الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولما كان قد يعرض اشتباه بين الماء الطهور وغيره ذكر المصنف كغيره حكم الاجتهاد فقال ( ولو ) ( اشتبه ) على [ ص: 88 ] شخص أهل للاجتهاد ولو صبيا مميزا فيما يظهر ( ماء طاهر ) أي طهور ( بنجس ) أي بماء نجس ، أو تراب طاهر بضده ، أو ماء أو تراب مستعمل بطهور ، أو شاته بشاة غيره أو ثوبه بثوب غيره أو طعامه بطعام غيره ، واقتصر على الماء ; لأن الكلام فيه ، وسكت عن الثياب ونحوها اكتفاء بما سيذكره في شروط الصلاة ( اجتهد ) أي بذل جهده في ذلك وإن قل عدد الطاهر كإناء من مائة ; لأن التطهر شرط من شروط الصلاة يمكن التوصل إليه بالاجتهاد فوجب عند الاشتباه كالقبلة لكل صلاة أرادها بعد حدثه وجوبا إن لم يقدر على طهور بيقين موسعا إن اتسع الوقت ومضيقا إن ضاق وجوازا إن قدر على طهور بيقين ، كأن كان على شط نهر أو بلغ الماءان المشتبهان قلتين بخلطهما بلا تغير ، إذ العدول إلى المظنون مع وجود المتيقن جائز ; لأن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يسمع [ ص: 89 ] من بعض مع قدرته على المتيقن ، وهو سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفارق القادر على اليقين في القبلة من وجوه أحسنها كما في المجموع أن القبلة في جهة واحدة فإذا قدر عليها كان طلبه لها في غيره عبثا بخلاف الماء الطهور فإنه في جهات كثيرة ، وما تقرر من وجوب الاجتهاد تارة وجوازه أخرى هو ما صرح به في المجموع .

                                                                                                                            وأما قول العلامة العراقي : إنه واجب مطلقا ووجود متيقن لا يمنع وجوبه : أي الاجتهاد ; لأن كلا من خصال المخير يصدق عليه أنه واجب ، فيرد بأن الفرق بين ما هنا وخصال الواجب المخير واضح ، وهو أنه خوطب لكل منها لزوما لكن على وجه البدل ، فصدق على كل أنه واجب .

                                                                                                                            وأما هنا فلم يخاطبه بتحصيل الطهور أو الطاهر إلا عند فقده بعد دخول الوقت .

                                                                                                                            وأما قبله أو مع وجود ذلك فليس بمخاطب بالتحصيل ، إذ لا معنى لوجوبه قبل الوقت ، ويمكن توجيه كلامه بأنه واجب عند إرادة استعمال أحد المشتبهين ، إذ استعمال أحدهما [ ص: 90 ] قبله غير جائز لبطلان طهارته فيكون متلبسا بعبادة فاسدة ، وحينئذ فلا تنافي بين من عبر بالجواز والوجوب ; لأن الجواز من حيث إن له الإعراض عنهما ، والوجوب من حيث قصده إرادة استعمال أحدهما . لا يقال لابس الخف الأفضل في حقه الغسل مع أن الواجب عليه أحد الأمرين فلم لم يقل به هنا ؟ لأنا نقول : لم يختلف هناك في جواز المسح مع القدرة على الغسل بخلافه هنا . والاجتهاد والتحري والتأخي : بذل المجهود في طلب المقصود ( وتطهر بما ظن طهارته ) بأمارة تدل على ذلك كاضطراب أو رشاش أو تغير أو قرب كلب .

                                                                                                                            وللاجتهاد شروط : أحدها بقاء المشتبهين إلى تمام الاجتهاد ، فلو انصب أحدهما أو تلف امتنع الاجتهاد ويتيمم ويصلي من غير إعادة وإن لم يرق ما بقي .

                                                                                                                            ثانيها أن يتأيد الاجتهاد بأصل الحل فلا يجتهد في ماء اشتبه ببول وإن كان يتوقع ظهور العلامة ، إذ لا أصل للبول في حل المطلوب وهو التطهير هنا .

