف المرض ) [ ص: 280 ] ومنه أنه لا يشربه إلا بعد إخبار طبيب عدل بأن عدم الشرب يتولد منه محذور تيمم .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 278 - 279 ] قوله : ويلحق بالمستعمل كل مستقذر عرفا إلخ ) لعل الصورة أن معه ماءين أحدهما مستقذر عرفا : أي لا يصح الطهر به لتغيره بما يضر ، والآخر ليس كذلك فلا يلزمه شرب المستقذر والتطهر بالآخر ، بخلاف ماء الورد فيلزمه شربه عند الحاجة والطهر بالآخر ، ويدل له ما ذكره بعد ، وفي التحفة مثله وكتب عليه الشهاب ابن قاسم ما يدل لذلك أيضا ( قوله : أو مرض ) أي عصى به فلا تعلق له بمسألة السفر ( قوله : عاص بسفره ) أي أو مرضه ( قوله : وعلى هذا ) أي الشق الثاني من التفصيل ، وهو احتياجه إليه لذلك حالا ، فقوله ، والقائل معطوف على قوله من أطلق ، والتقدير : [ ص: 280 ] ويحمل كلام القائل بعدم جواز إلخ




                                                                                                                            الخدمات العلمية