الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا نكاح الشغار ) بمعجمتين أولاهما مكسورة للنهي عنه في خبر الصحيحين ، من شغر الكلب رجله : رفعها ليبول ، فكأن كلا منهما يقول : لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك ، أو من شغر البلد إذا خلا لخلوه عن المهر ، أو عن بعض الشروط ( وهو ) شرعا كما في آخر الخبر المحتمل أن يكون من تفسيره صلى الله عليه وسلم ومن تفسير ابن عمر راويه أو نافع راويه عنه وهو ما صرح به البخاري وأبو داود فيرجع إليه ( زوجتكها ) أي بنتي ( على أن تزوجني ) ، أو تزوج ابني مثلا ( بنتك وبضع كل واحدة ) منهما ( صداق الأخرى فيقبل ) ذلك وعلة البطلان التشريك في البضع لأن كلا جعل بضع موليته موردا للنكاح وصداقا للأخرى فأشبه تزويجها من رجلين ( فإن لم يجعل البضع صداقا ) بأن قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ولم يزد فقبل ( فالأصح الصحة ) للنكاحين بمهر المثل لانتفاء التشريك في البضع وما فيه من شرط عقد في عقد لا يفسد النكاح ، ومقتضى كلامهم أن على أن تزوجني بنتك استيجاب قائم مقام زوجني وإلا لوجب القبول بعد ولو جعل البضع صداقا لأحدهما بطل من جعل بضعها صداقا فقط ، ففي زوجتكها على أن تزوجني بنتك وبضع بنتك صداق بنتي يصح الأول فقط ، وفي عكسه يبطل الأول فقط

                                                                                                                            والثاني لا يصح لوجود التعليق ، قال الأذرعي : وهو المذهب ، وزعم البلقيني أن ما صححه المصنف مخالف للأحاديث الصحيحة ونصوص الشافعي ( ولو سميا ) أو أحدهما ( مالا مع جعل البضع صداقا ) كأن قال وبضع كل وألف صداق الأخرى ( بطل في الأصح ) لبقاء معنى التشريك والثاني يصح لأنه ليس على صورة تفسير الشغار ولأنه لم يحل عن المهر ولو قال لمن تحل له الأمة زوجتك أمتي على أن تزوجني ابنتك برقبة الأمة فزوجه على ذلك صح النكاحان لعدم التشريك فيما ورد عليه عقد النكاح بمهر المثل لكل منهما لعدم التسمية والتفويض في الأولى وفساد المسمى [ ص: 216 ] في الثانية ، إذ لو صح المسمى فيها لزم صحة نكاح الأب جارية ابنه وهو ممنوع ، ولو طلق امرأته على أن يزوجه زيد مثلا بنته وصداق البنت بضع المطلقة فزوجه على ذلك صح التزويج بمهر المثل لفساد المسمى ووقع الطلاق على المطلقة ، أو طلق امرأته على أن يعتق زيد عبده ويكون طلاقها عوضا عن عتقه فأعتقه على ذلك طلقت ونفذ العتق في أحد وجهين نقله في أصل الروضة عن ابن كج وهو الظاهر ، ورجع الزوج على السيد بمهر المثل والسيد على الزوج بقيمة العبد ، وسيعلم من كلامه وغيره أنه لا بد في الزوج من علمه ، أو ظنه حل المرأة له ، فلو جهل حلها لم يصح نكاحها احتياطا لعقد النكاح .

