الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وتصح ) الجعالة ( على عمل مجهول ) كما علم من تمثيله أول الباب وذكره هنا لضرورة التقسيم لأن الجهالة احتملت في القراض لحصول زيادة فاحتمالها في رد الحاصل أولى وهو مقيد كما أفاده جمع بما إذا عسر ضبطه لا كبناء حائط فيذكر محله وطوله وسمكه وارتفاعه وما يبنى به وخياطة ثوب فيصفه كالإجارة ( وكذا معلوم ) كمن رده من موضع كذا ( في الأصح ) لأنها إذا جازت مع الجهل فمع العلم أولى والثاني المنع للاستغناء عنه بالإجارة ، ومر أنه لا بد من كون العمل فيه كلفة أو مؤنة كرد آبق أو ضال أو حج أو خياطة أو تعليم علم أو حرفة أو إخبار فيه غرض وصدق فيه ، فلو رد من هو بيده ولا كلفة فيه كدينار فلا شيء له إذ ما لا كلفة فيه لا يقابل بعوض أو عبدا آبقا استحق ، ولو قال من دلني على مالي فله كذا فدله غير من هو بيده استحق لأن الغالب أنه تلحقه مشقة بالبحث عنه ، كذا قالاه .

                                                                                                                            قال الأذرعي : ويجب أن يكون هذا فيما إذا بحث عنه بعد جعل المالك ، أما البحث السابق والمشقة السابقة قبل الجعل فلا عبرة بهما وعدم تأقيته ، فلو قال من رد عبدي إلى شهر فله كذا لم يصح كما في القراض لأن تقدير المدة مخل بمقصود العقد فقد لا يظفر به فيها فيضيع سعيه ولا يحصل الغرض سواء أضم إليه من محل كذا أم لا وغير واجب على العامل ، فلو قال من دلني على مالي فله كذا فدله من المال في يده لم يستحق شيئا لأن ذلك واجب عليه شرعا فلا يأخذ عليه عوضا ، وكذا لو قال من رد مالي فله كذا فرده من هو في يده ويجب عليه رده ، [ ص: 472 ] وقضيته أنه لو كان الدال أو الراد غير مكلف استحق .

                                                                                                                            ويجاب بأن الخطاب متعلق بوليه لتعذر تعلقه به فلا يستحق شيئا ، وأفتى المصنف فيمن حبس ظلما فبذل مالا لمن يتكلم في خلاصه بجاهه أو غيره بأنها جعالة مباحة وأخذ عوضها حلال ونقله عن جماعة : أي وفي ذلك كلفة تقابل بأجرة عرفا ( ويشترط ) لصحة العقد ( كون الجعل ) مالا ( معلوما ) لأنه عوض كالأجرة والمهر ولأنه عقد جوز للحاجة ولا حاجة لجهالة العوض بخلاف العمل ، ولأن جهالة العوض تفوت مقصود العقد إذ لا يرغب أحد في العمل مع جهالة العوض ويحصل العلم بالمشاهدة إن كان معينا وبالوصف إن كان في الذمة فلو قال من رد عبدي فله سلبه أو ثيابه فإن كانت معلومة أو وصفها بما يفيد العلم استحق المشروط وإلا فأجرة المثل كما نقلاه وأقراه ، واستشكل في المهمات تبعا لابن الرفعة اعتبار الوصف في المعين فإنهم منعوه في البيع والإجارة وغيرهما .

                                                                                                                            قال البلقيني : ويمكن الفرق بدخول التخفيف هنا فلم يشدد فيها ، بخلاف نحو البيع وقياسه صحته فله نصفه إن علم وإن لم يعرف محله وهو أوجه الوجهين ، وما قاسه عليه الرافعي من استئجار المرضعة بنصف الرضيع بعد الفطام أجاب عنه في الكفاية بأن الأجرة المعينة تملك بالعقد فجعلها جزءا من الرضيع بعد الفطام يقتضي تأجيل ملكه ، وهنا إنما تملك بتمام العمل فلا مخالفة لمقتضى العقد ولا عمل يقع في مشترك ( ولو ) ( قال من رده فله ثوب ) أو دابة ( أو أرضيه ) أو أعطيه خمرا أو خنزيرا أو مغصوبا ( فسد العقد ) لجهالة العوض أو نجاسة عينه أو عدم القدرة على تسليمه كما في الإجارة ( وللراد أجرة مثله ) كالإجارة الفاسدة .