                                                                                                                            ثالثا أن يكون للعلامة فيه مجال : أي مدخل كالأواني والثياب ، بخلاف اختلاط المحرم بنسوة كما سيذكره المصنف في النكاح ، وزاد بعضهم سعة الوقت ، فلو ضاق عن الاجتهاد تيمم وصلى والأوجه خلافه .

                                                                                                                            واشترط بعضهم أيضا أن يكون الإناءان لواحد ، فإن كانا [ ص: 91 ] لاثنين لكل واحد توضأ كل بإنائه كما لو علق كل من اثنين طلاق زوجته بكون ذا الطائر غرابا وغير غراب فإنه لا حنث على واحد منهما . والأوجه كما في الإحياء خلافه عملا بإطلاقهم كما أوضحته في شرح العباب ، واشتراط صاحب المعين أن يكون المتيقن طهارته مما لا يخشى منه ضرر كالمشمس مبني على مرجوج وهو جواز التيمم بحضرة المشمس فيكون وجوده كالعدم ، وشرط العمل بالاجتهاد ظهور العلامة فإن لم يظهر له شيء أراق الماءين أو أحدهما في الآخر ثم تيمم ( وقيل إن قدر على طاهر بيقين ) أي طهور آخر ( فلا ) أي فلا يجوز له الاجتهاد بل يستعمل المتيقن لقوله صلى الله عليه وسلم { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } كمن كان بمكة ولا حائل بينه وبين الكعبة ولكن كان في ظلمة ، أو كان أعمى أو حال بينه وبينها حائل حادث غير محتاج إليه ، وكما لو وجد الحاكم النص ، والأصح الجواز وحمل قائله الحديث على الاستحباب ( والأعمى كبصير في الأظهر ) لتمكنه من الوقوف [ ص: 92 ] على المقصود بالشم والذوق والسمع واللمس ، ويفارق ما سيأتي في القبلة بأن أدلتها بصرية بخلاف الأدلة هنا . نعم لو فقد الأعمى تلك الحواس امتنع عليه الاجتهاد كما قال الأذرعي : إنه يجب الجزم به وهو حسن ، والثاني لا يجتهد لفقد البصر الذي هو عمدة الاجتهاد بل يقلد ، وما تقرر من جواز الذوق هو ما قاله الجمهور ، منهم القاضي والماوردي والبغوي والخوارزمي ، وهو المعتمد ، وما نقله في المجموع عن صاحب البيان من منع الذوق لاحتمال النجاسة ممنوع ، إذ محل حرمة ذوقها عند تحققها ويحصل بذوقهما وهنا لم نتحققها ، فإن تحير الأعمى قلد بصيرا أو أعمى أقوى إدراكا منه فيما يظهر ، ولا يرد ذلك على المصنف ; لأن كلامه أنه كالبصير فيما مر ، فإن لم يجد من يقلده أو وجده فتحير تيمم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : حكم الاجتهاد ) لم يقل بين الماءين مع أنه الواقع هنا إشارة إلى أن الاجتهاد لا يختص بالماءين بل كما يكون فيهما يكون في غيرهما كالثياب والأواني والتراب ( قوله : ولو اشتبه إلخ ) في شرح العباب لو حصل له رشاش من أحد الإناءين لم ينجس ثوبه للشك ، كما لو أصابه بعض ثوب تنجس بعضه واشتبه وفارق بطلان الصلاة بلمس بعضه بأنه يشترط فيها ظن الطهارة وهو منتف هنا ، ولو اجتهد وظن نجاسة ما أصابه الرشاش منه فكذلك : أي لم ينجس على الأوجه ; لأن النجاسة لا تثبت بغلبة الظن ، وإنما امتنع استعمال ما غلب على ظنه نجاسته ; لأنه إن استعمله في حدث لم يمكن الجزم بالنية أو في خبث فهو محقق فلا يزول بمشكوك فيه إلخ ا هـ ابن قاسم على ابن حجر ، ثم تعقب قوله وهو منتف وأطال فيه [ ص: 88 ] فراجعه ، وظاهر كلام ابن حجر في شرح المنهاج الميل إلى تبين النجاسة بعد الاجتهاد . ونقل ابن قاسم على منهج عن م ر اعتماد عدم وجوب الغسل ا هـ ، وقد يتوقف فيه ; لأن الظن الناشئ عن الاجتهاد ينزل منزلة اليقين ، فالقياس وجوب الغسل ( قوله : ولو صبيا مميزا ) قال ابن حجر : وظاهر أنه لا يعتد فيها بالنسبة لنحو الملك باجتهاد غير المكلف ا هـ .

