الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويستثنى ) من النجس ( ميتة لا دم لها سائل ) عن موضع جرحها إما بأن لا يكون لها دم أصلا أو لها دم لا يجري كالوزغ والزنبور والخنفساء والذباب [ ص: 81 ] ( فلا تنجس مائعا ) كزيت وخل ، وكل رطب بموتها فيه ( على المشهور ) لمشقة الاحتراز عنها ، ولخبر البخاري { إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم لينزعه ، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء زاد أبو داود وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء } أمر بغمسه وغمسه يفضي إلى موته ، فلو نجس لما أمر به ، وقيس بالذباب ما في معناه من كل ميتة لا يسيل دمها ، وخرج ما لها دم سائل كحية وضفدع ، ولو شككنا في كونها مما يسيل دمها امتحن بجرح شيء من جنسها للحاجة كما قاله الغزالي في فتاويه ، والثاني تنجسه كغيرها ، فإن غيرته الميتة لكثرتها وإن زال تغيره بعد ذلك من المائع أو الماء القليل مع بقائه على قلته أو طرحت فيه بعد موتها نجسته وإن كانت مما نشؤه منه ، أما طرحها فيه حية وإن لم تكن مما نشؤه منه فغير ضار كما لو وقعت بنفسها حيث لا تغير منها .

                                                                                                                            وحاصل المعتمد في ذلك كما اقتضاه كلام البهجة منطوقا ومفهوما ، واعتمده الوالد رحمه الله تعالى وأفتى به أنها إن طرحت حية لم يضر سواء أكان نشؤها منه أم لا وسواء أماتت فيه بعد ذلك أم لا إن لم تغيره وإن طرحت ميتة [ ص: 82 ] ضر سواء أكان نشؤها منه أم لا ، وأن وقوعها بنفسها لا يضر مطلقا فيعفى عنه كما يعفى عما يقع بالريح ، وإن كان ميتا ولم يكن نشؤه منه إن لم تغير ، وليس الصبي ولو غير مميز والبهيمة كالريح كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى أيضا ; لأن لهما اختيارا في الجملة ، ولو تعدد الواقع من ذلك فأخرج أحدها على رأس عود مثلا فسقط منه بغير اختياره لم تنجس وهل له إخراج الباقي به ؟ الأوجه كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، نعم ; لأن ما على رأس العود محكوم بطهارته ; لأنه جزء من المائع انفصل منه ثم عاد إليه ، ولو وضع خرقة على إناء وصفى بها هذا المائع الذي وقعت فيه الميتة بأن صبه عليها لم يضر ; لأنه يضع المائع وفيه الميتة متصلة به ثم يتصفى منها المائع وتبقى هي منفردة ، لا أنه طرح الميتة في المائع ، كما أفتى بذلك شيخ الإسلام صالح البلقيني .

                                                                                                                            وها هنا تنبيه لا بأس بالاعتناء بمعرفته ، وهو أن ما لا نفس له سائلة إذا اغتذي بالدم كالحلم الكبار التي توجد في الإبل ثم وقع في الماء لا ينجسه بمجرد الوقوع ، فإن مكث في الماء حتى انشق جوفه وخرج منه الدم احتمل أن ينجس ; لأنه إنما عفا عن الحيوان دون الدم ، ويحتمل أنه يعفى عنه مطلقا وهو الأوجه كما يعفى عما في بطنه من الروث إذا ذاب واختلط بالماء ولم يغير ، وكذلك ما على منفذه من النجاسة ، وأفاد في الخادم أن غير الذباب لا يلحق به في ندب الغمس لانتفاء المعنى الذي لأجله طلب غمس الذباب وهو مقاومة الدواء الداء ، بل يحرم غمس النحل ، ومحل جواز الغمس أو الاستحباب إذا لم يغلب على الظن التغير به وإلا حرم لما فيه من إضاعة المال والميتة يجوز فيها التخفيف والتشديد ( وكذا في قول ) ( نجس لا يدركه طرف ) أي بصر لقلته كنقطة بول وما يعلق برجل الذباب فيعفي عن ذلك في الماء وغيره [ ص: 83 ] لمشقة الاحتراز عنه باعتبار جنسه ، وما من شأنه لا بالنظر لكل فرد فرد منه ، ومقتضى كلامه أنه لا فرق بين وقوعه في محل ووقوعه في محال وهو قوي ، لكن قال الجيلي : صورته أن يقع في محل واحد ، وإلا فله حكم ما يدركه الطرف على الأصح .

