الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            فصل

                                                                                                                            إذا ( رأت ) المرأة من الدم ( لسن الحيض أقله ) فأكثر ( ولم يعبر ) أي يجاوز ( أكثره فكله حيض ) أي سواء أكانت مبتدأة أم معتادة وقع الدم على صفة واحدة أم انقسم إلى قوي وضعيف وافق ذلك عادتها أم خالفها ، لأن الشروط قد اجتمعت ، واحتمال تغير العادة ممكن ، ويشترط أن لا يكون عليها بقية طهر ، فإن كان بأن رأت ثلاثة [ ص: 340 ] دما ثم اثني عشر نقاء ثم ثلاثة دما ثم انقطع فالثلاثة الأخيرة دم فساد لا حيض كما ذكره في المجموع مفرقا ( والصفرة والكدرة ) كل منهما ( حيض في الأصح ) سواء المبتدأة وغيرها خالف عادتها أم لا كما مر ، وهما ليسا من ألوان الدم وإنما هما كالصديد تعلوه صفرة وكدرة ، ويدل لذلك ما رواه البخاري " أن النساء كن يبعثن لعائشة الدرجة وفيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " تريد الطهر من الحيضة .

                                                                                                                            والدرجة بدال مضمومة مهملة وراء مهملة ساكنة بعدها جيم خرقة ونحوها تدخلها المرأة في فرجها ثم تخرجها لتنظر هل بقي شيء من أثر الحيض أم لا ، والقصة بفتح القاف الجص وهي القطنة أو الخرقة البيضاء التي تحشو بها المرأة عند الحيض شبهت الرطوبة النقية بالجص في الصفاء . والكرسف : القطن ، ومقابل الأصح لا يكون ذلك حيضا لأنه ليس على لون الدم ، ولقول أم عطية : كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا ، وأجيب عنه بأن قول عائشة أقوى لكثرة ملازمتها للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            فصل ( قوله : إذا رأت المرأة إلخ ) وخرج بالمرأة الخنثى فلا يحكم على ما رآه بأنه حيض ، لأن مجرد خروج الدم ليس من علامات الاتضاح ، وفهم من المتن كون الرائي امرأة بتاء التأنيث في رأت ( قوله : لسن ) أي في سن ( قوله : فأكثر ) أي أو أكثر ( قوله : ولم يعبر إلخ ) أي الدم لا بقيد كونه أقله لاستحالته فلم يحتج للاحتراز عنه ، على أنه يصح أن يريد بالأقل هنا ما عدا الأكثر وحينئذ لا يرد على العبارة شيء ا هـ حج .

                                                                                                                            وكتب عليه سم ، قوله : على أنه إلخ . أقول : من التوجيهات القريبة السهلة أن يقال : المراد برؤية أقل الحيض رؤية أقل قدره وهو أربع وعشرون ساعة وهذا صادق برؤية ما زاد على قدره فقط إلى الأكثر وفوقه إذ رؤية جميع ذلك يصدق معها رؤية الأقل ، فصح تقسيمه إلى عدم عبور الأكثر وإلى عبوره من غير تكلف ، وعلى هذا فمرجع الضمير في يعبر الدم المرئي ، وإياك أن تظن أن هذا التوجيه هو معنى العلاوة المذكورة فإن ذلك غلط كما لا يخفى ( قوله : فكله حيض ) هو ظاهر حيث تحققت أن أوقات الدم لا تنقص عن يوم وليلة وأما إذا شكت في أنه يبلغ ذلك أو ماتت قبل مضي ذلك فهل يحكم عليه بأنه حيض لأنه الأصل فيما تراه المرأة ما لم يتحقق نقصه عن يوم وليلة أم لا ، لأن الأصل عدم الحيض ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأنهم صرحوا بأن يحكم على ما تراه المرأة بأنه حيض ما لم ينقص فيؤخذ بكلامهم حتى يتحقق ما يمنعه فلا تقضي ما فاتها فيه من الصلوات ، ويحكم بانقضاء عدتها بسببه ويقع الطلاق المعلق به إلى غير ذلك من الأحكام وسيأتي ذلك عن سم على حج ( قوله : ويشترط أن لا يكون عليها بقية طهر ) هو مستغنى عنه بقول [ ص: 340 ] المصنف أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما ( قوله : ثم انقطع ) وخرج بانقطع ما لو استمر ، فإن كانت مبتدأة فغير مميزة ، أو معتادة عملت بعادتها كما قالوه فيما لو رأت خمستها المعهودة أول الشهر ثم نقاء أربعة عشر ثم عاد الدم واستمر فيوم وليلة من أول العائد طهر ثم تحيض خمسة أيام منه ويستمر دورها عشرين ا هـ حج ( قوله : فالثلاثة الأخيرة ) شامل للمبتدأة أيضا ، وكتب شيخنا بر بهامش شرح المنهج ما نصه : انظر هذا مع قولهم آخر الباب في مسألة الدماء المتخللة بالنقاء إذا زادت على خمسة عشر بالنقاء فهي استحاضة ا هـ .

