الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومن أمكنه علم القبلة ) بأن كان بالمسجد الحرام أو بمكة ولا حائل ، أو على جبل أبي قبيس ، أو على سطح وهو متمكن من معاينتها وحصل له شك فيها لنحو ظلمة لم يجز له العمل بغير علمه و ( حرم عليه التقليد ) أي الأخذ بقول مجتهد ( والاجتهاد ) فلا يجوز له العمل به كالحاكم إذا وجد النص ، ويمتنع عليه أيضا الأخذ بخبر الغير كما يعلم مما يأتي : [ ص: 439 ] أي ولو عن علم ويفرق بين هذا واكتفاء الصحابة رضي الله عنهم بالإخبار عنه صلى الله عليه وسلم مع إمكان اليقين بالسماع منه والأخذ بقول الغير في المياه ونحوها بأن المدار في القبلة لكونها أمرا حسيا مشاهدا على اليقين ، بخلاف الأحكام ونحوها ، ولو بنى محرابه على المعاينة صلى إليه أبدا من غير احتياج إلى المعاينة في كل صلاة ، ومثل ذلك ما لو صلى بالمعاينة لم يحتج إلى المعاينة في كل صلاة ما لم يفارق محله ويتطرق إليه الاحتمال .

                                                                                                                            وفي معنى المعاين من نشأ بمكة وتيقن إصابة القبلة وإن لم يعاينها حال صلاته ، ولو كان حاضرا بمكة وحال بينه وبين الكعبة حائل خلقي كجبل أو حادث كبناء جاز له الاجتهاد لما في تكليفه المعاينة من المشقة ذكره في التحقيق ، وهو مقيد بما إذا فقد ثقة يخبره عن علم ، وإلا فهو مقدم على الاجتهاد كما سيأتي ، وبما إذا كان بناء الحائل لحاجة ، فإن كان لغير حاجة لم تصح صلاته بالاجتهاد لتفريطه ، ولا اجتهاد في محاريب المسلمين ومحاريب جادتهم : أي معظم طريقهم وقراهم القديمة التي نشأ بها قرون من المسلمين وإن صغرت وخربت حيث سلمت من الطعن لأنها لم تنضب إلا بحضرة جمع من أهل المعرفة بسمت الكواكب والأدلة فجرى دلك مجرى الخبر ، وفي معناه خبر عدل باتفاق جمع من المسلمين على جهة وخبر صاحب الدار ، وهو ظاهر إن علم أن صاحبها يخبر عن غير اجتهاد وإلا لم يجز تقليده ، ثم محل [ ص: 440 ] امتناع الاجتهاد فيما ذكر بالنسبة للجهة ، أما بالنسبة للتيامن والتياسر فيجوز إذ لا يبعد الخطأ فيهما بخلافه في الجهة ، وهذا في غير محاريبه صلى الله عليه وسلم ومساجده .

                                                                                                                            أما هي فيمتنع الاجتهاد فيها مطلقا لأنه لا يقر على خطأ ، فلو تخيل حاذق فيها يمنة أو يسرة فخياله باطل ومساجده هي التي صلى فيها إن ضبطت ومحاريبه كل ما ثبت صلاته فيه إذ لم يكن في زمنه محاريب ، ولا يلحق بذلك ما وضعه الصحابة كقبلة الكوفة والبصرة والشام وبيت المقدس وجامع مصر القديمة وهو الجامع العتيق ، لأنهم لم ينصبوها إلا عن اجتهاد واجتهادهم لا يوجب القطع بعدم انحرافه وإن قل ، ويجوز له الاجتهاد في خربة أمكن أن يأتيها الكفار ، وكذا في طريق يندر مرور المسلمين بها أو يستوي مرور الفريقين بها كما صرح به في الروضة ( وإلا ) أي بأن لم يمكنه علم القبلة بشيء مما ذكر أو ناله مشقة في تحصيله [ ص: 441 ] ( أخذ ) وجوبا ( بقول ثقة ) بصير مقبول الرواية ولو عبدا أو امرأة ( يخبر عن علم ) بالقبلة أو محراب معتمد سواء أكان في الوقت أم غيره ، ويجب عليه السؤال عمن يخبر بذلك عند حاجته إليه ، ولا ينافي ذلك ما مر من أن من كان بمكة وبينه وبين القبلة حائل له الاجتهاد لأن السؤال لا مشقة فيه ، بخلاف الطلوع فإن فرض أن عليه مشقة في السؤال لبعد المكان أو نحوه كان الحكم فيها كما في تلك نبه عليه الزركشي وهو ظاهر ، وخرج بمقبول الرواية غيره كصبي ولو مميزا وكافر وفاسق فلا يقبل إخباره بما ذكر كغيره لأنه متهم في خبر الدين .

