الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومنافعه ملك للموقوف عليه ) لأن ذلك مقصوده ( يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة ) إن كان ناظرا وإلا امتنع عليه نحو الإجارة لتعلقها بالناظر أو نائبه ، وذلك كسائر الأملاك ، ومحله إن لم يشرط ما يخالف ذلك ، ومنه وقف داره على أن يسكنها معلم الصبيان أو الموقوف عليهم فيمتنع غير سكناه ، وما نقل عن المصنف من أنه لما ولي دار الحديث وبها قاعة للشيخ أسكنها غيره اختيار له ، أو لعله لم يثبت عنده أن الواقف نص على سكنى الشيخ ، ولو خربت ولم يعمرها الموقوف عليه أو جرت للضرورة بما تعمر به ، إذ الفرض أنه ليس للوقف ما يعمر به سوى الأجرة المعجلة ، وذكر ابن الرفعة أنه يلزم الموقوف عليه ما نقصه الانتفاع من عين الموقوف كرصاص الحمام فيشتري من أجرته بدل ما فات .

                                                                                                                            قال الدميري : وعليه عمل الناس .

                                                                                                                            قال الزركشي وفي كونه يملكها في هذه الحالة نظر .

                                                                                                                            ولو وقف أرضا غير مغروسة على معين امتنع عليه غرسها إلا إن نص الواقف عليه أو شرط له جميع الانتفاعات كما رجحه السبكي ، ومثل الغرس البناء ، ولا يبني ما كان مغروسا [ ص: 390 ] وعكسه ، وضابطه أنه يمتنع كل ما غير الوقف بالكلية عن اسمه الذي كان عليه حال الوقف ، بخلاف ما يبقى الاسم معه .

                                                                                                                            نعم إن تعذر المشروط جاز إبداله كما سيأتي ، وأفتى الولي العراقي في علو وقف أراد الناظر هدم واجهته وإخراج رواشن له في هواء الشارع بامتناع ذلك إن كانت الواجهة صحيحة أو غيرها وأضر بجدار الوقف ، وإلا جاز بشرط أن لا يصرف عليه من ريع الوقف إلا ما يصرف في إعادته على ما كان عليه وما زاد في ماله ، وإنما لم تمتنع الزيادة مطلقا لأنها لا تغير معالم الوقف ( ويملك الأجرة ) لأنها بدل المنافع المملوكة له .

                                                                                                                            وقضيته أنه يعطي جميع الأجرة المعجلة ولو لمدة لا يحتمل بقاؤه إلى انقضائها ، وهو كذلك كما مر في الإجارة ( و ) يملك ( فوائده ) أي الموقوف ( كثمرة ) ومن ثم لزمه زكاتها كما مر بقيده في بابها ، ومثلها غصن وورق توت اعتيد قطعهما أو شرط ولم يؤد قطعه لموت أصله ، والثمرة الموجودة حال الوقف للواقف إن كانت مؤبرة ، وإلا فقولان أرجحهما أنها موقوفة كالحمل المقارن .

                                                                                                                            وذكر القاضي في فتاويه أنه لو مات الموقوف عليه وقد برزت ثمرة النخل فهي ملكه ، أو وقد حملت الموقوفة فالحمل له ، أو وقد زرعت الأرض فالزرع لذي البذر ، فإن كان البذر له فهو لورثته ولمن بعده أجرة بقائه في الأرض ، وأفتى جمع متأخرون في نخل وقف مع أرضه ثم حدث منها ودي بأن تلك الودية خارجة من أصل النخل جزء منها فلها حكم أغصانها ، وسبقهم لنحو ذلك السبكي فإنه أفتى في أرض وقف وبها شجر موز فزالت بعد أن نبت من أصولها فراخ ، وفي السنة الثانية كذلك وهكذا بأن الوقف ينسحب على كل ما نبت من تلك الفراخ المتكررة من غير احتياج إلى إنشائه ، وإنما احتيج له في بدل عبد قتل لفوات الموقوف بالكلية ( وصوف ) وشعر ووبر وريش وبيض ( ولبن وكذا الولد ) الحادث بعد الوقف من مأكول وغيره كولد أمة من نكاح أو زنا ( في الأصح ) كالثمرة .

                                                                                                                            أما إذا كان حملا حال الوقف [ ص: 391 ] فهو وقف كما مر وولد الأمة من شبهة حر فعلى أبيه قيمته ويملكها الموقوف عليه ( والثاني يكون وقفا ) تبعا لأمه كولد الأضحية ومحله في غير ما حبس في سبيل الله أما هو فولده وقف كأصله هذا إن أطلق أو شرط ذلك للموقوف عليه فالموقوفة على ركوب إنسان فوائدها للواقف كما رجحاه وإن نوزعا فيه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بنفسه وبغيره ) محله حيث كان الوقف للاستغلال كما يأتي في الفصل الآتي .

                                                                                                                            أما لو وقفه لينتفع به الموقوف عليه استوفاها لنفسه بنفسه أو نائبه ، وليس له إعارة ولا إجارة على ما يأتي كالعارية ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ( قوله : فيمتنع غير سكناه ) أي فلو تعذر سكنى من شرطت له كأن دعت ضرورة إلى خروجه من بلد الوقف أو كان الموقوف عليه امرأة ولم يرض زوجها بسكناها في المحل المشروط لها فينبغي أن يكون كمنقطع الوسط فيصرف لأقرب رحم الواقف ما دام العذر موجودا ، ولا تجوز له إجارته لبعد الإجارة عن غرض الواقف من السكنى .