                                                                                                                            أقول : يخص ذاك بهذا ، وانظر لو كان الدم المرئي بعد النقاء ستة مثلا فهل يجعل الزائد على تكملة الطهر حيضا ؟ لا يبعد أن يجعل ا هـ سم على حج . أقول : قوله : ذاك بهذا : أي فيقال إن قطع على رأس الخمسة عشر أو فيها كان الدم مع النقاء حيضا ، وهذا التخصيص في الحقيقة هو مفهوم قولهم إذا زادت على خمسة عشر ، وقوله : لا يبعد أن يجعل إلخ ، وظاهره أنه لا فرق بين المبتدأة والمعتادة ، لكن فيما تقدم عن حج من قوله كما قالوه فما لو رأت خمستها المعهودة أول الشهر إلخ ما يقتضي تخصيص ذلك بالمعتادة ، وأن المبتدأة تحيض يوما وليلة من أول الشهر ( قوله : والصفرة والكدرة ) أطلق الصفرة والكدرة على ذي الصفرة والكدرة مجازا أو قدر المضاف : أي ذو ا هـ سم على حج ( قوله : كالصديد ) نقل هذا في شرح الروض عن المجموع عن الإمام وقال إنه الأصح ، ونقل عن الشيخ أبي حامد أنهما ماء أصفر وماء أكدر ( قوله : ويدل لذلك ) أي لقول المصنف والصفرة والكدرة حيض ( قوله : ما رواه البخاري إلخ ) ويدل على ذلك أيضا خبر { إذا واقع الرجل أهله وهي حائض إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار ، وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار } رواه أبو داود والحاكم وصححه ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وجه الدلالة به أنه سمى الأصفر دم الحيض على ما هو الظاهر من قوله { إذا واقع الرجل أهله وهي حائض إن كان دما أحمر } ولعل الشارح لم يستدل بهذا لاحتمال أنه سماها حائضا مجازا ، وأن استحباب التصدق بنصف دينار لمواقعته لها بعد انقطاع الحيض وقبل الطهر ثم اعتبار نصف الدينار في الأصفر بناء على الغالب من أن الأصفر لا يوجد في أول الحيض بل في آخره ، وعليه فلو كان كل حيضها أصفر ووطئ في أوله سن التصدق بدينار ( قوله : وهي القطنة ) التفسير به لا يناسب ما سيأتي من قوله : شبهت الرطوبة النقية بالجص إلخ .

                                                                                                                            ومن ثم قال الحافظ حج في فتح الباري : والقصة ماء أبيض يدفقه الرحم عند انقطاع الحيض ا هـ .

                                                                                                                            وقوله : يدفقه هو بكسر الفاء وضمها ، وعبارة القاموس دفقه يدفقه ويدفقه صبه ا هـ .

                                                                                                                            ويمكن [ ص: 341 ] أن يقدر في كلام الشارح محذوف كأن يقال : والمراد به ما في القطنة فلا يخالف ما في الفتح .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 337 - 340 ] قوله : وهما ليسا من ألوان الدم ) عبارة القوت وهما شيء كالصديد يعلوه صفرة وكدرة وليسا بدم كما قاله في شرح المهذب انتهت ( قوله : والقصة ) أي ، فهو تفسير مراد من القصة ، والجص تفسير لها باعتبار أصل اللغة




                                                                                                                            الخدمات العلمية