الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والأصح جواز ) ( بيع حصر المسجد إذا بليت وجذوعه إذا انكسرت ) أو أشرفت على الانكسار ( ولم تصلح إلا للإحراق ) لئلا تضيع فتحصيل يسير من ثمنها يعود على الوقف أولى من ضياعها واستثنيت من بيع الوقف لصيرورتها كالمعدومة ، ويصرف لمصالح المسجد ثمنها إن لم يمكن شراء حصير أو جذع به ومقابله أنها تبقى أبدا ، وانتصر له جمع نقلا ومعنى ، ومحل الخلاف في الموقوفة ولو بأن اشتراها الناظر ووقفها ، بخلاف المملوكة للمسجد بنحو شراء فإنها تباع جزما ، وخرج بقوله ولم تصلح إلى آخره ما لو أمكن اتخاذ نحو ألواح منه فلا تباع قطعا بل يجتهد الحاكم ويستعمله فيما هو أقرب لمقصود الواقف ، حتى لو أمكن استعماله بإدراج في آلات العمارة امتنع بيعه فيما يظهر ، وقد تقوم قطعة جذع مقام آجرة والنحاتة مقام التراب وتختلط به : أي فيقوم مقام التبن الذي يخلط الطين به كما أفاده الأذرعي وأجريا الخلاف في دار منهدمة أو مشرفة على الانهدام ولم تصلح للسكنى ، وفرق بعضهم بين الموقوفة على المسجد والتي على غيره ، وأفتى الوالد رحمه الله تعالى بأن الراجح مع بيعها سواء أوقفت على المسجد أم على غيره .

                                                                                                                            قال السبكي وغيره : إن منع بيعها هو الحق ، ولأن جوازه يؤدي إلى موافقة القائلين بالاستبدال ، ويمكن حمل القائل بالجواز على البناء خاصة كما أشار إليه ابن المقري في روضه بقوله وجدار داره المنهدم وهذا الحمل أسهل من تضعيفه ( ولو ) ( انهدم مسجدا وتعذرت إعادته ) ( لم يبع بحال ) لإمكان الانتفاع به حالا بالصلاة في أرضه ، وبه فارق ما لو وقف فرس على الغزو فكبر ولم يصلح حيث جاز بيعه .

                                                                                                                            نعم لو خيف على نقضه نقض وحفظ ليعمر به مسجدا آخر إن رآه الحاكم ، والأقرب أولى لا نحو بئر ورباط ما لم يتعذر نقله لمسجد آخر ، وبحث الأذرعي تعين مسجد خص بطائفة خص بها المنهدم إن وجد وإن بعد ، أما ريع المسجد المنهدم فقال الوالد رحمه الله تعالى : إنه إن توقع عوده حفظ له ، وهو ما قاله الإمام ، وإلا فإن أمكن صرفه إلى مسجد آخر صرف إليه ، وبه جزم [ ص: 396 ] في الأنوار ، وإلا فمنقطع الآخر فيصرف لأقرب الناس إلى الواقف ، فإن لم يكونوا صرف إلى الفقراء والمساكين أو مصالح المسلمين .

                                                                                                                            أما غير المنهدم فما فضل من غلة الموقوف على مصالحه يشتري بها عقار ويوقف عليه ، بخلاف الموقوف على عمارته يجب ادخاره لأجلها : أي إن توقعت عن قرب كما أشار إليه السبكي وإلا لم يعد منه شيء لأجلها لأنه يعرض للضياع أو لظالم يأخذه ولو وقف أرضا للزراعة فتعذرت وانحصر النقع في الغرس أو البناء فعل الناظر أحدهما أو آجرها كذلك ، وقد أفتى البلقيني في أرض موقوفة لتزرع حناء فآجرها الناظر لتغرس كرما بأنه يجوز إذا ظهرت المصلحة ولم يخالف شرط الواقف انتهى .

                                                                                                                            لا يقال : هذا مخالف لشرط الواقف ، فإن قوله لتزرع حناء متضمن لاشتراط أن لا يزرع غيره ، لأن من المعلوم أنه يغتفر في الضمني ما لا يغتفر في المنطوق ، على أن الفرض في مسألتنا أن الضرورة ألجأت إلى الغرس أو البناء ومع الضرورة مخالفة شرط الواقف جائزة إذ من المعلوم أنه لا يقصد تعطيل وقفه وثوابه ، ومسألة البلقيني ليس فيها ضرورة فاحتاج إلى التقييد بعدم مخالفة شرط الواقف ، وعمارة الوقف مقدمة على الموقوف عليه ، ويصرف ريع ما وقف على المسجد وقفا مطلقا أو على عمارته في بناء وتجصيص محكم وسلم وبواري للتظليل بها ومكانس ومساحي لنقل التراب وظلة تمنع إفساد خشب باب ونحوه بمطر ونحوه إن لم يضر بالمارة وأجرة قيم لا مؤذن وإمام وحصر ودهن ; لأن القيم يحفظ العمارة ، بخلاف الباقي فلو كان الوقف لمصالحه صرف من ريعه لمن ذكر لا في تزويق ونقش بل لو وقف عليها لم يصح .