                                                                                                                            نعم قال الماوردي : لو استعلم مسلم من مشرك دلائل القبلة ووقع في قلبه صدقه واجتهد لنفسه في جهات القبلة جاز لأنه عمل في القبلة على اجتهاد نفسه ، وإنما قبل خبر المشرك في غيرها .

                                                                                                                            قال الأذرعي : وما أظنهم يوافقونه عليه ، ونظر فيه الشاشي وقال : إذا لم يقبل خبره في القبلة لا يقبل في أدلتها إلا أن يوافق عليها مسلم ، وسكون نفسه إلى خبره لا يوجب أن يعول عليه الحكم ا هـ .

                                                                                                                            وهذا هو المعتمد ، وعلم مما تقدم من عدم جواز الاجتهاد مع القدرة على الخبر عدم جواز الأخذ بالخبر مع القدرة على اليقين وهو كذلك ، فلا يجوز للأعمى ولا لمن هو في ليلة مظلمة [ ص: 442 ] الأخذ به مع القدرة على اليقين بالمس ويعتمد كل منهما المس وإن لم يره قبل العمى فلو اشتبه عليه مواضع لمسها صبر فإن خاف فوت الوقت صلى كيف اتفق وأعاد كما يؤخذ مما يأتي ( فإن فقد ) ما ذكر ( وأمكنه الاجتهاد ) بأن كان بصيرا يعرف أدلة القبلة وهي كثيرة وأضعفها الرياح لاختلافها وأقواها القطب قالا وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي ويختلف باختلاف الأقاليم ، ففي العراق يجعله المصلي خلف أذنه اليمنى وفي مصر خلف اليسرى

                                                                                                                            [ ص: 443 ] وفي اليمين قبالته مما يلي جانبه الأيسر وفي الشام وراءه ونجران وراء ظهره ولذلك قيل إن قبلتها أعدل القبل وكأنهما سمياه نجما لمجاورته له وإلا فهو كما قال السبكي وغيره ليس نجما وإنما هو نقطة تدور عليها هذه الكواكب بقرب النجم ( حرم ) عليه ( التقليد ) وهو قبول قول من يخبر عن اجتهاد إذ المجتهد لا يقلد مجتهدا ويجب عليه الاجتهاد إلا إن ضاق الوقت عنه كلا اجتهاد بل يصلي على حسب حاله وتلزمه الإعادة ويجوز الاعتماد على بيت الإبرة في دخول الوقت والقبلة لإفادتها الظن بذلك كما يفيده الاجتهاد ، أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وهو ظاهر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ومن أمكنه علم القبلة ) أي سهل عليه أخذا من قوله الآتي أو ناله مشقة ، وعبارة حج : أي بأن كان بالمسجد الحرام أو خارجه ولا حائل أو وثم حائل أحدث لغير حاجة أو أحدثه غيره تعديا وأمكنته إزالته فيما يظهر ا هـ ( قوله : أو بمكة ولا حائل ) أي بأن كان بمحل يشاهد فيه الكعبة وإلا فبعض أماكن مكة إذا كان فيه لا يشاهد الكعبة ( قوله : أي الأخذ بقول مجتهد ) هو بيان للتعليل اصطلاحا ، وإلا فالمراد أنه لا يجوز الأخذ بقول الغير مطلقا كما يعلم من قول الشارح قبل : لم يجز له العمل بغير علمه ، ومن قول المصنف الآتي : وإلا أخذ بقول ثقة يخبر عن علم فإنه يفيد أنه مع إمكان العلم لا يجوز له الأخذ بقول الثقة ( قوله : العمل به ) أي بما ذكر من التقليد والاجتهاد ( قوله الأخذ بخبر الغير ) ظاهره ولو معصوما ، ومقتضى ما علل به في الفرق الآتي من أن القبلة مبناها على اليقين الاكتفاء بذلك وبعدد التواتر ولو من كفار وصبيان فليراجع ( قوله : كما يعلم مما يأتي ) أي في قول المتن وإلا أخذ بقول ثقة يخبر عن علم .

