الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وشرط المؤذن ) والمقيم ( الإسلام ) فلا يصحان من كافر لأن في إتيانه بهما نوع استهزاء إذ لا يعتقد حقيقة ذلك فلو فعل الكافر ذلك حكم بإسلامه لنطقه بالشهادتين ، [ ص: 413 ] ما لم يكن عيسويا لاعتقاده أن محمدا رسول الله إلى العرب خاصة ، ولا يعتد بأذان غير العيسوي الأول فإن أعاده اعتد بالثاني ، بخلاف ما إذا لم يعده وبخلاف العيسوي وإن أعاده . ولو ارتد المؤذن ثم أسلم قريبا بنى لأن الردة لا تبطل ما مضى إلا إن اتصلت بالموت ، وإن ارتد بعده ثم أسلم ولو بعد طول الفصل جازت إقامته . نعم يسن أن يعيد ذلك غيره لأن ردته تورث شبهة في حاله ( و ) شرط من ذكر ( التمييز ) ولو صبيا فيتأدى بأذانه وإقامته الشعار وإن لم يقبل خبره بدخول الوقت ، وما في المجموع من قبول خبره فيما طريقه المشاهدة كرؤية النجاسة ضعيف كما ذكره في محل آخر . نعم قد يقبل خبره فيما احتفت به قرينة كإذن في دخول دار وإيصال هدية وإخباره بطلب ذي وليمة له فتجب الإجابة إن وقع في القلب صدقه . [ ص: 414 ] أما غير المميز كالمجنون والمغمى عليه فلا يصح أذانه لعدم أهليته للعبادة . نعم يصح أذان سكران في أوائل نشأته لانتظام قصده وفعله حينئذ ( و ) شرطه أيضا ( الذكورة ) ولو عبدا ، فلا يصح أذان غير الذكر كما تقدم إيضاحه . نعم لو أذن الخنثى فبانت ذكورته عقب أذانه فالوجه إجزاؤه كما قاله الأذرعي في غنيته . ويشترط في جواز نصب مؤذن راتب من قبل الإمام أو نائبه أو من له ولاية النصب شرعا كونه عارفا بالمواقيت بأمارة أو بخبر ثقة عن علم ، وأن يكون بالغا أمينا ، فغير العارف لا يجوز نصبه وإن صح أذانه ، وبخلاف من يؤذن لنفسه أو لجماعة من غير نصب فلا تشترط معرفته بها ، بل متى علم دخول الوقت صح أذانه كأذان الأعمى ، هذا حاصل ما دل عليه كلام المجموع خلافا لمن فهم من كلامه ما يخالف ذلك ، واعترض عليه كصاحب الإسعاد ، ولو أذن قبل علمه بالوقت فصادفه اعتد بأذانه بناء على عدم اشتراط النية فيه وبه فارق التيمم والصلاة