                                                                                                                            وهذا المذكور من عدم صرف ذلك للمؤذن والإمام في الوقف المطلق هو مقتضى ما نقله في الروضة عن البغوي ، لكنه نقل بعده عن فتاوى الغزالي أنه يصرف لهما كما في الوقف على مصالحه وكما في نظيره من الوصية للمسجد ، وهذا هو الأصح ، ويتجه إلحاق الحصر والدهن بهما في ذلك ، ولأهل الوقف المهايأة لا قسمته ولو إفرازا ولا تغييره كجعل البستان دارا وعكسه ما لم يشرط الواقف العمل بالمصلحة فيجوز تغييره بحسبها ، قال السبكي : والذي أراه تغييره في غيره ولكن بثلاثة شروط : أن يكون يسيرا لا يغير مسماه ، وأن لا يزيل شيئا من عينه بل ينقله من جانب [ ص: 397 ] إلى آخر ، وأن يكون مصلحة وقف .

                                                                                                                            وعليه ففتح شباك الطيبرسية في جدار الجامع الأزهر لا يجوز إذ لا مصلحة للجامع فيه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ووقفها ) قيد لما قبله ( قوله : بنحو شراء ) ولو من غلة الوقف حيث لم توقف من الناظر .

                                                                                                                            ( قوله : فإنها تباع جزما ) أي وتصرف على مصالح المسجد ولا يتعين صرفها في شراء حصر بدلها ( قوله : على البناء خاصة ) أي دون الأرض فلا يجوز بيعها .

                                                                                                                            ( قوله : ليعمر به مسجدا آخر إن رآه الحاكم ) أي ويصرف للثاني جميع ما كان يصرف للأول من الغلة الموقوفة عليه ، ومنه بالأولى ما لو أكل البحر المسجد فتنقل أنقاضه لمحل آخر ويفعل بغلته ما ذكر ، ومثل المسجد أيضا غيره من المدارس والربط وأضرحة الأولياء نفعنا الله بهم ، فينقل الولي منها إلى غيرها للضرورة ، ويصرف على مصالحه بعد نقله ما كان يصرف عليه في محله الأول ( قوله : والأقرب ) أي المسجد الأقرب إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : لا نحو بئر ورباط ) أي وإن كانا موقوفين ( قوله : خص بها المنهدم إلخ ) معتمد .

                                                                                                                            ( قوله : وإن بعد ) أي ولو ببلد آخر .

                                                                                                                            ( قوله : فإن أمكن صرفه إلى مسجد آخر ) أي قريب منه انتهى شرح [ ص: 396 ] منهج وبقي : ما لو كان ثم مساجد متعددة واستوى قربه من الجميع هل يوزع على الجميع أو يقدم الأحوج ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني ، فلو استوت الحاجة والقرب جاز صرفه لواحد منها .

                                                                                                                            ( قوله : أو مصالح المسلمين ) على الخلاف السابق والراجح منه تقديم المصالح .

                                                                                                                            ( قوله : وإلا لم يعد ) أي يدخر .

                                                                                                                            قال حج : بل يشترى به عقار أو نحوه . انتهى .

                                                                                                                            ( قوله : وتجصيص ) ومنه البياض المعروف .

                                                                                                                            ( قوله : لا مؤذن وإمام ) ضعيف .

                                                                                                                            ( قوله : بل لو وقف عليها ) الأولى عليهما : أي التزويق والنقش ( قوله : لا قسمته ) هو واضح إن حصل بالقسمة تغيير لما كان عليه الوقف كجعل الدار الكبيرة دارين ، أما عند عدم حصوله كأن تراضوا على أن كل واحد منهم يأخذ دارا ينتفع بها مدة استحقاقه فالظاهر الجواز وله الرجوع عن ذلك متى شاء ( قوله : في غيرها ) أي غير صورة الشرط ( قوله : لا يغير مسماه ) منه يؤخذ جواب حادثة وقع السؤال عنها ، وهي أن مطهرة مسجد مجاورة لشارع من شوارع المسلمين آلت للسقوط وليس في الوقف ما تعمر به فطلب شخص أن يعمرها من ماله بشرط ترك قطعة من الأرض التي كانت حاملة للجدار لتتسع الطريق فظهرت المصلحة في ذلك خوفا من انهدامها وعدم ما تعمر به هل ذلك جائز أم لا ، وهو الجواز نظرا للمصلحة المذكورة .

                                                                                                                            وفي حج : فرع : في فتاوى ابن عبد السلام يجوز إيقاد اليسير في المسجد الخالي ليلا تعظيما له لا نهارا للسرف والتشبيه بالنصارى ، وفي الروضة يحرم إسراج الخالي ، وجمع بحمل هذا على ما إذا سرج من وقف المسجد أو ملكه ، والأول على ما إذا تبرع به من يصح تبرعه ، وفيه نظر لأنه إضاعة مال بل الذي يتجه الجمع بحمل الأول على ما إذا توقع ولو على ندور احتياج أحد لما فيه من النور . [ ص: 397 ] والثاني على ما إذا لم يتوقع ذلك انتهى .

                                                                                                                            ( قوله : لا يجوز ) أي أما المرور منه فإنه جائز لعدم التعدي من المار ، إذ غايته أن مروره في أرض موقوفة ، وليس في شرط الواقف ما يقتضي المنع منه ( قوله : إذ لا مصلحة للجامع فيه ) يؤخذ من هذا جواب حادثة وقع السؤال عنها ، وهي أن شخصا أراد عمارة جامع خرب بآلة جديدة غير آلته ، ورأى المصلحة في جعل بابه من محل آخر غير المحل الأول لكونه بجوار من يمنع الانتفاع به على الوجه المعتاد وهو أنه يجوز له ذلك لأن فيه مصلحة أي مصلحة للجامع وللمسلمين .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : : وبحث الأذرعي تعين مسجد خص بطائفة إلخ ) انظر هل مثله تعين نقض الجامع لجامع لا لمسجد غير جامع ؟




                                                                                                                            الخدمات العلمية