                                                                                                                            وقضيته أنه لا يشترط فيه الرشد فيصح الاجتهاد فيه من المحجور عليه بسفه ، وقد يمنع ; لأن السفيه ليس من أهل التملك فهو كالصبي ، وعليه فلو اجتهد مكلفان في ثوبين واتفقا في اجتهادهما على واحد فينبغي أنه إذا كان في يد أحدهما صدق صاحب اليد وإن لم يكن في يد واحد منهما وقف الأمر إلى اصطلاحهما على شيء ، وإن كان في أيديهما جعل مشتركا ، ثم إذا صدقنا صاحب اليد سلمت الثوب له وتبقى الأخرى تحت يده إلى أن يرجع الآخر ويصدقه في أنها له كمن أقر بشيء لمن ينكره . وعبارة شرح البهجة : فإن تنازع ذو اليد مع غيره قدم ذو اليد ا هـ .

                                                                                                                            وكتب عليه سم وظاهر أنه لو ظن أن ملكه هو ما في يد غيره وجب اجتناب ما عداه إلا بمسوغه ، وهل له حينئذ أخذ ما في يد غيره أو ما في يده على وجه الظفر به فيه نظر ا هـ .

                                                                                                                            أقول : الأقرب أنه يأخذ ما في يده ويتصرف فيه على وجه الظفر لمنعه من وصوله إلى حقه بظنه بسبب منع الثاني منه ، وقوله أيضا ولو صبيا : أي أو مجنونا أفاق وميز تمييزا قويا بحيث لم يبق فيه حدة تغير أخلاقه وتمنع من حسن تصرفه ( قوله : أي طهور ) إنما فسر بذلك لقوله وتطهر بما ظن طهارته ، ويأتي مثله في قوله : أي بماء نجس ( قوله : أو تراب طاهر ) أي طهور ( قوله : بضده ) أي وهو النجس أخذا من قوله أو تراب مستعمل بطهور ( قوله وإن قل عدد الطاهر ) أي حيث كان الاشتباه في محصور ( قوله : وجوبا ) معمول لقول المصنف اجتهد ( قوله : إذ العدول إلى المظنون ) علة لقول المصنف اجتهد ، [ ص: 89 ] وأولى منه كونه علة لقوله وجوازا إلخ ( قوله : وهو سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال ابن حجر بعد ما ذكر : ومع هذا المقتضي لشذوذ هذا الوجه لا يبعد ندب رعايته ، ثم رأيته مصرحا به انتهى بحروفه . لكنه إنما ذكره بعد قول المصنف وقيل إن قدر على طاهر إلخ ، وشمل هذا ما إذا بلغ الماءان المشتبهان قلتين بخلطهما بلا تغير ، إلا أنه تقدم في الماء المستعمل إذا بلغ قلتين وجه بعدم عود الطهورية نظرا إلى أن صفة الاستعمال باقية ولم تندفع بالكثرة وحينئذ لم ينف الخلاف بالخلط ، فهل الأولى مراعاة هذا فيترك الخلط ويصار إلى الاجتهاد أو لا ؟ كل محتمل ، والأقرب استحباب الخلط لزيادة ضعف القول ، بعدم عود الطهورية بعد بلوغ المستعمل قلتين .

                                                                                                                            ( قوله : عبثا ) قد يقال لم يطلب غير ما قدر عليه ; لأن الفرض الاشتباه ، وهو إنما طلب القبلة لا غيرها ، إلا أن يقال اجتهاده مع القدرة على اليقين في حكم طلب غيرها ، فإن عدوله عن المتيقن إلى الاجتهاد قد يؤدي إلى غير القبلة فكأنه طلبه ( قوله : إنه واجب مطلقا ) أي قدر على طاهر أم لا ( قوله : فيرد بأن الفرق بين ما هنا ) عبارة ابن حجر ليس في محله ; لأن ما هنا ليس كذلك ، إذ خصال المخير انحصرت بالنص وهي مقصودة لذاتها ، والاجتهاد وسيلة للعلم بالطاهر إلخ ا هـ رحمه الله . وكتب عليه سم قوله ليس إلخ بل هو والله في محله ا هـ .

