الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وأما قوله تعالى { تبارك اسم ربك } فالمراد به اللفظ ; لأنه كما يجب تنزيه ذاته وصفاته عن النقائص يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن الرفث وسوء الأدب ، أو الاسم فيه مقحم للتعظيم والإجلال ، وإن أريد به الصفة كما هو رأي أبي الحسن الأشعري انقسم انقسام الصفة عنده : إلى ما هو نفس المسمى كالواحد والقديم ، وإلى ما هو غيره كالخالق [ ص: 20 ] والرازق ، وإلى ما ليس هو ولا غيره كالحي والعليم والقادر والمريد والمتكلم والبصير والسميع . لا يقال : مقتضى حديث البسملة الآتي أن يكون الابتداء بلفظة الجلالة ولم يكن بها بل بلفظة بسم ; لأنا نقول : كل حكم ورد على اسم فهو في الحقيقة على مدلوله إلا بقرينة كضرب فعل ، فقوله بسم الله أبتدئ : معناه أبتدئ بمدلول اسمه وهو لفظ الجلالة ، فكأنه قال : بالله أبتدئ . وإنما لم يقل بالله ; لأن التبرك والاستعانة بذكر اسمه أيضا ، أو للفرق بين اليمين والتيمن ، أو لتحصيل نكتة الإجمال والتفصيل . والله علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد ، وأكثر أهل العلم على أنه اسم الله الأعظم ، وقد ذكر في القرآن العزيز في ألفين وثلثمائة وستين موضعا ; وأصله إله حذفت همزته وعوض عنها الألف واللام ; لأنه يوصف ولا يوصف به ، ولأنه لا بد له من اسم تجري [ ص: 21 ] عليه صفاته ولا يصلح له مما يطلق عليه سواه ، ولأنه لو كان وصفا لم يكن قول : لا إله إلا الله توحيدا مثل لا إله إلا الرحمن فإنه لا يمنع الشركة ، فهو مرتجل لا اشتقاق له . ونقل عن الشافعي وإمام الحرمين وتلميذه الغزالي والخطابي والخليل وسيبويه وابن كيسان وغيرهم قال بعضهم : وهو الصواب وهو أعرف المعارف ، فقد حكي أن سيبويه رئي في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال خيرا كثيرا لجعلي اسمه أعرف المعارف .

                                                                                                                            والأكثرون على أنه مشتق ، ونقل عن الخليل وسيبويه أيضا واشتقاقه من أله بمعنى عبد ، وقيل من أله إذا تحير ; لأن العقول تتحير في معرفته ; أو من ألهت إلى فلان : أي سكنت إليه ; لأن القلوب تطمئن بذكره والأرواح تسكن إلى معرفته ; أو من أله إذا فزع من أمر نزل عليه وألهه غيره أجاره ، أو أله الفصيل إذا أولع بأمه ; أو من وله إذا تحير وتخبط عقله ، وكأن أصله ولاه فقلبت الواو همزة لاستثقال الكسرة عليها . وقيل أصله لاه مصدر لاه يليه ليها ولاها : إذا احتجب وارتفع .

