الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وكذا يزوج ) السلطان ( إذا عضل القريب ) ولو مجبرا ( ، أو المعتق ) أي امتنع ، أو عصبته إجماعا لكن بعد ثبوت العضل عنده بامتناع منه ، أو سكوته بحضرته بعد أمره به والمرأة والخاطب حاضران أو وكيلهما ، أو بينة بعد تعززه أو تواريه .

                                                                                                                            نعم إن فسق بعضله لتكرره منه عدم غلبة طاعاته معاصيه كما ذكروه في الشهادات زوج الأبعد وإلا فلا لأن العضل صغيرة ، وإفتاء المصنف بأنه كبيرة بإجماع المسلمين مراده أنه مع عدم تلك الغلبة في حكمها لتصريحه هو وغيره بأنه صغيرة وحكايتهم لذلك وجها ضعيفا ، وللجواز كذلك للاغتناء عنه بالسلطان ، وسيعلم مما يأتي أنه يزوج أيضا عند غيبة الولي وإحرامه ونكاحه لمن هو وليها فقط وجنون بالغة فقدت المجبر وتعزز الولي ، أو تواريه أو حبسه ومنع .

                                                                                                                            [ ص: 235 ] الناس من الاجتماع به كما بحثه الأذرعي وفقده حيث لا يقسم ماله ، وما زاده جمع من الإلحاق بما تقرر ما لو كان لها أقارب وجهل أيهم أقرب إليها محمول على ما إذا امتنعوا من الإذن لواحد منهم بعد إذنها للولي منهم مجملا إذ الإذن كاف مع ذلك ، ومن ثم لو أذنت لوليها من غير تعيين فزوجها وليها باطنا وإن لم تعرفه ولا عرفها ، أو قالت أذنت لأحد أوليائي ، أو مناصيب الشرع صح وزوجها في الأخيرة كل منهم ، وتزويجه : أعني القاضي ، أو نائبه بنيابة اقتضتها الولاية كما صححه الإمام في باب القضاء وهو المعتمد ، فلا يصح إذنها لحاكم غير محلها .

                                                                                                                            نعم إن أذنت له وهي في غير محل ولايته ثم زوجها وهي بمحل ولايته اتجهت صحته كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، ولا نظر إلى أن إذنها لا يترتب عليه أثره حالا لأن ذلك ليس بشرط ، وإذنه لمن يزوج قنه ، أو ينكح موليته بعد سنة ولمن يشتري له الخمر بعد تخللها صحيح أيضا ، وإنما لم يصح سماعه لبينة بحق ، أو تزكية خارج عمله لأن السماع سبب للحكم فأعطي حكمه ، بخلاف الإذن فإنه ليس سببا لحكم بل لصحة مباشرة التزويج فيكفي وجوده مطلقا ، وبما تقرر علم أنها لو أذنت له ثم خرجت لغير محل ولايته ثم عادت ثم زوجها صح وتخلل الخروج منه ، أو منها غير مبطل للإذن ، وقد صرح بالثانية ابن العماد قياسا على ما لو سمع البينة ثم خرج لغير محل ولايته ثم عاد يحكم بها ، ومثلها الأولى فيما يظهر وإن نظر فيه الأذرعي والزركشي وزعم أن خروجها وعودها كما لو أذنت له ثم عزل ثم ولي مردود لأن خروجها عن محل ولايته لا يقتضي وصفه بالعزل بل بعدم الولاية عليها ، فالمسألتان متحدتان كما هو ظاهر ، وولاية القاضي تشمل بلاد ناحيته وقراها وما بينها من البساتين والمزارع والبادية وغيرها كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، فقد قالوا ولو ناداه كائنين في طرفي ولايته أمضاه ، ولو زوجها هو ووليها الغائب في وقت واحد بالبينة قدم الولي ، ولو قدم وقال كنت زوجتها قبل الحاكم لم يقبل ، ولو ثبت رجوع العاضل قبل تزويجه بان بطلانه ( وإنما يحصل العضل ) من الولي ( إذا دعت بالغة عاقلة ) ولو سفيهة ( إلى كفء ) ولو [ ص: 236 ] عنينا أو مجبوبا بالباء وقد خطبها وعينته ولو بالنوع بأن خطبها أكفاء فدعت إلى أحدهم ، أو ظهرت حاجة مجنونة للنكاح ( وامتنع ) ولو لنقص المهر في الأولى ، أو قال لا أزوج إلا من هو أكفأ منه ، أو هو أخوها من الرضاع أو حلف بالطلاق أني لا أزوجها ، أو مذهبي لا يرى حلها لهذا الزوج لوجوب إجابتها حينئذ كإطعام المضطر ، ولا نظر لإقراره بالرضاع ولا لحلفه ولا لمذهبه لأنه إذا زوج بإجبار الحاكم لم يأثم ولم يحنث ، ولو امتنع من التحليل للخروج من الخلاف ، أو لقوة دليل التحريم عنده لم يأثم به بل يثاب على قصده .

                                                                                                                            قاله بعض المتأخرين .

                                                                                                                            قال الأذرعي : وفي تزويج الحاكم حينئذ نظر لفقد العضل انتهى .

                                                                                                                            وقضية كلامه تقرير ذلك البحث ، والأوجه كما دل عليه إطلاقهم أنه حيث وجدت الكفاءة لم يعذر ( ولو ) ( عينت ) المجبرة ( كفئا وأراد الأب ) ، أو الجد المجبر كفئا ( غيره فله ذلك ) وإن كان معينها يبذل أكثر من مهر المثل كما صرح به الإمام في كتاب الطلاق وحكاه عنه في الكفاية ( في الأصح ) لأنه أكمل نظرا منها .

