الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو انقطع دمها بعد ) نحو ( الوضوء ) وقبل [ ص: 338 ] الصلاة أو في أثنائه أو في أثنائها ( ولم تعتد انقطاعه وعوده ) ولم يخبرها ثقة عارف بعوده ( أو اعتادت ) ما ذكر أو أخبرها من ذكر بعوده ( ووسع ) بكسر السين ( زمن الانقطاع ) بحسب عادتها أو بإخبار من ذكر ( وضوءا والصلاة وجب الوضوء ) وإزالة ما على فرجها من النجاسة لاحتمال شفائها في الأولى مع أن الأصل عدم عوده ، ولإمكان أداء الصلاة على وجه الكمال في الوقت في الثانية ، فلو صلت من غير وضوء لم تصح صلاتها امتد الانقطاع أم لا لترددها في طهرها حالة شروعها ، ولو عاد دمها فورا استمر وضوءها لعدم وجود الانقطاع المغني عن الصلاة بالحدث والنجس ، والمراد ببطلان وضوئها بما ذكر حيث خرج منها دم في أثنائه أو بعده ، وإلا فلا يبطل وتصلي به قطعا كما صرح به في المجموع ، لأنه بان أن طهرها رافع حدث ، وشمل كلامه ما لو اعتادت عوده على ندور .

                                                                                                                            وهو ما نقله الرافعي عن مقتضى كلام معظم الأصحاب وهو الأوجه ، وإن بحث أنه لا يبعد إلحاق هذه النادرة بالمعدومة وأنه مقتضى كلام الغزالي ، ولو اعتادت عوده عن قرب فامتد زمن يسع ما ذكر وقد صلت بطهرها تبينا بطلان طهارتها وصلاتها اعتبارا بما في نفس الأمر ، فإن اعتادت انقطاعه في أثناء الوقت ووثقت بانقطاعه فيه وأمنت الفوات وجب عليها انتظاره لاستغنائها حينئذ عن الصلاة بالحدث والنجس ، وإلا ففيه ما مر في التيمم فيمن رجى الماء آخر الوقت كما ذكره المصنف عن التتمة وهو المعتمد وإن جزم صاحب الشامل بوجوب التأخير .

                                                                                                                            وقال الزركشي : إنه الوجه كما لو كان على بدنه نجاسة ورجى الماء آخر الوقت حيث يجب التأخير عن أول الوقت لإزالة النجاسة ، فكذا هنا لوضوح الفرق بينهما ، وهل المراد بقولهم يسع الطهارة [ ص: 339 ] والصلاة على الوجه الأكمل بسننهما أو يسع أقل ما يجزئ ؟ الأقرب الثاني ويشهد له ما ذكره البغوي في مسألة السلس في صلاته قاعدا ، وطهارة المستحاضة مبيحة لا رافعة ، ولو استمسك السلس بالقعود دون القيام صلى قاعدا وجوبا كما في الأنوار حفظا لطهارته ولا إعادة عليه ، وإن فهم ابن الرفعة أنه مستحب ، وصرح به في الكفاية ونسبه للروضة بحسب فهمه ، وذو الجرح السائل كالمستحاضة في الشد وغسل الدم لكل فرض كما في المجموع ، ولا يجوز للسلس أن يعلق قارورة ليقطر فيها بوله لكونه يصير حاملا نجاسة في غير معدنها من غير ضرورة ، ويجوز وطء المستحاضة وإن كان دمها جاريا في زمن يحكم لها فيه بكونها طاهرة ولا كراهة فيه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو في أثنائها ) أي الصلاة ( قوله : ولم يخبرها ثقة عارف ) أي ولو امرأة .

                                                                                                                            وينبغي أن مثل الثقة الفاسق إذا اعتقدت صدقه ( قوله : في الأولى ) هي قوله : ولم تعتد انقطاعه وعوده ، والثانية هي قوله أو اعتادت إلخ ( قوله : حيث ) خبر قوله والمراد ( قوله : في أثنائه ) أي الوضوء ولو مع البعض الآخر ( قوله : وشمل كلامه ) أي فإنه يجب فيه الوضوء ( قوله : بما في نفس الأمر ) أي فتعيد ( قوله : وجب عليها انتظاره ) وهذا مخالف لما تقدم في المتيمم من أنه لو تيقن الماء آخر الوقت كان انتظاره أفضل لا واجبا إلا أن يفرق بأن المستحاضة وجد منها ما ينافي بقاء الطهارة من غير ضرورة إلى اغتفاره والمتيمم لم يوجد منه ذلك ( قوله : فيمن رجى الماء ) قال في المصباح : رجوته أرجوه رجوا على فعول والاسم الرجاء بالمد ، ورجيته أرجيه من باب رمى لغة ا هـ .

                                                                                                                            فلعل رسم الشارح لألفها بالياء على هذه اللغة لأن الألف إذا كانت منقلبة عن واو تكتب ألفا أو منقلبة عن ياء كتبت ياء ( قوله : آخر الوقت ) أي فيكون التعجيل أفضل ( قوله : صاحب الشامل ) هو ابن الصباغ ( قوله : بينهما ) أي بين المتيمم والمستحاضة ، وعليه فيكون قوله : لوضوح إلخ من كلام الزركشي ، ويحتمل أن الضمير راجع للمستحاضة ومن على بدنه نجاسة فيكون من كلام الشارح ردا على الزركشي لكن في الفرق حينئذ خفاء ، ولعل وجهه أن هذه معذورة كالمتيمم فاغتفر لها التأخير بخلاف من على بدنه نجاسة ، ثم رأيت في حج ما يصرح بأن قوله لوضوح إلخ ليس من كلام الزركشي [ ص: 339 ] بل سيق للرد عليه ( قوله : أقل ما يجزئ ) بالنسبة للمصلى ( قوله مبيحة لا رافعة ) أي ومن ثم لو نوت رفع الحدث لم يصح وضوءها لأنه لا يرتفع ( قوله : ولو استمسك السلس ) هو بفتح اللام ( قوله ليقطر ) من باب نصر ا هـ مختار : أي خارج الصلاة ، وفيها : ولو قيل بجواز ذلك خارج الصلاة للاحتراز عن إصابة البول لبدنه أو ثيابه لم يبعد ، بل قد يقتضيه تعليلهم بأنه يصير حامل نجاسة في غير إلخ ، فإنه حيث علم أن النجاسة لا تندفع إلا بذلك كان حاجة أي حاجة .




                                                                                                                            الخدمات العلمية