الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا يصح ) الوقف من ناطق لا يحسن الكتابة ( إلا بلفظ ) ولا يأتي فيه خلاف المعاطاة وفارق نحو البيع بأنها عهدت فيه جاهلية فأمكن تنزيل النص عليها ، ولا كذلك الوقف ، فلو بنى بناء على هيئة مسجد أو مقبرة وأذن في إقامة الصلاة أو الدفن فيه لم يخرج بذلك عن ملكه . نعم بناء المسجد في الموات تكفي النية فيه لأنه ليس فيه إخراج الأرض المقصودة بالذات عن ملكه لا حقيقة ولا تقديرا حتى يحتاج إلى لفظ قوي يخرجه عنه كما قاله في الكفاية تبعا للماوردي ، ويزول ملكه عن الآلة باستقرارها في محلها من البناء لا قبله ، إلا أن يقول ; هي للمسجد ، ويقبل ناظره له ذلك ويقبضه كما قاله القمولي والبلقيني ، وقول الروياني : لو عمر مسجدا خرابا ولم يقف الآلة كانت عارية يرجع فيها متى شاء ، يمكن حمله على ما إذا لم يبن بقصد المسجد والقول بخلافه على ما إذا بنى بقصد ذلك ، وفي كلام البغوي ما يرد كلام الروياني ، وألحق الإسنوي أخذا من كلام الرافعي بالمسجد في ذلك المدارس والربط والبلقيني أخذا منه أيضا البئر المحفورة للسبيل والبقعة المحياة مقبرة .

                                                                                                                            قال الشيخ أبو محمد : وكذا لو أخذ من الناس شيئا ليبني به زاوية أو رباطا فيصير كذلك بمجرد بنائه [ ص: 371 ] أما الأخرس فيصح بإشارته وأما الكاتب فبكتابته مع النية ( وصريحه ) ما اشتق من لفظ الوقف ، نحو ( وقفت كذا ) على كذا ( أو أرضي ) أو أملاكي ( موقوفة ) أو وقف ( عليه والتسبيل والتحبيس ) أي ما اشتق منهما كأملاكي حبس عليه ( صريحان على الصحيح ) فيهما لاشتهارهما شرعا وعرفا فيه .

                                                                                                                            والثاني أنهما كنايتان لعدم اشتهارهما كاشتهار الوقف ، وقيل الأول كناية والثاني صريح ( ولو قال تصدقت بكذا صدقة محرمة ) أو مؤبدة ( أو موقوفة ) ولا يشكل ذكر الخلاف في هذه مع صراحة أرضي موقوفة بلا خلاف لأن فيها خلافا أيضا ، وعلى عدمه فموقوفة في الأولى وقعت مقصودة ، وفي الثانية وقعت تابعة فضعفت صراحتها أو مسبلة أو محبسة أو صدقة حبس أو حبس محرم أو صدقة ثابتة أو بتلة كما قاله ابن خيران أو لا تورث ( أو لا تباع ولا توهب ) الواو هنا بمعنى أو ، إذ أحدهما كاف كما صححه في البحر ، وجزم به ابن خيران وابن الرفعة وإن نازع فيه السبكي ( فصريح في الأصح ) لأن لفظ التصدق مع هذه القرائن لا يحتمل سوى الوقف ، ومن ثم كان هذا صريحا بغيره ، وإنما لم يكن قوله لزوجته أنت بائن مني بينونة محرمة لا تحلين لي بعدها أبدا صريحا لاحتماله غير الطلاق كالتحريم بالفسخ بنحو رضاع ، والثاني كناية لاحتمال تأكيد ملك المتصدق عليه .

