الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( أو ) اشتبه عليه ماء ( وماء ورد ) انقطعت رائحته ( توضأ بكل ) منهما ( مرة ) ولا يجتهد فيهما وإنما جاز له التوضؤ بكل منهما لتيقن استعمال الطهور ، ويعذر في تردده في النية للضرورة كمن نسي صلاة من الخمس ، ومقتضى العلة أنه يمتنع ذلك عند القدرة على ماء طاهر بيقين لفقد الضرورة وليس كذلك ; لأنهم لما لم يوجبوا عليه سلوك الطريق المحصلة للجزم فكذلك لا يجب عليه استعمال الطهور بيقين إذا قدر عليه وإن كان [ ص: 95 ] محصلا للجزم ، على أنه يمكن الجزم بالنية كأن يأخذ بكفه من أحدهما وبالأخرى من الآخر ويغسل بهما خديه معا ناويا ثم يعكس ثم يتم وضوءه بأحدهما ثم بالآخر ، ويلزمه حيث لم يقدر على طهور بيقين التطهر بكل منهما ، ولو زادت قيمة ماء الورد على قيمة ماء الطهارة خلافا لابن المقري في روضه ، ويفرق بينه وبين لزوم تكميل الناقص إن لم تزد قيمته على ثمن ماء الطهارة بأن الخلط ثم يذهب ماليته بالكلية من حيث كونه ماء ورد ، وهنا استعماله منفردا لا يذهبها بالكلية لإمكان تحصيل غسالته ، وهذا أولى الفروق كما أوضحته في شرح العباب .

                                                                                                                            ثم ما تقدم من منع الاجتهاد في ماء الورد محله بالنسبة للتطهير ، أما بالنسبة للشرب فيجوز كما قاله الماوردي ، وله التطهير بالآخر للحكم عليه بأنه ماء والفرق بينه وبين الطهر أنه يستدعي الطهورية وهما مختلفان ، والشرب يستدعي الطاهرية وهما طاهران ، وإفساد الشاشي رد بأنه وإن لم يحتج إليه فيه لكن شرب ماء الورد في ظنه يحتاج إليه ، وحينئذ فاستنتاج الماوردي صحيح ; لأن استعمال الآخر للطهر وقع تبعا ، وقد عهد امتناع الاجتهاد للشيء مقصودا ويستفيده تبعا ، كما في امتناع الاجتهاد للوطء ويملكه تبعا فيها لو اشتبهت أمته بأمة غيره واجتهد فيهما للملك فإنه يطؤها بعده لحل تصرفه فيها ، ولكونه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ، وما بحثه الأذرعي من مجيء كلام الماوردي في الماء والبول بعيد ، إذ كلامه يشير إلى أنه إنما أباح له الاجتهاد ليشرب ماء الورد ثم يتطهر بالآخر وهذا غير ممكن هنا ، وأيضا فكل من الماءين له أصل في أصل في المطلوب وهو الشرب ، فجاز الاجتهاد [ ص: 96 ] لذلك بخلاف الماء والبول ، فالأوجه أنه لا اجتهاد في ذلك ونحوه كميتة ومذكاة مطلقا ، بل إن وجد اضطرار جاز له التناول هجما ، وإلا امتنع ولو باجتهاد وبذلك يندفع ما في التوسط وغيره ( وقيل له الاجتهاد ) فيهما كالماءين وفرق الأول بمثل ما تقدم في البول

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وماء ورد ) بقي ما لو وقع الاشتباه بين ثلاثة أوان : ماء طهور ، وماء متنجس ، وماء ورد ، فهل يجوز الاجتهاد نظرا للماء الطهور والماء المتنجس ولا يمنع من ذلك انضمام ماء الورد إليهما ، ولا احتمال أن يصادف ماء الورد كما لا يضر احتمال مصادفة الماء المتنجس ، أو لا يجوز الاجتهاد ; لأن ماء الورد لا مدخل للاجتهاد فيه ولاحتمال مصادفته ، وليس كمصادفته الماء المتنجس ; لأن له أصلا في الطهورية ، بخلاف ماء الورد فيه نظر ا هـ سم على حج . أقول : والأقرب الثاني ونقل عن شيخنا العلامة الشوبري أن الأقرب الأول . وبقي أيضا ما لو وقع مثل ذلك في ماء طهور ومتنجس وبول ، والظاهر الامتناع لغلظ أمر النجاسة في البول . وبقي ما لو تلف أحدهما في المسألة الأولى هل يجوز له الاجتهاد لاحتمال أن التالف المتنجس أم لا فيه نظر ، والأقرب الثاني ( قوله : ولا يجتهد فيهما ) أي للطهارة كما يأتي بخلافه للشرب فيجوز ثم إذا فعل ذلك فظهر له الماء منهما تطهر به كما يأتي أيضا .

