الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا يقع طلاق مكره ) بغير حق كما لا يصح إسلامه لخبر { لا طلاق في إغلاق } أي إكراه رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده على شرط مسلم ، ولأنه قول لو صدر منه باختياره لحنث به ، وصح إسلامه ، فإذا أكره عليه بباطل لغا كالردة ، وحينئذ فلو كان الطلاق معلقا على صفة ووجدت بإكراه بغير حق لم تنحل بها كما لم يقع بها أو بحق حنث وانحلت كما يؤخذ من كلامهم ، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، نعم تقدم في شروط الصلاة أنه لو تكلم فيها مكرها بطلت لندرة الإكراه فيها ، ولو أكرهه على طلاق زوجة نفسه لأنه أبلغ في الإذن ، وكذا لو نوى المكره الإيقاع لكنه الآن غير مكره ، ومن الإكراه كما هو ظاهر ما لو حلف ليطأنها قبل نومه فغلبه النوم بحيث لم يستطع رده بشرط أن لا يتمكن منه قبل غلبته بوجه ( فإن ظهر قرينة اختيار بأن ) [ ص: 446 ] هي بمعنى كأن ، والمصنف يستعمل ذلك في كلامه كثيرا ( أكره ) على طلاق إحدى امرأتيه مبهما فعين أو معينا فأبهم أو ( على ثلاث فوحد أو صريح أو تعليق فكنى أو نجز أو على ) أن يقول ( طلقت فسرح أو بالعكوس ) أي على واحدة فثلث أو كناية فصرح أو تنجيز فعلق أو تسريح فطلق ( وقع ) لاختياره المأتي به .

                                                                                                                            واعلم أنه لا فرق بين الإكراه الحسي والشرعي ، فلو حلف ليطأن زوجته الليلة فوجدها حائضا أو لتصومن غدا فحاضت فيه أو ليبيعن أمته اليوم فوجدها حاملا منه لم يحنث ، وكذا لو حلف ليقضين زيدا حقه في هذا الشهر فعجز عنه كما يأتي بخلاف من حلف ليعصين الله وقت كذا فلم يعصه حيث حنث بدليل ما لو حلف لا يصلي الظهر مثلا فصلاه حنث .

                                                                                                                            والحاصل أنه حيث خص يمينه بالمعصية أو أتى بما يعمها قاصدا دخولها ودلت عليه قرينة كما يأتي في مسألة مفارقة الغريم فإن ظاهر المخاصمة والمشاحة فيها أنه أراد لا يفارقه وإن أعسر حنث ، بخلاف ما لو أطلق ولا قرينة فيحمل على الجائز لأنه الممكن شرعا والسابق إلى الفهم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بغير حق ) منه يؤخذ جواب حادثة وقع السؤال عنها ، وهي أن شخصا يعتاد الحراثة لشخص فتشاجر معه فحلف بالطلاق الثلاث لا يحرث له في هذه السنة فشكاه لشاد البلد فأكرهه على الحراثة له تلك السنة وهدده إن لم يحرث له بالضرب ونحوه وهو أنه لا حنث لأن هذا إكراه بغير حق ولا يشترط تجديد الإكراه من الشاد المذكور بل يكفي ما وجد منه أولا حيث أكرهه على الفعل جميع السنة على العادة ، بل لو قال له احرث له جميع السنين وكان حلف أنه لا يحرث له أصلا لا في تلك السنة ولا في غيرها لم يحنث ما دام الشاد متوليا تلك البلدة وعلم منه أنه إن لم يحرث عاقبه ، بخلاف ما لو استأجره لعمل فحلف أنه لا يفعله فأكره عليه فإنه يحنث لأن هذا إكراه بحق ، ويدل لذلك قول حج : فإن عزل ، وتولى غيره ولم يكرهه على ذلك حنث بالحرث ( قوله : كما لا يصح إسلامه ) أي حيث لم يكن حربيا .