                                                                                                                            وقيل لا تكفي صدقة محرمة حتى يقول لا تباع ولا توهب ( وقوله تصدقت فقط ليس بصريح ) في الوقف ولا كناية فلا يحصل وقف به ( وإن نواه ) لتردده بين صدقة الفرض والنقل والوقف ( إلا أن يضيقه إلى جهة عامة ) كتصدقت به على الفقراء ( وينوي الوقف ) فيصير كناية كما هو ظاهر الروضة كأصلها وصوبه الزركشي ، ويحصل الوقف به لظهور اللفظ حينئذ فيه بخلافه في المضاف [ ص: 372 ] إلى معين ولو جماعة لا يكون كناية في الوقف وإن نواه ، إذ هو صريح في التمليك بلا عوض ، فإن قبل وقبضه ملكه وإلا فلا ، ونقل الزركشي عن جمع أنه متى نوى به الوقف كان وقفا فيما بينه وبين الله تعالى ( والأصح أن قوله حرمته أو أبدته ليس بصريح ) لعدم استعماله مستقلا بل مؤكد كما مر فيكون كناية لاحتماله وإتيانه بأو لدفع إيهام أن أحدهما ليس بكناية .

                                                                                                                            والثاني أنهما صريحان لإفادتهما الغرض كالتحبيس والتسبيل ( و ) الأصح وإن نازع فيه الإسنوي ( أن قوله جعلت البقعة مسجدا ) من غير نية صريح حينئذ ( تصير به مسجدا ) ولو لم يأت بشيء مما مر لأن المسجد لا يكون إلا وقفا .

                                                                                                                            والثاني لا تصير لأنه وصفها بما وصفها الشارع بقوله { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } والخلاف عند الإطلاق ، فلو نوى به الوقف أو زاد لله صار مسجدا قطعا ، والظاهر كما أفاده الشيخ أنه لو قال أذنت في الاعتكاف فيه صار مسجدا لأن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد بخلاف الصلاة ، وينبغي أن صيرورته مسجدا بذلك إنما هو لتضمن كلامه الإقرار به لا لكون ذلك صيغة إنشاء لوقفه حتى لو لم يوجد منه صيغة لذلك لم يكن وقفا باطنا

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولا يأتي فيه ) أي الوقف ، وقوله وفارق البيع : أي حيث جرى فيه الخلاف ( قوله فأمكن تنزيل النص عليها ) وهو قوله " إنما البيع عن تراض " فحمل على البيع المعروف لهم ولو بالمعاطاة عند من يقول بها ( قوله : ويقبضه ) هو واضح فيما له ناظر ، أما ما لا ناظر له كمن أحيا مواتا بقصد المسجدية فإن ما أحياه يصير مسجدا ولا ناظر له ، فإذا أعد له آلة قبل الإحياء ثم بنى بها فيه يتبين أنه ملكها من حين الإعداد ا هـ حج بالمعنى : أي وأما ما أعده بعد الإحياء لنحو ترميمه أو إكمال بنائه ويزول ملكه عن الآلة باستقراره في محله إلخ ، ثم ما ذكر من أن المسجد قد يكون لا ناظر له ظاهر فيمن شرع في إحياء مسجد في موات فإنه قبل تمام الإحياء لم يثبت له حكم المسجدية فلا ناظر له ، أما بعد تمام الإحياء فيكون ناظره الحاكم ( قوله : يمكن حمله ) معتمد ( قوله : بالمسجد في ذلك ) أي أنه يصير وقفا بنفس البناء في الموات ( قوله : ليبني به زاوية ) واشتهر عرفا في الزاوية أنها [ ص: 371 ] ترادف المسجد وقد ترادف المدرسة وقد ترادف الرباط فيعمل فيها بعرف محلها المطرد وإلا فبعرف أقرب محل إليه كما هو قياس نظائره ا هـ حج .

