الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( قال ) حر مكلف مختار ( رشيد ) أو سفيه لآخر وإنما قيد بالرشيد لقوله بعد ذلك ولو قطع فعفا ; إذ عفو غير الرشيد لاغ ( اقطعني ففعل فهدر ) لا قود فيه ولا دية كما لو قال اقتلني أو أتلف مالي ، نعم تجب الكفارة وإذن القن يسقط القود دون المال ، وإذن غير المكلف والمكره لا يسقط شيئا ( فإن سرى ) القطع إلى النفس ( أو قال ) ابتداء ( اقتلني ) فقتله ( فهدر ) كما ذكر للإذن ، ولأن الأصح ثبوت الدية للمورث ابتداء : أي لأنها بدل عن القود المبدل عن نفسه ، نعم تجب الكفارة ويعزر ( وفي قول تجب دية ) بناء على المرجوح أنها تجب للورثة ابتداء ( ولو قطع ) بضم أوله أي عضوه وضبطه بفتحه أيضا ( فعفا ) أي أتى بلفظ يقتضي الترك بدليل قوله بعد أو جرى لفظ عفو ( عن قوده وأرشه فإن لم يسر ) القطع ( فلا شيء ) من قود ودية لإسقاط المستحق حقه بعد ثبوته ( وإن سرى ) إلى النفس ( فلا قصاص ) في نفس وطرف لتولد السراية من معفو عنه ، وخرج بقوله : قطع ما لا يوجب قودا كجائفة ، وقد عفا المجني عليه عن القود فيها [ ص: 312 ] ثم سرت الجناية لنفسه فلوليه القصاص في النفس لصدور عفوه عن قود غير ثابت فلم يؤثر عفوه .

                                                                                                                            وبقوله عن قوده وأرشه ما لو قال عفوت عن هذه الجناية ولم يزد فإنه عفو عن القود لا الأرش كما في الأم : أي فله أن يعفو عقبه عليه لا أنه يجب بلا اختياره الفوري كما هو ظاهر أخذا مما مر فيما لو أطلق العفو ( وأما أرش العضو فإن جرى ) في صيغة العفو عنه ( لفظ وصية ك أوصيت له بأرش هذه الجناية فوصية لقاتل ) وهي صحيحة على الأصح ، ثم إن خرج الأرش من الثلث أو أجاز الوارث سقط وإلا نفذت منه في قدر الثلث ( أو ) جرى ( لفظ إبراء أو إسقاط أو عفو سقط ) قطعا إن خرج من الثلث أو أجاز الوارث وإلا فبقدره ; لأنه إسقاط ناجز ، والوصية متعلقة بحالة الموت ، ولعلهم إنما سامحوا في صحة الإبراء هنا عن العضو ومع الجهل بواجبه حال الإبراء ; لأن واجب الجناية المستقر إنما يتبين بالموت الواقع بعد وحينئذ فهو في مقابلة النفس دون العضو ولأن جنس الدية سومح فيه بصحة الإبراء منها مع أنواع من الجهل فيها كما علم مما مر في الصلح وغيره ومما يأتي فيها ( وقيل ) هو ( وصية ) لاعتباره من الثلث اتفاقا فيجرى فيها خلاف الوصية للقاتل ، ويرد بأن الوصية له إنما تتحقق فيما لو علق بالموت دون التبرع [ ص: 313 ] الناجز وإن كان في مرض الموت ، هذا كله في أرش العضو لا ما زاد عليه كما قال .

                                                                                                                            ( وتجب الزيادة عليه ) أي على أرش العضو ( إلى تمام الدية ) للسراية وإن تعرض في عفوه لما يحدث ; لأنه إسقاط للشيء قبل ثبوته وهو باطل ( وفي قول إن تعرض في عفوه ) عن الجناية ( لما يحدث منها سقطت الزيادة ) بناء على المرجوح وهو صحة الإبراء عما لم يجب إذا جرى سبب وجوبه وهذا في غير لفظ الوصية ، فإن عفا عما يحدث منها بلفظها ك أوصيت له بأرش هذه الجناية وما يحدث منها فهي وصية بجميع الدية للقاتل ، وفيها ما مر ، ولو ساوى الأرش الدية صح العفو عنه ولم يجب للسراية شيء ، ففي قطع اليدين لو عفا عن أرش الجناية ، وما يحدث منها سقطت الدية بكمالها إن وفى الثلث بها وإن لم نصحح الإبراء عما يحدث ; لأن أرش اليدين دية كاملة فلا يزاد بالسراية شيء ، وبذلك علم أنه لو عفا عن القاتل على الدية بعد قطع يده لم يأخذ إلا نصفها أو بعد قطع يده لم يأخذ شيئا إن ساواه فيها ، وإلا وجب التفاوت كما مر ( فلو ) ( سرى ) قطع ما عفا عن قوده وأرشه ( إلى عضو آخر واندمل ) كأن قطع أصبعا فتأكل كفه واندمل الجرح الساري إليه ( ضمن دية السراية في الأصح ) وإن تعرض في عفوه بغير لفظ وصية لما يحدث ; لأنه إنما عفا عن موجب جناية موجودة فلم تتناول غيرها ، وتعرضه لما يحدث باطل ; لأنه إبراء عما لم يجب .

