الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وما لا ) يجوز بيعه ( كمجهول ومغصوب ) لمن لا يقدر على انتزاعه ( وضال ) وآبق ( فلا ) يجوز هبته بجامع أن [ ص: 412 ] كلا منهما تمليك في الحياة ولا ينافيه خبر { زن وأرجح } لأن الرجحان المجهول وقع تابعا لمعلوم ، على أن الأوجه كون المراد " بأرجح " تحقق الحق حذرا من التساهل فيه ، ولا { قوله صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه في المال الذي جاء من البحرين خذ منه } الحديث ، لأن الظاهر أن ما ذكر في المجهول إنما هو بالمعنى الأخص ، بخلاف هديته وصدقته فيصحان فيما يظهر ، وإعطاء العباس الظاهر أنه صدقة لا هبة لكونه من جملة المستحقين ( إلا حبتي الحنطة ونحوها ) من المحقرات فإنه يمتنع بيعها لا هبتها اتفاقا كما في الدقائق ، فبحث الرافعي عدم صحة هبتها مردود وإن سبقه إليه الإمام لانتفاء المحذور في تصدق الإنسان بالمحقر كما ورد في الخبر ، وإلا في مال وقف بين جمع للجهل بمستحقه فيجوز الصلح بينهم على تساو أو تفاوت للضرورة : قال الإمام : ولا بد أن يجري بينهم تواهب ، ولبعضهم إخراج نفسه من البين ، لكن إن وهب لهم حصته جاز على ما قاله الإمام أيضا ، بخلاف إعراض الغانم : أي لأنه لم يملك ، ولا على احتمال بخلاف هذا ولولي محجور عليه الصلح له بشرط أن لا ينقص عما بيده كما يعلم مما يأتي قبيل خيار النكاح ، وإلا فيما لو خلط متاعه بمتاع غيره فوهب أحدهما نصيبه لصاحبه فيصح مع جهل قدره وصفته للضرورة ، وإلا فيما لو قال لغيره : أنت في حل مما تأخذ أو تعطي أو تأكل من مالي فله الأكل فقط لأنه إباحة [ ص: 413 ] وهي صحيحة بالمجهول بخلاف الأخذ والإعطاء .

                                                                                                                            قاله العبادي .

                                                                                                                            قال : وفي خذ من عنب كرمي ما شئت لا يزيد على عنقود لأنه أقل ما يقع عليه الاسم ، وما استشكل به يرد بأن الاحتياط المبني عليه حق الغير أوجب ذلك التقدير ، وأفتى القفال في أبحت لك من ثمار بستاني ما شئت بأنه إباحة ، وظاهره أن له أخذ ما شاء ، وما قاله العبادي أحوط .

                                                                                                                            وفي الأنوار لو قال : أبحت لك ما في داري أو ما في كرمي من العنب فله أكله دون بيعه وحمله وإطعامه لغيره ، وتقتصر الإباحة على الموجود : أي عندها في الدار أو الكرم ، ولو قال : أبحت لك جميع ما في داري أكلا واستعمالا ولم يعلم المبيح الجميع لم تحصل الإباحة ا هـ .

                                                                                                                            وبعض ما ذكره في فتاوى البغوي وقوله ويقتصر إلى آخره موافق لكلام القفال لا العبادي ، وما ذكره آخرا غير مناف ما مر من صحة الإباحة بالمجهول لأن هذا في مجهول من كل وجه بخلاف ذاك ، والأوجه كما جزم به بعضهم عدم ارتداد الإباحة بالرد .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولا ينافيه ) أي عدم صحة هبة المجهول .

                                                                                                                            ( قوله : إنما هو بالمعنى الأخص ) أي وهو الهبة المتوقفة على إيجاب وقبول ( قوله : الظاهر أنه صدقة ) قد يمنع كونه صدقة إذ هو مال لبيت المال وتصرفه صلى الله عليه وسلم فيه كتصرف الإمام في بيت المال ، ولو كان ملكا له صلى الله عليه وسلم وكان إعطاؤه تصدقا منه نافاه التعليل بقوله لكونه من جملة المستحقين ، وعبارة حج بعد قوله " لا هبة " نصها : وإلا فهو لكونه من جملة المستحقين إلخ وحاصله أنا إذا قلنا : إن ما يأتي له من الأموال ملكه صلى الله عليه وسلم فدفعه للعباس صدقة ، وإن قلنا : لا يملكه فما يأتي من الأموال حق بيت المال والعباس من جملة المستحقين له وللإمام أن يفاضل بينهم في الإعطاء بحسب ما يراه ( قوله : ونحوها ) بالجر عطف على الحنطة .

