الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وكذا ) يسن ( الدعاء بعده ) أي التشهد الآخر بما شاء من ديني أو دنيوي كاللهم ارزقني جارية حسناء لخبر { إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله إلى آخرها ، ثم ليتخير من المسألة ما شاء أو ما أحب } رواه مسلم ، وروى البخاري { ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به } بل نقل عن مقتضى النص كراهة تركه ، ولو دعا بدعاء محظور بطلت صلاته كما في الشامل ، ثم محل طلب ما زاد على الواجب ما لم يضق وقت الجمعة فإن [ ص: 533 ] ضاق عن الزيادة عليه فالأوجه عدم الإتيان بها .

                                                                                                                            قال بعضهم : وفي غير الجمعة احتمال ا هـ .

                                                                                                                            والأوجه أنه يأتي بها بدليل مما مر في المد ، واحترز بقوله بعده عن التشهد الأول فيكره الدعاء فيه لبنائه على التخفيف ومحل ذلك في الإمام والمنفرد ، أما المسبوق إذا أدرك ركعتين من الرباعية فإنه يتشهد مع الإمام تشهده الأخير وهو أول للمأموم فلا يكره الدعاء له فيه بل يستحب ، والأشبه في الموافق أنه لو كان الإمام يطيل التشهد الأول إما لثقل لسانه أو غيره وأتمه المأموم سريعا أنه لا يكره له الدعاء أيضا بل يستحب إلى أن يقوم إمامه ( ومأثوره ) بالمثلثة وهو المنقول عنه صلى الله عليه وسلم ( أفضل ) من غيره لتنصيص الشارع عليه ( ومنه ) أي المأثور ( { اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت } إلى آخره ) وهو { وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت } رواه مسلم ، والمراد بالتأخير إنما هو بالنسية إلى ما وقع لأن الاستغفار قبل الذنب [ ص: 534 ] محال .

                                                                                                                            قاله النيسابوري نقلا عن الأصحاب ، ورد بأن المحال إنما هو طلب مغفرته قبل وقوعه .

                                                                                                                            أما الطلب قبل وقوعه أن يغفر إذا وقع فلا استحالة فيه ، ومنه أيضا : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح : أي بالحاء المهملة على المعروف الدجال ، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ، اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك إنك أنت الغفور الرحيم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وكذا يسن الدعاء ) ظاهره ولو لإمام غير محصورين : أو محصورين لم يرضوا بالتطويل ، ويصرح به ما يأتي من قوله أن لا يزيد إمام من مر على التشهد فإنه جعل المنهي عنه الزيادة على التشهد ، فأفاد أن الدعاء بقدر التشهد للإمام ليس منهيا عنه بل هو سنة ، ثم رأيت في حج على الإرشاد ما يصرح بذلك ، وعبارته : ويسن الجمع بينها : أي الأذكار والأدعية هنا وفي غيرها .

                                                                                                                            نعم يسن لغير المنفرد أن يكون الدعاء هنا أقل من أقل التشهد والصلاة ا هـ ( قوله كاللهم ارزقني جارية حسناء ) زاد حج : وقال جمع إنه بالأول سنة وبالثاني مباح ا هـ .

                                                                                                                            وخص الجارية الحسناء بالذكر ردا على من قال إن طلبها مبطل ( قوله : ولو دعا بدعاء محظور ) وليس من الدعاء المحظور ما يقع من الأئمة في القنوت من قولهم أهلك اللهم من بغى علينا واعتدى ونحو ذلك ، أما أولا فلعدم تعيين المدعو عليه .

                                                                                                                            فأشبه لعن الفاسقين والظالمين وقد صرحوا بجوازه فهذا أولى منه لأن الدعاء به دون اللعنة ، وأما ثانيا فلأن الظالم المعتدي يجوز الدعاء عليه ولو بسوء الخاتمة .

                                                                                                                            [ فرع ] وقع السؤال عن شخص خيلت له نفسه القاصرة انعكاس الزمن ، وأن من أراد أن يدعو على شخص يدعو له لينعكس الحال ويحصل مقصوده من إيصال الضرر للمدعو له ، وفعل ذلك في الصلاة معتقدا له وقاصدا له هل تبطل صلاته بذلك أم لا ؟ والجواب عنه أن الظاهر البطلان به لأنه حينئذ دعاء بمحرم ، وذلك لأنه استعمل اللفظ الدال على طلب شيء في طلب ضده وهو من المجاز كإطلاق السماء على الأرض ، فإذا قال هنا : اللهم ارحم فلانا قاصدا ما تقدم كان بمنزلة اللهم لا ترحمه ، فتنبه له فإنه دقيق قل أن يوجد .

                                                                                                                            وقال سم على أبي شجاع قبيل كتاب الطهارة : فائدة : وقد يكون أي الدعاء حراما ، ومنه طلب مستحيل عقلا أو عادة إلا لنحو ولي ، وطلب نفي ما دل الشرع على ثبوته أو ثبوت ما دل على نفيه ومن ذلك اللهم اغفر لجميع المسلمين جميع ذنوبهم ، لدلالة الأحاديث الصحيحة على أنه لا بد من تعذيب طائفة منهم ، بخلاف نحو اللهم اغفر للمسلمين أو لجميع المسلمين ذنوبهم على الأوجه لصدقه بغفران بعض الذنوب للكل أو البعض ، فلا منافاة فيه للنصوص وتوقف بعضهم في جواز الدعاء على الظالم بالفتنة في دينه وسوء الخاتمة ، ونص بعضهم على أن محل المنع من ذلك في غير الظالم المتمرد ، أما هو فيجوز .