                                                                                                                            أقول : ولعل وجهه أن الانحصار بالنص وكونه مقصودا مما لا دخل له في الوجوب ، بل سبب الوجوب أن كلا من خصال الكفارة يوجد فيه القدر المشترك وهو أحدها من حيث إنه أحدها والخروج من العهدة بواحد منها بعينه ، وكونه واجبا لا من حيث خصوصه بل من حيث وجود القدر المشترك فيه ، فأي دخل للانحصار والقصد في الوجوب حتى ينتفي الوجوب بانتفائهما ؟ ( قوله وهو أنه خوطب ) أي في خصال الواجب المخير ( قوله : بكل منها لزوما ) أي في ضمن القدر المشترك ، حتى إنه إذا فعل واحدا منها كان واجبا من حيث وجود القدر المشترك في ضمنه لا من حيث خصوصه ( قوله : وأما قبله ) أي دخول الوقت ( قوله أو مع وجود ذلك ) أي العقد ( قوله : إذ لا معنى لوجوبه ) أي ولا لتحصيل ما هو حاصل معه ( قوله : ويمكن توجيه كلامه إلخ ) تصويره بما ذكر ينافي ما أراده الولي العراقي من أنه واجب مخير ، [ ص: 90 ] إذ المخير هو القدر المشترك ، والشارح جعل الواجب هنا الاجتهاد عبثا ، إلا أن يقال مراده أن الواجب عند إرادة الاستعمال أحد الأمرين من الاجتهاد والعدول إلى الطاهر المتيقن ، لكن هذا خلاف الظاهر ، ويلزمه أن يكون العدول إلى الطاهر من الواجب أيضا ، ولا مانع منه ; لأنه مخاطب بتحصيل سبب الطهارة وهذا منها ( قوله : من حيث إن له الإعراض عنهما ) أي فهو مخير بين استعمال المتيقن والعدول إلى غيره على السواء ، وبهذا يظهر قوله الآتي لا يقال لابس الخف إلخ ( قوله مع أن الواجب عليه أحد الأمرين ) أي على معنى أنه يمتنع عليه العدول عنهما لا أنهما من قبيل الواجب المخير ; لأن شرط الواجب المخير : أن لا يكون بين أمرين ، أحدهما رخصة ومسح الخف هنا رخصة ، فليس التخيير بين الغسل والمسح من الواجب المخير ، ولا التخيير بين الاستنجاء بالماء والحجر من الواجب المخير . ( قوله : بخلافه هنا ) يرد عليه أن الخلاف الذي هنا إنما هو في جواز الاجتهاد حيث قدر على طاهر بيقين كما ذكره المصنف في قوله : وقيل إن قدر إلخ ، أما بالنظر لأفضلية استعمال متيقن الطهارة فلا خلاف فيه كما يفيده قول ابن حجر ، وهو مع شذوذ هذا الوجه لا يبعد رعايته ا هـ .

