الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ونفسه في الأصح ) لتعذر تمليك الإنسان ملكه أو منافع ملكه لنفسه لأنه حاصل ، ويمتنع تحصيل الحاصل واختلاف الجهة إذ استحقاقه وقفا غيره ملكا الذي نظر له مقابل الأصح ، واختاره جمع ، ومنه أن يشترط نحو قضاء دينه مما وقفه ، أو انتقاعه به ، أو شربه منه ، أو مطالعته في الكتاب ، أو طبخه في القدر ، أو استعماله من بئر أو كوز وقف ذلك على نحو الفقراء ، فيبطل الوقف بذلك خلافا لما وقع لبعض الشراح هنا ، وكأنه توهم جواز ذلك من قول عثمان في وقفه لبئر رومة دلوي فيها كدلاء المسلمين وليس بصحيح ، فقد أجابوا عنه بأنه لم يقل ذلك على سبيل الشرط بل الإخبار بأن للواقف الانتفاع بوقفه العام كالصلاة بمسجد وقفه والشرب من بئر وقفها .

                                                                                                                            نعم لو شرط أن يضحى عنه صح أخذا من قول الماوردي وغيره بصحة شرط أن يحج عنه منه : أي لأنه لا يرجع له من ذلك سوى الثواب وهو لا يضر بل هو المقصود من الوقف ، ولو وقف على الفقراء مثلا ثم صار فقيرا جاز له الأخذ منه : وكذا لو كان فقيرا حال الوقف كما في الكافي واعتمده السبكي وغيره ، ويصح [ ص: 368 ] شرطه النظر لنفسه ولو بمقابل إن كان بقدر أجرة المثل فأقل كما قيده بذلك ابن الصلاح .

                                                                                                                            ومن الحيل في الوقف على النفس أن يقف على أولاد أبيه ويذكر صفات نفسه فيصح كما قاله جمع من المتأخرين واعتمده ابن الرفعة وعمل به في حق نفسه فوقف على الأفقه من بني الرفعة وكان يتناوله ، وهو الأوجه ، وإن خالف فيه الإسنوي وغيره تبعا للغزالي والخوارزمي فأبطلوه إن انحصرت الصفة فيه وإلا صح ، قال : وهو أقرب لبعده عن قصد الجهة وأن يؤجره مدة طويلة ثم يقفه على الفقراء مثلا ثم يتصرف في الأجرة أو يستأجره من المستأجر وهو الأحوط لينفرد باليد ويأمن خطر الدين على المستأجر وأن يستحكم فيه من يراه ، ولو أقر من وقف على نفسه ثم على جهات مفصلة بأن حاكما يراه حكم به وبلزومه وآخذناه بإقراره ونقض الوقف في حق غيره على ما أفتى به البرهان المراغي ، والأوجه ما أفتى به التاج الفزاري من قبول إقراره عليه وعلى من يتلقى منه ، كما لو قال هذا وقف علي وسيأتي ما له تعلق بذلك ، وأفتى ابن الصلاح وتبعه جمع بأن حكم الحنفي بصحة الوقف على النفس لا يمنع الشافعي باطنا من بيعه وسائر التصرفات فيه ، قال : لأن حكم الحاكم لا يمنع ما في نفس الأمر ، وإنما منع منه في الظاهر سياسة شرعية ، ويلحق بهذا ما في معناه ، لكن رده جمع بأنه مفرع على مرجوح وهو أن حكم الحاكم في محل اختلاف المجتهدين لا ينفذ باطنا كما صرح به تعليله ، والأصح كما في الروضة في مواضع نفوذه باطنا ، ولا معنى له إلا ترتب الآثار عليه من حل وحرمة ونحوهما .