                                                                                                                            واختلفوا في جواز سؤال العصمة والوجه كما قال بعضهم إنه إن قصد التوقي عن جميع المعاصي والرذائل في جميع الأقوال امتنع ، لأنه سؤال مقام النبوة أو التحفظ من الشيطان والتخلص من أفعال السوء فهذا لا بأس به ، ويبقى الكلام في حال الإطلاق والمتجه عندي الجواز لعدم تعينه للمحذور واحتماله الوجه الجائز ، وقد يكون كفرا كالدعاء بالمغفرة لمن مات كافرا ، وقد يكون مكروها ومنه كما قال الزركشي الدعاء [ ص: 533 ] في كنيسة وحمام ومحل نجاسة وقذر ولعب ومعصية كالأسواق التي يغلب وقوع العقود والأيمان الفاسدة فيها ، والدعاء على نفسه أو ماله أو ولده أو خادمه ، وفي إطلاق عدم جواز الدعاء على الولد والخادم نظر ، ويجوز الدعاء للكافر بنحو صحة البدن والهداية ، واختلفوا في جواز التأمين على دعائه ، ويحرم لعن المسلم المتصول ، ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة كالفاسقين والمصورين ، وأما لعن المعين من كافر أو فاسق قضية ظواهر الأحاديث الجواز .

                                                                                                                            وأشار الغزالي إلى تحريمه إلا من علم موته على الكفر ، وكالإنسان في تحريم لعنه بقية الحيوانات وخرج بالدعاء المحظور المكروه فلا تبطل به الصلاة سم .

                                                                                                                            وقوله وقد يكون ينبغي أن يتأمل كونه كفرا بل مجرد كونه حراما فإنه قال في شرحه الكبير على الورقات : يجوز مغفرة ما عدا الشرك للكافر .

                                                                                                                            نعم قضية كلامهم في الجنائز حرمة الدعاء للكافر بالمغفرة .

                                                                                                                            وقوله وحمام قضيته أنه لو توضأ أو اغتسل في الحمام كره له أدعية الوضوء .

                                                                                                                            وقوله ومحل قذر يشكل عليه طلب بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث إلخ عند دخول الخلاء ، اللهم إلا أن يقال هذا ونحوه مستثنى فليراجع .

                                                                                                                            وأن قوله وقد يكون كفرا محمول على طلب مغفرة الشرك الممنوعة بنص قوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به } ومع ذلك في كون ذلك بمجرده كفرا شيء ، وقوله وفي إطلاق عدم جواز الدعاء على الولد إلخ المراد جوازا مستوى الطرفين وهو الإباحة ، فلا ينافي ما تقدم من أنه مكروه لا حرام ، وينبغي أنه إذا قصد بذلك تأديبه وغلب على ظنه إفادته جاز كضربه بل أولى وإلا كره .

                                                                                                                            وقوله واختلفوا في جواز التأمين على دعائه ، وينبغي حرمته لما فيه من تعظيمه وتخييل أن دعاءه مستجاب ( قوله : فالأوجه عدم الإتيان بها ) وقياس ذلك أنه لو ضاقت مدة الخف عما يسع الزيادة لم يأت بها وهو واضح في الفرض ، أما في النفل فينبغي أن يقال : إن قصد بالزيادة إبطاله وعدم البقاء فيه لم يحرم ، لأن الخروج من النفل جائز ، وإلا حرم لاشتغاله فيه بعبادة فاسدة ( قوله والأوجه أنه يأتي بها ) أي بالزيادة في غير الجمعة ( قوله : فلا يكره الدعاء له فيه ) والمراد بالدعاء الصلاة على الآل وما بعدها كما يصرح به ما يأتي عن سم ( قوله : أنه لا يكره له الدعاء ) ومنه الصلاة على الآل كما نقله سم عن حج عن إفتاء الشهاب الرملي ، وعبارة : لو فرغ المأموم من التشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل فراغ الإمام سن له الإتيان بالصلاة على الآل وتوابعها كما أفتى به شيخنا الشهاب الرملي ا هـ ( قوله : وهو المنقول عنه ) عبارة حج [ ص: 534 ] المنقول منه هنا عنه إلخ ( قوله { اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر } ) قال الشيخ عميرة : قال في القوت : هذا متأكد فقد صح الأمر به وأوجبه قوم ، وأمر طاوس ابنه بالإعادة لتركه ، وينبغي أن يختم به دعاءه لقوله عليه الصلاة والسلام { واجعلهن آخر ما تقول } ا هـ سم على منهج ( قوله : { ومن فتنة المحيا والممات } ) يحتمل أن المراد بفتنة الممات : الفتنة التي تحصل عند الاحتضار ، وأضافها للممات لاتصالها به ، أو أن المراد بها ما يحصل بعد الموت كالفتنة التي تحصل عند سؤال الملكين ، وهذا أظهر لأن ما يحصل عند الموت شملته فتنة المحيا ا هـ علقمي عند قوله صلى الله عليه وسلم : { اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع } إلخ بتصرف قليل ( قوله : ومن فتنة المسيح ) واسمه صاف بن صياد وكنيته أبو يوسف وهو يهودي ا هـ مناوي كذا بهامش صحيح ( قوله : والمغرم ) أي ترك الطاعة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 532 - 533 ] قوله : فالأوجه عدم الإتيان بها ) أي يحرم عليه ذلك كما هو ظاهر ( قوله : ، والأشبه في الموافق ) صريح هذا الصنيع أن الموافق الذي أطال إمامه التشهد الأول لا يأتي ببقية التشهد الأكمل بل يستقل بالدعاء ، وإلا لم يحسن التفريق بينه وبين ما قبله في العبارة ، لكن في حاشية الشيخ نقلا عن فتاوى والد الشارح أنه مثله ، فليراجع وليحرر مذهب [ ص: 534 ] الشارح في ذلك




                                                                                                                            الخدمات العلمية