الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وخصال كفارة الظهار ) ثلاث ( عتق رقبة ) فصوم فإطعام كما يفيد سياقه الآتي ، وعلم من كلامه أن مثلها [ ص: 92 ] في الخصال الثلاث كفارة وقاع رمضان ، وفي الأوليين كفارة القتل ، وفي الأولى كفارة مخيرة أراد العتق عنها وإنما يجزئ عنها عتق رقبة ( مؤمنة ) ولو بتبعية لأصل أو دار أو ساب حملا للمطلق في آية الظهار على المقيد في آية القتل بجامع حرمة السبب ( بلا عيب يخل بالعمل والكسب ) إخلالا بينا ، إذ القصد تكميل حاله ليتفرغ لوظائف الأحرار ، وذلك متوقف على استقلاله بكفاية نفسه ، والكسب من عطف الرديف ولهذا حذفه في الروضة ، أو الأعم وهو ظاهر ، أو المغاير بأن يراد بالمخل بالعمل ما ينقص الذات وبالمخل بالكسب ما ينقص نحو العقل ( فيجزي صغير ) ولو عقب ولادته لرجاء كبره كبرء المرض بخلاف الهرم ، ويسن بالغ خروجا من خلاف إيجابه .

                                                                                                                            وفارق الغرة بأنها عوض وحق آدمي فاحتيط لها على أن المعتبر فيها الخيار إذ غرة الشيء خياره ، والصغير ليس منه ( وأقرع ) لا نبات برأسه لداء ( وأعرج يمكنه ) من غير مشقة لا تحتمل عادة كما هو ظاهر ( تباع مشي ) لقلة تأثيرهما في العمل بخلاف ما لا يمكنه ذلك وحكي عن خطه حذف الواو ليفيد إجزاء أحدهما بالأولى ( وأعور ) لذلك ، نعم إن ضعف نظر سليمته وأخل بالعمل إخلالا بينا لم يجزه ( وأصم ) وأخرس يفهم إشارة غيره وغيره [ ص: 93 ] إشارته بما يحتاج إليه ومن اقتصر على أحدهما اكتفى بتلازمهما غالبا ، ويشترط فيمن ولد أخرس إسلامه تبعا أو بإشارته المفهمة وإن لم يصل خلافا لمن اشترط صلاته وإلا لم يجز عتقه ( وأخشم ) أي فاقد الشم ( وفاقد أنفه وأذنيه وأصابع رجليه ) جميعا وأسنانه ومجبوب وعنين وقرناء ورتقاء ومجذوم وأبرص وضعيف بطش ومن لا يحسن صنعة وفاسق وولد زنا وأحمق ، وهو من يضع الشيء في غير محله مع علمه بقبحه ( لا زمن ) وجنين وإن انفصل لدون ستة أشهر من الإعتاق لأنه وإن أعطي حكم المعلوم لا يعطى حكم الحي لما يأتي في الغرة ( ولا فاقد رجل ) أو يد أو أشل أحدهما لإضرار ذلك بعمله إضرارا بينا ( أو ) فاقد ( خنصر وبنصر من يد ) لذلك ، بخلاف فقد أحدهما أو فقدهما من يدين ( أو ) فاقد ( أنملتين من غيرهما ) وهو الإبهام أو السبابة أو الوسطى ، وخصهما لأن فقدهما من خنصر أو بنصر لا يضر كما علم بالأولى مما قبله .

