الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويؤمر ) الصبي المذكور ( بها ) حيث كان مميزا بأن يصير أهلا لأن يأكل وحده ويشرب ويستنجي كذلك ( لسبع ) من السنين : أي بعد استكمالها ، وعلم أنه لا بد من التمييز واستكماله السبع وهو كذلك كما اقتضاه كلام المجموع ( ويضرب عليها ) [ ص: 391 ] أي على تركها ( لعشر ) لأنه مظنة البلوغ فيجوز ضربه في أثناء العاشرة كما صححه الإسنوي ، وجزم به ابن المقري في روضه ، وهو المعتمد خلافا لمن شرط استكمالها .

                                                                                                                            والأصل في ذلك خبر { مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع } وقيس : بالصلاة الصوم ، والأمر بالضرب واجبان على الولي أبا كان أو جدا أو وصيا أو قيما ، والملتقط ومالك الرقيق في معنى الأب كما في المهمات ، وكذا المودع والمستعير كما أفاده بعض المتأخرين والإمام ، وكذا المسلمون فيمن لا ولي له ، ولا يقتصر كما قاله الطبري على مجرد صيغته بل لا بد معه من التهديد والصوم كالصلاة فيما تقرر إن أطاقه بأن لم يحصل له به مشقة لا تحتمل عادة وإن لم تبح التيمم فيما يظهر ، ويستثنى من أمره بها من لا يعرف دينه وهو مميز يصف الإسلام فلا يؤمر بها [ ص: 392 ] لاحتمال كونه كافرا ، ولا ينهى عنها لأنا لا نتحقق كفره وهذا كصغار المماليك ، قاله الأذرعي تفقها وهو صحيح ، وهل يضربه على القضاء ويأمره به أو تصح منه الصلاة المفروضة على المكلف قاعدا ؟ وجهان أوجههما ما اقتضاه كلامهم أنه يضرب ويؤمر به كما في الأداء ، وبه صرح ابن عبد السلام في الأمر ، وأنها لا تصح منه قاعدا وإن كانت نفلا في حقه ، ولذا قال في البحر : أصح الوجهين أنها لا تصح منه جالسا مع قدرته على القيام .

                                                                                                                            قال الإسنوي : وجريان الوجهين في الصلاة المعادة محتمل ، وكلام الأكثرين مشعر بالمنع ، وعليهم نهيه عن المحرمات وتعليمه الواجبات وسائر الشرائع كالسواك وحضور الجماعات ، ثم إن بلغ رشيدا انتفى ذلك عن الأولياء ، أو سفيها فولاية الأب مستمرة ، فيكون كالصبي وأجرة تعليمه الواجبات في ماله ، فإن لم يكن فعلى الأب ثم الأم ، ويخرج من ماله أجرة تعليم القرآن والآداب كزكاته ونفقة ممونه وبدل متلفه ، فمعنى وجوبها في ماله ثبوتها [ ص: 393 ] في ذمته ووجوب إخراجها من ماله على وليه ، فإن بقيت إلى كماله وإن تلف المال لزمه إخراجها ، وبهذا يجمع بين كلامهم المتناقض في ذلك .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : المذكور ) أي الشامل للصبية ( قوله لأن يأكل وحده ) وهذا أحسن ما قيل في ضابطه ، وقيل أن يعرف يمينه من شماله ، وقيل أن يفهم الخطاب ويرد الجواب ا هـ شيخنا الزيادي ، والمراد بمعرفة يمينه من شماله أن يعرف ما يضره وما ينفعه ، وعبارة حج : ويوافقه أي تفسير التمييز بما ذكر خبر أبي داود { أنه صلى الله عليه وسلم سئل متى يؤمر الصبي بالصلاة ، فقال : إذا عرف يمينه من شماله } أي ما يضره مما ينفعه ( قوله : وعلم ) أي من قوله حيث كان مميزا ( قوله : استكماله السبع ) أي فلا يجب أمره بها إذا ميز قبل السبع ، لكن الأوجه كما قاله حج في قن صغير لم يعرف إسلامه ندب أمره ليألفها بعد البلوغ ا هـ .

                                                                                                                            وينبغي أن يلحق به في ذلك من ميز دون السبع ( قوله : ويضرب عليها ) أي وجوبا [ ص: 391 ] زاد ابن حجر : أي ضربا غير مبرح ولو لم يفد إلا بمبرح تركه وفاقا لابن عبد السلام انتهى .