                                                                                                                            ويمكن حمل كلام المصنف عليه بأن يفسر التقليد بالأخذ بقول الغير مطلقا ، ويدل له [ ص: 439 ] تعبير الروضة بلا يجوز له اعتماد قول غيره ( قوله : أي ولو عن علم إلخ ) الأولى : أي ممن يخبر عن علم لأن المجتهد تقدم حرمة تقليده فلم يبق إلا المخبر عن علم ( قوله : ولو بنى ) أي شخص محرابه : أي أو نصب علامة ( قوله : على المعاينة ) أي يقينا ( قوله : وتيقن إصابة القبلة ) أي بأن رآها بعينه فعرف عينها ليستقبلها أو أخبره بذلك عدد التواتر ( قوله : وهو مقيد ) أي ما في التحقيق من الجواز ( قوله : كما سيأتي ) أي في قوله وإلا أخذ بقول ثقة إلخ ( قوله : فإن كان لغير حاجة ) أي ولم يطرأ الاحتياج له كما صرح به حج فيما يأتي بعد قول المصنف وإلا إلخ ( قوله : لتفريطه ) يفيد أن الباني له بغير حاجة هو المصلي حتى لو بناه غيره بلا حاجة لا يكلف صعوده ، ويوافقه قول شرح المنهج : ومحل جواز الاجتهاد فيما إذا كان ثم حائل أن لا يبنيه بلا حاجة ( قوله : ولا اجتهاد في محاريب المسلمين ) أي فالمحاريب المعتمدة في معنى المعاينة .

                                                                                                                            قال سم على حج في أثناء كلام : ويجب على الإنسان قبل الإقدام : أي على اعتماد المحراب البحث عن وجود الشرط المذكور وهو السلامة من الطعن وإذا صلى قبله بدون اجتهاد لم تنعقد صلاته ا هـ .

                                                                                                                            وينبغي أن محل ذلك في محل لم يكثر طارقوه واحتمل الطعن فيه وإلا فصلاته صحيحة من غير سؤال ( قوله : ومحاريب جادتهم ) أي معظم طريقهم .

