الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فلو ) ( زوجها أحدهم ) أي الأولياء وقد أذنت لكل منهم ( زيدا والآخر عمرا ) ، أو وكل الولي فزوج هو وكيله ، أو وكل وكيلين فزوج كل والزوجان كفئان ، أو أسقطوا الكفاءة وإلا بطلا مطلقا إلا إن كان أحدهما كفئا فنكاحه صحيح وإن تأخر ( فإن ) سبق أحد العقدين و ( عرف السابق ) منهما ببينة ، أو تصادق معتبر ولم ينس ( فهو الصحيح ) والآخر باطل وإن دخل بها المسبوق للخبر الصحيح { أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما } ( وإن وقعا معا ) فباطلان وهو واضح ( أو جهل السبق والمعية فباطلان ) لتعذر الإمضاء ، والأصل في الأبضاع الحرمة حتى يتحقق السبب المبيح ، نعم يندب للحاكم أن يقول إن كان قد سبق أحدهما فقد حكمت ببطلانه لتحل يقينا وثبتت له هذه الولاية للحاجة .

                                                                                                                            قاله المتولي وغيره ( وكذا ) يبطلان ( لو علم سبق أحدهما ولم يتعين ) وأيس من تعينه ( على المذهب ) لما ذكر ومجرد العلم بالسبق لا يفيد وإنما توقف في نظيره من الجمعتين فلم يحكم ببطلانهما لأن الصلاة إذا تمت صحيحة لا يطرأ عليها مبطل لها ، ولا كذلك العقد لأنه يفسخ بأسباب ، ولأن المدار تم على علمه تعالى وهو يعلم السابقة ، بخلاف ما هنا ، ويندب للحاكم هنا أيضا نظير ما مر أن يقول فسخت السابق منهما .

                                                                                                                            والطريق الثاني قولان أحدهما هذا ، والثاني مخرج من نظير الجمعتين ، ورد بما مر ، وإذا قلنا ببطلانهما وجرى منه فسخ انفسخ باطنا حتى لو تعين السابق فلا زوجية وإلا انفسخ ظاهرا فقط ، فإذا تعين فهو الزوج .

                                                                                                                            أما إذا لم يقع يأس من تعين السابق فيجب التوقف إلى تعينه كما في الذخائر ( ولو سبق معين ثم اشتبه ) لنسيانه ( وجب التوقف حتى يتبين ) السابق لتحقق صحة العقد فلا يرتفع إلا بيقين فيمتنعان عنها ولا تنكح غيرهما وإن طال عليها الأمر كزوجة المفقود حتى يطلقاها ، أو يموتا أو يطلق واحد ويموت الآخر .

                                                                                                                            نعم بحث الزركشي [ ص: 250 ] كالبلقيني أنها عند اليأس من التبين : أي عرفا تطلب الفسخ من الحاكم ويجيبها إليه للضرورة ، وكالفسخ بالعيب وأولى ولا تطالب واحدا منهما بمهر ، وصحح الإمام عدم وجوب النفقة حالة التوقف لتعذر الاستمتاع ، وقطع ابن كج أنها عليهما نصفين بحسب حالهما لحبسها لهما ، وكلام الشرح الصغير يقتضي ترجيحه وهو المعتمد ، وليس في الروضة تصريح بترجيح ، وعلى الوجوب لو تعين السابق منهما وقد أنفقا لم يرجع الآخر عليه بما أنفق إلا إذا كان بإذن الحاكم كما صوبه الإسنوي وغيره ، فإن فقد رجع به إن أشهد كما في نظائره ، وقول أبي عاصم العبادي الذي حكاه في الروضة وأصلها وجرى عليه ابن المقري أنه إنما يرجع إذا أنفق بغير إذن الحاكم وقطع به ابن كج حمله الوالد رحمه الله تعالى على أن المراد بالإذن هنا الإلزام واللازم للشخص لا يرجع به على غيره ، ولو مات أحدهما وقف إرث زوجة ، أو هي فإرث زوج ( فإن ادعى كل زوج ) عليها ( علمها بسبقه ) أي سبق نكاحه على التعيين وإلا لم تسمع الدعوى ( سمعت دعواهما ) كدعوى أحدهما إن انفرد ( بناء على الجديد ) الأصح كما مر ( وهو قبول إقرارها بالنكاح ) لأن لها حينئذ فائدة ، وتسمع أيضا على وليها إن كان مجبرا لقبول إقراره به أيضا لا دعوى أحدهما ، أو كل منهما على الآخر أنه السابق على الآخر ولو للتحليف ، لأن الزوجة من حيث هي زوجة ولو أمة لا تدخل تحت اليد وحينئذ فليس في يد واحد منهما ما يدعيه الآخر ، وتسمع دعوى النكاح في غير هذه الصورة على المجبر في الصغيرة ، فإن أقر فذاك ، وإن أنكر حلف ، فإن نكل حلف الزوج وأخذها والكبيرة ، لكن للزوج بعد تحليفه تحليفها إن أنكرت ، ولا تسمع دعواه على ولي ثيب صغيرة وإن قال نكحتها بكرا لأنه الآن لا يملك الإنشاء فلم [ ص: 251 ] يقبل إقراره به عليها .