                                                                                                                            والثاني ينظر إلى أنها من معفو عنه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فقتله فهدر ) أي ما لم تدل قرينة على الاستهزاء ، فإن دلت على ذلك وقتله قتل به

                                                                                                                            ( قوله : نعم تجب الكفارة ) أي في الصورة الثانية وهي قوله : وقال اقتلني ( قوله : ويعزر ) أي في كل منهما ( قوله : وأرشه ) لا يخفى صراحة السياق كقوله الآتي وأما أرش العضو إلخ في صحة العفو عن الأرش ، وفيه شيء ; لأن الواجب القود عينا ، والعفو عن المال لاغ كما تقدم فلتنظر صورة المسألة ، ويمكن أن تصور بما إذا عفا عن القود على الأرش ثم عفا عن الأرش ، ويحتمل أن يصح العفو عن المال مع العفو عن القود [ ص: 312 ] كما هو ظاهر هذا الكلام ا هـ سم على حج ( قوله : فلوليه ) أي العافي القصاص أي من الجاني المعفو عن القود منه

                                                                                                                            ( قوله : فلم يؤثر عفوه ) أي المجني عليه

                                                                                                                            ( قوله : وبقوله عن قوده وأرشه ) كالصريح في أن عفوه عن القود والأرش صحيح بالنسبة للأرش أيضا وإن كان الواجب القود عينا ، ولهذا لو اقتصر على العفو عن الأرش لغا لعدم وجوبه كما علم مما تقدم فكأنهم يفرقون بين الاقتصار على العفو عن الأرش فلا يصح وبين العفو عنه مع العفو عن القود فيصح فليحرر ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ويوجه الفرق بأنه لو أطلق العفو لم يجب الأرش إلا إذا عفا عليه عقب مطلق العفو فذكره في العفو كالتصريح بلازم مطلق العفو فيصح

                                                                                                                            ( قوله : وأما أرش العضو إلخ ) صريح في وجوب الأرش وهو مشكل ; إذ لم يظهر من تصوير المسألة غير أنه عفا عن قوده وأرشه ، والصحيح أن الواجب القود عينا وأن العفو عن المال لغو لعدم وجوبه ، ويتحصل من ذلك عدم وجوب الأرش وأن العفو عنه لغو فمن أين وجب حتى يفصل في العفو عنه ، وقوله أيضا : فإن جرى لفظ وصية إلخ اعترض ; لأن المقسم العفو عن الأرش فتقسيمه إلى ما ذكر من الوصية والإبراء وغيرهما من تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره .

                                                                                                                            وأجاب شيخنا الشهاب الرملي بأن المراد بالعفو في المقسم مطلق الإسقاط أعم من أن يكون بلفظ العفو أو بغيره ، وحينئذ فلا إشكال في تقسيمه إلى ما ذكر الذي منه الإسقاط بلفظ العفو ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ويمكن الجواب عن قوله فمن أين وجب حتى يفصل إلخ بأن صورة المسألة أنه عفا عن القصاص على الأرش ثم عفا عنه

                                                                                                                            ( قوله : لأن واجب الجناية ) علة قوله مع الجهل بواجبه ( قوله : ولأن جنس الدية ) علة قوله ولعلهم إلخ [ ص: 313 ] قوله : وفيها ما مر ) أي من أنا إن صححنا الوصية للقاتل نفذ في الدية كلها إن خرجت من الثلث وإلا ففي قدر ما يخرج منه ( قوله : ففي قطع اليدين ) غاية ( قوله : وإن لم نصحح الإبراء ) معتمد

                                                                                                                            ( قوله : فلا يزاد بالسراية ) تفريع على قوله : وإن لم نصحح إلخ

                                                                                                                            ( قوله : كما مر ) أي كما لو كان الجاني امرأة والمجني عليه رجلا

                                                                                                                            ( قوله : من معفو عنه ) أي تولدت من معفو عنه إلخ



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 311 ] قوله : وإنما قيد بالرشيد لقوله بعد ذلك ولو قطع إلخ . ) فيه أن قوله ولو قطع إلخ . مسألة مستقلة لا تعلق لها بمسألة الأمر بالقطع أو القتل أصلا كما لا يخفى ، على أن قوله ، وإنما قيد إلخ . لا يناسب التسوية بين الرشيد والسفيه التي اقتضاها عطفه له عليه ( قوله : نعم تجب الكفارة ) أي فيما لو سرى أو قال اقتلني إذ القطع لا كفارة فيه ( قوله : ويعزر ) أي في كل من المسائل الثلاثة بانضمام القطع المجرد عن السراية إليهما ( قوله : أو جرى لفظ عفو ) المناسب : فإن جرى لفظ وصية إلخ على أن قوله أو جرى لفظ عفو ليس هو لفظ المصنف وغرضه من هذا دفع ما اعترض به على المصنف من أنه قسم العفو فيما يأتي إلى نفسه وغيره .

                                                                                                                            وحاصل الجواب أنه لم يرد بالعفو المقسم خصوصه حتى [ ص: 312 ] يلزم ما ذكر ، وإنما أراد معناه وهو الترك ، وما سيأتي من التقسيم دليل على هذه الإرادة ( قوله : إنما يتبين بالموت ) صريح في أن المراد بواجب العفو واجبه في نفسه ، وأصرح منه في هذا قوله : الآتي ولو ساوى الأرش الدية إلخ . وحينئذ يتوجه عليه ما قاله سم مما معناه أن كون واجب الجناية المستقر إنما يتبين بالموت لا يمنع كون المبرأ منه معلوما ، لكن في حواشيه على شرح المنهج نقل الإشكال الذي أشار إليه الشارح عن ابن الرفعة بما هو صريح في أن المراد أرش العضو منسوبا للنفس ، قال ما معناه ; لأنه بعد السراية لا ينظر إلى دية النفس وهو شيء واحد فليراجع




                                                                                                                            الخدمات العلمية