الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) يحرم ( أن يبني في الطريق دكة ) بفتح الدال : أي مسطبة أو غيرها ( أو يغرس فيه شجرة ) وإن اتسع وأذن الإمام وانتفى الضرر لمنعها الطروق فيه وقد تزدحم المارة فيه فيصطكون إليها ، ولأنه إذا طالت المدة أشبه موضعهما الأملاك وانقطع أثر استحقاق الطروق بخلاف الأجنحة ونحوها ، وفارق حل الغرس بالمسجد مع الكراهة بأنه لعموم المسلمين ; إذ لا يمنعون من أكل ثمره ، فإن غرس ليصرف ريعه للمسجد فالمصلحة عامة أيضا بخلاف ما هنا ، وقضيته جواز مثل ذلك هنا حيث لا ضرر إلا أن يقال : توقع الضرر في الشارع أكثر فامتنع مطلقا وهو الأقرب إلى كلامهم ، ولا يشكل على التعليل الثاني جواز فتح الباب إلى درب منسد إذا سمره كما يأتي ; لأن الحق ثم لخاص ، والخاص قائم على ملكه وحافظ له ، بخلاف الشارع فانقطاع الحق فيه [ ص: 398 ] عند طول المدة أقرب ، وقضية كلامهم أو صريحه : منع أحداث الدكة وإن كان بفناء داره ، وبه جزم ابن الرفعة وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وإن بحث السبكي جوازه عند انتفاء الضرر وقال ; لأنه في حريم ملكه ولإطباق الناس عليه من غير إنكار فقد رده الأذرعي وقال : إنه بعيد من كلامهم ويؤدى إلى تملك الطرق المباحة ، وبأن البندنيجي صرح بمنع بناء الدكة على باب الدار وبأن البقعة المنحرفة عن سنن الطريق قد تفزع إليها المارة فتضيق عليهم ، ولا ينافي ما تقرر في نحو الدكة نقل المصنف كالرافعي في الجنايات عن الأكثرين أن للإمام مدخلا في إقطاع الشوارع وأنه يجوز للمقطع أن يبني فيه ويتملكه ; لأنه على تقدير اعتماده ، وإلا فكلامهما هنا مصرح بخلافه محمول على ما زاد من الشارع على الموضع المحتاج إليه للطروق بحيث لا يتوقع الاحتياج إليه بوجه ولو على الندور فحينئذ للإمام الإقطاع وللمقطع بناء ما أراد ( وقيل إن لم يضر ) ذلك المار ( جاز ) كإشراع الجناح وفرق الأول بما مر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويحرم أن يبني ) يريد أن يبني عطف على الصلح لا على معموله ; لأنه حينئذ لا يفيد حرمة البناء عميرة

                                                                                                                            ( قوله : دكة ) ومن ذلك المساطب التي تفعل في اتجاه الصهاريخ في شوارع مصرنا فتنبه له .

                                                                                                                            قال حج : قال بعضهم : ومثلها ما يجعل بالجدار المسمى بالكبش إلا إن اضطر إليه لخلل بنائه ولم يضر المارة ; لأن المشقة تجلب التيسير ا هـ .

                                                                                                                            أقول : هذا يتعين تصويره بما يسمى الآن دعامة ويكون متصلا بالجدار من أسفله مثلا ، وحمله على الكبش المعروف الآن بعيد جدا ; لأنه لو كان مرادا له لم يلحقه بالدكة ، ولم يشترط لوجود إخراجه وجود خلل ببناء المخرج إذ هو حينئذ من أفراد الجناح .

                                                                                                                            قال سم على منهج : فرع : الظاهر أن الميزاب يلحق بالباب في جواز الصلح بمال ; لأن صاحبه ينتفع بالقرار ا هـ سم على منهج ( قوله : أو يغرس فيه شجرة ) ع بحث الزركشي منع الذمي من الغرس في الشارع قطعا ولا يجري فيه خلاف المسلم ا هـ سم على منهج