                                                                                                                            قال ابن الرفعة : وفي كلام الإمام إشارة إليه ، كذا نقله الزركشي وأقره وهو غريب .

                                                                                                                            قال الشيخ : والأوجه تصويره باليسير عرفا لا بوقوعه في محل واحد ، وكلام الأصحاب جار على الغالب بقرينة تعليلهم السابق ، ولو رأى ذبابة على نجاسة فأمسكها حتى ألصقها ببدنه أو ثوبه أو طرحها في نحو ماء قليل اتجه التنجيس قياسا على ما لو ألقى ما لا نفس له سائلة ميتا في ذلك ، ولو وقع الذباب على دم ثم طار ووقع على نحو ثوب اتجه العفو جزما ; لأنا إذا قلنا به في الدم المشاهد فلأن نقول به فيما لم يشاهد منه بطريق الأولى ، وقيد بعضهم العفو عما لا يدركه الطرف بما إذا لم يكثر بحيث لم يجتمع منه في دفعات ما يحس وهو كما قال ; وعلم أنه لا فرق بين الذباب وغيره كنحل وزنبور وفراش ، على أن بعضهم أطلق الذباب على جميع ذلك ، [ ص: 84 ] وضبط في المجموع ذلك بما يكون بحيث لو خالف لونه لون الثوب لم ير لقلته وبما تقرر علم أن يسير الدم ونحوه مما لا يعفى عن قليله إذا وقع على ثوب أحمر وكان بحيث لو قدر أنه أبيض رئي لم يعف عنه وإن لم ير على الأحمر ; لأن المانع من رؤيته اتحاد لونهما ، والعبرة بكونه لا يرى للبصر المعتدل مع عدم مانع ، فلو رأى قوي النظر ما لا يراه غيره .

                                                                                                                            قال الزركشي : فالظاهر العفو عما في سماع نداء الجمعة ، نعم يظهر فيما لا يدركه البصر المعتدل في الظل ويدركه بواسطة الشمس أنه لا أثر لإدراكه له بواسطتها لكونها تزيد في التجلي فأشبهت رؤيته حينئذ رؤية حديد البصر ، وشمل إطلاق المصنف ما لو كان من مغلظة وهو كذلك ( قلت : ذا القول أظهر ) من مقابله ( والله أعلم ) ويلحق بما تقدم ما في معناه مما على منفذ حيوان طاهر غير آدمي كطير وهرة وما تلقيه الفئران في بيوت الأخلية من النجاسات كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وما يقع من بعر الشاة في اللبن في حال الحلب مع مشقة الاحتراز عنه كما نقله ابن العماد ، فلو شك أوقع في حال الحلب أو لا ، فالأوجه أنه ينجس إذا شرط العفو لم نتحققه ، وكون الأصل [ ص: 85 ] طهارة ما وقع فيه يعارضه كون الأصل في الواقع أنه ينجس فتساقطا وبقي العمل بأصل عدم العفو ، ويعفى عما يماسه العسل من الكوارة التي تجعل من روث نحو البقر ، وعن روث نحو سمك لم يضعه في الماء عبثا ، وعليه يحمل كلام الشيخ أبي حامد أنه لا فرق بين وقوعه في الماء بنفسه وبين جعله فيه ، وألحق الأذرعي بما نشؤه من الماء ، والزركشي ما لو نزل طائر وإن لم يكن من طيور الماء في ماء وذرق فيه أو شرب منه وعلى فمه نجاسة ولم تتحلل عنه لتعذر الاحتراز عن ذلك ، ويعفى عن قليل دخان النجاسة في الماء وغيره كما صرح به الإسنوي ، ونقل المحب الطبري عن ابن الصباغ واعتمده أنه يعفى عن جرة البعير فلا تنجس ما شرب منه ، ويعفى عما تطاير من ريقه المتنجس ويلحق به فم ما يجتر إذا التقم غير ثدي أمه وفم صبي تنجس لمشقة الاحتراز عنه ، لا سيما في حق المخالط له كما صرح به ابن الصلاح ، ويؤيده ما في المجموع أنه يعفى عما تحقق إصابة بول ثور الدياسة له بل ما نحن فيه أولى .

