الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فإذا ) ( تيمم ) من غسل الصحيح وتيمم عن الجريح وأدى فريضة ( لفرض ثان ) وثالث وهكذا ( ولم يحدث ) ولم يطرأ على تيممه مبطل له ( لم يعد الجنب ) ونحوه ( غسلا ) لما غسله ولا مسحا لما مسحه ، إذ التيمم طهارة مستقلة في الجملة فلا يلزم بارتفاع حكمها انتقاض طهارة أخرى ، كما لو اغتسل الجنب ثم أحدث يلزمه الوضوء ولا ينتقض غسله وإن كان أعضاء الوضوء بعض المغسول في الجنابة لأن الوضوء عبادة مستقلة في الجملة ( ويعيد المحدث ) غسل ( ما بعد عليله ) مراعاة للترتيب ، فإذا كانت الجراحة في اليد تيمم وأعاد مسح الرأس ثم غسل الرجلين ، لأن حكم الحادث عاد إلى العضو في حق الفريضة دون النوافل فيحتاج إلى إعادة ما بعده ( وقيل يستأنفان ) فيعيد المحدث الوضوء والجنب الغسل ( وقيل المحدث كجنب ) فلا يعيد شيئا على الصحيح ( قلت : هذا الثالث أصح ، والله أعلم ) وهو قول الأكثرين ، ونقل الإمام الاتفاق عليه لأنه إنما يحتاج إلى إعادة ما بعد عليله أن لو بطلت طهارة العليل وطهارة العليل باقية بدليل جواز التنفل .

                                                                                                                            وإذا قلنا بالصحيح وهو إعادة التيمم فقط وكان متعددا فهل يعيده كذلك أو يعيد تيمما فقط ؟ الأوجه كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى أنه يتيمم تيمما واحدا ، والقائل بتعدده بناء على طريقة الرافعي لأجل الترتيب ، وخرج بقوله ولم يحدث ما إذا أحدث فإنه يعيد جميع ما مر ، ولو رفع الجبيرة عن موضع الكسر فوجده قد اندمل أعاد كل صلاة صلاها بعد الاندمال بالمسح عليها ، ولو سقطت جبيرته في الصلاة بطلت صلاته سواء أكان بريء أم لا كانقلاع الخف ، بخلاف ما لو رفع الساتر لتوهم البرء فبان خلافه فإنه لا يبطل تيممه ، ولعل صورة رفع الساتر أنه ظهر من الصحيح ما لا يجب غسله عكس صورة سقوط الجبيرة ، إذ لا يمكن بقاؤها مع وجوب غسل ما ظهر وكذا ما بعده في الحدث الأصغر ، [ ص: 289 ] أو ما إذا تردد في بطلان تيممه وطال التردد أو مضى معه ركن وبما تقرر علم أن ملحظ بطلان الصلاة غير ملحظ بطلان التيمم واندفع قول بعضهم : لا أثر لظهور شيء من الصحيح في بطلان التيمم لأنه عن العليل ووجه اندفاعه أنا لم نجعل هذا الظهور سببا لبطلان التيمم بل لبطلان الصلاة وملحظهما مختلف كما تقرر ، وإذا تحقق البرء وهو على طهارة كان كوجدان المتيمم الماء في تفصيله الآتي ولو كانت لصوقا تنزع وتغير كل يوم أو أيام فحكمها كالجبيرة الواحدة كما أفتى به السبكي ، وفيه نظر ظاهر بل الأوجه خلافه .