                                                                                                                            قاله البغوي ، ويؤخذ من تعليله أنه لو كان ثم بينة يريد إقامتها عليه سمعت فيما يظهر كما يدل على ذلك ما في الدعاوى ( فإن ) أقرت لهما فكعدمه ، أو ( أنكرت حلفت ) هي ، وضبطه المصنف بخطه بضم أوله ، أو أنكر وليها المجبر حلف وإن كانت رشيدة على البت وهي على نفي العلم بالسبق لتوجه اليمين عليها بسبب غيرها لكل واحد منهما يمينا انفردا ، أو اجتمعا وإن رضيا بيمين واحدة كما قاله البغوي ورجحه السبكي وهو المعتمد ، وسكت المصنف كالرافعي هنا على ما يخالف ذلك للعلم بضعفه مما قرراه في الدعاوى وغيرها ، ويستثنى من تحليفها ما لو كانت خرساء ، أو معتوهة ، أو صبية ، أو خرست بعد التزويج فلا يمين عليها ، وينفسخ النكاح كما نقله الجوري عن النص ، وإذا حلفت لهما بقي التداعي والتحالف بينهما ، والممتنع إنما هو ابتداء التداعي ، والتحالف بينهما من غير ربط الدعوى بها فمن حلف فالنكاح له ، كذا نقلاه عن الإمام والغزالي وأقراه ، واعترضا بأن المنصوص عليه وعليه الأكثرون عدم تحالفهما مطلقا ، وهو الأوجه كما اعتمده الوالد رحمه الله تعالى ، قال جمع : فيبقى الإشكال ، وقال ابن الرفعة : بل يبطل النكاحان بحلفهما ، قال الأذرعي : وهو المذهب وصرح به الجرجاني واقتضاه كلام غيره وجرى عليه الشيخ في شرحه على البهجة ( وإن أقرت لأحدهما ) على التعيين بالسبق وهي ممن يصح إقرارها ( ثبت نكاحه ) بإقرارها ( وسماع دعوى الآخر وتحليفها ) مصدر مضاف للمفعول ( له ) إنها لا تعلم سبق نكاحه ( ينبني على القولين ) السابقين في الإقرار ( فيمن قال هذا لزيد بل لعمرو هل يغرم لعمرو إن قلنا نعم ) وهو الأظهر ( فنعم ) تسمع الدعوى وله تحليفها رجاء أن تقر ، أو تنكل فيحلف ويغرمها مهر المثل لأنها أحالت بينه وبين بضعها بإقرارها الأول

                                                                                                                            ولو حلفها الحاضر فللغائب تحليفها في أوجه الوجهين ، ومحلهما إذا حلفت أنها لا تعلم سبقه ولا تاريخ العقدين ، فإن اقتصرت على أنها لا تعلم سبقه تعين الحلف للثاني ، وأجري هذا الخلاف في كل خصمين يدعيان شيئا واحدا ، وما أفهمه ما تقرر [ ص: 252 ] من أن إقرارها لا يفيده زوجية محله ما لم يمت الأول كما قاله الماوردي وإلا صارت زوجة للثاني وتعتد للأول عدة وفاة إن لم يطأها وإلا اعتدت بأكثر الأمرين منها ومن ثلاثة أقراء عدة الوطء ما لم تكن حاملا ، والقياس أنها ترجع على الثاني بما غرمته له لأنها إنما غرمته للحيلولة أما إذا لم تحلف يمين الرد فلا غرم عليها ، وإن أقرت لهما معا فهو لغو فيقال لها إما أن تقري أو تحلفي .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 249 ] قوله : وقد أذنت ) أي والحال ( قوله لكل منهم أن يزوجها ) ثم كره إن كان القارع الإمام ، أو نائبه ا هـ حج .