                                                                                                                            ويستثنى من اشتراط العلم بالجعل ما لو جعل الإمام [ ص: 473 ] لمن يدل على قلعة للكفار جعلا كجارية منها فإنه يجوز مع جهالة العوض للحاجة وما لو قال حج عني وأعطيك نفقتك فيجوز كما جزم به الرافعي في الشرح الصغير والمصنف في الروضة ونقله في الكبير عن صاحب العدة ، ورد بأن هذه لا تستثنى لأن هذا إرفاق لا جعالة ، وإنما يكون جعالة إذا جعله عوضا فقال : حج عني بنفقتك ، وقد صرح الماوردي في هذه بأنها جعالة فاسدة ، ونص عليه في الأم ( ولو ) ( قال ) من رده ( من بلد كذا فرده ) من تلك الجهة لكن ( من ) أبعد منه فلا زيادة له لتبرعه بها أو من ( أقرب منه فله قسطه من الجعل ) لأنه جعل كل الجعل في مقابلة العمل فبعضه في مقابلة بعضه ، فإن رد من نصف الطريق استحق نصف الجعل أو من ثلثه استحق ثلثه .

                                                                                                                            ومحله إذا تساوت الطريق سهولة وصعوبة وإلا كأن كانت أجرة النصف ضعف أجرة النصف الآخر استحق ثلثي الجعل ، أو من ذلك البلد ، أو من مسافة مثل مسافته ولو من جهة أخرى استحق المسمى ، ولو رده من أبعد من المعين فلا شيء للزيادة لعدم التزام ، ولو رده من المعين ورأى المالك في نصف الطريق فدفعه إليه استحق نصف الجعل ، ولو قال من رد عبدي فله كذا فرد أحدهما استحق نصف الجعل استوت قيمتهما أو اختلفت ، ولو قال إن رددتما عبدي فلكما كذا فرده أحدهما استحق النصف لأنه لم يلتزم له أكثر من ذلك ، ولو قال إن رددتما عبدي فلكما كذا فرد أحدهما أحدهما استحق الربع أو كليهما استحق النصف أو رداهما استحقا المسمى ، ولو قال أول من يرد عبدي فله دينار فرده اثنان اقتسماه لأنهما يوصفان بالأولية في الرد ، ولو قال لكل من ثلاثة رده ولك دينار فردوه فلكل منهم ثلثه توزيعا على الرءوس ، هذا إذا عمل كل منهم لنفسه .

                                                                                                                            أما لو قال أحدهم أعنت صاحبي فلا شيء له ولكل منهما نصف ما شرط له ، أو اثنان منهم أعنا صاحبنا فلا شيء لهما وله جميع [ ص: 474 ] المشروط ، فإن شاركهم رابع فلا شيء له ، ثم إن قصد بعمله المالك أو قصد أخذ الجعل منه فلكل من الثلاثة ربع المشروط ، فإن أعان أحدهم فللمعاون بفتح الواو النصف وللآخرين النصف لكل واحد منهما الربع ، أو أعان اثنين منهم فلكل منهما ربع وثمن من المشروط وللثالث ربعه ، وإن أعان الجميع فلكل منهم الثلث كما لو لم يكن معهم غيرهم ، فإن شرط لأحدهم جعلا مجهولا ولكل من الآخرين دينارا فردوه فله ثلث أجرة المثل ولهما ثلثا المسمى ، ولو قال أي رجل رد عبدي فله درهم فرده اثنان قسط الدرهم بينهما ، ولو كان عبد بينهما أثلاثا فأبق فجعلا لمن رده دينارا لزمهما بنسبة ملكيهما ( ولو اشترى اثنان ) فأكثر ( في رده اشتركا في الجعل ) لحصول الرد منهما والاشتراك في الجعل على عدد الرءوس وإن تفاوت عملهم لأنه لا ينضبط حتى يوزع عليه .

                                                                                                                            وصورة المسألة إذا عمم النداء كقوله من رده فله كذا ، ويخالف ما لو قال من دخل داري فأعطه درهما فدخلها جمع استحق كل واحد درهما لأن كل واحد داخل وليس كل واحد براد للعبد بل الكل ردوه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : للاستغناء عنه ) أي عن عقد الجعالة ( قوله : أو إخبار فيه غرض وصدق فيه ) أي كأن دل من قال من دلني على مالي فله كذا كما سيأتي في كلام الشارح ، وليس منه إخبار الطبيب المريض بدواء ينفعه لأن مجرد الإخبار لا كلفة فيه .