                                                                                                                            [ فرع ] إذا اشتبه المستعمل بالطهور يجوز له الاجتهاد ، قال في شرح المهذب : ويجوز أن يتوضأ بكل منهما مرة ويغتفر التردد في النية للضرورة ا هـ . فقد انكشف لك أنه ليس معنى الضرورة تعذر الاجتهاد ا هـ عميرة رحمه الله . وقوله ويجوز أن يتوضأ إلخ نقل ابن حجر عن الشرح المذكور خلاف هذا . أقول : والأقرب ما قاله عميرة ، ثم رأيت ابن قاسم على ابن حجر صرح بما قلته فقال : قوله لا يتوضأ بكل منهما هذا ممنوع منعا واضحا ، بل كلام المجموع كالمهذب مصرح بالجواز إلى آخر ما أطال به فليراجع رحمه الله ( قوله : ومقتضى العلة ) أي قوله للضرورة ( قوله : المحصلة للجزم ) أي فيما لو اشتبه عليه طاهر بنجس وقدر على طاهر بيقين ، فلذلك لم يوجبوا عليه الجزم [ ص: 95 ] فيما لو وجد ماء وماء ورد فلا يقال هذا تعليل بصورة المسألة ( قوله : ثم يعكس ) لا يتوقف اندفاع الضرورة على العكس ، بل لو غسل وجهه بكماله بعد الغسلة المذكورة من كل إناء منهما مرة صح مع تقدم الجزم بالنية غايته أن فيه تكرارا لما غسله في المرة الأولى وهو لا ينافي الجزم بالنية .

                                                                                                                            ( قوله : ولو زادت قيمة ماء الورد ) قد يشكل على ما مر من أنه إذا زادت أجرة إذابة ثلج تعين استعماله ، أو ملح مائي على ثمن الماء لم تجب إذابته ، ويعدل للتيمم إلا أن يجاب بأن ما يستعمله هنا حاصل بصورته فلم يترتب على استعماله تفويت ما ليس بحاصل ، فأشبه ما لو ارتفعت قيمة الماء وهو في يده فإنه يستعمله ولا نظر إلى ارتفاع سعره ، بخلاف مسألة الملح فإنه يحتاج فيها إلى بذل مال زائد على ما يريد استعماله وذلك يعد غبنا ( قوله : وإفساد الشاشي ) أي بأنه لا حاجة للاجتهاد للشرب لجواز شرب ماء الورد مع وجود الماء الطهور ، فله الإقدام على أحدهما بلا اجتهاده ( قوله : وإن لم يحتج إليه ) أي الاجتهاد ( قوله : في ظنه ) أي مريد الشرب ( قوله وحينئذ ) أي حين إذ جوزنا له الاجتهاد ( قوله في الماء والبول ) أي من أنه يجتهد فيهما للشرب ثم يتطهر منهما بما ظن طهارته تبعا ( قوله وهذا غير ممكن هنا ) فيه أنه قد يكون الاجتهاد [ ص: 96 ] في البول وغيره ليستعمل البول فيما يجوز استعماله فيه كإطفاء نار وعجن طين ( قوله ومذكاة مطلقا ) أي للأكل وغيره كإطعام الجوارح ( قوله : بل إن وجد اضطرار ) هل يجزي ذلك في المسمومة إذا منع من الاجتهاد أو اجتهد ولم يظهر له فيه نظر ، وقد يقال لا يجوز له الهجم في المسمومة ; لأن هجمه قد يؤدي إلى تناول ما يحصل الضرر ، ولا بد بخلافه في الماء والبول ، فإن غاية ما يؤدي إليه الهجم تناول النجس وأمره سهل لزواله بغسل الفم فليراجع



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : سلوك الطريق المحصلة للجزم ) أي الآتية في قوله على أنه يمكن إلخ كما هو صريح كلام شرح الإرشاد للشهاب ابن حجر خلافا لما في حاشية شيخنا مما لا دليل عليه مع أنه ينافيه صريح مغايرة الشارح بين [ ص: 95 ] تحصيل الطريق المذكورة واستعمال الطهور بيقين ( قوله : أما بالنسبة للشرب ) أي لشرب ماء الورد كما هو الواقع في كلام الماوردي وألحق به الشهاب ابن حجر الماء ( قوله : وهما مختلفان ) قضيته أن الاختلاف في الطهورية يمنع الاجتهاد مع أنه صورة ما فيه الاجتهاد كما تقدم أول الكلام على الاجتهاد ، وأي فائدة للاجتهاد بين طهورين ( قوله : وإفساد الشاشي ) أي بأن الشرب لا يحتاج إلى التحري كما علم من رده ( قوله : إذ كلامه يشير إلخ ) قضيته أنه ليس له الاجتهاد ليشرب الماء ، وصرح الشهاب ابن حجر بخلافه ، وانظر ما المانع منه مع أنه نظير مسألة الأمة التي قاس عليها ( قوله : له أصل في الحل المطلوب ) قضيته أنه لو اجتهد في مسألة البول ليتداوى بالبول جاز [ ص: 96 ] ويتطهر بالماء وانظر هل هو كذلك ( قوله : كميتة ومذكاة مطلقا ) الظاهر أن هذا الإطلاق في مقابلة التفصيل بعده ، وأن ذلك التفصيل قال به الأذرعي وما في حاشية شيخنا لا دليل عليه




                                                                                                                            الخدمات العلمية