                                                                                                                            قال في المصباح : والجادة وسط الطريق ومعظمه والجمع الجواد مثل دابة ودواب ( قوله : التي نشأ بها قرون من المسلمين ) أي جماعات من المسلمين صلوا إلى هذا المحراب ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه طعن فيه ، ويكفي الطعن من واحد إذا ذكر له مستندا أو كان من أهل العلم بالميقات فذلك يخرجه عن رتبة اليقين الذي لا يجتهد معه ا هـ سم على حج ( قوله : وفي معناه ) أي المعاين ( قوله : يخبر عن غير اجتهاد ) أي بأن أخبر عن معاينة أو ما في معناها كرؤية القطب أو المحاريب المعتمدة ( قوله : وإلا لم يجز تقليده ) أي بأن علم أنه يخبر عن اجتهاد أو شك [ ص: 440 ] في أمره ( قوله : فيما ذكر ) أي في قوله والاجتهاد في محاريب المسلمين إلخ ( قوله مطلقا ) أي جهة ويمنة ويسرة ( قوله : لأنه لا يقر على خطأ ) يعني أنه إن وقع منه صلى الله عليه وسلم خطأ نبه عليه بلا وحي ، وهذا بناء على أنه قد يقع منه الخطأ لكنه لا يقر عليه ، والصحيح خلافه فهو لعصمته كغيره من الأنبياء لا يقع منهم الخطأ لا عمدا ولا سهوا إلا أن ترتب عليه تشريع كما في سلامه عليه الصلاة والسلام من ركعتين ( قوله : ومساجده ) المغايرة بين المسجد والمحراب وإنما هي بحسب المفهوم ، وإلا فالمدار هنا على ضبط ما استقبله في صلاته ، حتى لو علمت صلاته في مكان وضبط خصوص موقفه عليه الصلاة والسلام فيه ولم يضبط ما استقبله فيه لم يكن مانعا من الاجتهاد بل يجب بعده الاجتهاد ( قوله : كما ثبت صلاته فيه ) أي ولو بخبر الواحد كما هو ظاهر حج ا هـ زيادي ( قوله إذ لم يكن في زمنه محاريب ) إذ المحراب المجوف على الهيئة المعروفة حدث بعده ، ومن ثم قال الأذرعي : يكره الدخول في طاقة المحراب ، ورأيت بهامش نسخة قديمة : ولا يكره الدخول في الطاقة خلافا للسيوطي ( قوله : ويحوز له الاجتهاد ) أي يجب عليه إن أراد الصلاة فيها ، وليس له اعتماد المحراب المذكور للشك في بانيه المفيد للتردد في النية ، ويجتهد فيها مطلقا جهة ويمنة ويسرة ، وقضية إطلاقه هنا وتفصيله فيما بعده أنه يجتهد في هذه وإن كثر مرور المسلمين بها ( قوله : أو يستوي مرور الفريقين ) قال سم في حاشية شرح البهجة : قوله أو يستوي مرور إلخ ، قال في شرح الروض كما صرح به الأصل ا هـ .

                                                                                                                            وهو صادق بكثرة مرور المسلمين بأن كثر مرور الفريقين مع الاستواء ، وقوله السابق يسلكه المسلمون كثير صادق مع سلوك غيرهم أيضا قليلا أو كثيرا فيحتاج لحمل أحد الموضعين على الآخر ، وهل الأوجه حمل هذا على ذاك فيقيد هذا بما إذا لم يكثر مرور المسلمين وإن كان خلاف ظاهر العبارة ، وكتب أيضا قول : أو يستوي كالصريح في عدم الاعتماد هنا وإن كثر مرور المسلمين ، وفيه نظر ، وإن أمكن أن يوجه ا هـ .

                                                                                                                            وعليه فيقيد عدم اعتماد محراب القرية التي استوى مرور الكفار والمسلمين بطريقها بما إذا لم يكثر المسلمون ، أما إذا كثروا فلا نظر لمرور الكفار معهم قلوا أو كثروا ( قوله : بأن لم يمكنه علم القبلة بشيء مما ذكر ) أي من الرؤية والمحراب ، وقضيته أن المحاريب ونحوها تقدم على المخبر عن علم .

                                                                                                                            وقد يتوقف فيه بأن المخبر عن علم أقوى بدليل أنه لا يجتهد مع إخباره يمنة ولا يسرة كما نقله سم على منهج عن طب ، بخلاف المحاريب ، وعبارة حج : وإلا يمكنه علم عينها أو أمكنه وثم حائل ولو حادثا بفعله لحاجة ، لكن إن لم يكن تعدى بإحداثه أو زال تعديه فيما يظهر فيهما ا هـ .

                                                                                                                            وهو ظاهر في مخالفة كلام الشارح في المحراب ( قوله : أو ناله مشقة ) قال حج : أي عرفا [ ص: 441 ] قوله : أخذ بقول ثقة ) أي ومنه ولي يخبره عن كشف : أي وإذا سئل الثقة هل يجب عليه الإرشاد لها أم لا ؟ فيه نظر والأقرب الأول لأن إرشاده من فروض الكفايات ، ومن سئل شيئا منها تعين عليه فعله حيث لا عذر له في الامتناع ثم إن لم يكن في إخباره مشقة لا يستحق أجرة وإلا استحقها ( قوله : ويجب عليه السؤال عمن يخبر بذلك ) أي ويجب تكرير السؤال لكل صلاة تحضر كما يجب تجديد الاجتهاد ا هـ حج .