                                                                                                                            وحينئذ لا يتم للشارح ما ذكره من الفرق ( قوله في طلب المقصود ) هذا تعريف له لغة . وأما اصطلاحا فهو عند الفقهاء بذل الوسع في طلب حكم شرعي ( قوله : وتطهر بما ظن طهارته ) باجتهاده ، وسيأتي أنهم أعرضوا في هذا الباب عن أصل طهارة الماء ، فيؤخذ منه أن ما ظن طهارته باجتهاده لا يجوز لغيره استعماله إلا إن اجتهد فيه بشرطه وظن ذلك أيضا ، وظاهر أن للمجتهد تطهير نحو حليلته المجنونة أو غير المميزة للطواف به أيضا ا هـ ابن حجر رحمه الله ( قوله : فلو انصب أحدهما ) أي بتمامه ( قوله : بأصل الحل ) عبر به ولم يقل له أصل في التطهير ; لأن الاجتهاد ليس وسيلة للطهارة فقط ، بل هو كما يكون وسيلة لما يكون وسيلة لغيرها كالملك ( قوله : وهو التطهير هنا ) قضيته أنه لو أراد الاجتهاد فيهما ليشرب الماء جاز له وليس مرادا ، وعبارة ابن حجر : قيل له الاجتهاد هنا لشرب ماء يظن طهارته ، وهو غفلة عما يأتي في نحو خل وخمر ولبن أتان ومأكول ( قوله والأوجه خلافه ) أي فيجتهد وإن أدى اجتهاده إلى خروج الوقت [ ص: 91 ] قوله : والأوجه كما في الإحياء خلافه ) أي فليس لأحدهما أن يتوضأ من إنائه إلا بعد الاجتهاد ( قوله : فيكون وجوده ) أي وجود المشمس كالعدم . ويؤخذ منه أنه لو اشتبه عليه مذكاة بمسمومة لم يجتهد ; لأنه يجب عليه العدول عنهما إلى غيرهما لتحقق الضرر ، لكن في شرح البهجة لشيخ الإسلام جواز الاجتهاد فيما ذكر فليراجع ( قوله : ظهور العلامة ) أي فهو شرط للعمل لا لأصل الاجتهاد خلافا لمن عده من شروطه ( قوله : أو أحدهما في الآخر ) أي أو بعضه ( قوله : دع ما يريبك ) بفتح الياء ويجوز ضمها فيهما ا هـنووي في شرح الأربعين .

                                                                                                                            وقضيته تساوي الصيغتين في المعنى ، ولكن عبارة المصباح الريب الظن والشك ، ورابني الشيء يريبني : إذا جعلك شاكا قال أبو زيد : رابني من فلان أمر يريبني ريبا : إذا استيقنت منه الريبة ، فإذا أسأت به الظن ولم تستيقن منه الريبة قلت : أرابني منه أمر هو فيه إرابة ، وأراب فلان إرابة فهو مريب : إذا بلغك عنه شيء أو توهمته ، وفي لغة هذيل : أرابني بالألف فربت أنا وارتبت : إذا شككت فأنا مرتاب وزيد مرتاب منه ، فالصلة فارقة بين الفاعل والمفعول ، والاسم الريبة وجمعها ريب مثل سدرة وسدر ا هـ .

                                                                                                                            ومنه يعلم أنهما ليسا مترادفين وإنما اشتركا في أصل المعنى لا في حقيقته ( قوله : والأعمى كبصير ) لو اجتهد فأداه اجتهاده إلى طهارة أحد الإناءين لظهور علامة له فأخبره بصير بخلافه ، فهل يقلده ; لأنه أقوى إدراكا منه لتمييزه بالبصر الذي هو العمدة في الاجتهاد أو لا أخذا بإطلاق قولهم المجتهد لا يقلد مجتهدا فيه نظر ، والأقرب الأول كما لو أخبره اثنان مختلفان في إناءين وعين كل منهما نجاسة واحد ، فإنه يؤخذ بخبر الأوثق كما يأتي " فإن استويا فالأكثر عددا ، لكن ظاهر كلامهم الثاني ، ويوجه بأن الشخص لا يرجع إلى قول غيره إذا خالف ظنه ، فأولى أن لا يرجع إلى ما يخبر عنه مستندا للأمارة [ ص: 92 ] بمجردها ، ومع ذلك فالأقرب معنى الأول ، لكن مجرد ظهور المعنى لا يقتضي العدول عما اقتضاه إطلاقهم فالواجب اعتماده ، وكم من موضح رجح فيه ما غيره أوجه منه معنى فيكون الراجح الثاني ( قوله : والخوارزمي ) في معجم البكري : خوارزم بضم أوله وبالراء المهملة المكسورة والزاي المعجمة بعدها ميم ، قال الجرجاني : معنى خوارزم هين حربها ; لأنها في سهلة لا جبل بها ا هـ بحروفه رحمه الله ( قوله : ويحصل بذوقهما ) أي التحقق : أي ولم نأمره به فإنه إذا ذاق أحدهما لا يجوز له ذوق الآخر ، ويصرح بذلك قول سم في حاشية شرح المنهج فلو ذاق أحدهما فهل له ذوق الآخر ، اعتمد الطبلاوي أن له ذلك ، ويؤيده أنه عند ذوق كل يحتمل أنه الطاهر واعتمد م ر المنع ا هـ .

