الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويقضي المقيم المتيمم ) وجوبا ( لفقد الماء ) لأن فقده في الإقامة نادر بخلافه في السفر وفي قول لا يقضي ( لا المسافر ) المتيمم لفقد الماء وإن كان سفره قصيرا لعموم فقده فيه لما روي { أن رجلين تيمما في سفر وصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما بالوضوء دون الآخر . ثم ذكرا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذي أعاد : لك الأجر مرتين ، وللآخر : أصبت السنة وأجزأتك صلاتك } وتعبيرهم بمكان التيمم جرى على الغالب من عدم اختلاف مكان التيمم والصلاة به في ندرة فقد الماء وعدم ندرته ، فإن اختلفا في ذلك فالاعتبار حينئذ بمكان الصلاة به كما أفتى بذلك الوالد رحمه الله ، ولو دخل المسافر في طريقه قرية وعدم الماء وصلى بالتيمم [ ص: 320 ] وجب القضاء ، فالتعبير بالإقامة والسفر جرى على الغالب إذ المدار في القضاء على ندرة فقد الماء لا بالإقامة .

                                                                                                                            وفي عدمه على كثرة فقد الماء لا بالسفر ، أو أقام في مفازة وطالت إقامته وصلاته بالتيمم فلا قضاء ، ولو استوى الوجود والعدم فالمتجه عدم القضاء ( إلا العاصي بسفره في الأصح ) كعبد آبق وامرأة ناشزة ، لأن عدم القضاء رخصة فلا يناط بسفر المعصية ، ولأنه لما لزمه فعله خرج عن مضاهاة الرخص المحضة ، قاله الإمام .

                                                                                                                            قيل ويؤخذ منه أن الواجب ليس برخصة محضة ، ومن ثم قال السبكي : هو رخصة من حيث قيام سبب الحكم الأصلي ، وعزيمة من حيث وجوبه وتحتمه ا هـ .

                                                                                                                            وبه يجمع بين من عبر في أكل المضطر الميتة بأنه رخصة ، ومن عبر بأنه عزيمة .

                                                                                                                            وأما تردد الإمام في موضع أن الوجوب هل يجامع الرخصة فيحمل على أن مراده هل يجامع الرخصة المحضة .

                                                                                                                            وقد يقال : الأوجه ما صرح به كلامهم أن الوجوب يجامع الرخصة المحضة وأنه لا ينافي تغيرها إلى سهولة ، لأن الوجوب فيها لما كان موافقا لغرض النفس من حيث إنه أخف عليها من الحكم الأصلي غالبا لم يكن منافيا لها لما فيها من التسهيل ، ويصح تيممه فيه إن فقد الماء حسا لا شرعا لنحو مرض وعطش .

                                                                                                                            فلا يصح تيممه حتى يتوب لقدرته على زوال مانعه بالتوبة ، ولو عصى بالإقامة بمحل لا يغلب فيه وجود الماء وتيمم لفقده لم يلزمه القضاء لأنه ليس محلا للرخصة بطريق الأصالة حتى يفترق الحال بين العاصي وغيره بخلاف السفر .

                                                                                                                            فاندفع ما للسبكي هنا وخرج العاصي في سفره كأن زنى أو سرق فيه فإنه لا قضاء عليه ، لأن المرخص غير ما به المعصية .

                                                                                                                            والثاني لا يقضي لأنه لما وجب عليه صار عزيمة ، ومعلوم أن الجمعة لا تقضى فيفعلها ويقضي الظهر كما قاله بعض المتأخرين .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لفقد الماء ) وقع السؤال عما لو كان بمحل ماؤه قريب بحيث لو حفر الأرض حصل الماء هل يكلف ذلك ، ولا يصح تيممه حينئذ وإن كان غير لائق به الحفر أم لا ؟ فيه نظر .

