الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فإن ) ( اختلفا ) أي الجاعل والعامل بعد الاستحقاق ( في قدر الجعل ) أو جنسه أو صفته ككونه درهما أو درهمين أو في قدر العمل كأن قال شرطت مائة على رد عبدين فقال العامل بل على رد هذا فقط ( تحالفا ) وللعامل أجرة المثل كما في القراض والإجارة ، وهذا إذا وقع الاختلاف بعد فراغ العمل والتسليم أو قبل الفراغ فيما إذا وجب للعامل قسط ما عمله ، ولو قال : بع عبدي هذا أو اعمل كذا ولك عشرة وأتيا بما يصلح أن يكون إجارة وجعالة فإن كان العمل مضبوطا مقدرا فإجارة ، ولو احتاج إلى تردد غير مضبوط فجعالة كذا نقلاه ، والمراد أنه يجوز عقد الإجارة في الشق الأول دون الثاني ويد العامل على المأخوذ إلى رده يد أمانة ، ولو رفع يده عنه وخلاه بتفريط كأن خلاه بمضيعة ضمنه لتقصيره ، وإن خلاه بلا تفريط كأن خلاه عند الحاكم لم يضمنه ونفقته على مالكه ، فإن أنفق عليه مدة الرد فتبرع إلا إن أذن له الحاكم فيه أو أشهد عند فقده ليرجع ، ولو كان رجلان ببادية ونحوها فمرض أحدهما أو غشي عليه وعجز عن السير وجب على الآخر المقام معه إلا إن خاف على نفسه أو نحوها فلا يلزمه ذلك ، وإذا أقام معه فلا أجرة له [ ص: 480 ] فإن مات وجب عليه أخذ ماله وإيصاله إلى ورثته إن كان ثقة ولا ضمان عليه إن لم يأخذه ، وإن لم يكن ثقة لم يجب عليه الأخذ وإن جاز له ولا يضمنه في الحالين

                                                                                                                            والحاكم يحبس الآبق إذا وجده انتظارا لسيده ، فإن أبطأ سيده باعه الحاكم وحفظ ثمنه ، فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن ، وإن سرق الآبق قطع كغيره ، ولو عمل لغيره عملا من غير استئجار ولا جعالة فدفع إليه مالا على ظن وجوبه عليه لم يحل للعامل ، وعليه أن يعلمه أولا أنه يجب عليه البذل ثم المقبول هبة لو أراد الدافع أن يهبه منه ، ولو علم أنه لا يجب عليه البذل ودفعه إليه هدية حل ، ولو أكره مستحق على عدم مباشرة وظيفته استحق المعلوم كما أفتى به التاج الفزاري ، واعتراض الزركشي له بأنه لم يباشر ما شرط عليه فكيف يستحق حينئذ يرد بأنه مستثنى شرعا وعرفا من تناول الشرط له لعذره ، ونظير ذلك ما عمت به البلوى من مدرس يحضر موضع الدرس ولا يحضر أحد من الطلبة أو يعلم أنه لو حضر لا يحضرون بل يظهر الجزم بالاستحقاق هنا لأن المكره يمكنه الاستنابة فيحصل غرض الواقف بخلاف المدرس فيما ذكر .

                                                                                                                            نعم إن أمكنه إعلام الناظر بهم وعلم أنه يجبرهم على الحضور فالظاهر وجوبه عليه لأنه من باب الأمر بالمعروف ، وقد أفاد الولي العراقي ذلك أيضا بل جعله أصلا مقيسا عليه ، وهو أن الإمام أو المدرس لو حضر ولم يحضر أحد استحق لأن قصد المصلي والمعلم ليس في وسعه وإنما عليه الانتصاب لذلك وأفتى أيضا فيمن شرط الواقف قطعه عن وظيفته إن غاب فغاب لعذر كخوف طريق بعدم سقوط حقه بغيبته .