                                                                                                                            ومفهومه عدم الكراهة إذا كان القارع غيرهما ، وفيه نظر لأن سبب الكراهة جريان وجه بعدم صحة النكاح ، وإطلاقهم يقتضي أنه جائز سواء أقرع الإمام ، أو غيره ( قوله : ورد بما مر ) أي في قوله إذ القرعة قاطعة إلخ ( قوله من غير كراهة ) يتأمل وجه عدم الكراهة مع وجوب القرعة ، فإن مقتضى الوجوب حرمة المبادرة فضلا عن كراهتها ، إلا أن يقال : القرعة إنما تجب إذا طلبت بعد التنازع ، فيجوز أن المبادرة التي لا تكره معها صورتها أن يبادر أحدهم قبل التنازع وطلب القرعة ( قوله : ، أو تصادق معتبر ) بأن كان صريحا عن اختيار ( قوله : وإن دخل بها ) غاية ( قوله : أيما امرأة ) ما في هذا التركيب وأمثاله زائدة ( قوله : وثبتت له ) أي الحاكم ( قوله : لما ذكر ) أي في قوله لتعذر الإمضاء ( قوله : فلم يحكم ببطلانهما ) أي حتى تعاد جمعة بل تعاد ظهرا لاحتمال صحة إحداهما وذلك مانع من إعادة الجمعة ( قوله بخلاف ما هنا ) أي فإن المدار فيه على علم الزوج ليتعلق به جواز الإقدام على الوطء ( قوله : وإذا قلنا ببطلانهما ) أي على المعتمد كما إذا جهل السبق ، أو علم ولم يتعين سابق وأيس من معرفته ( قوله : وإلا ) نقل بالبطلان كأن علم السابق [ ص: 250 ] وتعين ثم نسي وتضررت بطول الانتظار فرفعت أمرها للقاضي فسخ ( قوله ويجيبها ) أي على المعتمد وجوبا ( قوله : ولا تطالب ) أي الزوجة ، وهذا متصل بقول المصنف حتى يتبين وينبغي أن لهما المطالبة بالمهر إذا رفعت أمرها للقاضي وفسخ لأن الفسخ إذا كان منها ، أو بسببها يسقط المهر