                                                                                                                            والظاهر الأول وإن لم يلق به الحفر ، لأن مثل هذا يغتفر في جانب العبادة ( قوله : جرى على الغالب إلخ ) وينبغي أن يعتبر الإحرام بالصلاة إذا انتقل في بقيتها إلى محل يغلب فيه الفقد ( قوله : فالاعتبار إلخ ) .

                                                                                                                            [ تنبيه ] إذا اعتبرنا محل الصلاة فهل يعتبر في زمن الصلاة حتى لو وقعت في صيف وكان الغالب في صيف ذلك المحل العدم وفي شتائه الوجود فلا قضاء .

                                                                                                                            وإن كان الأمر بالعكس وجب القضاء أو في جميع العام أو غالبه أو جميع العمر أو غالبه .

                                                                                                                            فيه نظر ولعل الأوجه الأول .

                                                                                                                            وعليه فلو غلب الوجود صيفا وشتاء في ذلك المحل لكن غلب العدم في خصوص ذلك الصيف الذي وقعت فيه فهل يعتبر ذلك فيسقط القضاء ؟ فيه نظر .

                                                                                                                            ولا يبعد اعتباره ويجري جميع ذلك في محل التيمم إذا اعتبرناه ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : وما ذكر أنه الأقرب مستفاد من قول حج : وقت التيمم وهو مراد الشرح ، فإنه لم يخالف إلا في كون المكان معتبرا فيه التيمم أو الصلاة ، ومنه يستفاد أن من سافر إلى بلدة وأدركته الصلاة بمفازة بطريقها لا ماء في تلك المفازة لا في المكان الذي أراد الصلاة فيه ولا فيما حوله إلى حد يجب تحصيل الماء منه وهو حد القرب إذا صلى في ذلك المكان بالتيمم لا قضاء عليه حيث كان الغالب عدم وجود الماء في ذلك الوقت .

                                                                                                                            ويستفاد أيضا أن ما ببعض الهوامش من أن العبرة في الفقد أو الوجوب بغالب السنة [ ص: 320 ] خلاف ما يفهم من كلام حج وما استقر به المحشي فتنبه له فإنه يغلط فيه كثيرا من ضعفة الطلبة ( قوله : على ندرة فقد الماء ) قالسم على حج : يحتمل تقييده ندرة فقد الماء بعدمه ، فإن كان لمانع حسي كسبع حائل وتأخر نوبته في بئر تناوبوه عن الوقت لم يبعد عدم القضاء م ر ( قوله فالمتجه عدم القضاء ) أي لأن الأصل براءة الذمة ( قوله : فلا يناط ) أي يعلق ( قوله : ولأنه إلخ ) هو تعليل لصحة الصلاة بالتيمم مع كونه رخصة وهي لا تناط بالمعاصي ، فكان مقتضى القياس بطلان التيمم حتى يتوب من معصيته ( قوله : فعله ) أي التيمم ( قوله : ويصح تيممه ) أي العاصي وقوله فيه أي السفر ( قوله : بالتوبة ) قضية ما ذكر أن عصيانه بالسفر مانع من تيمم المريض ، وفيه نظر لأن المرض الذي هو سبب للتيمم لم يعص به والسفر الذي عصى به ليس مقتضيا للتيمم حتى يقال إنه قادر على مانعه بالتوبة ، وأجاب بعضهم عنه بجواب ليس بشيء ( قوله ولو عصى ) أي شخص ( قوله : لأنه ) أي المحل الذي أقام به ( قوله : لا تقضى ) أي جمعة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله وتعبيرهم بمكان التيمم إلخ ) كان ينبغي له أن يمهد لهذا ما يرتبه عليه [ ص: 320 ] قوله : ولأنه لما لزمه فعله إلخ ) هو تابع فيه للشهاب ابن حجر ولم يظهر له معنى هنا ; لأنه مساو لتعليل الثاني الآتي وتوقف فيه أيضا الشهاب ابن قاسم




                                                                                                                            الخدمات العلمية