الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وأما ) ( الأخماس الأربعة ) التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مضمومة إلى خمس الخمس ( فالأظهر أنها للمرتزقة ) وقضاتهم وأئمتهم ومؤذنيهم وعمالهم ، ما لم يوجد متبرع ( وهم الأجناد المرصودون ) في الديوان ( للجهاد ) لحصول النصرة بهم بعده صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                            سموا بذلك ; لأنهم أرصدوا نفوسهم للذب عن الدين وطلب الرزق من ماله تعالى .

                                                                                                                            وخرج بهم المتطوعة بالغزو إذا نشطوا فيعطون من الزكاة دون الفيء عكس المرتزقة ما لم يعجز سهمهم عن كفايتهم فيكمل لهم الإمام من سهم سبيل الله ( فيضع ) ندبا كما صرح به الإمام ، وهو ظاهر كلام أبي الطيب وإن صرح جمع بالوجوب وأفهمه كلام الروضة ; لأن القصد الضبط ، وهو غير منحصر في ذلك ( الإمام ديوانا ) بكسر الدال : أي دفترا اقتداء بعمر رضي الله عنه فإنه أول من وضعه لما كثر المسلمون .

                                                                                                                            وهو فارسي معرب ، وقيل عربي ( وينصب ) ندبا ( لكل قبيلة أو جماعة عريفا ) يعرفه بأحوالهم ويجمعهم عند الحاجة

                                                                                                                            وروى أبو داود وغيره خبر { العرافة حق ولا بد للناس منها ، ولكن العرفاء في النار } أي ; لأن الغالب عليهم الجور فيمن تولوا عليه ( ويبحث ) الإمام وجوبا بنفسه أو نائبه ( عن حال كل واحد ) من المرتزقة ( وعياله ) وهم من تلزمه نفقتهم ( وما يكفيه فيعطيه ) ولو غنيا ( كفايتهم ) من نفقة وكسوة وسائر مؤنتهم مراعيا في ذلك الزمن والرخص والغلاء وعادة المحل والمروءة وغيرها .

                                                                                                                            [ ص: 140 ] لا نحو نسب وعلم ليتفرغ للجهاد ويزيد من زاد له عيال ولو زوجة رابعة ، ويعطي لأمهات أولاده وإن كثرن كما اقتضاه إطلاقهم خلافا لابن الرفعة هنا ; لأن حملهن لا اختيار له فيه ، وللأذرعي في الزوجات لانحصارهن ولعبيد خدمته الذين يحتاجهم لا لما زاد على حاجته إلا إن كان لحاجة الجهاد ، والأوجه إلحاق موطوءته بملك اليمين بعبيد الخدمة فلا يعطى إلا لمن يحتاجه لعفة أو دفع ضرر ( ويقدم ) ندبا ( في إثبات الاسم ) في الديوان ( والإعطاء قريشا ) لخبر { قدموا قريشا ولا تقدموها } ( وهم ولد النضر بن كنانة ) بن خزيمة ، وقيل ولد فهر بن مالك بن النضر ، ونقل عن أكثر أهل العلم وقيل غير ذلك ، سموا بذلك لتقرشهم : أي تجمعهم أو شدتهم ( ويقدم منهم بني هاشم ) لشرفهم بكونه صلى الله عليه وسلم منهم ( و ) بني ( المطلب ) ; لأنه صلى الله عليه وسلم قرنهم بهم كما مر ، وما ذكره بعضهم من أنه أشار بالواو إلى عدم الترتيب بينهم وبين بني هاشم محل نظر ، إذ الأوجه خلافه ; لأن كلامه في الأولوية ، ومعلوم أن تقديم بني هاشم أولى ، وسيعلم من كلامه أن يقدم منهم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثم ) بني ( عبد شمس ) ; لأنه شقيق هاشم ( ثم ) بني ( نوفل ) ; لأنه أخوه لأبيه ( ثم ) بني ( عبد العزى ) ; لأن خديجة منهم ( ثم سائر البطون الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فبعد بني عبد العزى بني عبد الدار ، ثم بني زهرة بن كلاب أخوال النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بني تيم ; لأن أبا بكر وعائشة منهم وهكذا ( ثم ) بعد قريش يقدم ( الأنصار ) لآثارهم الحميدة في الإسلام ، وينبغي كما أفاده الشيخ تقديم الأوس منهم ; لأن منهم أخوال النبي صلى الله عليه وسلم والأنصار كلهم من الأوس والخزرج ( ثم سائر العرب ) لشرفهم على غيرهم ، وظاهره تقديم الأنصار على من عدا قريشا وإن كان أقرب له صلى الله عليه وسلم واستواء جميع العرب ، لكن خالف السرخسي في الأول والماوردي في الثاني ( ثم العجم ) معتبرا فيهم النسب كالعرب ، فإن لم يجتمعوا على نسب اعتبروا ما يرونه أشرف ، فإن استوى اثنان هناك فكما يأتي ، وذلك ; لأن العرب أقرب منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشرف .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 139 ] قوله ما لم يوجد متبرع ) أي من القضاة إلخ ( قوله : ما لم يعجز سهمهم ) أي المرتزقة ( قوله من سهم سبيل الله ) أي فإن احتاج إلى شيء بعد ذلك أو لم يوجد شيء من الفيء فعلى أغنياء المسلمين ( قوله : وإن صرح جمع بالوجوب ) اعتمده الزيادي في حاشيته ، ويمكن الجمع بينهما بحمل الندب على ما لو أمكن الضبط بدونه والوجوب على ما إذا لم يمكن إلا به ، ويشعر بهذا الجمع قوله ; لأن القصد إلخ ( قوله العرافة حق ) أي وهي التدبير لأمور الناس والقيام بسياستهم .

