الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( وصل عظمه ) أي عند احتياجه له لكسر ونحوه ( بنجس ) من العظم ولو مغلظا ، ومثل ذلك بالأولى دهنه بمغلظ أو ربطه به ( لفقد الطاهر ) الصالح لذلك ( فمعذور ) فيه فتصح صلاته معه للضرورة ولا يلزمه كما في الروضة نزعه إذا وجد الطاهر : أي ، وإن لم يخف من نزعه ضررا خلافا لبعض المتأخرين ، ولو قال أهل الخبرة : إن لحم الآدمي لا ينجبر سريعا إلا بعظم نحو كلب ، قال الإسنوي : فيتجه أنه عذر ، وهو قياس ما ذكروه في التيمم في بطء البرء انتهى . وما تفقهه مردود . والفرق بينهما ظاهر ، وعظم غيره من الآدميين في تحريم [ ص: 22 ] الوصل به ووجوب نزعه كالعظم النجس ، ولا فرق في الآدمي بين أن يكون محترما أو لا كمرتد وحربي خلافا لبعض المتأخرين ، فقد نص في المختصر بقوله : ولا يصل إلى ما انكسر من عظمه إلا بعظم ما يؤكل لحمه ذكيا ، ويؤخذ منه أنه لا يجوز الجبر بعظم الآدمي مطلقا ، فلو وجد نجسا يصلح وعظم آدمي كذلك وجب تقديم الأول ، وخياطة الجرح ومداواته بالنجس كالجبر في تفصيله المذكور .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولو وصل عظمه ) ظاهره ولو كان الواصل غير معصوم لكن قيده حج بالمعصوم ، ولعل عدم تقييد الشارح بالمعصوم جرى على ما قدمه في التيمم من أن الزاني المحصن ونحوه معصوم على نفسه ، وتقييد حج جري على ما قدمه ثم من أنه مقدر ( قوله : أي عند احتياجه ) أي بأن خشي مبيح تيمم لو لم يصل به انتهى حج . ومنه يؤخذ أنه لو كان النجس صالحا والظاهر كذلك ، إلا أن الأول صلاحه يعيد العضو كما كان عليه من غير شين فاحش ، والثاني صلاحه بما ذكر فينبغي تقديم الأول إن كان الشين الفاحش يبيح التيمم ، وإلا فلا . وقول حج : بأن خشي مبيح تيمم ومنه كما تقدم في التيمم ما يخاف منه شين فاحش في عضو ظاهر . والشين : الأثر المستكره من تغير لون أو نحول واستحشاف وثغرة تبقى ولحمة تزيد ، ومقتضى هذا أنه إذا خشي الشين في العضو الباطن كأن انكسر ضلعه مثلا واحتاج لوصله بالنجس أو حصل له كبر في الأنثيين مثلا واحتاج لدهنهما بالنجس لا يجوز له الوصل في الأول ولا الدهن في الثاني ، ولو قيل بالجواز فيهما لم يبعد بل يقتضيه إطلاقه فيما يأتي في قوله : فإن خاف ذلك ولو نحو شين أو بطء برء إلخ ( قوله : من العظم ) ولو وجد عظم ميتة لا يؤكل لحمها وعظم مغلظ وكل منهما صالح وجب تقديم الأول ، ولو وجد عظم ميتة ما يؤكل وعظم ميتة ما لا يؤكل من غير مغلظ ، وكل منهما صالح تخير في التقديم ; لأنهما مستويان في النجاسة فيما يظهر فيهما ، وكذا ينبغي تقديم عظم الخنزير على الكلب للخلاف عندنا في الخنزير دون الكلب ( قوله : ومثل ذلك بالأولى ) لعل وجهها أن العظم يدوم ومع ذلك عفي عنه والدهن ونحوه مما لا يدوم فهو أولى بالعفو .

