الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والإمامة أفضل منه ) أي الأذان ( في الأصح ) لقوله صلى الله عليه وسلم { ليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم } رواه الشيخان ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين واظبوا على الإمامة دون الأذان وإن كان صلى الله عليه وسلم قد أذن في السفر راكبا ، ولأن القيام بالشيء أولى من الدعاء إليه ( قلت : الأصح أنه أفضل والله أعلم ) فقد نقل عن النص وأكثر الأصحاب لأنه علامة على الوقت [ ص: 417 ] فهو أكثر نفعا منها ولما صح من قوله صلى الله عليه وسلم { لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه } أي اقترعوا ، وقوله { إن خيار عباد الله يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله } وقوله { المؤذنون أطول أعناقا يوم القيامة } أي أكثر رجاء لأن راجي الشيء يمد عنقه إليه ، وقيل بكسر الهمزة : أي إسراعا إلى الجنة ، وقوله { الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن ، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين } والأمانة أعلى من الضمان والمغفرة أعلى من الإرشاد وخبر { المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس } وإنما واظب صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون بعده على الإمامة ولم يؤذنوا لاشتغالهم بمهمات الدين التي لا يقوم غيرهم فيها مقامهم ، ولهذا قال عمر رضي الله عنه لولا الخليفى لأذنت .

                                                                                                                            واعترض بأن الاشتغال بذلك إنما يمنع الإدامة لا الفعل في بعض الأحيان لا سيما أوقات الفراغ ، كما اعترض الجواب بأنه لو أذن صلى الله عليه وسلم لقال إني رسول الله وهو لا يجزئ ، أو أن محمدا رسول الله ولا جزالة فيه بأنه في غاية الجزالة ككل إقامة ظاهر مقام مضمر لنكتة . والأحسن في الجواب أن عدم فعله للأذان لا دلالة فيه لأحد القولين لاحتماله ، وأما أنه عليه الصلاة والسلام لو أذن لوجب حضور الجماعة فقد رده الإسنوي بأنه أذن في بعض أسفاره ، ورد عليه بأن الجماعة الذين أذن لهم كانوا حاضرين معه على أن معنى أذن عند بعضهم أمر كما في رواية أخرى ، وسواء على رأي المصنف أقام الإمام بحقوق الإمامة أم لا ، وسواء انضم إليه الإقامة أم لا ، خلافا للمصنف في نكت التنبيه ، وإنما كان الأذان أفضل مع كونه سنة والجماعة فرض كفاية لأن السنة قد تفضل الفرض كرد السلام مع ابتدائه وإبراء المعسر وإنظاره فإن الأول سنة والثاني فرض ، على أن مرجوحية الإمامة ليست من جهة الجماعة بل من جهة خصوص كونها مظنة التقصير ، وأيضا فالجماعة ليست خاصة بالإمام لأنها قدر مشترك بين الإمام والمأموم ، وشمل كلام المصنف إمامة الجمعة فالأذان أفضل منها أيضا ويظهر أن إمامتها أفضل من خطبتها ، ويلزم من تفضيل الأذان على إمامتها تفضيله على خطبتها بطريق الأولى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وإن كان صلى الله عليه وسلم قد أذن في السفر إلخ ) روى الترمذي { أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير فانتهوا إلى مضيق وحضرت الصلاة فمطروا ، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام فتقدم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء } قال عبد الحق : إسناده صحيح ، وقال النووي : إسناده حسن ، وضعفه البيهقي وابن العربي وابن القطان ، وقد رواه الدارقطني من هذا الوجه بلفظ { فأمر المؤذن فأذن وأقام ، أو أقام بغير أذان } وكذا هو عند أحمد ، ورجح السهيلي هذه الرواية لأنها بينت ما أجمل في رواية الترمذي وإن كان الراوي عنده شديد الضعف انتهى ملخصا من التخريج أيضا ، لكن قال الشمس الشامي : جزم النووي في شرح المهذب بأنه أذن مرة ، وتبعه ابن الرفعة والسبكي قال الحافظ السيوطي : من قال إنه لم يباشر هذه العبادة بنفسه وألغز في ذلك بقوله ما سنة أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها فقد غفل انتهى ( قوله : قلت الأصح أنه أفضل ، والله أعلم ) ويؤخذ من اعتذارهم عن عدم أذانه صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده لاشتغالهم بمهمات الإسلام أن الأذان لو وقع منهم كان أفضل من إمامتهم ، [ ص: 417 ] لكنهم لما تركوه لأمور مهمة جاز أن يكون لهم فضل على الإمامة يزيد على فضل الأذان لو وقع منهم .

                                                                                                                            ( قوله : لاستهموا عليه ) الضمير في عليه راجع لما من قوله ما في النداء ( قوله : مدى صوته ) انظر ما معنى ذلك ولعل المراد أنه لو جسمت ذنوبه وبلغت بتقديرها جسما مكانا هو غاية صوته لغفرت له تلك الذنوب بسبب الأذان فليراجع . ثم رأيت في شرح العباب لحج ما نصه : ومعنى يغفر له مدى صوته أن ذنوبه لو كانت أجساما غفر له منها قدر ما يملأ المسافة بينه وبين منتهى صوته ، وقيل تمتد له الرحمة بقدر مدى الصوت . وقال الخطابي : يبلغ غاية المغفرة إذا بلغ غاية رفع الصوت ذكره في المجموع انتهى بحروفه ( قوله : ويشهد له ) أي بالأذان ومن لازمه إيمانه لنطقه بالشهادتين فيه ( قوله : لولا الخليفى ) أي القيام بأمر الخلافة ، وفي النهاية الخليفى بالكسر والتشديد والقصر الخلافة وهو وأمثاله من الأبنية كالرميا ، والدليلي ، مصادر تدل على معنى الكثرة يريد به كثرة اجتهاده في ضبط الأمور وتصريف أعنتها ( قوله بأنه في غاية الجزالة ) صلة اعترض الجواب إلخ ( قوله : ككل إقامة ظاهر مقام مضمر ، لنكتة ) زاد حج : على أنه صح أنه أذن مرة في السفر راكبا فقال ذلك ، ونقل عنه في تشهد الصلاة أنه كان يأتي بأحدهما تارة وبالآخر أخرى انتهى . وقوله فقال ذلك : أي أن محمدا رسول الله ( قوله : والأحسن في الجواب ) أي عن توجيه أفضلية الإمامة بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء على الإمامة وعدم الأذان ( قوله : لأحد القولين ) أي القول بأفضلية الأذان والقول بأفضلية الإمامة ( قوله : انضم إليه ) أي الأذان



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 416 - 417 ] قوله الخليفى ) بكسر الخاء واللام المشددة وفتح الفاء مصدر خلفه بتشديد اللام لإدارة المبالغة كحثه حثيثى وخصه خصيصى ( قوله أن يجمع بين الأذان والإقامة ) أي خلافا لمن منع السنية في ذلك ولمن أثبت فيه الكراهة ، [ ص: 418 ] وفي نسخ ، والإقامة بدل الإمامة




                                                                                                                            الخدمات العلمية