الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وينفع الميت صدقة ) عنه ومنها وقف لمصحف وغيره وحفر بئر وغرس شجرة منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته ( ودعاء ) له ( من وارث أو أجنبي ) إجماعا وقد صح خبر { إن الله يرفع درجة العبد في الجنة باستغفار ولده له } وهو مخصص وقيل ناسخ لقوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } إن أريد ظاهره وإلا فقد أكثر العلماء في تأويله ومنه أنه محمول على الكافر ، أو أن معناه لا حق له إلا فيما سعى ، وأن ما فعل عنه فهو محض فضل لا حق له فيه ، وظاهر مما تقرر في محله أن المراد بالحق هنا نوع تعلق ونسبة ، إذ لا يستحق أحد على الله تعالى ثوابا خلافا للمعتزلة ، ومعنى نفعه بالصدقة تنزيله منزلة المتصدق واستبعاد الإمام له بأنه لم يأمر به ثم تأويله بأنه يقع على المتصدق وينال الميت بركته ، رده ابن عبد السلام بأن ما ذكروه من وقوع الصدقة نفسها عن الميت حتى يكتب له ثوابها وهو ظاهر السنة .

                                                                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه : وواسع فضله تعالى أن يثيب المتصدق أيضا ، ومن ثم قال الأصحاب : يسن له أن ينوي الصدقة عن أبويه مثلا فإنه تعالى يثيبهما ولا ينقص أجره ، وقول الزركشي ما ذكر في الوقف يلزمه تقدير دخوله في ملكه وتمليكه الغير ولا نظير له : رد بأن هذا يلزم في الصدقة أيضا وإنما لم ينظر له ; لأن جعله كالمتصدق محض فضل فلا يضر خروجه عن القواعد لو احتيج لذلك التقدير مع أنه غير محتاج إليه بل يصح نحو الوقف عن الميت ، وللفاعل ثواب البر ، وللميت ثواب الصدقة المرتبة عليه ، ومعنى نفعه بالدعاء حصول المدعو به له إذا استجيب واستجابته محض فضل منه تعالى ، ولا تسمى في العرف ثوابا .

                                                                                                                            أما نفس الدعاء وثوابه فللداعي ; لأنه شفاعة أجرها للشافع ومقصودها للمشفوع له ، وبه فارق ما مر في الصدقة ، نعم دعاء الولد يحصل [ ص: 93 ] ثوابه نفسه للوالد الميت ; لأن عمل ولده لتسببه في وجوده من جملة عمله كما صرح به في خبر { ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث } ثم قال { أو ولد صالح يدعو له } جعل دعاءه من جملة عمل الوالد وإنما يكون منه ، ويستثنى من انقطاع العمل إن أريد نفس الدعاء لا المدعو به ، وأفهم كلام المصنف أنه لا ينفعه سوى ذلك من بقية العبادات ولو قراءة .

                                                                                                                            نعم ينفعه نحو ركعتي الطواف تبعا للنسك والصوم كما مر في بابه ، وفي القراءة وجه وهو مذهب الأئمة الثلاثة بوصول ثوابها للميت بمجرد قصده بها ، واختاره كثير من أئمتنا ، وحمل جمع الأول على قراءته لا بحضرة الميت ولا بنية القارئ ثواب قراءته له أو نواه ولم يدع .

                                                                                                                            قال ابن الصلاح : وينبغي الجزم بنفع اللهم أوصل ثواب ما قرأناه : أي مثله فهو المراد ، وإن لم يصرح به لفلان ; لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي فما له أولى ، ويجري هذا في سائر الأعمال ، وبما ذكره في أوصل ثواب ما قرأناه إلى آخره يندفع إنكار البرهان الفزاري قولهم اللهم أوصل ثواب ما تلوته إلى فلان خاصة وإلى المسلمين عامة ; لأن ما اختص بشخص لا يتصور التعميم فيه ، فقد قال الزركشي : الظاهر خلاف ما قاله ، فإن الثواب يتفاوت ، فأعلاه ما خصه وأدناه ما عمه وغيره ، والله تعالى يتصرف فيما يعطيه من الثواب بما يشاء ، ومنع التاج الفزاري من إهداء القرب لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام معللا له بأنه لا يتجرأ على جنابه الرفيع بما لم يؤذن فيه ، شيء انفرد به ، ومن ثم خالفه غيره واختاره السبكي ، وقد أوضحت ذلك أتم إيضاح في الفتاوى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 92 ] قوله : وغرس شجرة ) أي وإن لم تثمر ( قوله باستغفار ولده ) أي بأن يقول أستغفر الله لوالدي أو اللهم اغفر له ، وقوله وهو مخصص عبارة حج وهما مخصصان وقيل ناسخان .

