الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وللأب ) وإن لم يل المال لطرو سفه بعد البلوغ على النص لأن العار عليه خلافا لمن زعم أن ولاية تزويجها تابعة لولاية مالها ( تزويج البكر ) وترادفها العذراء لغة وعرفا ، وقد يفرقون بينهما فيطلقون البكر على من إذنها السكوت وإن زالت بكارتها ، ويخصون العذراء بالبكر حقيقة والمعصر تطلق على مقاربة الحيض وعلى من حاضت وعلى من ولدت ، أو حبست في البيت ساعة طمثت ، أو راهقت العشرين ( صغيرة وكبيرة ) عاقلة ، أو مجنونة ( بغير إذنها ) لخبر الدارقطني { الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها } وهو مجمع عليه في الصغيرة ، ويشترط لصحة ذلك كفاءة الزوج ويساره بحال صداقها عليه كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، فلو زوجها من معسر به لم يصح لأنه بخسها حقها وليس مفرعا على أن اليسار معتبر في الكفاءة خلافا لبعض المتأخرين ، وعدم عداوة بينها وبين الزوج كما بحثه العراقي ، وعدم عداوة ظاهرة بينها وبين الولي وإلا فلا يزوجها إلا بإذنها ، بخلاف غير الظاهرة لأن الولي يحتاط لموليته لخوف العار ولغيره ، وعليه يحمل إطلاق الماوردي والروياني الجواز ، واعتبر الظهور هنا دون ما مر في الزوج لظهور الفرق بين الولي المجبر والزوج ، لأن انتفاء العداوة بينها وبين وليها يقتضي أنه لا يزوجها [ ص: 229 ] إلا لمن يحصل لها منه حظ ومصلحة وشفقة عليها ، أما مجرد كراهتها له من غير ضرر فلا تؤثر ، لكن يكره له تزويجها منه كما نص عليه في الأم لا يقال : يلزم من اشتراط عدالته انتفاء عداوته لتنافيهما .

                                                                                                                            لأنا نمنع ذلك لما سيعلم في مبحثها أنها قد لا تكون مفسقة ، وألحق الخفاف بالمجبر وكيله ، وعليه فالظاهر أنه لا يشترط فيه ظهورها لوضوح الفرق بينهما ولجواز مباشرته دون صحته كونه ( بمهر مثلها حال من نقد البلد ) وسيأتي في مهر المثل ما يعلم منه أن محل ذلك فيمن لم يعتدن الأجل ، أو غير نقد البلد وإلا جاز بالمؤجل وبغير نقد البلد ، واشتراط أن لا تتضرر به لنحو هرم أو عمى وإلا فسخ وأن لا يلزمها الحج وإلا اشترط إذنها .

                                                                                                                            قاله ابن العماد لئلا يمنعها الزوج منه ضعيفان ، بل الثاني شاذ لوجود العلة مع إذنها ( ويستحب ) ( استئذانها ) أي البكر البالغة العاقلة ولو سكرانة تطييبا لقلبها ، وعليه حملوا خبر مسلم { والبكر يستأمرها أبوها } جمعا بينه وبين خبر الدارقطني المار ، أما الصغيرة فلا إذن لها ، وبحث بعضهم ندبه في المميزة لإطلاق الخبر ، ولأن بعض الأئمة أوجبه ، ويستحب حينئذ عدم تزويجها إلا لحاجة ، أو مصلحة ، ويندب أن يرسل ثقة لا تحتشمها لموليته وأمها أولى لتعلم ما في نفسها .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لطرو سفه ) أي لها ، وكذا لو بلغت رشيدة : أي واستمر رشدها لزوال ولاية المال ببلوغها ( قوله : والمعصر ) ذكرها لمناسبتها للبكر ( قوله : وعلى من حاضت ) أي بالفعل ( قوله وعلى من ولدت ) أي أول ولادة ، وقوله ساعة طمثت : أي حاضت ، وقوله ، أو راهقت : أي قاربت العشرين إلخ أي فالمعصر مشترك بين هذه المعاني لا يعلم المراد منه إلا بقرينة ( قوله : بحال صداقها ) بقي ما لو قال ولي المرأة لولي الزوج زوجت بنتي ابنك بمائة قرش في ذمتك مثلا فلا يصح وطريق الصحة أن يهب الصداق لولده ويقبضه له ، وهل استحقاق الجهات كالإمامة ونحوها كاف في اليسار لأنه متمكن من الفراغ عنها وتحصيل حال الصداق أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول أخذا مما قالوه في باب التفليس من أنه يكلف النزول عنها ، ومثل ذلك ما لو تجمد له في جهة الوقف ، أو الديوان ما يفي بذلك وإن لم يقبضه لأنه كالوديعة عند الناظر وعند من يصرف الجامكية .