                                                                                                                            أقول : وعليه فلو أخذ من جماعة في بلاد متفرقة مثلا ليبني زاوية في محلة كذا كان العبرة بعرف محلة الزاوية دون الدافعين ، لكن هل يشترط علم الدافعين بعرف محلة الزاوية ولو لم يقصد الآخذ محلا بعينه حال الأخذ لبناء الزاوية حتى يصح ذلك ويتخير في المحل الذي يبني فيه أو لا بد من التعيين ؟ فيه نظر ، ولا يبعد الصحة وكره في النظر لجهة الوقف ما أمكن ، ثم لو بقي من الدراهم التي أخذها لما ذكر شيء بعد البناء ، فينبغي حفظه ليصرف على ما يعرض له من المصالح ، وفي سم على حج : فرع : في فتاوى السيوطي ما نصه : مسألة المدارس المبنية الآن بالديار المصرية وغيرها ولا يعلم للواقف نص على أنها مسجد لفقد كتاب الوقف ولا تقام بها جمعة هل تعطى حكم المسجد أم لا ؟ الجواب المدارس المشهورة الآن حالها معلوم ، فمنها ما علم نص الواقف أنها مسجد كالشيخونية في الإيوانين خاصة دون الصحن ، ومنها ما علم نصه أنها ليست بمسجد كالكاملية والبيبرسية ، فإن فرض ما يعلم فيه ذلك ولو بالاستفاضة لم يحكم بأنها مسجد لأن الأصل خلافه ا هـ .

                                                                                                                            وأفهم أن ما لم يعلم فيه شيء لا بالاستفاضة ولا غيرها يحكم بمسجديته اكتفاء بظاهر الحال ( قوله : أما الأخرس ) محترز من ناطق ( قوله حبس عليه ) أي محبوسة وهو بفتح الحاء مصدر حبس إذا وقف وبضمها الموقوف ففي المختار الحبس بوزن القفل ما وقف ( قوله : أو حبس محرم ) أي أو صدقة حبس محرم ؟ ( قوله : صريحا بغيره ) وهو ما ضمه إلى [ ص: 372 ] تصدقت ونحوه ، وقوله إذ هو صريح معتمد ، وقوله كان وقفا إلخ معتمد ( قوله : صار مسجدا ) قضية قوله صار أن هذا صريح في إنشاء وقفها مسجدا ، ومن ثم بحث فيه الشارح بما سيأتي ( قوله : في الاعتكاف ) أي أو في صلاة التحية فيه



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ويزول ملكه عن الآلة إلخ ) هو من كلام الكفاية أيضا تبعا للماوردي ، ويدل عليه ما يأتي في الشارح فكان الأولى تأخير قوله كما قاله في الكفاية إلخ عنه . ( قوله : واعتراض القمولي والبلقيني إلخ ) ليس فيما رأيته من نسخ الشارح لهذا خبر ، ولعله سقط من الكتبة ، وعبارة التحفة : واعترض القمولي والبلقيني ما ذكره آخرا بأن الذي ينبغي توقف ملكه للآلة على قبول ناظره وقبضه ، وفيه نظر لأن الكلام في الآلة التي يحصل بها الإحياء وهو حينئذ لا ناظر له ; لعدم وجود المسجدية إلا بعد أن يوجد من البناء ما يحصل به الإحياء ; وإذا تعذر الناظر حينئذ اقتضت الضرورة أن ما سيصير مسجدا يتبين أنه ملك تلك الآلة بمجرد قوله ، فما قاله : أي الماوردي صحيح لا غبار عليه انتهت . ( قوله : ما ذكره آخرا ) يعني صاحب الكفاية تبعا للماوردي وقوله : آخرا : أي قوله : ما لم يقل هي للمسجد ( قوله : وغيرهما ) بالجر عطفا على القمولي والبلقيني : أي واعتراض غيرهما ، وحينئذ فقوله : يمكن حمله لا يصح أن يكون خبرا له إلا بتكلف ; إذ الذي يمكن حمله إنما هو كلام الروياني لا الاعتراض المقدر الذي [ ص: 371 ] هو المبتدأ ( قوله : حبس عليه ) لعله بضم الحاء والباء جمعا لحبيس حتى يناسب التفسير قبله . ( قوله : مع صراحة أرضي موقوفة بلا خلاف ) أي مع ذكره صراحة ذلك بلا خلاف حتى يلاقي الجواب بأن فيها خلافا أيضا على ما فيه ، وإلا فكيف يسلم أنه لا خلاف فيها ثم يدعي فيه الخلاف . ( قوله : لاحتماله غير الطلاق ) والقياس حينئذ أنه إذا لم يدع الطلاق يمنع عنها مؤاخذة له بإقراره ثم يستفسر وأنه لا يقبل تفسيره بغير الثلاثة المذكورة




                                                                                                                            الخدمات العلمية