الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وشرط الهبة ) بمعنى ما لا بد منه في تحقق وجودها في الخارج فيشمل الركن كما هنا ، وركنها الثاني العاقدان ، والثالث الموهوب ( إيجاب ) كوهبتك وملكتك ومنحتك وأكرمتك وعظمتك ونحلتك وكذا أطعمتك ولو في غير طعام كما نص عليه ( وقبول ) كقبلت ورضيت واتهبت ( لفظا ) في حق الناطق وإشارة الأخرس في حقه لأنها تمليك في الحياة كالبيع ولهذا انعقدت بالكناية مع النية كلك كذا وكسوتك هذا وبالمعاطاة على [ ص: 407 ] القول بها ، واشترط هنا في الأركان الثلاثة جميع ما مر فيها ، ومنه أن يكون القبول مطابقا للإيجاب خلافا لمن زعم عدم اشتراطها هنا ، ومنه أيضا اعتبار الفور في الصيغة وأنه لا يضر الفصل إلا بأجنبي ، والأوجه كما رجحه الأذرعي اغتفار قوله بعد وهبتك وسلطتك على قبضه فلا يكون فاصلا مضرا لتعلقه بالعقد .

                                                                                                                            نعم في الاكتفاء بالإذن قبل وجود القبول نظر .

                                                                                                                            وقياس ما مر في مزج الرهن الاكتفاء به ، وقد لا تشترط صيغة كما لو كانت ضمنية كأعتق عبدك عني فأعتقه وإن لم يكن مجانا ، وما قاله القفال وأقره جمع من أنه لو زين ولده الصغير بحلي كان تمليكا له بخلاف زوجته فإنه قادر على تمليكه بتولي الطرفين مردود بأن كلامهما يخالفه حيث اشترطا في هبة الأصل تولي الطرفين بإيجاب وقبول وهبة ولي غيره : أي غير الأصل قبولها من الحاكم أو نائبه .

                                                                                                                            ونقل جمع أيضا عن العبادي وأقروه أنه لو غرس أشجارا وقال عند الغرس أغرسها لابني مثلا لم يكن إقرارا ، بخلاف ما لو قال لعين في يده اشتريتها لابني أو لفلان الأجنبي فإنه يكون إقرارا ، ولو قال جعلت هذا لابني لم يملكه إلا أن قبل وقبض له ا هـ .

                                                                                                                            والفرق بأن الحلي صار في يد الصبي دون الغرس غير كاف لأن صيرورته في يده بدون لفظ مملك لا يفيد شيئا ، على أن كون هذه الصيرورة مفيدة للملك هو محل النزاع ، فلا فرق لا سيما وقد قال الأذرعي : إنه لا يتمشى على المذهب ، وضعف السبكي وغيره قول الخوارزمي وغيره أن إلباس الأب الصغير حليا يملكه إياه ، وقد نقل آخرون عن [ ص: 408 ] القفال نفسه أنه لو جهز ابنته بأمتعة من غير تمليك صدق بيمينه في عدم تمليكها ذلك إن ادعته ، وهو صريح في رد ما سبق عنه ، وأفتى القاضي فيمن بعث بنته وجهازها إلى دار الزوج بأنه إن قال هذا جهاز بنتي فهو ملك لها وإلا فهو عارية ويصدق بيمينه ، وكخلع الملوك لاعتياد عدم اللفظ فيها كما بحثه بعض المتأخرين ولا قبول كهبة النوبة لضرتها .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فيشمل الركن كما هنا ) أي الذي هو الصيغة وهو ركنها الأول ، وقوله وركنها هو بالرفع مبتدأ خبره العاقدان والجملة عطف على وهو ركنها الأول الذي قدرناه ( قوله ومنحتك ) بالتخفيف ، وقوله نحلتك بالتخفيف أيضا : أي هذا أو نحوه في الجميع ( قوله : لأنها تمليك في الحياة ) يؤخذ منه امتناع الهبة للحمل وهو ظاهر لأنه لا يمكن تملكه ولا تمليك الولي له لعدم تحققه .

                                                                                                                            ( قوله : ولهذا انعقدت بالكناية ) هذا يشعر بأن ما تقدم كله صريح ، وعليه فقد يشكل الفرق بين أطعمتك وكسوتك بل بين نحو لك هذا وكسوتك وبين عظمتك أو أكرمتك فليتأمل ، وقد يقال : إن تلك الصيغ اشتهرت فيما بينهم في الهبة فكانت صريحة بخلاف هاتين الصيغتين ( قوله : كلك كذا ) ومنه ما اشتهر من قولهم في الإعطاء بلا عوض جبا فيكون هبة حيث نواها به .

                                                                                                                            ( قوله : وكسوتك هذا ) ظاهره [ ص: 407 ] ولو في غير الثياب ويكون بمعنى نحلتك .