                                                                                                                            والثاني يلزمه إجابتها إعفافا لها ، واختاره السبكي وغيره ، والمعتبر في غير المجبر من عينته جزما كما اقتضاه كلامهما لأن أصل تزويجها يتوقف على إذنها ، ولا يأثم في الباطن لعضل المانع يخل بالكفاءة علمه منه باطنا ولم يمكنه إثباته .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وكذا يزوج السلطان ) ونظم بعضهم المسائل التي يزوج فيها الحاكم فقال :

                                                                                                                            خمس محررة تقرر حكمها فيها يرد الأمر للحكام فقد الولي وعضله ونكاحه
                                                                                                                            وكذاك غيبته مع الإحرام

                                                                                                                            وزاد السيوطي على ذلك مسائل نظمها بقوله :

                                                                                                                            عشرون زوج حاكم عدم الولي والفقد والإحرام والعضل السفر
                                                                                                                            حبس توار عزه ونكاحه أو طفله أو حافد إذ ما قهر
                                                                                                                            وفتاة محجور ومن جنت ولا أب وجد لاحتياج قد ظهر
                                                                                                                            أمة الرشيدة لا ولي لها وبيت المال مع موقوفة إذ لا ضرر
                                                                                                                            مع مسلمات علقت أو دبرت أو كوتبت أو كان أولد من كفر

                                                                                                                            ( قوله : لتكرره ) أي ثلاث مرات وقوله بأنه : أي العضل ( قوله : وللجواز كذلك ) أي وجها ضعيفا ( قوله : أنه ) أي الحاكم ، وقوله وإحرامه ونكاحه : أي الولي ( قوله : أو حبسه ) أي ولو في البلد في الصور الثلاث لأنها بمثابة [ ص: 235 ] العضل ( قوله : حيث لا يقسم ماله ) أي بأن انقطع خبره ولم يثبت موته ( قوله : وزوجها في الأخيرة ) هي قوله ، أو مناصيب ( قوله : وهي في غير محل ولايته ) أي وهو أيضا في غير محل ولايته أخذا من قوله الآتي وإنما لم يصح إلخ ( قوله : وإذنه ) أي الولي ( قوله : لمن تزوج فيه ) أي وإذنه في النكاح وهو محرم لمن تزوج بعد التحلل من الإحرام صحيح كما يعلم من حج ( قوله : فيكفي وجوده مطلقا ) في محل ولايته أم لا

                                                                                                                            ( قوله : وقد صرح بالثانية ) هي قوله ، أو منها ( قوله : قياسا على ما لو سمع إلخ ) هذا القياس يقتضي أن الثانية هي ما لو كان الخروج منه والأولى إذا كان منها ، ويدل عليه قوله بعد وزعم أن خروجها إلخ ، وإنما سماها ثانية نظرا لقوله لو أذنت له ثم خرجت لغير محل ولايته إلخ ( قوله : ومثلها الأولى ) هي قوله وتخلل الخروج ( قوله : فقد قالوا ولو ناداه إلخ ) في الاستدلال بمجرد ذلك على شمول محل الولاية للبساتين وغيرها نظر لجواز حمل الطرفين على آخر بلدي القاضيين بأن يكون أحدهما واقفا بآخر بلده والآخر كذلك ( قوله : في وقت واحد ) أي لشخصين بعد إذنها لكل من الولي والقاضي ( قوله : لم يقبل ) أي حيث لم يصدقه الزوجان وإلا قبل فيما يظهر أخذا مما يأتي له في الفصل الآتي من قوله ولو زوج الأبعد فادعى الأقرب إلخ ( قوله : قبل تزويجه ) أي الحاكم [ ص: 236 ] قوله لنقص المهر في الأولى ) هي قوله إذا دعت بالغة والثانية هي قوله ، أو ظهرت حاجة مجنونة ( قوله إذا زوج بإجبار الحاكم ) أي وإن لم يهدده بعقوبة ، أو هدد بها ولم يغلب على الظن تحقيق ما هدد به ، أو لم يقدر عليه هذا ، وقد يشكل عدم الوقوع هنا مع إجبار الحاكم بما يأتي له بعد قول المصنف ولا يقع طلاق مكره من قوله أو بحق حنث تأمل ( قوله : ولو امتنع ) أي الولي ، وقوله من التحليل أي بعد الطلاق ( قوله لم يعذر ) أي الولي فيحكم بعضله وإن لم يأثم ويزوج الحاكم ( قوله : ولا يأثم ) أي غير المجبر .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وللجواز ) أي ولحكايتهم جواز العضل وجها ضعيفا أيضا للاغتناء عنه بالسلطان [ ص: 235 ] قوله : ما لو كان لها أقارب ) لفظ ما بدل من ما في قوله وما زاده إلخ ( قوله : نعم إن أذنت له إلخ ) هذا الاستدراك مكرر مع ما مر آنفا ( قوله : فقد قالوا ولو ناداه إلخ ) توقف شيخنا في الأخذ من هذا الذي قالوه إذ قد يقال إن مرادهم بطرف الولاية طرف البلد مثلا ( قوله : في طرفي ولايته ) كذا في النسخ وصوابه ولايتهما كما هو كذلك في [ ص: 236 ] فتاوى والده ( قوله : ولم يحنث ) توقف فيه الشيخ بما حاصله أنه إكراه بحق فقياسه الحنث .




                                                                                                                            الخدمات العلمية