                                                                                                                            وألحق بعضهم بذلك أفواه المجانين وجزم به الزركشي ، وأفتى جمع من أهل اليمن بالعفو عما يبقى في نحو الكرش مما يشق غسله وتنقيته منه . والضابط في جميع ذلك أن العفو منوط بما يشق الاحتراز عنه غالبا

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويستثنى من النجس ) أي من قوله ودونهما ينجس بالملاقاة ( قوله : لا دم لها سائل ) .

                                                                                                                            [ تنبيه ]

                                                                                                                            جوز في المجموع في سائل الرفع والنصب ووجههما ظاهر والفتح ، واعترض للفاصل بما بسطت رده في شرح العباب فراجعه فإنه مهم انتهى ابن حجر . وعبارة ابن عبد الحق قوله لا دم لها سائل ، قال في شرح المهذب بالفتح والنصب والرفع فيهما ، واعترض الفتح بانتفاء الاتصال المشترط في الفتح .

                                                                                                                            وأقول : الذي يظهر من كلامهم أن اشتراط الاتصال في الفتح إنما هو على القول بأن فتحته فتحة بناء ، أما إذا قلنا بأنها فتحة إعراب وأن ترك التنوين للمشاكلة فلا لانتفاء علة البناء بالفصل على الأول من تركيبه مع اسم لا قبل دخولها ، بخلافه على الثاني فيمكن أن يكون كلام الشيخ مبنيا عليه فليتأمل . ولبعضهم هنا أجوبة لا تخلو عن تكلف وقوله لها : أي لجنسها ، فخرج ما لو كانت مما يسيل دمه لكن لا دم فيها أو فيها دم لا يسيل لصغرها فلها حكم ما يسيل دمه كما ذكره القاضي أبو الطيب ( قوله : كالوزغ ) هو بالفتح جمع وزغة كذا قيل ،

                                                                                                                            وفي المصباح : الوزغ معروف والأنثى وزغة ، وقيل الوزغ جمع وزغة مثل قصب وقصبة فتقع الوزغة على الذكر والأنثى ، والجمع أوزاغ ووزغان بالكسر والضم ، حكاه الأزهري وقال : الوزغ سام أبرص .

                                                                                                                            ( قوله : والخنفساء والذباب ) ومثله البق المعروف بمصر والقمل والبراغيث ، وفي نسخة بعد قوله والذباب ومنه الحرباء والسحالي وهي نوع من الوزغ ، ذكره ابن العماد وأقره المصنف . قال ابن حجر : ومنه سام أبرص انتهى . قال في المصباح : وهو كبار الوزغ ، [ ص: 81 ] وهما اسمان جعلا اسما واحدا انتهى . وجوز فيه : أي سام أبرص أن يعرب إعراب المتضايفين وأن يعرب إعراب المركب المزجي ( قوله : لمشقة الاحتراز عنها ) .

                                                                                                                            [ فائدة ] لا يجب غسل البيضة والولد إذا خرجا من الفرج ، وظاهر أن محله إذا لم يكن معهما رطوبة نجسة انتهى روض وشرحه ( قوله : فإن في أحد جناحيه داء ) أي وهو اليسار خطيب ، وعليه فلو قطع جناحها الأيسر لا يندب غمسها لانتفاء العلة ، بل قياس ما هو المعتمد من حرمة غمس غير الذباب حرمة غمس هذه الآن لفوات العلة المقتضية للغمس .

                                                                                                                            ( قوله : ولو شككنا في كونها إلخ ) قال ابن قاسم على منهج : وانظر لو شك هل هو مما يدركه الطرف ، أو أن الميتة مما يسيل دمها ويتجه العفو فيهما كما وافق عليه م ر ; لأن الأصل الطهارة ولا يلزم من النجاسة التنجيس انتهى بحروفه . أقول : وقد يتوقف فيه ; لأن الأصل في النجاسة التنجيس وإن لم يكن لازما ، وسقوطه رخصة لا يصار إليها إلا بيقين ، ويؤيده قول الشارح الآتي : فلو شك هل وقع في حال الحلب أو لا ؟ فالأوجه أنه ينجس إذ شرط العفو لم نتحققه .

