الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومنزل بدوية ) بفتح الدال نسبة لسكان البادية وهو من شاذ النسب كما قاله سيبويه ( وبيتها من ) نحو ( شعر ) كصوف ( كمنزل حضرية ) في لزوم ملازمته في العدة ، ولو ارتحل في أثنائها كل الحي ارتحلت معهم للضرورة أو بعضهم وفي المقيمين قوة ومنعة امتنع ارتحالها وإن ارتحل أهلها وفي الباقين قوة ومنعة خيرت بين الإقامة والارتحال لأن مفارقة الأهل عسرة موحشة ، وهذا مما تخالف فيه البدوية الحضرية فإن أهلها لو ارتحلوا لم ترتحل معهم مع أن التعليل يقتضي عدم الفرق ، وقول البلقيني : محل التخيير في المتوفى [ ص: 160 ] عنها زوجها والبائن بالطلاق ، أما الرجعية فلمطلقها طلب إقامتها إذا كان في المقيمين كما هو ظاهر نص الأم ، وفيه توقف لتقصيره بترك الرجعة مبني على أن له أن يسكن الرجعية حيث شاء ، والمشهور أنها كغيرها كما مر وحينئذ فليس له منعها ، ولها في حالة ارتحالها معهم الإقامة متخلفة دونهم في نحو قرية في الطريق لتعتد فإنه أليق بحال المعتدة من سيرها ، وإن هرب أهلها خوفا من عدو وأمنت امتنع عليها الهرب لعودهم بعد أمنهم ومقتضى إلحاق البدوية بالحضرية مجيء ما مر فيها من أنه لو أذن لها في الانتقال من بيت في الحلة إلى آخر منها فخرجت منه ولم تصل إلى الآخر هل يجب عليها المضي أو الرجوع ، أو أذن لها في الانتقال من تلك الحلة إلى حلة أخرى فوجد سبب العدة من موت أو طلاق بين الحلتين أو بعد خروجها من منزله وقبل مفارقة حلتها فهل تمضي أو ترجع على التفصيل السابق في الحضرية ، وسكت في الروضة كأصلها عن جميع ذلك ، ولو طلقها ملاح سفينة أو مات وكان مسكنها السفينة اعتدت فيها إن انفردت عن مطلقها بمسكن بمرافقه فيها لاتساعها مع اشتمالها على بيوت متميزة المرافق لأن ذلك كبيت من خان وإن لم تنفرد بذلك ، فإن صحبها محرم لها يمكنه أن يقوم بتسيير السفينة أخرج الزوج منها واعتدت هي فيها .

                                                                                                                            وإن لم تجد محرما متصفا بذلك خرجت إلى أقرب القرى إلى الشط واعتدت فيه ، فإن تعذر خروجها تسترت وتنحت عنه بحسب الإمكان ( وإذا ) ( كان المسكن ) ملكا ( له ويليق بها ) بأن يسكن مثلها في مثله ( تعين ) استدامتها فيه وليس لأحد إخراجها منه بغير عذر مما مر ، نعم لو رهنه على دين قبل ذلك ثم حل الدين بعد طلاقها وتعين بيعه في وفائه جاز ونقلت إن لم يرض المشتري بإقامتها فيه بأجرة مثله كما بحثه الأذرعي ، وأما غير اللائق بها فلا يكلفه كالزوجة خلافا لمن فرق ، وفي كلام المصنف إشارة إلى اعتبار اللائق بها في المسكن لا به كما في حال الزوجية ، وقول الماوردي يراعي حال الزوجة لا حال الزوج معترض فقد قال الأذرعي لا أعرف التفرقة لغيره ( ولا يصح بيعه ) ما لم تنقض عدتها حيث كانت بأقراء أو حمل لأن المنفعة مستحقة وآخر المدة غير معلوم ( إلا في عدة ذات أشهر فكمستأجر ) بفتح الجيم فيصح في الأظهر .

                                                                                                                            ( وقيل ) بيع مسكنها ( باطل ) أي قطعا ، وفرق بأن المستأجر يملك المنفعة والمعتدة لا تملكها فيصير كأن المطلق باعه واستثنى منفعته لنفسه مدة معلومة وذلك باطل ، ومحل الخلاف حيث لم تكن المعتدة هي المستأجرة وإلا صح جزما ( أو ) كان ( مستعارا [ ص: 161 ] لزمتها ) العدة ( فيه ) لأن السكنى ثابتة في المستعار كالمملوك فشملتها الآية ، وليس للزوج نقلها لتعلق حقه تعالى بذلك ( فإن رجع المعير ) فيه ( ولم يرض بأجرة ) لمثل مسكنها بأن طلب أكثر منها أو امتنع من إجارته ( نقلت ) إلى أقرب ما يوجد ، وأفهم كلامه امتناع النقل مع رضاه بأجرة المثل فيجبر الزوج على بذلها كما نقلاه عن المتولي وأقراه وإن توقف فيه الأذرعي فيما لو قدر على مسكن مجانا بعارية أو وصية أو نحوهما ، وخروج المعير عن أهلية التبرع بجنون وسفه أو زوال استحقاق كرجوعه .