                                                                                                                            وفي المصباح : عرفت على القوم أعرف من باب قتل عرافة بالكسر فأنا عارف : أي مدبر أمرهم وقائم بسياستهم ، وعرفت عليهم بالضم لغة فأنا عريف والجمع عرفاء ا هـ .

                                                                                                                            فالعريف صفة من عرف على القوم كقتل ومن عرف بالضم ككرم .

                                                                                                                            وفي القاموس : عرف ككرم وضرب صار عريفا وككتب كتابة عمل العرافة .

                                                                                                                            وعبارة المختار : والعريف النقيب ، وهو دون الرئيس والجمع عرفاء وبابه إذا صار عريفا ظرف وإذا باشر ذلك مدة كتب ( قوله ولكن العرفاء في النار ) ومن ذلك مشايخ الأسواق والطوائف والبلدان ( قولهم من تلزمه نفقتهم ) ومثلهم من يحتاج إليهم في القيام بما يطلب منهم كسايس وقواسة يحتاج إليهم في خدمة نفسه ودوابه ومعاونته على قتال الأعداء في السفر ويشعر به قوله إلا إن كان لحاجة الجهاد ( قوله : ولو غنيا ) ومن ذلك الأمراء الموجودون [ ص: 140 ] بمصرنا فيعطون ما يحتاجون إليه لهم ولعيالهم وإن كانوا أغنياء بالزراعة ونحوها لقيامهم بمصالح المسلمين ودفع الضرر عنهم بتهيئهم للجهاد ونصب أنفسهم له ( قوله : بعبيد الخدمة ) ومثل عبيد الخدمة إماؤها بل وغيرهما من الأحرار الذين يحتاج إليهم في خدمته أو خدمة أهل بيته حيث كان ممن يخدم ( قوله : ; لأنه شقيق هاشم ) اقتصر عليه ; لأنه أقرب للنبي صلى الله عليه وسلم من المطلب وإلا فعبد شمس شقيقهما كما مر ( قوله : السرخسي ) نسبة إلى سرخس بفتح السين والراء المهملتين ثم خاء معجمة ساكنة بعدها سين ، وقيل بإسكان الراء وفتح الخاء انتهى .

                                                                                                                            طبقات الإسنوي ( قوله : لكن خالف السرخسي إلخ ) معتمد ( قوله : فإن استوى اثنان هناك ) أي في قوله كالعرب وقوله وذلك : أي قوله اعتبر ما يرونه أشرف .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : الأظهر أنها للمرتزقة ) لم يذكر الشارح مقابل الأظهر ، وهو قولان : أحدهما أنها للمصالح كخمس الخمس وأهمها تعهد المرتزقة فيرجع إلى الأول ويخالفه في الفاضل عنهم . والثاني أنها تقسم كما يقسم الخمس خمسها للمصالح والباقي للأصناف الأربعة .




                                                                                                                            الخدمات العلمية