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله لنطقه بالشهادتين ) هذا يدل على أنه لا يشترط في صحة الإسلام عطف إحدى الشهادتين على الأخرى لأن الشهادتين في الأذان لا عطف بينهما وقد حكم بالإسلام بالنطق بهما ، ويوافق ذلك ما نقله الشارح في باب الردة أن الشافعي قال : إذا ادعى على رجل أنه ارتد وهو مسلم لم أكشف عن الحال وقلت له : قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأنك بريء من كل دين يخالف دين الإسلام ا هـ . ولا ينافي ذلك قول الروضة كأصلها في باب الكفار أنه ذكر الشافعي أن الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلخ ، لظهور أن الواو في هذه العبارة من كلام الشافعي لحكاية صيغة الإسلام لا من نفس صيغة الإسلام المحكية فتدبر ا هـ سم على حج . وما ذكر في صدر القولة من قوله لا يشترط إلخ هو ما ذكر شيخنا الزيادي أن الشيخ : يعني الرملي رجع إليه آخرا بعد أن قرر أن صورة المسألة أنه أتى بالواو العاطفة وأنه لو تركها لم يحكم بإسلامه ، ثم قال : أما مع ترك أشهد فلا بد من [ ص: 413 ] الواو ، وعبارة العلقمي عند قوله عليه الصلاة والسلام { أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه } نصها : ومنه يؤخذ أنه لا يشترط في التلفظ عند الإسلام بكلمة الشهادة أن يقول أشهد وهو الراجح المعتمد بل هو الصواب ، ولا يغتر بما ذكره بعض أهل العصر وأفتى به من أنه لا بد من لفظ أشهد تبعا لظاهر كلامهم في مواضع ، ومواضع أخر لم يصرحوا فيها بذلك بل اكتفوا بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله من غير ذكر أشهد . قال الأذرعي : ذكر ابن الرفعة تفريعا على أنه لا بد من الشهادتين ، وقول الإمام : إن قائله يراه بابا من التعبد أنه لا بد من الإتيان بلفظ الشهادة ، حتى لو قال أعلم وأتحقق أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لا يكون بذلك مسلما : أي خلافا لابن حجر على الأربعين من أن كل ما يدل على العلم والإقرار يسلم به ، كما أن المذهب أن الشاهد لو قال أعلم وأتحقق لا يقوم مقام أشهد لأجل التعبد بلفظ الشهادة ، ثم قال : إن نصه في المختصر والأم هنا : يعني في كتاب اللعان ظاهره اعتبار لفظ الشهادة ، ونصه في باب المرتد ظاهره يقتضي أن الإقرار بالشهادتين يكفي في حصول الإسلام ، فإن أجرى كل نص على ظاهره حصل في المسألة قولان . قال الأذرعي : قلت : والوجه عدم اشتراط لفظ الشهادة كما تضمن كلام الحليمي نقل الاتفاق عليه واقتضاه كلام القفال وغيره ، وهو قضية الأحاديث وكلام الشافعي في مواضع وكلام أصحابه والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة . انظر إلى { قوله لعمه أبي طالب يا عم قل : لا إله إلا الله } ولم يقل لفظ أشهد بل من جهة الاعتراف بالوحدانية والنبوة المستلزمة لصدق الرسول فيما جاء به كما بينه الإمام هنا ، ومنهم من قال : لا يحصل الإسلام إلا بالشهادتين ورأى ذلك بابا من التعبد ; حتى إذا قال المعطل لا إله إلا الله لم يحكم بإسلامه ما لم يقل محمد رسول الله ا هـ . وهذا استدراك على أنه لو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله حكم بإسلامه ، وأن المراد بالشهادتين ذلك لا أن يقول لفظ الشهادة فاعلمه ، ولا نزاع فيه ولا مرية ، ونص في المختصر في المشهود عليه بالردة قيل له قل لا إله إلا الله محمد رسول الله وجرى عليه الأصحاب ، وما روي في الأحاديث من لفظ الشهادة فليس المراد منه الإتيان بلفظ أشهد ، ومن وقف على طرق الأحاديث علم ذلك ا هـ كلام الأذرعي بحروفه . قلت : وفي الحديث الصحيح { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } . قال بعض شيوخنا : فإن قيل فكيف لم يذكر الرسالة ؟ فالجواب أن المراد المجموع وصار الجزء الأول علما عليه كما تقول قرأت { قل هو الله أحد } أي السورة كلها ا هـ . قلت : فظهر بذلك أن المراد من قولهم الشهادتان أو كلمة الشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله لا أنه لا بد من لفظ أشهد كما تقدم ا هـ بحروفه ( قوله : ما لم يكن عيسويا ) قال ابن شهبة في شرحه : طائفة من اليهود منسوبون إلى أبي عيسى وإسحاق بن يعقوب الأصفهاني اليهودي كان في خلافة المنصور ، وكان يعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم بعث إلى العرب خاصة ، وله كتاب وضع فيه الذبائح وخالف اليهود في أحكام كثيرة ( قوله : لا أن الردة لا تبطل ما مضى ) أي من الأعمال . أما الثواب فيبطل بالردة مطلقا عاد إلى الإسلام أو لا ( قوله : ذلك ) أي الأذان ( قوله : نعم قد يقبل خبره ) أي فإن قويت القرينة [ ص: 414 ] هنا على صدقه قبل خبره وقياس ما يأتي له في الصوم أن الكافر إن أخبر بدخول الوقت ووقع في القلب صدقه قبل وإلا فلا وأن الفاسق كذلك ( قوله : وشرطه أيضا الذكورة ) ظاهر إطلاقه اشتراط ذلك في أذان الصلاة وأذان غيرها من الأذان في أذن المولود وغيره مما مر ، ولو قيل بعدم اشتراطه في أذان غير الصلاة لم يكن بعيدا وقد تقدم ما فيه أيضا ( قوله : عقب أذانه ) لعله إنما قيد به للتنبيه على أنه إذا لم تبن حالا طلب الأذان من غيره لعدم الاعتداد بإذنه ظاهرا ، وليس المراد أنه إذا تبينت ذكورته بعد مدة لم يعتد بأذانه ( قوله : من قبل الإمام ) عبارة حج : ويشترط لصحة نصب نحو الإمام انتهى وهي صريحة في عدم الاعتداد بتوليته ، بخلاف قول الشارح ، ويشترط لجواز إلخ فإنه لا يقتضي ذلك ، إذ لا يلزم من عدم الجواز البطلان لكنه المتبادر منه لا سيما وقد صرحوا بأن الإمام إنما يفعل ما فيه مصلحة للمسلمين ومتى فعل خلاف ذلك لا يعتد بفعله ، وعلى ما أفهمه إطلاق الشارح من الاعتداد بتوليته فما الفرق بين ذلك وبين عدم صحة تولية الإمام إذا لم يكن أهلا لذلك ؟ ولعله أن الخلل في صلاة الإمام الذي يخشى من غير الأهل يبعد علم المأمومين به ، ولا كذلك المؤذن فإن أذانه قبل الوقت لو فرض يسهل علم الناس به فلا يقلدونه في أذانه ، ونقل عن م ر ما يوافق إطلاق شرحه من صحة توليته ( قوله : أو من له ولاية النصب شرعا ) كالناظر المفوض له ذلك من قبل الواقف ( قوله : وبه فارق التيمم والصلاة ) وقضية هذا الفرق أنه لو خطب للجمعة جاهلا بدخول الوقت فتبين أنه في الوقت أجزأه لعدم اشتراط نية الخطبة ، ويحتمل عدم الإجزاء لأن الخطبة أشبهت الصلاة . وقيل إنها بدل عن ركعتين انتهى حج رحمه الله . وقوله فتبين أن في الوقت أجزأه هو المعتمد



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 413 - 414 ] قوله : وشرطه ) أي المؤذن المذكور في المتن بقطع النظر عما قدمه الشارح ( قوله : فلا يصح أذان غير الذكر ) أي للرجال ، والخناثى بخلافه للنساء بلا رفع صوت على ما مر فيجوز ولا يستحب ، ويكون ذكر الله تعالى كما ذكره حج ، [ ص: 415 ] وعليه فعدم الصحة في كلام الشارح على إطلاقه




                                                                                                                            الخدمات العلمية