                                                                                                                            [ فرع ] وقع السؤال عن رجل وقف بيتا على نفسه أيام حياته ثم من بعده على إخوته ثم إنه شرط في وقفه شروطا : منها أن لزوجته السكن والإسكان مدة حياتها عازبة كانت أو متزوجة فهل تستحق الزوجة المذكورة السكن والإسكان لجميع البيت دون الإخوة الموقوف عليهم أم لا ؟ وأجاب عنه شيخنا بما صورته : الحمد لله حيث حكم به حاكم يراه صار مذهبنا تابعا لمذهبه فتستحق الزوجة المذكورة السكنى والإسكان ، فإن اتفق استيعابها البيت المذكور فلا حق لإخوة معها في البيت فلا يزاحمونها في شيء منه ما دامت ساكنة أو مسكنة لا بأنفسهم ولا بإيجارهم لغيرهم ، وإن فضل شيء من البيت يزيد على ما هي منتفعة به كان لهم التصرف فيه وإذا أعرضت عن المحل أو منعها من الانتفاع مانع كان الحق لهم ما دامت تاركة له .

                                                                                                                            ( قوله : ولو خربت ) أي الدار الموقوفة على معلم الصبيان ، وقوله ولم يعمرها أي تبرعا .

                                                                                                                            ( قوله : وفي كونه ) أي الموقوف عليه يملكها : أي الأجزاء الفائتة إذا بقي لها صورة ، وقوله نظرا لأقرب الملك .

                                                                                                                            ( قوله : امتنع عليه غرسها ) أي وينتفع بها فيما تصلح له غير مغروسة .

                                                                                                                            ( قوله : ومثل الغرس البناء ) أي فلو وقف أرضا خالية من البناء لا يجوز بناؤها ما لم يشرط له جميع الانتفاعات وعليه فلو وقف شخص دارا كانت مشتملة على أماكن وخرب بعضها قبل الوقفية فينبغي جواز بناء ما كان [ ص: 390 ] منهدما فيها حيث لم يضر بالعامر لأن الظاهر رضا الواقف بمثل هذا ( قوله : مطلقا ) أي ضرب أم لا ، وقوله لأنها أي هذه الخصلة .

                                                                                                                            ( قوله : ولم يؤد قطعه إلخ ) ظاهره رجوعه إلى أو شرط أيضا ا هـ سم على حج ، وهو ظاهر لأن العمل بالشرط إنما يجب حيث لم يمنع منه مانع .

                                                                                                                            ( قوله : إن كانت مؤبرة ) لو صرح بإدخال المؤبرة في الوقف هل يصح تبعا للشجرة ، وعليه هل يشترط فيه أن يتحد عقد الوقف ويتأخر وقف الثمرة ؟ فيه نظر ، وقال م ر : يصح ويشترط ما ذكر فليراجع ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ( قوله : موقوفة كالحمل ) لم يبين حكمها حينئذ وأنه لا ينبغي أن يكون للموقوف عليه لأنه لا يستحق أخذ عين الوقف فماذا يفعل بها ؟ ويحتمل أنها تباع ويشتري بثمنها شجرة أو شقصا ويوقف كالأصل ، وكذا يقال في نظير ذلك ففي البيض إذا شمله الوقف يشتري به دجاجة أو شقصها وفي اللبن كذلك يشتري به شاة أو شقصها .

                                                                                                                            وأما الصوف فيمكن الانتفاع به مع بقاء عينه فلا يبعد امتناع بيعه وينتفع بعينه ثم يحتمل جواز غزله ونسجه والانتفاع به منسوجا فليتأمل ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            [ فائدة ] الموقوف على المدارس أو على نحو الأولاد وشرط الواقف تقسيطه على المدة فهنا تقسط الغلة كالثمرة على المدة فيعطي منه ورثة من مات قسط ما باشره أو عاشه وإن لم توجد الغلة إلا بعد موته ا هـ حج ( قوله : فالحمل له ) أي حيث كان البطن الذي انتقل إليه غير الوارث .

                                                                                                                            أما هو فتسقط الأجرة عنه .

                                                                                                                            ( قوله : فإن كان البذر له ) أي وإن كان لغيره فالزرع له وعليه الأجرة ، فإن كان الناظر قبضها ودفعا للموقوف عليه لاستحقاقه إياها رجع على تركته [ ص: 391 ] بقسط ما بقي من المدة .

                                                                                                                            ( قوله : فهو وقف كما مر ) وعليه فلو استثناه حال الوقف احتمل بطلان الوقف قياسا على ما لو قال بعتها إلا حملها .

                                                                                                                            ( قوله : وولد الأمة ) أي الموقوفة وهو محترز قوله من نكاح أو زنا .

                                                                                                                            ( قوله : فولده وقف ) أي من غير إنشاء وقف ( قوله : فالموقوفة على ركوب إنسان إلخ ) لو احتاج إلى ركوبها في سفر هل يجوز له أخذها والسفر بها وإن فوت على الواقف فوائدها كالدر أم لا ؟ فيه نظر ، وظاهر إطلاقهم استحقاق الركوب الأول حيث لم يقيدوه ببلد الواقف .

                                                                                                                            ( قوله : فوائدها للواقف ) أي ومؤنها عليه أيضا ; لأنه لم يجعل منها للمستحق إلا الركوب فكأنها باقية على ملكه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 390 ] قوله : أرجحهما أنها موقوفة ) قال الشهاب سم : ولا يرد على ذلك عدم صحة وقف الطعام ونحوه ; لأن ذاك فيما كان استقلالا لا بطريق التبعية ، ثم نقل عن الشارح احتمال أنها تباع ويشترى بثمنها شجرة أو شقصها ويوقف كالأصل




                                                                                                                            الخدمات العلمية