                                                                                                                            أما هو فيصح إسلامه مع الإكراه ( قوله : ولأنه ) أي الطلاق قول : أي وكل ما كان كذلك إذا أكره عليه لغا ، ومن هنا ظهر قوله نعم تقدم إلخ ( قوله : أو بحق حنث ) خلافا لحج ( قوله : زوجة نفسه ) أي المكره بكسر الراء ، وقوله وكذا لو نوى المكره : أي بفتح الراء ( قوله : فغلبه ) أي ولو قبل وقته المعتاد ( قوله : بوجه ) أي فإن تمكن ولم يفعل حتى غلبه النوم حنث ، وظاهر التعبير بالتمكن أنه لا يمنع من الحنث النوم لوجود من يستحي من الوطء بحضورهم عادة عنده كمحرمة وزوجة له أخرى ، ولو قيل بعدم الحنث وجعل ذلك عذرا ويراد بالتمكن التمكن المعتاد في مثله لم يبعد [ ص: 446 ] قوله : إحدى امرأتيه مبهما ) مفهومه أنه لو أكرهه على التعيين بأن قال له بأن تعين إحداهما وتطلقها كان إكراها ، وهو ظاهر ( قوله : فكنى ) هو بالتخفيف كما في المختار قال : الكناية أن يتكلم بشيء ويريد غيره ، وقد كنيت بكذا عن كذا وكنوت أيضا كناية فيهما ، ثم قال : وكناه أبا زيد وبأبي زيد تكنية كما تقول سماه ا هـ . فجعل التكنية بمعنى وضع الكنية والكناية هي التكلم بكلام يريد غير معناه ، ولعل هذا بحسب اللغة ، وأما عند أهل الشرع فهي لفظ يحتمل المراد وغيره فيحتاج في الاعتداد به لنية المراد لخفائه ، فهو نية أحد محتملات اللفظ لا نية معنى مغاير لمدلوله ( قوله : فلو حلف ليطأن زوجته إلخ ) أي ويبر من حلف على فعل ذلك بإدخال الحشفة فقط ما لم يرد بالوطء قضاء الوطر .

                                                                                                                            ( قوله : فوجدها حائضا ) أقول : إنه تبين أن الحيض كان موجودا قبل حلفه ، وعليه فلو حلف وهي طاهرة ثم حاضت ، فإن تمكن من وطئها قبل الحيض ولم يفعل حنث وإن لم يتمكن بأن طرقها الدم عقب الحلف لم يحنث كما مر فيمن غلبه النوم ، وكما يأتي فيما لو حلف ليأكلن ذا الطعام غدا فتلف الطعام قبل مجيء الغد ، فإنه إن تمكن من الأكل ولم يأكل حنث وإلا فلا ، وكتب أيضا لطف الله به : قوله فوجدها حائضا ومثل ذلك ما لو وجدها مريضة مرضا لا تطيق معه الوطء فلا حنث ، وتصدق في ذلك لأنه لا يعلم إلا منها ( قوله حاملا منه ) أي أو من غيره بشبهة توجب حرية الحمل ( قوله : فعجز عنه ) المتبادر من هذا أنه لم يقدر على جملته وإن قدر على أكثره ولم يوفه لأنه يصدق عليه أنه عاجز عن المحلوف عليه ( قوله : خص يمينه بالمعصية ) كلا أصلي الظهر في هذا اليوم ، وقوله أو أتى بما يعمها كلا أصلي في هذا اليوم قاصدا بذلك دخول صلاة الظهر في مطلق الصلاة ، ( وقوله قاصدا دخولها ) : أي المعصية ، ( وقوله أنه أراد إلخ ) يؤخذ منه أنه لو قال إنما حلفت لظني يساره لم يحنث إذا فارقه بلا استيفاء سيما إذا أظهر لما ادعاه سببا كقوله وجدت معك قبل هذا الوقت دراهم أخذتها من جهة كذا فذكر المدين أنه تصرف فيها وأثبت ذلك بطريقه ،



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : كما لا يصح إسلامه ) أي بأن كان مقرا بالجزية إذ إكراه غيره بحق .




                                                                                                                            الخدمات العلمية