                                                                                                                            وقد سئل الوالد رحمهما الله عن قول الأذرعي في قوته وغيره : إن الأصل في عقود العوام الفساد . والعلم بشروط عقد النكاح حال العقد شرط كما قالاه ، فإذا طلق شخص زوجته ثلاثا وسئل عن العاقد فإذا هو جاهل بحيث لو سئل عن الشروط لا يعرفها الآن ولا يعلمها عند العقد هل يحتاج إلى محلل أم يجوز التجديد بدونه وما تعريف العامي ؟ فأجاب بأن معنى قوله المذكور أن الأصل عدم اجتماع معتبراتها وإن كان الأصح الحكم بصحتها لأنها الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين ، وحينئذ فذكره العوام مثال إذ غيرهم كذلك ، أو أن الغالب في عقود العوام فسادها لعدم معرفتهم معتبراتها بخلاف غيرهم ، وأما ما قالاه وغيرهما من أن العلم بشروطه حال عقده شرط فمحمول على أنه شرط لجواز مباشرته لا لصحته حتى إذا كانت الشروط متحققة في نفس الأمر كان النكاح صحيحا وإن كان المباشر مخطئا في مباشرته ويأثم إذا قدم عليه عالما بامتناعه ، ففي البحر لو تزوج امرأة يعتقد أنها أخته من الرضاع ثم تبين خطؤه صح النكاح على المذهب ، وحكى أبو إسحاق الإسفراييني عن بعض أصحابنا أنه لا يصح ، وعندي هذا ليس بشيء ، أو على أنه مخصوص بشرط صرحوا باعتبار [ ص: 217 ] تحققه كحل المنكوحة ، وعليه قالوا في مسألة البحر عدم الصحة لا أنه عام لجميع الشروط بدليل أنهم صرحوا بأنه لو زوج أمة مورثه ظانا حياته فبان ميتا صح ، والشك هنا في ولاية العاقد بالملك وهو من أركان النكاح ، وبأنه لو عقد النكاح بحضرة خنثيين فبانا رجلين صح ، والشك هنا في الشاهدين وهما من أركانه أيضا ونظائرها كثيرة في كلامهم ، فعلم أن المطلقة ثلاثا على الوجه المذكور لا تحل لمطلقها إلا بعد التحليل بشروطه ، والمراد بالعامي هنا من لم يحصل من الفقه شيئا يهتدي به إلى الباقي وليس مشتغلا بالفقه ، ولا بد في الزوجة من الخلو من نكاح وعدة ومن جهل مطلق على ما قاله المتولي وأقره القمولي وغيره ، وفي الولي من نحو فقد رق وصبا وأنوثة ، أو خنوثة وغيرها مما يأتي ، وفي الثلاثة من تعيين إلا في إحدى بناتي واختيار إلا في المجبرة وعدم إحرام .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولا نكاح الشغار ) أي ولا يحد من نكح به كما صرح به في متن الروض ( قوله ، أو من شغر البلد إذا خلا ) أي عن السلطان ( قوله : لا يفسد النكاح ) أي بخلاف البيع ونحوه ( قوله : استيجاب ) أي فقوله زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك بمنزلة زوجني بنتك وزوجتك بنتي ، وقوله قبلت النكاح مستعمل في قبول نكاح نفسه وتزويج ابنته فكأنه قال قبلت نكاح بنتك وزوجتك ابنتي ( قوله : قائم مقام زوجني ) معتمد ( قوله : يصح الأول فقط ) أي بمهر المثل ( قوله : والتفويض ) أي ولعدم التفويض ، [ ص: 216 ] إذ صورة التفويض في الأمة أن يقول زوجتكها بلا مهر ، وبالجملة فالأمة لم يذكر لها مهر وذلك موجب لمهر المثل إذ لم يوجد تفويض وإلا فلا يجب لها شيء إلا بالدخول ، أو الفرض على ما يأتي ، فحيث انتفى التفويض هنا وجب مهر المثل ( قوله : في الأولى ) هي قوله زوجتك وقوله في الثانية هي قوله على أن تزوجني ( قوله ووقع الطلاق ) أي وينبغي أن يرجع المطلق على الآخر بمهر المثل لفساد العوض ( قوله : طلقت ) أي بائنا في المسألتين انتهى مؤلف ( قوله ورجع الزوج ) أي فيما لو طلق امرأته على أن يعتق زيد عبده إلخ

