الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( قال طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بألف فالأصح وقوع الثلاث ووجوب ألف ) لعدم تخالفهما هنا في المال المعتبر قبولها لأجله ، وإنما اختلفا في الطلاق في مقابلته والزوج مستقل به فوقع ما زاد عليها ، وبه اندفع ما قيل قد يكون لها غرض في عدم الثلاث لترجع له من غير محلل ، ويفارق ما لو باع عبدين بألف فقبل أحدهما بألف لأن البائع لا يستقل بتمليك الزائد ، والثاني تقع واحدة بألف نظرا إلى قبولها . والثالث لا يقع لاختلاف الإيجاب والقبول ( وإن ) ( بدأ بصيغة تعليق كمتى أو متى ما ) زائدة للتأكيد أو أي وقت أو حين أو زمن ( أعطيتني ) كذا فأنت طالق ( فتعليق ) من جانبه فيه ثوب معاوضة لكن لا نظر إليها هنا غالبا لأن لفظه المذكور من صرائحه فلم ينظر لما فيه من نوع معاوضة ( فلا ) طلاق قبل تحقق الصفة ولا يبطل بطرو جنونه عقبه ولا ( رجوع له ) عنه قبل الإعطاء كسائر التعليقات ( ولا يشترط القبول لفظا ) لعدم اقتضاء الصيغة ذلك ( ولا الإعطاء في المجلس ) بل يكفي بعد تفرقهما منه لدلالته على استغراق جميع الأزمنة صريحا ، فلم تقو قرينة المعاوضة على إيجاب الفور وإنما وجب في قولها متى طلقتني فلك ألف وقوعه فورا لأن جانبها يغلب فيه المعاوضة بخلافه ، وأفهم مثاله أن متى : أي ونحوها إنما تكون للتراخي إثباتا ، أما نفيا كمتى لم تعطني ألفا فأنت طالق فللفور فتطلق بمضي زمن يمكن فيه الإعطاء فلم تعطه ( وإن قال إن ) بالكسر ( أو إذا ) ومثلهما كل ما لم يدل على الزمن الآتي ( أعطيتني فكذلك ) أي لا رجوع له ، ولا يشترط القبول لفظا لأنهما حرفا تعليق كمتى . أما المفتوحة كما قاله الماوردي وإذ فالطلاق مع أحدهما يقع بائنا حالا ويظهر تقييده بالنحوي أخذا مما يأتي في الطلاق ، وظاهر كلامهم أنه مع البينونة لا مال له عليها ظاهرا ، ووجهه أن مقتضى لفظه أنها بذلت له ألفا على الطلاق وأنه قبضه ( لكن يشترط ) إن كانت حرة ، وألحق بها المبعضة والمكاتبة سواء الحاضرة والغائبة عقب علمها ( إعطاء على [ ص: 408 ] الفور )

                                                                                                                            والمراد به في هذا الباب مجلس التواجب السابق بأن لا يتخلل كلام أو سكوت طويل عرفا ، وقيل ما لم يتفرقا بما مر في خيار المجلس لأن ذكر العوض قرينة تقتضي التعجيل إذ الأعواض تتعجل في المعاوضات ، وتركت هذه القضية في نحو متى لصراحتها في التأخير كما مر ، بخلاف إن إذ لا دلالة لها على زمن أصلا وإذا لأن متى مسماها زمن عام ومسمى إذا زمن مطلق لأنها ليست من أدوات العموم اتفاقا فلهذا الاشتراك في أصل الزمن وعدمه في إن اتضح أنه لو قيل متى ألقاك صح أن يقال متى أو إذا شئت دون إن شئت لأنها لعدم دلالتها على زمن لا تصلح جوابا للاستفهام الذي في متى عن الزمان ، ومحل التسوية بين إن وإذا في الإثبات . أما النفي فإذا للفور بخلاف إن كما يأتي ، أما الأمة فمتى أعطت طلقت وإن طال لتعذر إعطائها حالا إذ لا ملك لها ، ومن ثم لو كان التعليق بإعطاء نحو خمر اشترط الفور لقدرتها عليه حالا ، وفي الأول إذا أعطته من كسبها أو غيره بانت لوجود الصفة ويرد الزوج الألف لمالكها ، ويتعلق مهر المثل بذمتها تتبع به بعد عتقها ، ولا ينافيه ما نقله الرافعي عن البغوي أنه لو قال لزوجته الأمة إن أعطيتني ثوبا فأنت طالق حيث لا تطلق بإعطاء ثوب لعدم ملكها له لأن الإعطاء في حقها لكونها لا تملك منوط بما يمكن تمليكه فلم تطلق به في مسألة إن أعطيتني ثوبا إذ لا يمكن تمليكه لجهالته فصار كإعطاء الحرة ثوبا مغصوبا أو نحوه ، بخلاف إن أعطيتني ألفا أو هذا الثوب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله ويفارق ) أي حيث قلنا بالبطلان انتهى سم ( قوله : بل يكفي بعد تفرقهما ) أي ولو طال الزمن جدا ( قوله : وقوعه فورا ) أي وقوع تطليقه فورا ( قوله : بخلافه ) أي جانبه . وقوله فتطلق : أي طلاقا رجعيا ( قوله : كل ما لم ) أي لفظ ( قوله : يقع بائنا ) قاله سم على حج ( قوله : والمكاتبة ) وقياس ما مر في المكاتبة من أنه إذا خلعها على [ ص: 408 ] عوض بغير إذن سيدها دينا كان أو عينا بانت بمهر المثل أنه يرد عليها ما قبضه منها ولا يملكه ويستقر له في ذمتها مهر المثل ( قوله : أو سكوت طويل ) أي كل منهما بدليل ما يأتي في قول المصنف ولا يضر تخلل كلام يسير ( قوله : يتفرقا بما مر ) أي بأن يفارق أحدهما الآخر مختارا ( قوله : لأن ذكر العوض ) علة لقول المصنف إعطاء على الفور ( قوله : لصراحتها ) أي متى ( قوله : صح أن يقال ) أي في الجواب ، وقوله لأنها : أي إن ( قوله : أما الأمة ) محترز قوله إن كانت حرة ( قوله : وفي الأول ) أي غير الخمر ( قوله بعد عتقها ) أي كلها أخذا من كلامه في معاملة الرقيق



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 407 ] قوله يقع بائنا حالا ) انظر هل هو الظاهر والباطن وإن لم تكن أعطته شيئا أو في الظاهر فقط مؤاخذة له بإقراره لا غير ( قوله : ظاهرا ) أي وكذا باطنا كما هو ظاهر ; لأنها لم تلتزم له شيئا فليراجع [ ص: 408 ] قوله : لعدم ملكها له ) هو من كلام البغوي ( قوله : ; لأن الإعطاء إلخ ) هو وجه عدم المنافاة .




                                                                                                                            الخدمات العلمية