                                                                                                                            فعلم مساواة عبارته لقول أصله ، وفقد أنملتين من أصبع كفقدها خلافا لمن اعترضه ، لا يقال أصله يفهم ضرر فقدهما من كل من الخنصر والبنصر معا ، وعبارة المصنف لا تفهم ذلك بل خلافه لأنا نمنع ذلك بل تفهمه لأنه علم منه أن الأنملتين في تلك الثلاثة كالأصبع فقياسه أنهما فيهما كالأصبع أيضا ( قلت : أو أنملة إبهام ، والله أعلم ) لتعطل منفعتها حينئذ ، بخلاف أنملة من غيرها ولو العليا من أصابعه ، نعم الأوجه أن غير الإبهام لو فقد أنملته العليا ضر قطع أنملة منه لأنه حينئذ كالإبهام ( ولا هرم عاجز ) عن الكسب صفة كاشفة ، ويجوز كونه للاحتراز عما إذا كان يحسن مع الهرم صنعة تكفيه فيجزئ وهو ظاهر ، وقضيته أنه لو قدر نحو الأعمى على صنعة تكفيه أجزأ وليس كذلك كما هو ظاهر كلامهم ( ولا من أكثر وقته مجنون ) فيه تجوز بالإخبار بمجنون عن أكثر وقته والأصل ولا من هو في أكثر وقته مجنون وذلك لما مر ، بخلاف ما إذا لم يكن أكثر وقته كذلك بأن قل زمن جنونه عن زمن إفاقته أو استويا : أي [ ص: 94 ] الجنون والإفاقة في النهار وإلا لم يجز كما بحثه الأذرعي لأن غالب الكسب إنما يتيسر نهارا .

                                                                                                                            ويؤخذ منه أنه لو كان متيسرا ليلا أجزأ ، وأن من يبصر وقتا دون وقت كالمجنون في تفصيله المذكور وهو متجه ، وبقاء نحو خبل بعد الإفاقة يمنع العمل في حكم الجنون ، وإنما لم يل النكاح من استوى زمن جنونه وإفاقته لأنه يحتاج لطول نظر واختبار ليعرف الأكفاء ، ولا يتم له ذلك مع التساوي ، واحترز بالجنون عن الإغماء لأن زواله مرجو ، وبه صرح الماوردي لكن توقف غيره فيما لو اطردت العادة بتكرره في أكثر الأوقات ( و ) لا ( مريض لا يرجى ) عند العتق برء مرضه كفالج وسل ولا من قدم للقتل ، بخلاف من تحتم قتله في المحاربة : أي قبل الرفع للإمام ، أما إذا رجي برؤه فيجزئ وإن اتصل به الموت لجواز أن يكون لهجوم علة ، بل لو تحقق موته بذلك المرض أجزأ في الأصح .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وإنما يجزئ عنها ) خرج به عتق التطوع ، وما لو نذر إعتاق عبد فلا يشترط فيه ذلك فيصح ولو [ ص: 92 ] كان أعمى أو زمنا ( قوله : عتق رقبة مؤمنة ) أي فلا تجزى الكافرة ، وينبغي أخذا مما ذكر في المريض إذا شفي ، من الإجزاء أنه لو أعتق كافرا فتبين إسلامه الإجزاء ، ومثله أيضا ما لو أعتق عبد مورثه ظانا حياته فبان ميتا ( قوله لأصل أو دار ) ينبغي أنه لو نطق بالكفر بعد بلوغه تبعية تبين عدم إجزائه لبقائه على كفره ، بخلاف غيره فإنه لو نطق بالكفر فيهما بعد بلوغه يصير مرتدا ، فيجزئ لأنه كان وقت إعتاقه مسلما ( قوله : بجامع حرمة السبب ) أي في الجملة وإلا فقتل الخطأ الذي وردت فيه الآية لا إثم فيه ، وعبارة حج : بجامع عدم الإذن في السبب ( قوله : وذلك متوقف على استقلاله ) انظر لو أعتق أحد الملتصقين الذي لا يمكن فصله فهل يصح أو لا لأنه غير قادر على الاستقلال لأن الملتصق به قد لا يطاوعه على ذلك ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأنه له قدرة على الكسب في حد ذاته ، ومثل ذلك ما لو أعتقهما ، وهو ظاهر : أي لأن الكسب قد يحصل بلا عمل كالبيع والشراء .