                                                                                                                            ( قوله : ، أو ظنه ) أي ظنا قويا ( قوله : فلو جهل حلها ) أي واستمر جهله كأن شك في محرميتها ولم يعلم عدمها بعد أو كان المعقود عليه خنثى وإن اتضح بالأنوثة كما يأتي ( قوله : ففي البحر ) استظهارا على قوله حتى إذا كانت الشروط إلخ ( قوله : عن بعض أصحابنا إلخ ) معتمد ( قوله : أنه لا يصح ) أي لا يصح النكاح مع عدم العلم بالشروط ، وقوله وعليه : أي على ما حكاه أبو إسحاق الإسفراييني [ ص: 217 ] قوله : عدم الصحة ) سيأتي له في الشرح ما يصرح به بأن هذا هو المعتمد وأن ما في البحر ضعيف وسنذكر عنه ما يخالفه ( قوله : لا أنه عام ) متصل بمخصوص ( قوله : بدليل أنهم إلخ ) متعلق بقوله لا أنه عام ( قوله : وهو ) أي الولي ( قوله : فعلم أن المطلقة ) أي من قوله وإن كان الأصح الحكم بصحتها إلخ ( قوله : على الوجه المذكور ) أي في قوله فإذا طلق شخص زوجته ثلاثا وسئل إلخ ( قوله : وليس مشتغلا بالفقه ) قضيته أن من لم يحصل من الفقه ما ذكر ولكنه مشتغل به ليس عاميا ، والظاهر أنه غير مراد ، وعليه فكان الأولى أن يقول وإن كان مشتغلا بالفقه إلخ ، إلا أن يقال : إنه حيث كان مشتغلا بالفقه كان الغالب عليه البحث من تصحيح العقد وإن لم يكن عنده من الفقه ما يهتدي به إلى باقيه ( قوله : ومن جهل مطلق ) أي بأن لا يعرفها بوجه كأن قيل له زوجتك هذه ولم يعلم اسمها ولا نسبها انتهى حج .

                                                                                                                            وفيه كلام حسن فليراجع ( قوله : وفي الثلاثة ) أي الولي والزوج والمرأة ، وقضيته أنه لو قال الولي لرجل لا يعرف له اسما ولا نسبا زوجتك بنتي فقبل أنه يصح النكاح ، بخلاف ما تقدم في المرأة من أنه لو قال زوجتك هذه لمن لم يعرف اسمها ونسبها لم يصح ( قوله : واختيار ) أي ويشترط اختيار إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : كما في آخر الخبر إلخ ) يعني تفسير الشغار بما يأتي في المتن ( قوله : والتفويض ) أي ولعدم التفويض [ ص: 216 ] قوله : فإذا طلق شخص إلخ ) هو من كلام السائل لا من كلام الأذرعي ( قوله : وسئل عن العاقد ) أي وقع السؤال أي البحث عنه ( قوله : أن الأصل عدم اجتماع معتبراتها ) أي ; لأن المعتبرات أمور وجودية والأصل فيها العدم ، فالمراد بالأصل الأصل باصطلاح أهل الأصول المقابل للظاهر كما سيأتي مقابلته به ، وحاصل كلام الفتاوى في تفسير كلام الأذرعي أنه يجوز فيه أمران : إما أن يراد بالأصل ما ذكر من اصطلاح أهل الأصول بالمعنى الذي قررته وحينئذ فلا يختص ذلك بالعوام ; لأن الإتيان بالمعتبرات مطلقا على خلاف الأصل إذ الأصل عدمها وإن حكم بصحة العقود ترجيحا للظاهر هنا على الأصل . وإما أن يراد بالأصل الغالب على خلاف اصطلاح أهل الأصول وحينئذ فذكر العوام قيد لا مثال ( قوله : ففي البحر لو تزوج امرأة إلخ ) سيأتي تضعيفه ( قوله : ليس بشيء ) هو آخر كلام البحر [ ص: 217 ] فكان ينبغي أن يقول عقبه . ا هـ . ( قوله : ومن جهل مطلق ) أي ولا بد من خلوه من جهل الزوج بها جهلا مطلقا : أي فلا بد من معرفته إياها إما بعينها أو باسمها ونسبها كما أوضحه في التحفة أتم إيضاح ( قوله : إلا في إحدى بناتي ) أي بشرطه بأن نويا معينة




                                                                                                                            الخدمات العلمية