                                                                                                                            ( قوله : أو عبدا ) أي أو كان عبدا إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : وعدم تأقيته ) أي ويشترط عدم إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : ويجب عليه ) أي والحال أنه يجب عليه إلخ .

                                                                                                                            وقوله رده : أي [ ص: 472 ] كالغاصب والسارق ، بخلاف ما لو رده من هو في يده أمانة كأن طيرت الريح ثوبا إلى داره أو دخلت دابة داره فإنه يستحق بالرد لأن الواجب عليه التخلية لا الرد ، فلا منافاة بين ما هنا وما مر في قوله أو عبدا آبقا استحق لأن ما مر فيما لو لم يجب عليه الرد ( قوله : وقضيته ) أي قضية قولهم غير واجب .

                                                                                                                            ( قوله : أو الراد ) أي للمال الذي في يده .

                                                                                                                            ( قوله : فيمن حبس ظلما ) مفهومه إذا حبس بحق ما يستحق ما جعل له ذلك وينبغي أن يقال فيه تفصيل وهو أن المحبوس إن جاعل العامل على أن يتكلم مع من يطلقه على وجه جائز كأن تكلم معه على أن ينظره الدائن إلى بيع غلاته مثلا جاز له ذلك واستحق ما جعل له وإلا فلا .

                                                                                                                            ووقع السؤال في الدرس عما يقع كثيرا بمصرنا من أن الزياتين والطحانين ونحوهم كالمراكبية يجعلون لمن يمنع عنهم المحتسب وأعوانه في كل شهر كذا هل ذلك من الجعالة أم لا والجواب عنه أنه من الجعالة الفاسدة لأن دفع ما يلتزمه من المال ينزل منزلة ما يلتزمه الإنسان في مقابلة تخليصه من الحبس ، وهذا مثله إن وقع منه عمل فيه مشقة في الدفع عنه فيستحق أجرة المثل لما عمله ، وإنما قلنا إنه جعالة فاسدة لأن العمل فيها غير معلوم إن لم تقدر بمدة مخصوصة ، وهذا نظير ما تقدم في إن حفظت مالي من متعد عليه فلك كذا .

                                                                                                                            ( قوله : لمن يتكلم في خلاصه ) قضيته أنه إذا تكلم في خلاصه استحق الجعل وإن لم يتفق إطلاق المحبوس بكلامه ، لكن في كلام سم على حج فيما لو جاعله على الرقيا أو مداواته أنه إن جعل الشفاء غاية للرقيا والمداواة لم يستحق إلا إذا حصل الشفاء وإلا استحق الجعل مطلقا ا هـ .

                                                                                                                            فقياسه هنا أنه إن جعل خروجه من الحبس غاية لتكلم الواسطة لم يستحق إلا إذا خرج منه .

                                                                                                                            وفي كلام سم أيضا بعد كلام طويل جواز الجعالة على رد الزوجة من عند أهلها نقلا عن الرافعي ثم توقف فيه وأقول : الأقرب ما قاله الرافعي وهو قياس ما أفتى به المصنف فيمن حبس ظلما إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : إن كان معينا ) عبارة حج بمشاهدة العين أو وصفه أو وصف ما في الذمة ، وتفريع قوله ولو قال من رد إلخ عليها ظاهر .

                                                                                                                            ( قوله : وإلا فأجرة المثل ) قضيته الصحة أيضا في فله الثوب الذي في بيتي إن علم ولو بالوصف ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : لكن ما ذكره الشارح في ثياب العبد وإن اقتضى ما ذكره سم يخالف قوله أولا أو بالوصف إن كان في الذمة .

                                                                                                                            ( قوله : فله نصفه إن علم ) أي المردود .

                                                                                                                            ( قوله : يقتضي تأجيل ملكه ) أي [ ص: 473 ] وهو مبطل .

                                                                                                                            ( قوله : ورد بأن هذا ) أي قوله وما لو قال حج عني إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : لأن هذا إرفاق ) قال حج : وإذا قلنا بأنه إرفاق لزمه كفايته كما هو ظاهر ثم هل المراد بها كفايته أمثاله عرفا أو كفاية ذاته نظير ما يأتي في كفاية القريب والقن ؟ كل محتمل ا هـ .