                                                                                                                            وكتب عليه سم وظاهر أنه لا عبرة بجوابه المستند للاجتهاد السابق إذا لم يكن ذاكرا لدليله ا هـ ( قوله : لبعد المكان ) أو نحوه كتحجب المسئول ( قوله : كما في تلك ) أي فيجتهد ( قوله : وكافر ) قال حج : إلا أن علمه قواعد صيرت له ملكة يعلم بها القبلة حيث يمكنه أن يبرهن عليها وإن نسي تلك القواعد كما هو ظاهر ، وكلام الماوردي المخالف لذلك ضعيف ا هـ .

                                                                                                                            وأقول : ولعل مراده بمخالفة الماوردي أن كلام الماوردي يفيد أنه إذا تعلم منه الأدلة وقلده في العمل بمقتضاها كأن أخبره بأن النجم الفلاني إذا استقبلته أو استدبرته على صفة كذا كنت مستقبلا للكعبة ، وهو على هذا التقدير ضعيف ، أما إذا تعلم أصل الأدلة منه ثم توصل بذلك إلى استخراجها من الكتب واجتهد في ذلك حتى صار له ملكة يقتدر بها على معرفة صحيح الأدلة من فاسدها لم يمتنع عليه العمل بمقتضاها بل يجب عليه الأخذ به ، وبما تقرر يعلم أنه لا مخالفة بين ما ذكره الشارح ، وما ذكره حج ( قوله : لأنه متهم ) ظاهره ولو وقع في قلبه صدقه ، وقياس ما يأتي في الصوم الأخذ بخبره حينئذ إلا أن يفرق بأنه لما كان أمر القبلة مبنيا على اليقين وكانت حرمة الصلاة أعظم من الصوم بدليل أنه لا يعذر في تأخيرها بحال ، بخلاف الصوم احتيج لها ، ويؤيده تضعيف كلام الماوردي فيما لو تعلم الأدلة من كافر مع فرضها فيما وقع في قلبه صدقه ( قوله : لو استعلم ) أي تعلم ( قوله : أن يعول عليه ) أي أن يبني عليه ( قوله : وهذا هو المعتمد ) هو قوله ونظر فيه الشاشي ( قوله : مع القدرة على اليقين ) هذا الحكم تقدم التصريح به في قوله ويمتنع عليه [ ص: 442 ] الأخذ بخبر الغير إلخ ، فلعل ذكره هنا لبيان المأخذ لا لإفادة الحكم ( قوله : الأخذ به ) أي بالخبر ( قوله مع القدرة على اليقين ) عبارة حج بعد قول المصنف والاجتهاد فعلم أن من بالمسجد وهو أعمى أو في ظلمة لا يعتمد إلا بالمس الذي يحصل له به اليقين أو إخبار عدد التواتر ، وكذا قرينة قطعية بأن كان قد رأى محلا فيه من جعل ظهره له مثلا يكون مستقبلا أو أخبره بذلك عدد التواتر ا هـ ( قوله : بالمس ) أي حيث لا مشقة عليه فيه كما يعلم مما قدمه في وجوب سؤال من يخبر عن علم وفي عدم تكليف صعوده ، بل أو دخول المسجد معللا ذلك بحصول المشقة .

                                                                                                                            وفي حاشية سم على منهج ما نصه : قوله ولا حائل بينه وبينها : أي ولا مشقة عليه في علمها ، بخلاف الأعمى مثلا إذا أمكنه التحسيس عليها لكن بمشقة ككثرة الصفوف والزحام فيكون كالحائل ، هكذا ظهر وعرضته على شيخنا طب فوافق عليه ا هـ .