                                                                                                                            [ فرع ] قال حج : ولو أوصى بكذا لمن يقرأ على قبره كل يوم جزء قرآن ولم يعين المدة صح ، ثم من قرأ على قبره مدة حياته استحق الوصية وإلا فلا ، كذا أفتى به بعضهم ، وفي فتاوى الأصبحي : لو أوصى بوقف أرض على من يقرأ على قبره حكم العرف في غلة كل سنة بسنتها فمن قرأ بعضها استحق بالقسط أو كلها استحق غلة السنة كلها أو بنفس الأرض ، فإن عين مدة لم يستحق الأرض إلا من قرأ جميع المدة ، وإن لم يعين مدة فالاستحقاق تعلق بشرط مجهول لا آخر لوقته فيشبه مسألة الدينار المجهولة ا هـ .

                                                                                                                            ومراده بمسألة الدينار ما مر في الفرع قبل قوله وتصح بحج تطوع .

                                                                                                                            واعترض بأنه لا يشبهها لإمكان حمل هذا على أنه شرط لاستحقاق الوصية قراءته على قبره جميع حياته فليحمل عليه تصحيحا للفظ ما أمكن ، ومر في الوقف ما له تعلق بذلك فراجعه ( قوله ومعنى نفعه بالدعاء إلخ ) الحاصل أنه إذا نوى ثواب قراءة له أو دعاء عقبها بحصول ثوابها له أو قرأ عند قبره حصل له مثل ثواب قراءته وحصل للقارئ أيضا الثواب ، فلو سقط ثواب القارئ لمسقط كأن غلب الباعث الدنيوي كقراءته بأجرة فينبغي أن لا يسقط مثله بالنسبة للميت ولو استؤجر للقراءة للميت ولم ينوه بها ولا دعا له بعدها ولا قرأ عند قبره [ ص: 93 ] لم يبرأ من واجب الإجارة وهل تكفي نية القراءة في أولها وإن تخلل فيها سكوت ينبغي ؟ نعم إذا عد ما بعد الأول من توابعه م ر ا هـ سم على حج ( قوله : للوالد الميت ) أي ومثله الحي للعلة المذكورة ، وقوله أو ولد صالح : أي مسلم ( قوله : وذهب جمع إلخ ) ضعيف ( قوله : وحمل جمع الأول ) هو قوله ولو قراءة ، وقوله أو نواه ضعيف أخذا من كلام سم المذكور .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 91 - 92 ] قوله : بل يصح نحو الوقف عن الميت إلخ ) أي خلافا لما اقتضاه قول الزركشي المذكور [ ص: 93 ] قوله : ; لأنه لا ينفعه سوى ذلك ) يعني الحج وما بعده ( قوله : وحمل جمع الأول على قراءته لا بحضرة الميت ) قضية هذا أن مجرد القراءة بحضرة الميت ولو اتفاقا من غير قصد يحصل ثوابها للميت وفيه بعد وإن كان فضل الله واسعا فتأمل واعلم أن مثل هذه العبارة في التحفة ، وكتب عليه الشهاب سم ما نصه اعتمد مر قول هذا الجمع ، ورد الاكتفاء بنية جعل الثواب له وإن لم يدع .

                                                                                                                            قال : فالحاصل أنه إذا نوى ثواب قراءته له أو دعا له عقبها بحصول ثوابها له أو قرأ عند قبره حصل مثل ثواب قراءته وحصل للقارئ أيضا الثواب ، فلو سقط ثواب القارئ لمسقط كأن غلب الباعث الدنيوي كقراءته بأجرة فينبغي أن لا يسقط مثله بالنسبة للميت ( قوله : ويجري هذا في سائر الأعمال ) ظاهره أن الإشارة راجعة لقول ابن الصلاح وينبغي الجزم إلخ ، بل يحتمل أنه من كلام ابن الصلاح أيضا ، وحينئذ فهو صريح في أن الإنسان إذا صلى أو صام مثلا وقال اللهم أوصل ثواب هذا لفلان يصل إليه ثواب ما فعله من الصلاة أو الصوم مثلا فتنبه وراجع ( قوله : ومن ثم إلخ ) انظر من أي شيء استنتج هذا ، ولعله سقط قبله تعليل الوصية والهبة قبل القبض بعدم التمام ويدل على ما ذكرته عبارة شرح الروض فلتراجع .




                                                                                                                            الخدمات العلمية