                                                                                                                            ولو كانت الجبيرة على عضوين فرفع إحداهما لم يلزمه رفع الأخرى ، بخلاف ماسح الخف لو نزع أحد خفيه لزمه نزع الآخر لأن الشرط في الابتداء أن يلبسهما جميعا وهنا لا يشترط في الابتداء أن يضع الجبيرة عليهما ، ولو أجنب صاحب الجبيرة اغتسل وتيمم ولا يجب عليه نزعها ، بخلاف الخف ، ويفرق بينهما بأن في إيجاب النزع هنا مشقة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ونحوه ) من الحائض والنفساء ( قوله ما إذا أحدث ) أي أو أجنب ثانيا ( قوله : بعد الاندمال ) أي ما علم أنها بعد الاندمال فإن تردد في وقت الاندمال قدر بأقرب زمن يمكن الاندمال فيه ( قوله : بطلت صلاته ) أي لظهور ما يجب غسله كما أشار إلى ذلك الشارح بقوله الآتي مع وجوب غسل ما ظهر ( قوله : لا يبطل تيممه ) أي ولا صلاته ( قوله : ولعل صورة رفع الساتر ) أي المذكورة في قوله بخلاف ما لو رفع الساتر إلخ ( قوله ما لا يجب غسله ) لو قال : لم يظهر من الصحيح ما يجب غسله كان أوضح لشموله ما لو لم يظهر من الصحيح شيء أصلا وإن كان مستفادا بالأولى مما ذكره ( قوله : إذ لا يمكن بقاؤها ) أي [ ص: 289 ] الصلاة وهو تعليل لكون سقوط الجبيرة عكس ذلك ( قوله : وكذا ما بعده ) عطف على قوله مع وجوب غسل ما ظهر ( قوله : أو ما إذا تردد ) عطف على قوله أنه ظهر من الصحيح ما لا يجب غسله إلخ ( قوله : غير ملحظ إلخ ) وهو أن ملحظ بطلان التيمم البرء من العلة ، وملحظ بطلان الصلاة ظهور ما يجب غسله من الصحيح ( قوله : في بطلان التيمم ) أي فلا تبطل الصلاة ( قوله : في تفصيله الآتي ) أي فيقال إن تحقق ذلك وليس في صلاة امتنع الإحرام بها أو فيها ، فإن وجب قضاؤها ككون الساتر أخذ زيادة على قدر الاستمساك بطلت وإن لم يجب ككون الساتر لم يأخذ من الصحيح شيئا أتمها ( قوله : الأوجه خلافه ) أي من أن كل مرة لها حكم مستقل ، فعلى كلام السبكي تغيير اللصوق لا يؤثر في طهارته السابقة ، وعلى كلام الشارح يؤثر ، فيجب غسل الصحيح مع ما بعده ولا يبطل التيمم عليها ( قوله : ولا يجب عليه نزعها ) أي ثم إن وجد سبب للقضاء ككونها أخذت زيادة على قدر الاستمساك وجب وإلا فلا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 288 ] قوله : ولعل صورة رفع الساتر أنه ظهر من الصحيح ما لا يجب غسله ) عبارة مقلوبة إذ ليس لنا صورة يظهر فيها من الصحيح ما لا يجب غسله . وعبارة شرح الروض بعد أن أجاب بالجواب الآتي في كلام الشيخ بعد نصها ثم رأيت الزركشي أجاب بحمل ما هنا أي مسألة رفع الساتر على ما إذا لم يظهر من الصحيح ما يجب غسله وما هناك في مسألة الجبيرة على ما إذا ظهر منه ذلك ، وهو أولى انتهت [ ص: 289 ] قوله : أو ما إذا تردد ) هذا تصوير آخر للجبيرة فكأنه قال : وصورة الجبيرة أنه ظهر من الصحيح ما يجب غسله أو ما إذا تردد إلخ ، إذ ليس قبله ما يصح عطفه عليه في اللفظ . وعبارة الشهاب ابن حجر في هذا المقام : ولو [ ص: 290 ] سقطت جبيرة في صلاته بطلت كنزع الخف ومحله ما إذا بان شيء مما يجب غسله إذ لا يمكن بقاؤها مع وجوب غسل ما ظهر ، وكذا ما بعده في الحدث الأصغر أو ما إذا تردد في بطلان تيممه وطال التردد أو مضى معه ركن ثم إن علم البرء بطل تيممه أيضا وإلا فلا ، وبما تقرر من أن ملحظ بطلان الصلاة غير ملحظ بطلان التيمم اندفع قول بعضهم إلى آخر ما يأتي في الشرح ، فالشيخ تصرف فيها وفي عبارة شرح الروض بما ترى .




                                                                                                                            الخدمات العلمية