                                                                                                                            [ فائدة ] لو تولد حيوان بين ما لا نفس له سائلة وبين ما له نفس سائلة فالقياس إلحاقه بما له نفس سائلة كما هو قياس نظيره فيما لو تولد بين طاهر ونجس ( قوله : امتحن بجرح شيء من جنسها ) ويكفي في ذلك جرح واحدة فقط . وعبارة ابن قاسم في حاشية البهجة قوله فيجرح للحاجة فيه أن جرح بعض الأفراد لا يفيد لجواز مخالفته لجنسه لعارض وجرح الكل لا يمكن إلا أن يقال جرح البعض إذا كثر يحصل به الظن ، وفيه أنه يلزم التنجيس بالشك إلا أن يقال الظاهر من وجود الدم في بعض الأفراد أن الجنس كذلك ، ومخالفة بعض الأفراد للجنس خلاف الظاهر والغالب ، وكتب أيضا قوله فيخرج للحاجة يتجه أن له الإعراض عن ذلك والعمل بالطهارة حيث احتمل أنه مما لا يسيل دمه ; لأن الطهارة هي الأصل ولا تنجس بالشك انتهى .

                                                                                                                            ( قوله : نشؤها منه أم لا ) أي بفتح النون وبالهمز بر انتهى ابن قاسم على شرح البهجة الكبير ( قوله : وسواء أماتت فيه بعد ذلك أم لا ) أي أو ماتت قبل وصولها إليه ، وعبارة ابن قاسم على المنهج قوله ولم تطرح إلخ لو طرح طارح حية فماتت قبل وصولها المائع أو ميتة فحييت قبل وصولها لم تضر في الحالين ، أفاده شيخنا طب واعتمده رحمه الله انتهى ( قوله : وإن طرحت ميتة ) أي إن لم تحيا قبل وصولها إليه وإلا لم تنجسه اعتبارا بحالة الوصول دون الإلقاء وبقي ما لو طرحت ميتة ثم أحييت ثم ماتت هل تنجس أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ، ويحتمل الثاني لكونها ما سقطت إلا بعد إحيائها [ ص: 82 ] فأشبهت ما لو ألقاها حية وماتت قبل وصولها إلى المائع ، بل الظاهر أن هذا الإحياء تبين به عدم موتها أولا ، وأن ذلك كان لعارض قام بها فتخيل موتها وظاهره ولو بلا قصد . وعبارة ابن قاسم على ابن حجر : ظاهره ولو كان الطرح سهوا انتهى .

                                                                                                                            وفي ابن حجر بعد كلام ذكره عن الزركشي : ويؤخذ منه رد ما توهم أنه لا يضر الطرح بلا قصد مطلقا إلخ انتهى . وهو صريح فيما ذكره ابن قاسم رحمه الله ( قوله وأن وقوعها بنفسها لا يضر مطلقا ) أي حية أو ميتة ( قوله : وليس الصبي والبهيمة كالريح ) قال ابن حجر : وإن كان الطارح غير مكلف لكن من جنسه انتهى . وهي تخرج البهيمة ; لأنها ليست من جنس الصبي عند الفقهاء ، فإن الجنس عندهم ما يشمل أصنافا كالآدمي وإن كان نوعا عند المناطقة . وقال ابن قاسم على منهج في إلحاق البهيمة بالآدمي تأمل انتهى ( قوله : بأن صبه عليها لم يضر ) أي وإن لم يتواصل الصب كما هو ظاهر العبارة .