                                                                                                                            قال في المطلب : ولم يفرقوا بين كون الإعارة قبل وجوب العدة أو بعدها ، فإن كان بعدها وعلم بالحال لزمت لحق الله تعالى كما تلزم في نحو دفن ميت .

                                                                                                                            وفرق الروياني بين لزومها في نحو الإعارة للبناء وعدمها هنا بأنه لا مشقة ولا ضرورة في انتقالها هنا لو رجع بخلاف نحو الهدم ثم فيقال بمثله هنا .

                                                                                                                            والحاصل حينئذ جواز رجوع المعير المعتدة مطلقا وإنما تكون لازمة من جهة المستعير كما تقرر في باب العارية ، فدعوى تصريحهم بما قاله في المطلب خلط ، والأوجه أن المعير الراجع لو رضي بسكناها إعارة بعد انتقالها لمعار أو مستأجر لم يلزمها العود للأول لأنها غير آمنة من رجوعه بعد ( وكذا مستأجر انقضت مدته ) فلتنتقل منه حيث لم يرض مالكه بتجديد إجارة بأجرة مثل ، بخلاف ما إذا رضي بذلك فلا تنتقل ، وفي معنى المستأجر الموصى له بالسكنى مدة وانقضت ( أو ) لزمتها العدة وهي بمسكن مستحق ( لها استمرت ) فيه وجوبا إن تطلب النقلة لغيره وإلا فجوازا ( و ) إذا اختارت الإقامة فيه ( طلبت الأجرة ) منه أو من تركته إن شاءت لأن السكنى عليه ، فإن مضت مدة قبل طلبها سقطت كما لو سكن معها في منزلها بإذنها وهي في عصمته على النص ، وبه أفتى ابن الصلاح .

                                                                                                                            ووجهه بأن الإذن المطلق عن ذكر العوض ينزل على الإعارة والإباحة : [ ص: 162 ] أي مع كونه تابعا لها في السكنى ، ولا بد من اعتبار كونها مطلقة التصرف ، ومن ثم بحث بعض الشراح أن محله إن لم تتميز أمتعته بمحل منها وإلا لزمته أجرته فلم تصرح له بالإباحة ، لكن ظاهر كلامهم يخالفه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وهو من شاذ النسب ) أي إذ القياس بادية بتشديد الياء ( قوله : ومنعة ) عطف تفسير على " قوة ومنعة " بفتحتين وقد تسكن مختار ( قوله : فإن أهلها ) أي الحضرية وقوله لو ارتحلوا لعل المراد من قوله لو ارتحلوا أنه ارتحل بعضهم وفي الباقين قوة ، وإلا فينبغي جواز الارتحال [ ص: 160 ] لها إذا ارتحل الجميع ( قوله : والمشهور أنها كغيرها ) معتمد ( قوله : ولها ) أي البدوية ( قوله السابق في الحضرية ) ويستفاد منه أنه لا فرق بين تقارب الحلل جدا أو تباعدها وأن المدار على وصولها إلى حد تقصر فيه الصلاة لو قصدت مسافة القصر ( قوله : أخرج الزوج ) أي وهل تستحق الأجرة على تسيير السفينة أو لا ؟ فيه نظر والأقرب الأول ( قوله : كالزوجة ) أي أخذا من كلام المصنف الآتي ( قوله قال الأذرعي إلخ ) معتمد ( قوله لا أعرف التفرقة ) أي بين حال الزوجية وغيرها في اعتبار حالها .