                                                                                                                            ( قوله : ومنه أن يكون إلخ ) أي ومنه الرؤية فالأعمى لا تصح هبته ولا الهبة إليه بالمعنى الأخص ، وأن حكمه حكم بيع الأعيان وهو ممتنع عليه ، بخلاف صدقته وإهدائه فيصح لإطباق الناس على ذلك وهو الوجه الذي لا ينبغي خلافه انتهى .

                                                                                                                            كذا بهامش وهو قريب ، ويصرح باشتراط الرؤية في الواهب والمتهب قول المحلي وفيها كأصلها أمر العاقدين واضح : أي من البيع وغيره : أي فطريق الأعمى إذا أراد ذلك التوكيل .

                                                                                                                            ( قوله : مطابقا للإيجاب ) نقل سم على حج عن الشارح اعتماد عدم اشتراط مطابقة القبول للإيجاب وعبارته في حاشية المنهج نصها : ثم قال : أي في شرح الروض ما حاصله : وهو يصح قبول بعض الموهوب أو قبول أحد الشخصين أو نصف ما وهب لهما وجهان انتهى .

                                                                                                                            قال م ر : المعتمد الصحة فيهما ( قوله : نعم في الاكتفاء بالإذن ) أي من الواهب كأن يقول وهبتك هذا وأذنت لك في قبضه فيقول المتهب قبلت ، وقوله وقياس ما مر إلخ معتمد .

                                                                                                                            ( قوله : وقد لا تشترط صيغة ) أي التصريح بها وإلا فهي معتبرة تقديرا كما قاله المحلي في أول البيع .

                                                                                                                            ( قوله : فإنه قادر على تمليكه ) يؤخذ منه أن غير الأب والجد إذا دفع إلى غيره شيئا كخادمه وبنت زوجته لا يصير ملكا له بل لا بد من إيجاب وقبول من الخادم إن تأهل للقبول أو وليه إن لم يتأهل فليتنبه له فإنه يقع كثيرا بمصرنا .

                                                                                                                            نعم إن دفع ذلك لمن ذكر لاحتياجه له أو قصد ثواب الآخرة كان صدقة فلا يحتاج إلى إيجاب ولا قبول ولا يعلم ذلك إلا منه ، وقد تدل القرائن الظاهرة على شيء فيعمل به .

                                                                                                                            ( قوله : بإيجاب وقبول ) أي فلا فرق بين الزوجة والولد وغيرهما في أن التديين لا يكون تمليكا .

                                                                                                                            ( قوله : لم يكن إقرارا ) أي ولا يكون تمليكا للابن أخذا مما يأتي في قوله والفرق إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : فإنه يكون إقرارا ) أي وذلك لاحتمال أن يكون الأجنبي وكله مثلا في شرائها له ومثله ولده الرشيد ، وأن يكون تملكها لغير الرشيد من مال نفسه أو مال المحجور عليه ( قوله لم يملكه ) أي الابن وينبغي أن [ ص: 408 ] يكون كناية كما في البيع .

                                                                                                                            ( قوله : وهو صريح إلخ ) قد تمنح الصراحة بحمل كلامه في البنت على الرشيدة وهو غير قادر على تمليكها ، بخلاف الصغيرة على ما مر له ، وقد يفهم التقييد بالرشيدة من قوله إن ادعته .

                                                                                                                            ( قوله : فيمن بعث بنته ) أي سواء كان الباعث رجلا أو امرأة ( قوله : وجهازها ) بفتح الجيم وكسرها لغة قليلة مصباح ( قوله : فهو ملك لها ) أي يكون ما ذكره إقرارا .

                                                                                                                            ( قوله : وإلا فهو عارية ) كذلك يكون عارية فيما يظهر إذا قال جهزت ابنتي بهذا إذ ليس هذا صيغة إقرار بملك م ر ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            والفرق بين هذه ومسألة القاضي أن الإضافة إلى من يملك تقتضي الملك فكان ما ذكره في مسألة القاضي إقرارا بالملك بخلاف ما هنا .

                                                                                                                            ( قوله : ويصدق بيمينه ) أي إذا نوزع في أنه ملكها بهبة أو غيرها ( قوله : وكخلع ) عطف على قوله السابق كما لو كانت ضمنية .

                                                                                                                            ( قوله : ولا قبول ) عطف على قوله وقد لا يشترط صيغة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : واشترط هنا ) أي : ولهذا اشترط هنا إلخ ( قوله : وهبة ولي غيره قبولها ) أي وحيث اشترط في هبة ولي غير الأصل قبول الهبة من الحاكم أو نائبه فهبة مجرور وولي منون وغيره [ ص: 408 ] مجرور بدل منه وقبولها منصوب مفعول ومن الحاكم متعلق به . ( قوله : وهو صريح في رد ما سبق عنه ) فيه نظر إذ ذاك في الطفل كما مر ، بخلاف ما هنا فإنه في البالغة كما يرشد إليه قوله : إن ادعته ، نعم إن كانت البنت صغيرة أتى فيها ما مر في الطفل كما لا يخفى . ( قوله : وكخلع الملوك ) عطف على قوله كما لو كانت ضمنية




                                                                                                                            الخدمات العلمية