                                                                                                                            أقول : فلو خالف وذاق الثاني وظهر له أنه الطاهر عمل به ، وإن لم يظهر له فهو متحير فيتيمم بعد تلف لهما أو لأحدهما ، ويجب غسل فمه لتحقق نجاسته ، إما من الأول أو من الثاني ، لكن بتقدير كون النجاسة من الأول يطهر بما استعمله من الثاني إن ورد موارد الأول ، وبتقدير كونها من الثاني فهو باق على نجاسته فقد تحققنا نجاسة فمه وشككنا في مزيلها والأصل عدمه ، فلا تصح صلاته قبل غسل فمه ، ولو تطاير منه شيء على ثوب لم يحكم بنجاسته ; لأن الأصل بقاؤه على الطهارة ونحن لا ننجس بالشك ، وهذا نظير ما لو علمنا نجاسة فم الهرة ثم غابت زمنا يمكن طهر فمها فيه بولوغها في ماء كثير ثم وضعت فمها في ماء قليل أو مائع فلا يحكم بنجاسته مع الحكم ببقاء فمها على النجاسة ، فلو اجتهد بعد ذلك وأداه اجتهاده إلى نجاسته حكم بذلك ( قوله : فيما يظهر ) أي فلو لم يفعل ذلك وأتلف الماءين وتيمم فهل تجب الإعادة لتقصيره بإتلافه مع قدرته على التقليد أو لا ; لأنه لم يكن معه ماء حال التيمم فيه نظر وقياس ما في التيمم الثاني .

                                                                                                                            ( قوله : ولا يرد ذلك ) أي تقليد الأعمى لغيره ، وقوله على المصنف في قوله والأعمى كبصير إلخ ، وقوله فيما مر : أي من أنه إذا اشتبه عليه الطاهر بغيره اجتهد ، ولا يلزم منه أنه إذا تحير لا يقلد غيره ( قوله : فإن لم يجد من يقلده ) أي في موضع يجب عليه السعي للجمعة لو أقيمت فيه ، وعبارة حج : ويظهر ضبط فقد المقلد بأن يجد مشقة في الذهاب إليه كمشقة الذهاب إلى الجمعة ، فإن كان بمحل يلزمه قصده لها لو أقيمت فيه لزمه قصده لسؤاله هنا وإلا فلا ا هـ بحروفه رحمه الله ( قوله : فتحير تيمم ) أي بعد تلف الماء ، وحينئذ فلا إعادة عليه كما يعلم مما يأتي ، وهل له إتلاف الماء قبل اجتهاد من وجده أم لا فيه نظر ، والأقرب الثاني ; لأن من وجده بسبيل من أن يظهر له الطاهر ، ومع ذلك لو خالف وفعل لا إعادة عليه وإن أثم بذلك



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 88 ] قوله : أي طهور ) أي لقول المصنف الآتي وتطهر بما ظن طهارته ( قوله : أي بماء نجس ) أي ليخرج نحو البول الذي يشمله تعبير المصنف ( قوله : وتراب طاهر ) إن أراد الطاهر بالمعنى الشامل للمستعمل فلك أن تقول : ما فائدة الاجتهاد بين المستعمل والنجس من التراب ، وإن أراد به الطهور فلا حاجة إلى قوله بعد أو تراب مستعمل بطهور ، ; لأن كلا من المستعمل والنجس ضد للطهور ( قوله : واقتصر على الماء ) أي ولم يذكر معه التراب مع اشتراكه معه في الطهورية فليس مكررا مع قوله وسكت عن الثياب إلخ ( قوله : ; لأن التطهير شرط إلخ ) تعليل لخصوص ما في المتن مع قطع النظر عن المسائل التي زادها هو ( قوله : فوجب عند الاشتباه ) إطلاق الوجوب هنا ينافيه ما يأتي عقبه من الجواز ( قوله : وجوبا ) إن كان معمولا لوجب لزم عليه تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره ، ; لأنه قسم الوجوب إلى وجوب وجواز كما سيأتي ، وأوهم أنه لا يجب ولا يجوز الاجتهاد إلا في الوقت ، وإن كان معمولا لقول المصنف اجتهد لزم عليه الثاني .