                                                                                                                            قال ولذلك شواهد كثيرة وأفتى الوالد رحمه الله تعالى [ ص: 481 ] بحل النزول عن الوظائف بالمال أي لأنه من أقسام الجعالة فيستحقه النازل ويسقط حقه وإن لم يقرر الناظر المنزول له لأنه بالخيار بينه وبين غيره ولو قال اقترض لي مائة ولك عشرة فهو جعالة ذكره الماوردي والروياني .

                                                                                                                            والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وله الحمد ظاهرا وباطنا أولا وآخرا .

                                                                                                                            وقد تم النصف الأول من " شرح المنهاج " على يد مؤلفه ، غفر الله له ذنبه وستر عيبه ( محمد بن أحمد الرملي الأنصاري الشافعي ) حامدا ومصليا ومسلما ومحسبلا ومحوقلا في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة سبع وستين وتسعمائة وأسأله الإعانة على الإتمام بجاه محمد سيد الأنام ومصباح الظلام ، وهو حسبي ونعم الوكيل ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم آمين .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فيما إذا وجب للعامل قسط ) أي بأن كان الفسخ من المالك أو بعد تلف المجاعل على العمل فيه ووقع العمل مسلما .

                                                                                                                            ( قوله : وأتيا ) أي المتعاقدان .

                                                                                                                            ( قوله : مضبوطا مقدرا ) أي كأن قال خط لي هذا الثوب ولك كذا .

                                                                                                                            ( قوله : في الشق الأول ) هو قوله مضبوطا وقوله دون الثاني هو قوله غير مضبوط : أي فيحمل اللفظ على الإجارة في الشق الأول وعلى الجعالة في الثاني ( قوله : ونفقته ) أي الآبق [ ص: 480 ] قول وإن جاز له ) يتأمل فيه فإن تركه يؤدي إلى ضياعه وقضية ما مر في اللقطة أنه يجب عليه الأخذ حيث خاف ضياعه وإن كان فاسقا لكن لا تثبت يده عليه بل ينتزعه الحاكم منه فالقياس هنا كذلك .

                                                                                                                            ( قوله : والحاكم يحبس الآبق ) أي وجوبا لأنه من المصالح العامة ، وإذا احتاج لنفقة أنفق عليه من بيت المال مجانا قياسا على اللقيط ، فإن لم يكن فيه شيء اقترض على المالك ثم على مياسير المسلمين قرضا .

                                                                                                                            ( قوله : ولو أكره مستحق ) وفي معنى الإكراه فيستحق أيضا المعلوم ما لو عزل عن وظيفة بغير حق وقرر فيها غيره إذ لا ينفذ عزله .

                                                                                                                            نعم إن تمكن من مباشرتها فينبغي توقف استحقاق المعلوم عليها ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ويؤخذ جواب حادثة وقع السؤال عنها وهي أن طائفة من شيوخ العربان شرط لهم طين مرصد على غفر محل معين وفيهم كفاءة لذلك وقوة وبيدهم تقرير في ذلك ممن له ولاية التقرير كالباشا وتصرفوا في الطين المرصد مدة ثم إن ملتزم البلد أخرج المشيخة عنهم ظلما ودفعها لغيرهم وهو أنهم يستحقون ذلك وإن كان غيرهم مثلهم في الكفاءة بالقيام بذلك بل أو أكفأ منهم لأن المذكورين حيث صح تقريرهم لا يجوز إخراج ذلك عنهم .

                                                                                                                            ( قوله : ولا يحضر أحد من الطلبة ) أي لم يحضر أحد يتعلم منه ، وليس المراد المقررين في وظيفة الطلب لأن غرض الواقف إحياء المحل وهو حاصل بحضور غير أرباب الوظائف ، قاله شيخنا العلامة الشوبري ، ولو شرط الواقف أن يقرأ في مدرسته كتاب بعينه ولم يجد المدرس من فيه أهلية لسماع ذلك الكتاب والانتفاع منه قرأ غيره لما مر من أنه إذا تعذر شرط الواقف سقط اعتباره وفعل ما يمكن لأن الواقف لا يقصد تعطيل وقفه ( قوله : وإنما عليه الانتصاب ) هذا قد يقتضي أن استحقاقه المعلوم مشروط بحضوره والمتجه خلافه في المدرس بخلاف الإمام ، والفرق أن حضور الإمام بدون المقتدين يحصل به إحياء البقعة بالصلاة فيها ، ولا كذلك المدرس فإن حضوره بدون متعلم لا فائدة فيه فحضوره يعد عبثا ( قوله : وأفتى أيضا ) أي الولي العراقي ( قوله : سقوط حقه بغيبته ) أي وإن طالت ما دام العذر قائما ، لكن ينبغي أن محله حيث استناب أو عجز عن الاستنابة .