                                                                                                                            وقوله غير مبرح : أي وإن كثر خلافا لما نقل عن ابن سريج من أنه لا يضرب فوق ثلاث ضربات أخذا من حديث { غط جبريل للنبي ثلاث مرات في ابتداء الوحي } .

                                                                                                                            وروى ابن عدي في الكامل بسند ضعيف { نهى أن يضرب المؤدب فوق ثلاث ضربات } قاله الإسنوي في الينبوع ، وكتب عليه سم : يتجه أن المراد أنه لو تركها وتوقف فعلها على الضرب ضربه ليفعلها لا أنه بمجرد تركها من غير سبق طلبها فيه حتى خرج وقتها مثلا يضرب لأجل الترك فليتأمل ا هـ ( قوله : فيجوز ضربه ) لعل المراد الوجوب لأن ما كان ممتنعا وجاز وجب ، وإلا فلا يظهر قوله خلافا لمن شرط استكمالها إلخ ، على أن الإسنوي لم يعبر بالجواز بل قال بعد كلام قرره حتى يضرب باستكمال تسع ا هـ .

                                                                                                                            ثم محل ما ذكر من وجوب الضرب ما لم يترتب عليه هربه وضياعه . فإن ترتب عليه ذلك تركه ( قوله : في أثناء العاشرة ) المراد بالأثناء تمام التسع فلا يشترط مضي مدة من العاشرة لأنهم عللوا وجوب الضرب باحتمال البلوغ بالاحتلام وهو حاصل بالتسع ، ثم رأيته في شرح الروض وعبارته : في أثناء العاشرة ولو عقب استكمال التسع ا هـ .

                                                                                                                            ( قوله : وفرقوا بينهم ) أي وجوبا ( قوله : على الولي أيا كان إلخ ) .

                                                                                                                            [ فرع ] يجوز للأم الضرب مع وجود الأب م ر ، ولا يجب عليها الأمر والضرب إلا إن فقد الأب ، لأن هذه الولاية الخاصة مع وجوده له لا لها هكذا قرره م ر على جهة البحث والفهم .

                                                                                                                            أقول : لكن قوله في الروضة كأصلها يجب على الآباء والأمهات إلى آخر ما حكاه الشارح يقتضي الوجوب مع وجود الأب فليحرر ا هـ سم على منهج ، لكن وجوبه على الأم ليس لولايتها على الصبي بل لكونه أمرا بالمعروف ، وذلك لا يختص بالأم بل يشركها فيه الأجانب ، وأما الوجوب على الأب فللولاية الخاصة ، وإنما ذكر الأب والأم لقربهما من الأولاد لا لاختصاص الحكم بهما ا هـ سم على منهج بالمعنى ، وكالأم فيما ذكر كبير الإخوة وبقية العصبة حيث لا وصاية لهم ( قوله : أو جد ) أي وإن علا .

                                                                                                                            قال في شرح العباب : ولو من قبل الأم كما قاله الشيخ السبكي ا هـ سم على حج ، لكن الوجوب عليه إذا كان من جهة الأم ليس للولاية الخاصة بل لمجرد القرابة ( قوله : وكذا المودع والمستعير إلخ ) عبارة شيخنا الزيادي : قال الإسنوي : ويلحق بذلك الملتقط والمودع والمستعير ومالك الرقيق ا هـ زاد حج وأقرب الأولياء ( قوله : وكذا المسلمون فيمن لا ولي له ) قضية هذا وجوب الضرب على المسلمين حيث لا ولي له بل قضية كون ذلك من الأمر بالمعروف وجوبه ولو مع وجود الولي حيث لم يقم به ( قوله : بل لا بد معه من التهديد ) أي حيث احتيج إليه ( قوله : إن أطاقه ) ويعرف من الإطاقة وعدمها : القرائن ، فحيث ظهر لوليه عدم إطاقته امتنع عليه أمره ، وحيث ظهرت وجب أمره ، ولو لم يظهر له شيء منه بأن تردد في حاله فينبغي امتناع الأمر أيضا لأن الأصل [ ص: 392 ] عدم الإطاقة ، وينبغي للولي أن يمنعه من ذلك حيث علم أنه يضره ( قوله : وهذا كصغار المماليك ) قال حج : والأوجه ندب أمره بها ليألفها بعد البلوغ ا هـ .