                                                                                                                            قال بعض المحققين : والحق أنه وصف في أصله ، لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره وصار كالعلم أجري مجراه في إجراء الأوصاف عليه وامتناع الوصف به وعدم تطرق احتمال الشركة إليه ; لأن ذاته من حيث هي بلا اعتبار أمر آخر حقيقي أو غيره غير معقولة للبشر فلا يمكن أن يدل عليه بلفظ ، ولأنه لو دل على مجرد ذاته المخصوصة لما أفاد ظاهر قوله تعالى { وهو الله في السموات } معنى صحيحا ، ولأن معنى الاشتقاق وهو كون أحد اللفظين مشاركا للآخر في المعنى والتركيب حاصل بينه وبين الأصول المذكورة انتهى . وهو عربي خلافا للبلخي حيث زعم أنه معرب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : الرفث ) قال في المصباح : رفث في منطقه رفثا من باب طلب ، ويرفث بالكسر لغة أفحش فيه ( قوله : وسوء الأدب ) عطف تفسير ( قوله : أو الاسم فيه ) أي في تبارك إلخ ( قوله مقحم ) أي زائد ( قوله : انقسام الصفة عنده ) أي الأشعري ( قوله : إلى ما هو نفس المسمى ) ومرادهم به ما لا يزيد مفهومه على الذات كالقديم ، فإن معناه ذات لا أول لوجودها ، فلم يدل [ ص: 20 ] القديم على صفة حقيقية قائمة بالذات بل على سلب الأولية عنه ; ومرادهم بالغير ما يمكن انفكاكه عن الذات بأن يمكن وجود الذات بدونه ، كالخلق فإنه عبارة عن الإيجاد من العدم ، وذاته تعالى في الأزل موجودة غير متصفة بالإيجاد بالفعل ; ومرادهم بما ليس عينه ولا غيره أن يكون مفهومه زائدا على الذات بصفة حقيقية قائمة بها ولا يمكن انفكاكها عنها كالعالم ، فإن مسماه الذات التي قام بها العلم ، فالعلم ليس عين الذات ولا غيرها لعدم انفكاك الذات عنه فإن العلم قديم بقدم الذات ( قوله : مقتضى حديث البسملة الآتي ) وإنما أورد هذا هنا وإن كان الأنسب بحسب الظاهر تأخيره ; لأنه لما بين أن المراد من الاسم اللفظ كان ذلك منشأ السؤال فذكره متصلا به ( قوله كضرب ) مثال لما أريد لفظه بالقرينة ( قوله وهو لفظ ) أي مدلول لفظ ، وكأن مراده أن هذا هو العلم لذاته تعالى ، فلا يقال إن مدلول الاسم جميع الأسماء على ما يفيده إضافة الاسم من الاستغراق ( قوله : ; لأن التبرك ) أي إشارة ; لأن إلخ ( قوله : والاستعانة بذكر اسمه أيضا ) أي كما هو بذكر ذاته ، فليس التبرك مقصورا على الذات ، بل كما يكون بها يكون بالاسم ( قوله والتيمن ) أي التبرك ، وهذا قد يشعر بأن اليمين لا تنعقد بقوله بسم الله لأفعلن ، قال سم على ابن حجر : قوله حذرا من إبهام القسم قضيته أن بسم الله لا تحتمل القسم ، وفيه كلام في الأيمان انتهى .

                                                                                                                            وحاصله كما ذكره الشهاب الحجازي في مختصر الروضة أنه يمين ( قوله أو لتحصيل نكتة الإجمال ) هذا غير ظاهر إن أريد بالاسم الأعم من اسمه تعالى وغيره ، وأما إن أريد به ذاته تعالى فظاهر ، وتكون الإضافة بيانية ، وعبارة ابن حجر ولم يقل بالله حذرا من إبهام القسم ، وليعم جميع أسمائه انتهى .

                                                                                                                            وهو صريح في أن الإضافة حقيقية ، وأن المقصود منه العموم على الوجه الثاني ، وأن نكتة الإجمال والتفصيل إنما تناسب الأول ( قوله : والله علم على الذات مع قوله الآتي فهو مرتجل ) قد ينافيان قوله وأصله إلخ ، فإن ذاك توجيه لمن جعله مشتقا فليراجع . نعم يمكن أن يحمل قوله علم على أنه صار كذلك بالغلبة كما قيل به ، إلا أن قوله فهو مرتجل لا يوافقه ، ومن ثم لم يذكر قوله فهو مرتجل بل اقتصر على ما تقدم وإن زاد التصريح بأنه من الأعلام الغالبة من حيث إن أصله الإله انتهى ( قوله على أنه اسم الله الأعظم ) وهذا هو الراجح ( قوله : وقد ذكر في القرآن ) أي لفظ الله سبحانه وتعالى ( قوله : ولأنه لا بد له ) أي [ ص: 21 ] لذاته تعالى ( قوله : ولا يصلح له مما يطلق عليه سواه ) أي سوى لفظ الله ( قوله : فإنه لا يمنع إلخ ) أي قوله لا إله إلا الرحمن ( قوله : ونقل عن الشافعي ) أي كونه علما ( قوله واشتقاقه من أله إلخ ) أي بكسر اللام . قال في المصباح : أله يأله من باب تعب إلاهة بمعنى عبد عبادة انتهى .