                                                                                                                            وعبارته على أبي شجاع نصها : وقياس هذا الذي مر أن الأعمى ومن في ظلمة إذا كان بالمسجد الحرام أو مسجد به محراب معتمد وشق عليه الوصول للكعبة أو المحراب قلد ثقة إن وجده ، وإلا فله الاجتهاد وهو قريب ، لكن قد يخالفه قولهما : ولو اشتبه عليه : أي على الأعمى مواضع لمسها : أي بأن اشتبه عليه المحراب بغيره فلا شك أنه يصبر حتى يخبره غيره صريحا ، فإن خاف فوت الوقت صلى على حسب حاله وأعاد ا هـ .

                                                                                                                            فقد منعناه الاجتهاد عند تعذر اليقين بالمس للاشتباه ، فكيف عند إمكانه إلا أن يفرق بأن المس ثم في نفسه لا مشقة فيه ، لكن منع منه الاشتباه المنسوب فيه إلى تقصير فلم يعذر ، بخلافه هنا فإن فيه مشقة فعذر فيه ، ولولا النظر إلى المشقة لأوجبنا صعود الحائل كما لا يخفى ا هـ ( قوله : قبل العمى ) أي أو قبل الظلمة ( قوله : فإن خاف فوت الوقت ) أي بأن لم يدركها بتمامها فيه ( قوله : فإن فقد ما ذكر ) أي بأن كان في محل لا يكلف تحصيل الماء منه ( قوله بأن كان بصيرا ) مثله في المحلي ، ومفهومه أن من لا يعرف أدلتها لا يحرم عليه التقليد ، وينافيه قول المصنف الآتي : ومن عجز عن الاجتهاد وتعلم الأدلة كأعمى قلد ثقة عارفا وإن قدر فالأصح وجوب التعلم .