                                                                                                                            وفي ابن قاسم على ابن حجر : لكن هذا ظاهر مع تواصل الصب وكذا مع تفاصله عادة ، فلو فصل بنحو يوم مثلا ثم صب في الخرقة مع بقاء الميتات المجتمعة من التصفية السابقة فيها فلا يبعد الضرر ، إذ لا يشق تنظيف الخرقة منها قبل الصب والحال ما ذكر فلا حاجة إلى العفو ، ومن هنا يعلم أنه كما يضر طرحها على المائع يضر طرح المائع عليها في غير ما ذكر من نحو التصفية وظاهره وإن جهلها انتهى بحروفه ( قوله : بل يحرم غمس النحل ) عبارة ابن حجر : تنبيه آخر : يظهر من الخبر السابق ندب غمس الذباب لدفع ضرره ، وظاهر أن ذلك لا يأتي في غيره ، بل لو قيل بمنعه بأن فيه تعذيبا بلا حاجة لم يبعد ، ثم رأيت الدميري صرح بالندب وبتعميمه قال : لأن الكل يسمى ذبابا لغة إلا النحل لحرمة قتله انتهى . ومنه يعلم أن قول الشارح غمس النحل إنما هو للاتفاق على حرمته ، وعبارة الزيادي الغمس خاص بالذباب أما غيره فيحرم غمسه ; لأنه يؤدي إلى إهلاكه انتهى ( قوله : وإلا حرم ) أي ثم إن غيره بعد الغمس نجسه وإلا فلا ( قوله : وما يعلق ) [ ص: 83 ] بابه طرب انتهى مختار ، وقضية ما ذكر تخصيص العفو عما يعلق برجل الذباب بما إذا لم يدركه الطرف وهو ما نقله ابن قاسم في حاشيته على المنهج عن الشارح . ونقل عن ابن حجر العفو مطلقا ، وصرح به ابن حجر في شرحه رحمه الله ( قوله وهو قوي ) أي حيث كان يسيرا عرفا كما يأتي عن الشيخ فلا تنافي ( قوله : جار على الغالب ) هذا قد يخالف ما ذكره الشارح في شروط الصلاة من أنه كان لون دم الأجنبي القليل متفرقا ، ولو جمع لكثر عفي عنه على الراجح ا هـ .

                                                                                                                            ويمكن الجواب بحمل ما هنا على غير الدم ، ويفرق بأن جنس الدم يعفى عن القليل منه في الجملة ولا كذلك نحو البول ( قوله : بقرينة تعليلهم ) وهو قوله لمشقة الاحتراز عنه ( قوله : ولو رأى ذبابة على نجاسة إلخ ) أي رطبة يعلق شيء منها بالذبابة ( قوله : إذا قلنا به ) أي بالعفو وقيد بعضهم العفو ، بما لا يدركه الطرف .



                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ فرع ] لو اغترف من دنين في كل منهما ماء قليل أو ماء في إناء واحد فوجدت فأرة ميتة لا يدري من أيهما هي اجتهد ، فإن ظنها من الأول واتحدت المغرفة ولم تغسل بين الاغترافين حكم بنجاستهما ، وإن ظنها من الثاني أو من الأول واختلفت المغرفة أو اتحدت وغسلت بين الاغترافين حكم بنجاسة ما ظنها فيه ا هـ خطيب رحمه الله ( قوله : وهو كما قال ) أي حيث كثر عرفا كما يعلم مما مر في قوله قال الشيخ

                                                                                                                            والأوجه تصويره ( قوله : وزنبور ) [ ص: 84 ] هو المعروف بالدبور ، وفي المختار الزنبور بضم الزاي الدبور تؤنث والجمع الزنابير ا هـ م ر ( قوله : وضبط في المجموع ذلك ) أي النجس الذي لا يدركه الطرف ( قوله : بحيث لو خالف لونه ) والكلام فيما فرض بالفعل وخالف ، أما لو اتفق أنه لم يفرض أصلا وشك في كونه يدركه الطرف أو لا لم يضر للشك في النجاسة به ونحن لا ننجس مع الشك ( قوله مما لا يعفى عن قليله ) أي كدم المنافذ أو دم اختلط بغيره ، فلا يقال يسير الدم يعفى عنه ( قوله : ما لو كان من مغلظة ) خلافا لابن حجر ( قوله : وما تلقيه الفئران ) هو بالهمز كما في القاموس ( قوله : كما أفتى به الوالد ) ظاهره أنه لا فرق في هذه المذكورات حيث قيل بالعفو عنها بين الصلاة وغيرها ، لكن في ابن قاسم ما نصه : قيل والتحقيق في هذه المسائل الحكم بالتنجيس ، ولكن يعفى عنه بالنسبة للوضوء والصلاة ونحو ذلك ا هـ .

                                                                                                                            وليس في ذلك جزم باعتماده حتى يجعل مخالفا لما اقتضاه كلام الشارح . وعبارة ابن حجر بعد ذكر مسائل العفو وشرط ذلك كله أن لا يغير ، وأن يكون من غير مغلظ ، وأن لا يكون كفعله فيما يتصور فيه ذلك ا هـ .