                                                                                                                            أما لو غاب [ ص: 481 ] لعذر وقدر على الاستنابة فلم يفعل فينبغي سقوط حقه لتقصيره ( قوله : بحل النزول عن الوظائف ) ومن ذلك الجوامك المقرر فيها فيجوز لمن له شيء من ذلك وهو مستحق له بأن لا يكون له ما يقوم بكفايته من غير جهة بيت المال النزول عنه ويصير الحال في تقرير من أسقط حقه له موكولا إلى نظر من له ولاية التقرير فيه كالباشا فيقرر من رأى المصلحة في تقريره من المفروغ له أو غيره .

                                                                                                                            وأما المناصب الديوانية كالكتبة الذين يقررون من جهة الباشا فيها فالظاهر أنهم إنما يتصرفون فيها بالنيابة عن صاحب الدولة في ضبط ما يتعلق به من المصالح ، فهو مخير بين إبقائهم وعزلهم ولو بلا جنحة ، فليس لهم يد حقيقة على شيء ينزلون عنه ، بل متى عزلوا أنفسهم انعزلوا ، وإذا أسقطوا حقهم عن شيء لغيرهم فليس لهم العود إلا بتولية جديدة ممن له الولاية ، ولا يجوز لهم أخذ عوض على نزولهم لعدم استحقاقهم لشيء ينزلون عنه ، بل حكمهم حكم عامل القراض فمتى عزل نفسه من القراض انعزل فافهمه فإنه نفيس ( قوله : لأنه ) أي الناظر ، وقوله بالخيار بينه وبين غيره ظاهره وإن شرط الرجوع على الفارغ إذا لم يقرر في الوظيفة .

                                                                                                                            وقال سم في القسم والنشور : يرجع حيث شرط ذلك ، وكتب الشارح بهامش نسخته ما نصه : وللمنزول له في هذه الحالة الرجوع إن شرطه أو أطلق ودلت قرينة على بذل ذلك في تحصيلها له ولا يمنع رجوعه براءة حصلت به بينهما وإلا فلا ( قوله : ولك عشرة ) أي في مقابلة الاقتراض ( قوله : فهو جعالة ) أي ويقع الملك في المقترض للقائل فعليه رد بدله ، وفيه تفصيل في الوكالة فراجعه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : والمراد أنه يجوز عقد الإجارة في الشق الأول إلخ ) مراده به الجواب عن قول الزركشي والظاهر أن هذا من الإمام أي : المنقول عنه ما ذكر تفريع على اختياره أن العمل في الجعالة يشترط أن يكون مجهولا لكن صحح الشيخان خلافه ا هـ . وحاصل الجواب أن الشق الأول يجوز عقد الإجارة عليه لانضباطه كما يجوز عليه عقد الجعالة ، بخلاف الثاني فإنه لا يجوز عليه إلا عقد الجعالة ; لعدم انضباطه فليس مراده بذكر الإجارة في الأول نفي صحة الجعالة فيه . ( قوله : كأن خلاه بمضيعة ) قال المصنف : لا حاجة إلى التقييد بالمضيعة فحيث خلاه ضمن ا هـ .

                                                                                                                            قال الأذرعي : مراد الرافعي أنه لو أراد الإعراض عن الرد فسبيله أن يرفع الأمر إلى الحاكم ، ولا يترك ذلك هملا ، ولم يرد أنه يتركه بمهلكة انتهى .




                                                                                                                            الخدمات العلمية