                                                                                                                            وقال الشهاب الرملي في حواشي شرح الروض : إنه يجب أمره بها نظرا لظاهر الإسلام ومثله في الخطيب على المنهاج : أي ثم إن كان مسلما في نفس الأمر صحت صلاته وإلا فلا ، وينبغي أيضا أنه لا يصح الاقتداء به ( قوله : أو يصح منه ) أي وهل يصح إلخ وكان الأنسب أن يعبر بالواو ( قوله أنه يضرب ويؤمر به ) هذا ظاهر فيما فاته بعد بلوغ العشر ، أما ما فاته بعد السبع ولم يقضه حتى دخل العشر فهل يضرب على قضائه كالذي فاته بعد بلوغها أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب نعم لأنه إنما لم يضرب قبل العشر لعدم احتماله الضرب ونقله شيخنا العلامة الشوبري عن بعضهم .

                                                                                                                            [ فرع ] قال م ر : يجوز لمؤدب الأطفال الأيتام بمكاتب الأيتام أمرهم وضربهم على نحو الطهارة والصلاة وإن كان لهم أوصياء ، لأن الحاكم لما قرره لتعليمهم كان مسلطا له على ذلك فثبتت له بهذه الولاية في وقت التعليم ، ولأنهم ضائعون في هذا الوقت لغيبة الوصي عنهم وقطع نظره عنهم في هذا الوقت ، فكان من المصلحة لهم ثبوت هذه الولاية في هذا الوقت للمؤدب .

                                                                                                                            أقول : يؤيد الجواز تأييدا ظاهرا أن المؤدب في وقت التعليم لا ينقص عن المودع للرقيق والمستعير له فليتأمل .

                                                                                                                            وأقول أيضا : ينبغي أنه يجوز لمؤدب من سلمه إليه وليه لا الحاكم أمره وضربه لأنه قريب من المودع في هذا الوقت ا هـ سم على منهج ( قوله : ويؤمر به ) أي وإن لم يسبق أمره بالفعل قبل خروج الوقت ولا ضربه عليه ( قوله : وجريان الوجهين ) أي في الصحة قاعدا وعدمها ( قوله : وكلام الأكثرين مشعر بالمنع ) معتمد ( قوله : فيكون كالصبي ) وقضيته أن غير الأب ممن ذكر ليس كالأب في ذلك ا هـ سم على حج . وقضية كلام حج خلافه ، وذلك أنه قال : ولا ينتهي وجوب ذينك : أي الأمر والضرب على من ذكر إلا ببلوغه رشيدا ، فقوله على من ذكر شامل لغير الأب من الوصي والقيم وغيرهما مما مر ، وهو واضح فإن ولاية غير الأب لا تنفك إلا ببلوغه رشيدا وهو هنا منتف ( قوله وأجرة تعليمه الواجبات ) أي من صلاة وصوم وغيرهما من سائر الشرائع كما مر في تفسير الواجبات ( قوله : فعلى الأب ثم الأم ) أفهم أنه لا تجب الأجرة على غير الأب والجد من الأقارب وبيت المال ومياسير المسلمين .

                                                                                                                            ويمكن توجيهه بأن مياسير المسلمين إنما يجب عليهم الضروري كإطعام المضطر ( قوله ويخرج من ماله ) أي ولا يجب ذلك على الأب ولا الأم ( قوله : أجرة تعليم القرآن ) ثم ينبغي أن محل تعليمه القرآن ودفع أجرته من ماله أو من مال نفسه ، أو بلا أجرة حيث كان في ذلك مصلحة ظاهرة للصبي [ ص: 393 ] أما لو كانت المصلحة في تعليمه صنعة ينفق على نفسه منها مع احتياجه إلى ذلك وعدم تيسر النفقة له إذا اشتغل بالقرآن فلا يجوز لوليه شغله بالقرآن ولا بتعلم العلم بل يشغله بما يعود عليه منه مصلحة ، وإن كان ذكيا وظهرت عليه علامة النجابة لو اشتغل بالقرآن أو العلم .

                                                                                                                            نعم ما لا بد منه لصحة عبادته يجب تعليمه له ولو بليدا ، ويصرف أجرة التعليم من ماله على ما مر ، ولا نظر فيما ذكر من التفصيل بين كون أبيه فقيها أو لا ، بل المدار على ما فيه من مصلحة الصبي ، فقد يكون الأب فقيها وتدعو الضرورة إلى تعلم الابن صنعة ينفق على نفسه منها ( قوله : في ذمته ) أي الصبي



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 390 - 392 ] قوله : كالسواك ) لكن لا يضرب على السواك ونحوه من السنن نقله سم عن الشارح




                                                                                                                            الخدمات العلمية