                                                                                                                            لكن تقدم للشارح فيما لا يدركه الطرف التصريح بالعفو عنه ولو من مغلظ ، ولينظر حكم باقي ذلك عند الشارح . ونقل ابن قاسم عنه على منهج في الدم والشعر القليل ودخان النجاسة اشتراط كونها من غير مغلظ ( قوله : في حال الحلب ) يؤخذ من جعل سبب العفو المشقة أن مثل ذلك ما لو أصاب الحالب شيء من بولها أو روثها حال حلبها حيث شق الاحتراز عنه وقت الحلب ، وأنه لا فرق بين كونه جرت عادته بالحلب أم لا . وقد يفرق بأنه إنما عفي عنه في اللبن ; لأنه لو لم نقل به لأدى إلى فساد اللبن ، وقد يتكرر ذلك في المحلوبة فيفوت الانتفاع بلبنها ، بخلاف الحالب فإنه يمكنه غسل ما أصابه من النجاسة ، ومثل ذلك في العفو أيضا تلويث ضرع الدابة بنجاسة تتمرغ فيها أو توضع عليه لمنع ولدها من شربها ; لأن محل منع التضمخ بالنجاسة ما لم يكن لحاجة وما هنا من ذلك ، ومثله في العفو ما لو وضع اللبن في إناء ووضع الإناء في الرماد أو التنور لتسخينه فتطاير منه رماد ووصل لما في الإناء لمشقة الاحتراز [ ص: 85 ] عن ذلك ( قوله : بأصل عدم العفو ) عبارة ابن قاسم : وانظر لو شك هل يدركه الطرف أو أن الميتة مما يسيل دمه ويتجه العفو فيهما كما وافق عليه م ر ; لأن الأصل الطهارة ، ولا يلزم من النجاسة التنجيس . وقد قالوا في شروط الصلاة لو شككنا في كثرة الدم لم يضر تأمل ا هـ . اللهم إلا أن يفرق بأن البعرة تحققنا أنها من المنجس ، وأما غيرها فلم نتحقق فيه ذلك فحكمنا في غير العبرة بأصل الطهارة ( قوله من الكوارة ) قال الأزهري : الكوار والكوارة أي بكسر الكاف والتخفيف فيهما شيء كالقرطالة تتخذ من قضبان ضيق الرأس للنحل .

                                                                                                                            وفي المغرب : الكوارة بالضم والتشديد معسل النحل إذا سوي من الطين ا هـ مختار صحاح ( قوله : في الماء عبثا ) ومن العبث ما لو وضع فيه لمجرد التفرج عليه فيما يظهر ، وليس من العبث ما يقع كثيرا من وضع السمك في الآبار ونحوها ، لا كل ما يحصل فيها من العلق ونحوه حفظا لمائها عن الاستقذار ( قوله : ولم تتحلل عنه ) مفهومه أنها إذا تحللت ضر ، وقياس ما تقدم فيما تلقيه الفئران وفيما لو وقعت بعرة في اللبن العفو للمشقة ( قوله دخان النجاسة ) أي حيث لم يكن وصوله للماء ونحوه بفعله وإلا نجس ، ومنه البخور بالنجس أو المتنجس كما يأتي فلا يعفى عنه وإن قل ; لأنه بفعله أخذا مما مر فيما لو رأى ذبابة على نجاسة فأمسكها حتى ألصقها ببدنه أو ثوبه إلا أن يفرق بأن البخور مما تمس الحاجة إليه فيغتفر القليل منه ولا كذلك الذبابة ، ومن البخور أيضا ما جرت به العادة من تبخير الحمامات ( قوله : عن جرة البعير ) وكذا غيره من كل ما يجتر من الحيوانات ا هـ ابن حجر بالمعنى .