                                                                                                                            وصرح الأصحاب بأن حكم الحاكم في المسائل الخلافية برفع الخلاف ويصير الأمر متفقا عليه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : واختاره جمع ) لا يقوى على دفع ذلك التعذر ا هـ حج ( قوله : ومنه ) أي من الوقف على نفسه ( قوله : أو انتفاعه ) أي ولو بالصلاة فيما وقفه مسجدا ا هـ حج .

                                                                                                                            وكتب عليه سم ما حاصله أن الوقف يبطل بذلك الشرط ونقله عن تصريح شرح البهجة رادا به على من اقتضى كلامه صحة الوقف وبطلان الشرط ( قوله : فيبطل الوقف ) ومثل ذلك في البطلان ما وقع السؤال عنه من أن شخصا وقف نخيلا على مسجد بشرط أن تكون ثمرتها له والجريد والليف والخشب ونحوها للمسجد ، وبقي ما لو وقف جريد النخل أو ليفه مثلا هل يشمل الحادث والموجود أو الموجود فقط ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول .

                                                                                                                            ومحل التردد ما لم ينص على الموجود بأن يقول هذا الجريد ، فإن نص عليه لم يدخل الحادث ( قوله : على سبيل الشرط ) هذا كلام يدل على أن التصريح بنفسه على سبيل الشرط في وقف نحو البئر والمسجد يضر فتأمله وراجعه ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            أقول : وهو ظاهر لأنه بشرطه ذلك منع غيره من الانتفاع به في الوقت الذي يريده فأشبه الوقف على نفسه ، على أن قول الشارح : أو شربه منه أو مطالعته في الكتاب ، صريح فيما ذكرناه ( قوله : جاز له الأخذ منه ) أي كأحدهم [ ص: 368 ] قوله : بقدر أجرة المثل ) أي أما إن شرط النظر لغيره وجعل للناظر أكثر من أجرة المثل لم يمتنع كما يأتي بعد قول المصنف فإن فوض إليه هذه الأمور ( قوله : وكأن ) أي ابن الرفعة ، وقوله يتناوله : أي يأخذ غلته ( قوله : ثم يتصرف في الأجرة ) ولو انفسخت الإجارة بعد الوقف عادت المنافع للواقف كما تقدم للشارح بعد قول المصنف في الإجارة والأظهر أنه لا يرجع على سيده بأجرة ما بعد العتق ( قوله : من يراه ) أي الوقف على النفس كالحنفي ( قوله : وعلى من يتلقى ) أي فلا يبطل في حقه ولا حق من يتلقى منه ( قوله وسيأتي ) قال حج قبيل الفصل ا هـ ( قوله بأن حكم الحاكم ) أي ولو حاكم ضرورة .

                                                                                                                            ومحل ذلك كله حيث صدر حكم صحيح مبني على دعوى وجواب .

                                                                                                                            أما لو قال الحاكم الحنفي مثلا حكمت بصحة الوقف وبموجبه من غير سبق دعوى في ذلك لم يكن حكما بل هو إفتاء مجرد وهو لا يرفع الخلاف فكأن لا حكم فيجوز للشافعي بيعه والتصرف فيه



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 367 ] قوله : نعم لو شرط أن يضحي عنه صح ) انظر هل لهذه الأضحية حكم سائر الضحايا ولو بعد موت الواقف [ ص: 368 ] المضحى عنه ( قوله : إن كان بقدر أجرة المثل فأقل ) أي : وإلا بطل الوقف ، كذا في بعض الهوامش فليراجع ( قوله : وهو أقرب ) لعله سقط قبل لفظ قال السبكي إذ هو كذلك في التحفة ، وإلا فقد استوجه هو الصحة . ( قوله : لبعده عن قصد الجهة ) تعليل لما قبل قوله وإلا كما هو ظاهر . ( قوله : وعلى من يتلقى منه ) انظر هل المراد من يتلقى منه [ ص: 369 ] بجهة الوقف خاصة حتى يخرج نحو الزوجة فلا يسري عليه أو المراد ما هو أعم




                                                                                                                            الخدمات العلمية