                                                                                                                            وعبارة العباب : الاجتهاد في الماء واجب إن اشتبه مطلق بمستعمل أو بمتنجس [ ص: 89 ] إذا دخل الوقت ولم يجد غيرهما ، وتضيق إن ضاق وإلا فجائز انتهت ( قوله : وأما قول العلامة العراقي إنه واجب مطلقا ) أي سواء أوجد متيقن الطهارة أو لا بدليل قوله ووجود متيقن لا يمنع وجوبه : أي والصورة أنه بعد دخول الوقت ، وإلا فالعراقي لا يسعه القول بالوجوب قبل دخول الوقت ، وإن فهم عن الشارح أنه أراد ذلك بقوله مطلقا حتى رتب عليه ما يأتي .

                                                                                                                            إذا علمت ذلك فلا محيد عما قاله العراقي ، وما قاله الشارح لا يلاقيه على ما فيه من المؤاخذات المعلومة لمن تأمله فلا نطيل ببيانها ( قوله : مخاطب بكل منها لزوما ) فيه أن المخاطب به في الكفارة المخيرة إنما هو القدر المشترك الحاصل في فرد ما لا كل فرد وفي حاشية شيخنا الجواب عنه بما لا يشفي ( قوله : وأما هنا ) [ ص: 90 ] أي في باب الاجتهاد لا بالنظر لخصوص مسألة المتن بدليل قوله بعد أو الطاهر ( قوله : ويتيمم ويصلي من غير إعادة إلخ ) فيه أن الكلام هنا أعم من أن يكون هناك طاهر بيقين أو لا ، ومن أن يكون بمحل يغلب فيه وجود الماء أو لا ، فلا يصح إطلاق عدم وجوب الإعادة هنا وفيما يأتي ( قوله : وزاد بعضهم سعة الوقت إلخ ) لا يخفى أن هذا شرط لجواز الاجتهاد لا لصحته ( قوله : ، والأوجه خلافه ) قد يشكل فيما إذا خرج الوقت ولم يظهر له [ ص: 91 ] الطاهر ( قوله : أن يكون المتيقن طهارته ) لعل مراده بالمتيقن طهارته ما تظهر له طهارته بالاجتهاد ، وذلك بأن يكون كل من الماءين متشمسا ، فإن ما يظهر له طهارته منهما يمتنع عليه استعماله من جهة التشميس على رأيه فلا فائدة للاجتهاد ، ولا يصح تصوره بغير ذلك كما يظهر بالتأمل ; لأنه إن أراد بالمتيقن الطهارة ماء ثالثا متيقن الطهارة فظاهر أنه لا دخل لتشميسه أو عدمه في صحة الاجتهاد في الماءين المشتبهين ، وإن أراد بالمتيقن الطهارة أحد الماءين المشتبهين فإن أراد قبل الاجتهاد فلا متيقن طهارة منهما حينئذ ، وإن أراد بعد الاجتهاد وأراد بالتيقن الظن أي المظنون الطهارة بالاجتهاد ينافيه أنه جعل ذلك شرطا في صحة الاجتهاد والشرط مقدم على المشروط ، وليس من اللازم أن تظهر طهارة المشمس .

                                                                                                                            ويمكن أن يلتزم هذا الأخير بتقدير في كلامه كأن يقال : وشرط العمل بالاجتهاد فتأمل ( قوله : مبني على مرجوح ) راجع للتمثيل فقط كما هو ظاهر من كلامه . [ ص: 92 ]

                                                                                                                            ( قوله : ويحصل بذوقهما ) الضمير في يحصل للتحقق وكان حق العبارة ، وهو إنما يحصل بذوقهما .




                                                                                                                            الخدمات العلمية