                                                                                                                            ( قوله : فيصح في الأظهر ) أي لأن المدة معلومة ، وعليه فلو حاضت بعد البيع هل يتبين بطلانه لصيرورتها من ذوات الأقراء أو لا ، ويتخير المشتري لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء فيه نظر ، والأقرب الثاني : ثم رأيت حج صرح بذلك وعبارته : [ ص: 161 ] فإن حاضت في أثنائها وانتقلت إلى الأقراء لم تنفسخ فيخير المشتري ( قوله : بأن طلب أكثر منها ) أي وإن قل ( قوله بعارية أو وصية ) ويفرق بين هذا وبين ما لو وجد الزوج متبرعة بإرضاع ولده وطلبت الأم أجرة حيث أجيب الزوج بأن المدار في الرضاع على القيام بأمر الولد وقد حصل من غير أمه ، والمدار هنا على صيانة ماء الزوج مع مراعاة حق الله تعالى في الأم بملازمة المسكن ( قوله : أو زوال استحقاق ) ومثله ما لو كان المسكن يستحقه الزوج لكونه موقوفا عليه أو مشروطا لنحو الإمام وكان إماما ( قوله والحاصل حينئذ ) معتمد ( قوله : مطلقا ) أي قبل أو بعد .

                                                                                                                            ( قوله : كما لو سكن معها في منزلها ) أي وحدها فإنه لا أجرة عليه ، ومثل منزلها منزل أهلها بإذنهم ، ولا [ ص: 162 ] يكفي السكوت منها ولا منهم فتلزمهم الأجرة حينئذ كما لو نزل سفينة وسيرها مالكها وهو ساكت فتلزمه أجرة المركب لأنه استوفى المنفعة ، وبه صرح الدميري في منظومته حيث قال :

                                                                                                                            أما إذا أقام وهي ساكته فأجرة النصف عليه ثابته في موضع شارك فيه المالكة
                                                                                                                            وأجرة العاري على المشاركة كحجرة مفتاحها به انفرد
                                                                                                                            ففيه أجرة عليه لا ترد

                                                                                                                            ( قوله : لكن ظاهر كلامهم يخالفه ) تميزت أمتعته أم لا على المعتمد



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : نسبة لسكان البادية ) عبارة الدميري : نسبة لساكن البادية [ ص: 160 ] قوله : إذا كان في المقيمين ) الضمير في كان للزوج ( قوله : ملكا ) إنما قيد المتن به لأنه فرض كلامه كما يعلم مما يأتي فيه ، وإلا فالمراد كونه مستحقا له ، ومن ثم عبر به في التحفة نظرا إلى أنه المراد ، وإن كان خلاف الظاهر من المتن ( قوله : بأجرة مثلها ) عبارة القوت بأجرة المثل ( قوله : ومحل الخلاف حيث لم تكن المعتدة إلخ . ) انظر ما معناه هنا والكلام في صحة بيعه وعدمها مع تعلق حق المعتدة به كالمستأجر فتأمل ( قوله : وإلا صح جزما ) أي ولا يأتي فيه الخلاف [ ص: 161 ] المذكور هنا ، وإلا ففيه أصل الخلاف في بيع المستأجر ( قوله : قال في المطلب إلخ . ) عبارة الأذرعي : قطعوا بجواز الرجوع في العارية ولم يفرقوا بين كون العارية قبل العدة أو بعدها ، وعلم المعير بالحال .

                                                                                                                            قال ابن الرفعة : ويجوز أن يقال إذا أعار بعد وجوب العدة وعلمه بالحال أنها تلزم لما في الرجوع من إبطال حق الله تعالى في ملازمة المسكن كما تلزم العارية في دفن الميت وغيره والإعارة للرهن ، وتعرض في البحر لذلك فقال : إن قيل : العارية تلزم إذا أعار للبناء أو لوضع الجذوع فهلا قيل : كذلك .

                                                                                                                            وأجاب بأنه لا مشقة ولا ضرر في انتقال المعتدة وفي نقل البناء والجذوع إفساد وهدم وضرر . ا هـ . انتهت عبارة الأذرعي ؟ وبها تعلم ما في كلام الشارح من المؤاخذات ، فإنه نقل عن ابن الرفعة الجزم بلزوم العارية مع أن الذي في كلامه مجرد تجويز ، وأوهم أن كلام الروياني مبني على صحيح مع أنه مبني على الضعيف القائل بلزوم العارية للبناء ونحوه ( قوله : فيقال بمثله هنا ) أي فيقال بمثل ما فرق به الروياني بين ما هنا والإعارة للبناء ونحوه في قياس ابن الرفعة ما هنا على الإعارة لدفن الميت والرهن ، وبهذا يندفع [ ص: 162 ] ما في حواشي الفقه لسم ( قوله : أي مع كونه تابعا إلخ . ) هذا ليس قيدا في عدم وجوب الأجرة وكأنه إنما قيد به لبيان الواقع ، وإلا فمتى وجد الإذن فلا أجرة مطلقا كما يعلم مما قدمه في باب الإجارة




                                                                                                                            الخدمات العلمية