                                                                                                                            وكتب أيضا حفظه الله قوله بحال صداقها : أي بأن يكون في ملكه ذلك نقدا كان أو غيره دخل في ملكه بقرض إذ ذاك ، أو بغيره ، فالمدار على كونه في ملكه عند العقد ، وينبغي أن مثل ذلك في الصحة ما يقع كثيرا من أن غير الزوج كأبيه يدفع عنه الولي المرأة قبل العقد الصداق ، فهو وإن لم يدخل في ملك الزوج بمجرد ذلك ولا دين عليه يحصل به قضاؤه لكن العادة جارية بعدم رده إليه وعدم مطالبة الزوج به وتصرف المرأة فيه فينزل منزلة ملكه ، وخرج بقولنا أولا في ملكه من أن الزوج يستعير من بعض أقاربه مثلا مصاغا ، أو نحوه ليدفعه للمرأة إلى أن يوسر فيدفع لها الصداق ويسترد ما دفعه لها ليرده على مالكه فلا يكفي لعدم ملكه ، والعقد المترتب عليه فاسد حيث وقع بلا إذن معتبر منها ( قوله : وليس مفرعا ) أي قوله فلو زوجها إلخ ( قوله : بينها وبين الزوج ) أي لا ظاهرة ولا خفية [ ص: 229 ] قوله أما مجرد كراهتها ) أي الزوجة ( قوله : أنها قد لا تكون ) أي العداوة ( قوله : وألحق الخفاف ) أي في الشروط المذكورة ( قوله : لا يشترط فيها ظهورها ) أي بل يكون مجرد العداوة مانعا ( قوله لوضوح الفرق بينهما ) وهو أن شفقة الولي تدعوه لرعاية المصلحة ولو مع العداوة الباطنة ، بخلاف الوكيل فإنه لا شفقة له فربما حملته العداوة على عدم رعاية المصلحة ( قوله : ولجواز ) أي ويشترط لجواز إلخ ( قوله : أن محل ذلك ) أي عدم جواز المباشرة إلخ ( قوله : وإلا جاز بالمؤجل ) ومنه ما يقع الآن من جعل بعض الصداق حالا وبعضه مؤجلا بأجل معلوم فيصح ( قوله وإلا فسخ ) ضعيف ( قوله : ويستحب حينئذ ) أي حين كانت صغيرة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وإن لم يل المال إلى قوله ; لأن العار عليه إلى آخره ) قضية ذلك أن الثيب البالغة التي طرأ سفهها بعد البلوغ لا يزوجها إلا الأب ، كذا في حواشي التحفة لابن قاسم ، وفي كون هذا قضيته نظر لا يخفى ( قوله : واعتبر الظهور هنا دون ما مر في الزوج إلخ ) عبارة شرح الروض [ ص: 229 ] عقب ما مر عن العراقي : وإنما لم يعتبروا ظهور العداوة هنا كما اعتبر ثم لظهور الفرق بين الزوج والولي المجبر ، بل قد يقال لا حاجة إلى ما قاله : يعني العراقي ; لأن انتفاء العداوة إلى آخر ما في الشرح : أي فاشتراط انتفاء العداوة بينها وبين الولي مغن عن اشتراط انتفائها بينها وبين الزوج فانظر ما في الشرح مع هذا ( قوله : ولجواز مباشرته ) معطوف على قوله لصحة ذلك ( قوله : ثقة لا تحتشمها لموليته ) الأولى تقديم لموليته على لا تحتشمها




                                                                                                                            الخدمات العلمية