                                                                                                                            ( قوله : عدم صحة هبتها ) أي نحو الحبتين ، وأفرد الضمير نظرا لما صدق عليه النحو من جميع جزئياته .

                                                                                                                            ( قوله : جاز ) الأولى إسقاطها كما في حج لأن هذا شرط لصحة إخراجه من البين .

                                                                                                                            ( قوله : ولولي محجور عليه الصلح ) عن المال الموقوف بينه وبين غيره ، وقوله عما بيده يتأمل معناه فإن المال قد لا يكون في يده منه شيء ( قوله : وإلا فيما لو قال إلخ ) كان الأولى ذكره بغير صورة الاستثناء كأن يقول ولو قال أنت في حل مما إلخ ، إلا أن يقال : هو بالنظر لما يأكله هبة صورة ( قوله : فله الأكل ) قال سم على حج : ما قدره .

                                                                                                                            أقول : ينبغي أن يأكل قدر كفايته وإن جاوز العادة حيث علم المالك بحاله ، وإلا امتنع [ ص: 413 ] أكل ما زاد على ما يعتاد مثله غالبا لمثله .

                                                                                                                            ( قوله : لا يزيد على عنقود ) أي إلا بقرينة ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وكتب أيضا قوله على عنقود : أي للأكل بدليل ما قبله وما يأتي عن الأنوار وهل نظير العنقود فيما لو قال خذ من ثمن نخلي ما شئت العرجون ا هـ .

                                                                                                                            أقول : الظاهر الفرق ، ويفرق بينه وبين العرجون بكثرة ما يحمله العرجون ، وحينئذ فيقتصر على ما يغلب على الظن مسامحة مالكه به .

                                                                                                                            ( قوله : وما قاله العبادي ) أي من أنه لا يزيد على عنقود .

                                                                                                                            ( قوله : لم تحصل الإباحة ) أي فيمتنع عليه أخذ شيء مما لم يعلمه المبيح ( قوله : لا العبادي ) قد يقال ما هنا لا يخالف كلام العبادي أيضا لأن من في مسألة العبادي تمنع من الاستيعاب فعمل معها بالاحتياط ، بخلاف مسألتنا فإن ما المعبر بها فيها من صيغ العموم فتصدق بالجميع .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 412 ] قوله : وإعطاء العباس الظاهر أنه صدقة إلخ ) عبارة التحفة : وإعطاء العباس الظاهر أنه صدقة لا هبة وإلا فهو لكونه من جملة المستحقين وللمعطي أن يفاوت بينهم انتهت .

                                                                                                                            فقوله : وإلا : أي وإن لا يكن صدقة ، وحاصل كلامه أنه إما صدقة إن كان المال له صلى الله عليه وسلم وإما بطريق استحقاقه من بيت المال إن كان المال لبيت المال ، وأما قول الشارح لكونه إلخ فلا يصح تعليلا لكونه صدقة ; لمنافاته إياه ( قوله : ولولي محجور الصلح ) أن فيما هو موقوف بينه وبين غيره للجهل بحصته منه . ( قوله : بشرط أن لا ينقص عما بيده ) حاصل هذا الشرط أن المحجور تارة يكون بيده شيء من ذلك الموقوف ، وتارة لا ، فإن كان بيده شيء منه فشرط الصلح أن لا ينقصه عنه ; لأن اليد دليل الملك ، ولا يجوز للولي التبرع بملك المحجور ، وإن لم يكن في يده منه شيء جاز الصلح بلا شرط ; لانتفاء ذلك المحذور فلا توقف فيه خلافا لما في حاشية الشيخ ( قوله : لأنه إباحة ) تعليل لأصل حل الأكل لا لامتناع غيره [ ص: 413 ] قوله : لا يزيد على عنقود ) أي : للأكل ، قاله الشهاب سم




                                                                                                                            الخدمات العلمية