                                                                                                                            ( قوله : فيجزئ صغير ) أي لأن الأصل السلامة من العيب . قال شيخنا الزيادي : فإن بان خلافه نقض الحكم : أي بأن يقال تبين عدم الإجزاء ولو مات صغيرا أجزأه لأن الأصل والغالب سلامة الأعضاء ( قوله : بخلاف الهرم ) أي كما يأتي للمصنف أي فلا يجزئ لا هنا ولا في الغرة وإن وقع للشارح ثم ما يخالفه ( قوله : خروجا من خلاف إيجابه ) أي القائل بإيجابه ( قوله : وفارق الغرة ) أي حيث لم يجز فيها الصغير ( قوله : على أن المعتبر فيها ) أي الغرة ( قوله : وأعور لذلك ) أي لقوله لقلة تأثيرهما في العمل . ( فرع ) قال م ر : يجزئ من يبصر نهارا ولا يبصر ليلا اكتفاء بإبصاره في وقت العمل ا هـ سم على منهج . وظاهره وإن كان عمله ليلا ، وهو ظاهر لأنهم لم يشترطوا لإجزاء العتيق عدم الإخلال بنوع بعينه وإن لم يحسن خلافه ، لكن قياس قول الشارح الآتي في المجنون ويؤخذ منه أنه لو كان متيسرا ليلا أجزأ أن من أبصر ليلا وتيسر عمله فيه أجزأ .

                                                                                                                            ( قوله : وأصم وأخرس ) أي فلو اجتمع الصمم والخرس هل يكفي أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب [ ص: 93 ] الأول لأن ذلك لا يخل بالعمل ، ثم رأيته صرح بذلك في حواشي شرح الروض ( قوله : ومجذوم ) أي بجذام لم يخل بالعمل ( قوله : لا زمن ) أي لا مبتلى بآفة تمنعه من العمل . وفي المختار : والزمانة آفة الحيوانات ، ورجل زمن : أي مبتلى بين الزمانة ، وقد زمن من باب سلم ، وعليه فالزمانة تشمل نحو العرج الشديد ( قوله : وجنين ) قال القفال : ولو انفصل بعضه لأنه لا يتصف بالسلامة إلا بعد كمال الانفصال ا هـ سم على منهج ( قوله : بخلاف فقد أحدهما ) أو فقدهما من يدين ا هـ حج ( قوله : أو فاقد أنملتين من غيرهما ) عبارة حج : من خنصر أو بنصر لا يضر كما علم إلخ ا هـ . وهي ظاهرة لأن مفادها أنه خص الأنملتين من غير الخنصر والبنصر بالذكر لأن فقدهما إلخ ( قوله : وخصهما ) أي الإبهام وما بعده ( قوله : لأن فقدهما ) أي الأنملتين ( قوله ولو العليا من أصابعه ) أي الجميع ما عدا الإبهام .

                                                                                                                            ( قوله : ويجوز كونه للاحتراز ) حمله على ظاهر بل متعين لأن الهرم بمجرده لا يستلزم العجز ، ففي المختار الهرم كبر السن . وقد هرم من باب طرب ا هـ وأنت خبير بأن مجرد كبر السن لا يستلزم العجز وإن كان غالبا ( قوله وذلك لما مر ) أي من إضراره بالعمل [ ص: 94 ] قوله وإنما لم يل النكاح ) المراد أنه لا تنتظر إفاقته لما ذكره ثم من أنه لو زوج في زمن الإفاقة صح وإن قلت جدا كيوم في سنة ( قوله في أكثر الأوقات ) والقياس عدم إجزائه ( قوله : قبل الرفع للإمام ) أي فلو رفع له وقتل فالأقرب أنه يتبين عدم إجزائه لتبين موته بالسبب السابق على الإعتاق .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وعلم من كلامه أن مثلها إلخ . ) انظر ما وجهه [ ص: 92 ] قوله : بجامع حرمة السبب ) هذا لا يتأتى في القتل الخطأ الذي وردت الآية فيه وعبارة التحفة : بجامع عدم الإذن في السبب [ ص: 93 ] قوله : ; لأن فقدهما مضر ) عبارة التحفة : لأن فقدهما من خنصر أو بنصر لا يضر كما علم إلخ . وهي الصواب ( قوله : نعم الأوجه أن غير الإبهام إلخ . ) لا حاجة إلى بحث هذا إذ الفقد في كلام المصنف أعم من أن يكون بقطع أو خلقيا ، وإنما يحتاج لهذا فيما يأتي في الجراح فيما لو جنى على أصبع غير الإبهام فقطع منها أنملة والحال أنه ليس لها إلا أنملتان ، ثم رأيت الشهاب سم سبق إلى بعض هذا . [ ص: 94 ] قوله : ولا من قدم للقتل ) أي وقتل كما هو ظاهر مما يأتي




                                                                                                                            الخدمات العلمية