                                                                                                                            أقول : والأقرب الثاني إن علم بحاله قبل سؤاله في الحج وإلا فالأول ثم هل المراد باللزوم أنه يجب عليه ذلك من وقت خروجه حتى لو امتنع منه أجبر عليه أو من وقت الإحرام ولا يلزمه ذلك إلا إذا فرغ من أعمال الحج وقبل الفراغ للمجاعل الرجوع لأن غايته أنه كالجعالة وهي جائزة ؟ فيه نظر ، والأقرب الأخير ، وعليه فلو أنفق بعض الطريق ثم رجع وقلنا بجوازه فالظاهر أنه يرجع عليه بما أنفقه لوقوع الحج لمباشره كما لو استأجر المعضوب من يحج عنه ثم شفي المستأجر ( قوله : بأنها جعالة فاسدة ) معتمد : أي فيستحق أجرة المثل ( قوله : وصعوبة ) وفي نسخة : وحزونة .

                                                                                                                            ( قوله : لعدم الالتزام ) هذه الصورة مكررة مع قوله أولا أبعد منه فلا زيادة إلخ ، إلا أن يقال : ما مر فيما لو رده من أبعد من المعين لكنه في جهته وما هنا فيما لو رده من جهة أخرى والمردود منه أبعد مسافة من المعين ( قوله : استحق نصف الجعل ) ولا ينافي هذا قول ع : لو رده وهو غير عالم ثم علم النداء في البلد قبل أن يسلمه استحق : أي الجعل بتمامه لأنه لما كان المحل معينا في الأولى كان الجعل موزعا على المسافة بخلاف الثانية .

                                                                                                                            ( قوله : بالأولية ) أي وذلك لأن الأولية لا تستدعي ثانيا وإنما تستدعي عدم السبق بغيرها ، [ ص: 474 ] ومن ثم لو قال أنت طالق بأول ولد تلدينه فولدت واحدا فقط طلقت به لأنه لم يسبقه غيره ( قوله : ثم إن قصد ) أي الرابع ، وقوله أو قصد : أي الرابع أيضا ، وقوله ربع المشروط : أي ولا شيء له وسقط الربع الرابع عن المالك .

                                                                                                                            ( قوله : ولكل من الآخرين ) أي بمعنى أنه قال لكل من الثلاثة بانفراده رد عبدي وقال لأحدهم ولك ثوب مثلا وللآخر ولك دينار وقال للثالث كذلك ، وليس المراد أنه جعل لمجموع الثلاثة ثوبا ودينارين .

                                                                                                                            ( قوله : قسط الدرهم بينهما ) ووجهه أن كلا مأذون له في الرد .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : لأن الغالب أنه تلحقه مشقة ) لا خفاء أن هذا الكلام صحيح في أنه يستحق وإن لم تلحقه مشقة بالفعل نظرا للغالب وما من شأنه وحينئذ فلا يلاقيه قول الشارح ويجب أن يكون هذا فيما إلخ . ( قوله : وعدم تأقيته ) معطوف على قوله أنه لا بد إلخ من قوله ، ومر أنه لا بد من كون العمل فيه كلفة لكن لا يقيد كونه مر إذ لم يمر هذا . ( قوله : فدله من المال في يده ) أي : ويجب عليه رده كما لا يخفى [ ص: 472 - 473 ] قوله : ولو رده من أبعد إلخ ) هذا مكرر . ( قوله : ورأى المالك في نصف الطريق إلخ ) صريح في أن ذهاب العامل للرد لا يقابل بشيء ويلزم عليه أنه لو رأى المالك في المحل الذي لقى فيه الآبق مثلا أنه لا يستحق عليه شيئا وهو مشكل ، وربما يأتي في الشارح ما يقتضي خلافه فليراجع . ( قوله : استوت قيمتهما أو اختلفت ) انظر ما الفرق بين هذه والتي قبلها ، وفي العباب التسوية بينهما . ( قوله : ولكل منهما نصف ما شرط له ) يعني ما شرط لأجل الرد [ ص: 474 ] فالضمير للرد المعلوم : أي : نصف الدينار في هذه الصورة ، ولا يصح عود الضمير لكل وكان الأوضح حذف له . ( قوله : فإن شرط لأحدهم جعلا مجهولا ولكل من الآخرين ) بأن قال لأحدهم : إن رددته فلك دينار وللآخر كذلك ، وقال للثالث : إن رددته أرضيك كما هو ظاهر ، بخلاف ما إذا شرط اجتماعهم وجعل لكل واحد منهم شيئا يخصه وإن أوهمته عبارة الشارح فهو غير مراد ، وسيأتي في كلامه ما هو صريح فيما صورته به




                                                                                                                            الخدمات العلمية