                                                                                                                            ( قوله : فيصطكون ) أي يلتجئون إليها

                                                                                                                            ( قوله : وفارق ) أي ما ذكر من حرمة بناء الدكة والغرس في الطريق ، وظاهر الاقتصار على الفرق بين ما ذكر والغرس في المسجد امتناع الدكة في المسجد وإن قصد بها عموم المسجد ( قوله : بأنه لعموم المسلمين ) أي بأن يقصدوا به ابتداء أو يطلق فيحمل عليهم ، فلو قصد نفسه بالغرس كان متعديا فيقلع مجانا وتلزمه أجرته مدة الغرس لمصالح المسجد كما لو وضع فيه ما لا يجوز وضعه فيه ، وكالمسجد في ذلك ما هو في توابعه كفسقيته وحريمه ، ومعلوم أن ذلك حيث علم ما ذكر ، فإن لم يعلم كأن وجدنا شجرا فيه ولم نعرف ما قصده به واضعه حمل على أنه لعموم المسلمين فينتفعون بثمره ، وينبغي أن ما جرت العادة بقطعه من الشجر أو من ثماره التي تبقى بعد أكل الناس تكون لمصالح المسجد

                                                                                                                            ( قوله : فالمصلحة عامة ) أي لعموم المسلمين إن كان المسجد عاما أو لبعضهم إن كان خاصا بطائفة معينة كالشافعية ( قوله : جواز مثل ذلك ) أي غرسها لعموم المسلمين

                                                                                                                            ( قوله : فامتنع ) أي الغرس في الشارع

                                                                                                                            ( قوله : مطلقا ) أي اتسع أولا وظاهره امتناع ذلك وإن حصل بفعل ذلك انتفاع للمارة كاستظلالهم به

                                                                                                                            ( قوله : وهو الأقرب ) معتمد

                                                                                                                            ( قوله : ولا يشكل على التعليل الثاني ) هو قوله ولأنه إذا طالت المدة إلخ

                                                                                                                            ( قوله : بخلاف الشارع ) وقد يؤخذ من هذا الفرق جواز حادثة وقع السؤال عنها ، وهو أن إنسانا استأجر جملة من الدكاكين مدة طويلة بجوار الشارع ثم هدمها وأعاد بناءها على الوجه الذي أراده وترك قطعة من الأرض [ ص: 398 ] ليتسع بها الشارع فهل يحرم ذلك ; لأنه يفوت مقصد الواقف بوقفه ; لأنه عند طول المدة يظن كونه من الشارع ؟ وحاصل الجواب أنه يؤخذ من هذا الفرق الجواز ; لأن أرباب الوقف كالمالكين للدرب فهم قائمون على حقوقهم ويتمكنون من إعادته كما كان بتقدير تغييرهم لهيئة البناء بعد انقضاء مدة الإجارة

                                                                                                                            ( قوله : وقضية كلامهم إلخ ) معتمد

                                                                                                                            ( قوله : منع إحداث الدكة ) أي أما لو وجد لبعض الدور مساطب مبنية بفنائها أو سلم بالشارع يصعد منه إليها ولم يعلم هل حدث السلم قبل وجود الشارع أو بعده فإنه لا يغير عما هو عليه لاحتمال أنه وضع في الأصل بحق وأن الشارع حدث بعده ، ولو أعرض عنه صاحبه بأن ترك الصعود من السلم وهدمه بحيث لم يبق له أثر لم يسقط حقه بذلك ، وظاهره وإن جعل الدكة للصلاة مثلا ولا ضرر فيها بوجه ، ثم رأيت في حج الجواز في هذه الحالة

                                                                                                                            ( قوله : ويتملكه ) صريح في أن الإمام أقطعه للتملك لا للإرفاق ، وعبارة سم على منهج : قال السبكي : ولا يجوز لوكلاء بيت المال بيع شيء من الشوارع وإن اتسعت وفضلت عن الحاجة ; لأنا لا نعلم هل أصله وقف أو موات أحيي ، فليحذر ذلك وإن عمت به البلوى

                                                                                                                            ( قوله : وإلا فكلامهما هنا مصرح بخلافه ) أي وهو الامتناع مطلقا اتسع أو لا ، وهذا هو الذي يظهر من كلام الشارح اعتماده ; لأنه جعل القول بالجواز محمولا على ما زاد على الحاجة إن سلم أنه معتمد وهو يشعر بتمويه منه

                                                                                                                            ( قوله : بما مر ) من قوله لمنعها الطروق إلخ .




                                                                                                                            الخدمات العلمية