                                                                                                                            وأجاب عنه الشيخ عميرة بما حاصله أن المراد بالمعرفة أعم من أن تكون حاصلة بالفعل أو بالقوة بأن أمكنه التعلم ( قوله وأقواها القطب ) عبارة حج : وأقواها القطب الشمالي بتثليث القاف ( قوله : في بنات نعش ) اتفق سيبويه والفراء على ترك صرف [ ص: 443 ] نعش للمعرفة والتأنيث صحاح ( قوله : ونجران وراء ظهره ) لا يظهر من هذا مخالفة لما قبله فكان الظاهر أن يقول : وفي الشام ونجران وراءه ، لكن في حج : وقيل ينحرف بدمشق وما قاربها ، ثم أفرد نجران بالذكر لعدم الخلاف فيها ( قوله : وكأنهما سمياه ) إشارة إلى دفع اعتراض يتوجه على كلام الشيخين رحمهما الله ( قوله : لإفادتها الظن بذلك إلخ ) هذا التعليل يقتضي أن بيت الإبرة في مرتبة المجتهد ، وليس مرادا إذ لو كان في مرتبته لحرم عليه العمل به إن قدر على الاجتهاد كما يحرم الأخذ بقول المجتهد ، لكن تعبيره بجواز الاعتماد يشعر بأنه مخير بين العمل به وبين الاجتهاد فيكون مرتبة بين المخبر عن علم وبين الاجتهاد ( قوله : كما يفيده الاجتهاد ) قضيته أن بيت الإبرة ليس كالمحراب المعتمد ، فإن ذاك بمنزلة المخبر عن علم حتى لا يجوز الاجتهاد معه جهة ولا غيرها على ما مر ، وينبغي أن مرتبته بعد مرتبة المحراب . وفي سم على حج ما نصه : انظر لو تعارضت هذه الأمور ما المقدم ، وقوله الجم الغفير لعل المراد به عدد التواتر ا هـ . وأقول : ينبغي أن عدد التواتر مقدم على غيره ثم الإخبار عن علم برؤية الكعبة ، ثم رؤية المحاريب المعتمدة ، ثم رؤية القطب ، ثم الإخبار برؤية الجم الغفير ، وذلك لأن التواتر يفيد اليقين ، وخبر المخبر عن علم يفيد الظن فيقدم عليه التواتر ، ورؤية الكعبة أبعد من الغلط من رؤية القطب ، لأنه وإن كان بمنزلة العيان لكنه قد يقع الخطأ في رؤيته لاشتباهه على الرائي أو لمانع قام بالرائي ، ورؤية القطب أقرب لتحري ما يصلى إليه عند الرائي ، فإن المخبر بأنه رأى الجم الغفير يصلون ربما يكون مستنده رؤية صلاتهم لتلك الجهة فلا يأمن في الأخذ بقوله من الانحراف يمنة أو يسرة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وحصل له شك فيها لنحو ظلمة ) مراده بالظلمة الظلمة المانعة من المعاينة في الحال مع التمكن من التوصل [ ص: 439 ] إلى المعاينة بغير مشقة إذ هو فرض المسألة ، وسيأتي ما يدل له في كلامه ( قوله : ولو عن علم ) الأولى إسقاط ولو ; لأن المخبر عن غير علم هو المجتهد وستأتي مسألته في المتن ( قوله : في المياه ) أي مع إمكان الطهارة من ماء متيقن الطهارة ( قوله : قرون من المسلمين ) في فتاوى السيوطي أن المراد بهم جماعات من المسلمين صلوا إلى هذا المحراب ولم ينقل عن أحد منهم أنه طعن فيه ، وليس المراد به ثلثمائة سنة ولا مائة ولا نصفها ( قوله : إن علم أن صاحبها يخبر عن غير اجتهاد ) ومن غير الاجتهاد أخذا مما قبله استناد إخباره إلى اتفاق أهل البلد على جهاتها وأوضاعها المعلوم منه جهة القبلة [ ص: 440 ] في الدار وإن كان مستندهم الاجتهاد ، فعلم أن هذا لا يختص بدور مكة فتنبه ( قوله : ويجوز له الاجتهاد في خربة إلخ ) هذا وما بعده محترزان لقوله فيما مر ولا اجتهاد في محاريب المسلمين ومحاريب جادتهم [ ص: 441 ] قوله : إلا أن يوافق عليها مسلم ) لا يخفى أن منه بل أولى ما إذا كان للمسلمين في ذلك قواعد مدونة كما هو الواقع وكان لا يستقل بفهمها فأوقفه على فهم معانيها كافر فليس ذلك من محل النزاع ( قوله : وعلم مما تقدم من عدم جواز الاجتهاد إلخ ) لا حاجة إليه ; لأنه نص المتن ، وعذره أنه تابع في هذه العبارة لشرح الروض ، لكن عبارة المتن هناك مغايرة لما هنا ( قوله : فلا يجوز للأعمى إلخ ) في حواشي التحفة للشهاب سم ما نصه : يؤخذ من جواز الأخذ بقول المخبر عن علم عند وجود الحائل المذكور : أي للمشقة حينئذ ، ومن قوله : أي الشهاب حج الآتي إن لم يكن فيه مشقة عرفا أن الأعمى [ ص: 442 ] إذا دخل المسجد الحرام أو مسجد محرابه معتمد وشق عليه لمس الكعبة في الأول أو المحراب في الثاني لامتلاء المحل بالناس أو لامتداد الصفوف للصلاة أو نحو ذلك سقط عنه وجوب اللمس وجاز له الأخذ بقول المخبر عن علم .

                                                                                                                            قال : وهذا ظاهر ، وفي ذلك مزيد في شرحنا لأبي شجاع انتهى ( قوله : مع القدرة على اليقين بالمس ) شمل ما لو كان المس يفيده اليقين في الجهة دون العين كما في محاريب بلدتنا رشيد المطعون فيها تيامنا وتياسرا لا جهة ، وهو مفهوم مما مر فليتنبه له ، وحينئذ فيجب على الأعمى لمس حوائطها ليستفيد اليقين في الجهة ثم يقلد في التيامن والتياسر هكذا ظهر فليحرر ( قوله : وأمكن الاجتهاد ) أي والصورة أنه عارف بالأدلة بالفعل بقرينة ما يأتي [ ص: 443 ] قوله : وبحران وراء ظهره ) لا حاجة إليه مع قبله ; لأن حران من أعمال الشام ، والحكم واحد




                                                                                                                            الخدمات العلمية