                                                                                                                            وعبارة المختار بفتح اللام ، ومثله في ابن حجر ( قوله : وقيل من أله إلخ ) قال في المصباح : أله يأله من باب تعب إذا تحير وأصله وله يوله انتهى .

                                                                                                                            ولعل الفرق بين هذا وما يأتي في قوله أو من وله إذا تحير الإبدال هنا وعدمه ثم ( قوله إذا أولع بأمه ) بالبناء للمفعول . قال في المصباح : أولع بالشيء بالبناء للمفعول يولع ولوعا بفتح الواو علق به ، في لغة ولع بفتح اللام وكسرها يلع بفتحها فيهما مع سقوط الواو ولعا بسكون اللام وفتحها انتهى .

                                                                                                                            ( قوله : وكان أصله ولاه ) أي على هذا القول الأخير وهو قوله أو من وله إذا تحير إلخ ( قوله والحق أنه ) أي الله ( قوله : وصف ) أي معبود ( قوله : معنى صحيحا ) أي لاقتضائه أن ذاته كائنة في السموات وهو غير صحيح ، بخلاف ما إذا جعل وصفا : فإن معناه المعبود في السموات وفي الأرض وهو ظاهر ، وإنما قال ظاهر قوله لإمكان جعل الظرف متعلقا بمحذوف كأن يقال الأصل وهو الله المعبود في السموات وفي الأرض ( قوله الأصول المذكورة ) أي في قوله واشتقاقه من أله إلخ ( قوله : وهو عربي ) أي لفظ الله سبحانه وتعالى



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وأما قوله تعالى { تبارك اسم ربك } إلخ ) [ ص: 20 ] جواب عما يرد على قوله لكنه لم يشتهر بهذا المعنى كأن قائلا يقول له : كيف لم يشتهر به وقد ورد به في القرآن من هذه الآية ، إذ المراد بالاسم فيها الذات بدليل إسناد تبارك إليه فأجاب بذلك ( قوله : لا يقال : مقتضى حديث البسملة الآتي أن يكون الابتداء بلفظة الجلالة إلخ ) فيه منع ظاهر ; لأن لفظ الحديث الآتي { كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم } بباءين ، وهو يقتضي أن يكون الابتداء بهذا اللفظ ، فالإشكال مدفوع فلا يحتاج إلى جواب .

                                                                                                                            وقوله ، وأنه لا بد له الضمير فيه للذات ( قوله : لأنه يوصف إلخ ) تعليل لقوله السابق والله أعلم إلخ . [ ص: 21 ]

                                                                                                                            ( قوله : لا اشتقاق له ) يلائم قوله فيما مر وأصله إله إلخ الموافق لما عليه الأكثرون الآتي وفي قوله مرتجل لا اشتقاق له قلاقة ; لأنه ربما أوهم أن قوله لا اشتقاق له مفهوم قوله مرتجل ، وهو غير صواب وغرضه أنه مرتجل لا منقول جامد لا مشتق ( قوله : لأن ذاته من حيث هي إلخ ) فيه أنه لا يشترط العلم إذا وضع بإزاء مسمى الإحاطة بكنه ذلك المسمى ، والغرض من الوضع أنه إذا أطلق ذلك العلم فهم منه ذلك المسمى ، ويكفي في ذلك علمه بوجه كما هو ظاهر




                                                                                                                            الخدمات العلمية