                                                                                                                            ( قوله : بحسب حالهما ) أي ثم إذا تعين الغني فهل ترجع المرأة عليه بما زاد على نصف نفقة الفقير ، وإذا تعين الفقير فهل يرجع الغني على المرأة بما زاد على ما يرجع به على الفقير ؟ فيه نظر ، ولا يبعد الرجوع بما ذكر فيهما ( قوله فإن فقد ) أي الحاكم ، أو تعذر الوصول إليه ، أو امتنع عن الحكم إلا برشوة ، وكتب أيضا قوله فإن فقد : أي بأن كان في محل يشق الوصول إليه فيه عادة ( قوله الإلزام ) أي بأن كان مذهب القاضي يرى وجوب النفقة عليهما من غير تراجع ( قوله : لأن لها ) أي الدعوى ( قوله : لا دعوى أحدهما ) [ ص: 251 ] أي الزوجين ( قوله : لكل واحد منهما ) أي وجوبا ( قوله : وإن رضيا ) غاية ( قوله : كما قاله الزركشي ) وفي نسخة البغوي : وهي أولى لأن الزركشي متأخر عن السبكي ( قوله : ، أو معتوهة ) أي وعندها خبل ( قوله : وينفسخ النكاح ) لعل المراد بفسخ الحاكم وعبارة حج فسخا أيضا ، وهو محتمل إلا في صباها إلخ وهي تفيد أنه لا ينفسخ بنفسه بل لا بد من فسخ الزوجين فليراجع ( قوله فمن حلف ) أي على البت ( قوله : بل يبطل النكاحان ) معتمد ( قوله : وهي ممن يصح إقرارها ) أي بأن كانت بالغة عاقلة ولو سفيهة وفاسقة وسكرانة بكرا ، أو ثيبا كما مر له بعد قول المصنف ويقبل إقرار البالغة إلخ ( قوله فللغائب ) أي يجوز له ( قوله : وما أفهمه ما تقرر ) [ ص: 252 ] أي في قوله ويغرمها مهر المثل ( قوله : من أن إقرارها ) أي حقيقة أو حكما بأن نكلت وردت اليمين على الثاني ( قوله : وإلا اعتدت إلخ ) والقياس أيضا أنها لا ترث من الأول لدعواها عدم زوجيته ومن ثم سلمت للثاني بلا عقد عملا بإقرارها له ( قوله : إما أن تقوى ) أي إقرارا يعتد به بأن يكون لواحد منهما فقط .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 249 ] قوله : وجرى منه ) أي الحاكم ( قوله : وإلا ) أي وأن لا يقع من الحاكم فسخ خلافا لما في حاشية الشيخ ( قوله : لتحقق صحة العقد ) أي وعدم تعذر الإمضاء حتى تفارق ما قبلها [ ص: 250 ] قوله : الإلزام ) قال الشهاب سم : أي بأن يرى الحاكم إلزامه بها بلا رجوع له ، فإذا أنفق بلا إلزام لذلك لكن بإذن الحاكم فله الرجوع بخلاف ما إذا أنفق بإلزامها حاكم يرى الإلزام بلا رجوع فلا رجوع هذا حاصل مراد الشيخ . ا هـ . ( قوله : فإن ادعى كل زوج علمها إلخ ) قال الشهاب المذكور نقلا عن شيخه البرلسي هذا متعلق بجميع الصور السابقة والمعنى أن جميع ما تقدم إذا اعترف الزوجان بأن الحال كما ذكر فإن تنازعا وزعم كل أنه السابق وأنها تعلم ذلك ففيه هذا التفصيل يعرف أن المعنى هذا بمراجعة الرافعي الكبير ( قوله : على التعيين ) انظر كيف يتأتى هذا التقييد مع إضافة سبق إلى ضمير المدعي المفيد أن الصورة ، أن يقول كل في دعواه أنها تعلم أني السابق وأي تعيين بعد هذا ، والواقع في كلام غيره أن هذا القيد إنما هو عند انتفاء تلك الإضافة ، وعبارة الروض : لو تداعيا السبق بينهما لم تسمع أو عليها سمعت إن ادعى كل علمها بأنه السابق لا إن ادعى علمها بالسبق : أي لأحدهما كما قال شارحه ، قال : فلا تسمع الدعوى للجهل بالمدعي . ا هـ . فالصورة الأولى مساوية لما في المتن هنا ، وأفاد شيخ الإسلام بصنيعه أن الدعوى فيها مسموعة من غير تقييد لعدم الجهل وهو ظاهر فليتأمل ( قوله : في غير هذه الصورة ) يعني صورة ما إذا [ ص: 251 ] زوجها وليان المشتملة على الصورة الخمسة المتقدمة بأن ادعى شخص على الولي أنه زوجه إياها ( قوله : فكعدمه ) وسيأتي أنه يقال لها إما أن تقري أو تحلفي وكان الأولى الاقتصار عليه ، وظاهر أن المراد أنها أقرت لهما بعبارة واحدة ، وإلا فالزوج من أقرت له أولا كما هو واضح ( قوله : على نفي العلم ) قال الشهاب سم : متعلق بكل من حلفت وحلف ، ثم كتب في قوله أخرى ما نصه : هذا مسلم في حلفها لا في حلف الولي ، بل إنما يحلف على البت كما أفاده كلام شرح الروض وهو ظاهر . ا هـ .

                                                                                                                            ( قوله : بسبب غيرها ) عبارة التحفة : بسبب فعل غيرها انتهت ولعل لفظ فعل سقط من الكتبة ( قوله : انفرادا واجتماعا ) يتأمل ( قوله : خرساء ) أي لا إشارة لها مفهمة ( قوله : أو صبية ) انظره مع أن الصورة أنه زوجها وليان بإذنها ( قوله : أو خرست بعد التزويج ) لا حاجة إليه ; لأن قوله خرساء يشمله ( قوله : وينفسخ النكاح ) أي في جميع الصور ، ولا ينافيه أنه في الصور الثلاث الأولى من صور الاشتباه محكوم ببطلانه ، ; لأنه إذا لم يحصل من الزوجين تداع كما علم مما مر عن الشيخ عميرة فليراجع ( قوله ولو حلفها الحاضر إلخ ) هذا موضعه قبل قول المتن ولو أقرت لأحدهما إلخ ( قوله : تعين الحلف للثاني ) أي لاحتمال أنها تعلم [ ص: 252 ] سبقه ( قوله : ومن ثلاثة أقراء ) أي لاحتمال عدم صحة النكاح وعليه فتحسب الأقراء من وقت الوطء فليراجع ( قوله : إما أن تقري ) أي إقرارا معتبرا معينا




                                                                                                                            الخدمات العلمية