                                                                                                                            وفي المصباح : الجرة بالكسر لذي الخف والظلف كالمعدة للإنسان . قال الأزهري : الجرة بالكسر ما تخرجه الإبل من كروشها فتجتره ، والجرة في الأصل المعدة ثم توسعوا فيها حتى أطلقوها على ما في المعدة ( قوله ويعفى عما تطاير ) أي ووصل لثوب أو بدن أو غيرهما ( قوله : غير ثدي أمه ) وكذا ما تطاير من ريقه ( قوله : وفم صبي ) أي بالنسبة لثدي أمه وغيرها كتقبيله في فمه على وجه الشفقة مع الرطوبة فلا يلزم تطهير الفم كذا قرره م ر ابن قاسم على ابن حجر ( قوله عما تحقق ) أي وإن سهل غسله كأن شاهد أثر النجاسة على قدر معين ككف ، ومثل البول الروث ( قوله : بما يشق الاحتراز عنه غالبا ) ومن ذلك ما جرت به العادة من وقوع نجاسة من الفئران ونحوها في الأواني المعدة للاستعمال في البيوت كالجرار والأباريق [ ص: 86 ] ونحوهما ، إلا أن يفرق بأن الجرار ونحوها يمكن حفظ ما فيها بتغطيتها ، ولا كذلك حياض الأخلية ، ومع ذلك فالأقرب عدم الفرق للمشقة ، ومنه أيضا ما يقع لإخواننا المجاورين من أن الواحد منهم يريد الاحتياط فيتخذ له إبريقا ليستنجي منه ثم يجد فيه بعد فراغ الاستنجاء زبل فئران للمشقة أيضا ، ومنه أيضا زرق الطيور في الطعام للعلة المذكورة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 81 - 82 ] قوله : لقلته ) علة لعدم إدراك الطرف لا لعدم التنجيس ; لأن علته ستأتي ، فهو قيد في الحقيقة لإخراج ما لو كان عدم الإدراك لنحو مماثلته للون المحل ( قوله : فيعفى عن ذلك في الماء وغيره ) شمل [ ص: 83 ] الغير نحو الثوب كما يصرح به كلامه ، وبه صرح الجلال المحلي كغيره ، لكن الجلال كغيره اقتصر على الأحكام العامة لجميع ذلك ، والشارح لم يقتصر على ذلك بل سيأتي له كثير مما هو خاص بالمائع كما على منفذ الحيوان ، فترتيبه على هذا مشكل ( قوله ، وهو قوي ) سيأتي تقييده في قوله وقيد بعضهم العفو إلخ ( قوله : قال الشيخ ) أي في شرح الروض ، فإن ما ذكر في أول السوادة إلا قوله كنقطة بول ، وقوله قال الشيخ : عبارة شرح الروض بحروفه ، ولا يخفى أن قوله قال الشيخ ، والأوجه إلخ إنما هو مجرد حكاية استيجاه الشيخ لما يأتي ، وليس فيه اعتماد له وإلا كان يقول : ، والأوجه كما قال الشيخ أو نحو ذلك ، فلا ينافيه اعتماده لتقييد البعض الآتي في قوله وقيد بعضهم العفو إلخ ، وإن أشار الشهاب ابن قاسم إلى التنافي ، وقول الشيخ ، والأوجه تصويره : أي تصوير أصل الحكم الذي قال فيه الجيلي صورته أن يقع في محل واحد ، فهذا الاستيجاه في مقابلة كلام الجيلي ، وقوله وكلام الأصحاب : أي في أصل الحكم بناء على ما فهمه عنهم الجيلي من تصويره بوقوع ما ذكر في محل واحد ، وقوله بقرينة تعليلهم السابق : أي بمشقة الاحتراز هكذا أفهم هذا المقام ولا تغتر بما وقع فيه مما يخالف ذلك ( قوله : بحيث لم يجتمع منه في دفعات ما يحس ) لفظ يحس بالحاء المهملة : أي يدرك بالحس وعبارة شرح الإرشاد [ ص: 84 ] للشهاب ابن حجر ولو كان بمواضع متفرقة ولو اجتمع لرئي لم يعف عنه كما صرح به الغزالي وغيره انتهت .

                                                                                                                            فاستفيد منها أن يحس بالضبط الذي قدمناه ، وأن البعض المبهم في عبارة الشارح منهم الغزالي ، وأن قول الشارح بحيث يجتمع منه في دفعات فيه مساهلة في التعبير ، وفي بعض نسخ الشارح بدل يحس ينجس ، وهو غير صواب كما علم ، وقد يتوقف في تصوير ما ذكر على النسخة الأولى من جهة أنه إذا جمع ما يحس إلى ما لا يحس لا بد وأن يحس ، فيرجع حاصل القيد إلى عدم العفو عند التعدد مطلقا ( قوله : مما لا يعفى عنه ) تقييد للدم ونحوه : أي يسير الدم ونحوه الكائن [ ص: 85 ] ذلك مما لا يعفى عنه كالمغلظ وليس بيانا له ; لأن من شأن الدم العفو عن يسيره ( قوله : لم يضعه في الماء عبثا ) أي [ ص: 86 ] ولم يغيره كما سيأتي له في باب النجاسة




                                                                                                                            الخدمات العلمية