                                                                                                                            ( قوله : لفقد الطاهر ) أي بمحل يصل إليه قبل تلف العضو أو زيادة ضرره أخذا مما تقدم فيمن عجز عن تكبيرة الإحرام ونحوها حيث قالوا : يجب عليه السفر للتعلم ، وإن طال ، وفرقوا بينه وبين ما يطلب منه الماء قبل التيمم بمشقة تكرار الطلب للماء بخلافه هنا . وعبارة سم على حج قوله : لفقد الطاهر ، لم يبين ضابط الفقد ولا يبعد ضبطه بعدم القدرة عليه بلا مشقة لا تحتمل عادة . وينبغي وجوب الطلب عند احتمال وجوده لكن أي حد يجب الطلب منه انتهى . أقول : ولا نظر لهذا التوقف ( قوله : فتصح صلاته معه ) أي ، وإن لم يكتس لحما . وعبارة سم على منهج : انظر قبل استتاره باللحم لو صب عليه ماء لغسله فجرى للمحل الطاهر هل يطهره ويغتفر أو لا ؟ الوجه الاغتفار انتهى . ومثله غيره كما يؤخذ من قول الشارح الآتي وعفي عنه بالنسبة له ولغيره . ( قوله : إذا وجد الطاهر ) قال حج : وينبغي حمله على ما إذا كان فيه مشقة لا تحتمل عادة ، وإن لم تبح التيمم . ا هـ أي ولا تبطل الصلاة بحمله ( قوله : خلافا لبعض المتأخرين ) هو السبكي تبعا للإمام وغيره . ا هـ منهج ، ونقله المحلي عن قضية كلام التتمة ( قوله : وهو قياس ما ذكروه ) جرى عليه حج ( قوله : والفرق بينهما ظاهر ) لعله غلظ أمر النجاسة . ( قوله : وعظم غيره ) أي [ ص: 22 ] غير الواصل من الآدميين إلخ ، ومفهومه أن عظم نفسه لا يمتنع وصله به ، وإن كان من غير محل الوصل كأن وصل عظم يده بشيء من عظم رجله مثلا ، ونقل عن حج في شرح العباب جواز ذلك نقلا عن البلقيني وغيره . وعبارة ابن عبد الحق : وعظم الآدمي ولو من نفسه في تحريم الوصل به ووجوب نزعه كالنجس انتهى . وينبغي أن محل الامتناع بعظم نفسه إذا أراد نقله إلى غير محله ، أما إذا وصل عظم يده بيده مثلا في المحل الذي أبين منه فالظاهر الجواز ; لأنه إصلاح للمنفصل منه ولمحله ، ويكون هذا مثل رد عين قتادة في أنه قصد به إصلاح ما خرج من عين قتادة برده إلى محله ، وبهذا فارق ما لو نقله إلى غير موضعه ، فإنه بانفصاله حصل له احترام وطلب مواراته ، ثم ظاهر إطلاق جواز الوصل لعظم الآدمي أنه لا فرق في ذلك بين كونه من ذكر أو أنثى ، فيجوز للرجل الوصل بعظم الأنثى وعكسه ، ثم ينبغي إذا مسه هو أو غيره ، فإن اكتسى لحما وحلته الحياة صار حكمه حكم بقية أجزاء الرجل فلا ينتقض وضوءه ولا وضوء غيره من الرجال بمسه ، وإن كان ظاهرا مكشوفا ولم تحله الحياة فهو باق على نسبته للأنثى ، ومع ذلك لا ينتقض وضوءه ووضوء غيره بمسه ; لأن العضو المبان لا ينتقض الوضوء بمسه إلا إذا كان من الفرج وأطلق اسمه عليه ( قوله : خلافا لبعض المتأخرين ) مراده حج ( قوله : ولا يصل إلى ما انكسر إلخ ) ضمنه معنى يضم فعداه بإلى ، وفي نسخة : أي ما انكسر ، وهي ظاهرة ( قوله : ويؤخذ منه إلخ ) ويؤخذ منه أيضا أنه لا يجوز الوصل بعظم ما لا يؤكل لحمه ، ولعله منع من العمل بمقتضاه دليل آخر ( قوله : مطلقا ) أي حيث وجد ما يصلح للجبر ولو نجسا فلا ينافي قوله بعد فلو وجد نجسا إلخ ( قوله : فلو وجد نجسا ) ولو مغلظا ( قوله : وجب تقديم الأول ) أي ، وإن كان حيا فيجوز قطع عضوه مثلا ليصل بعظمه ولا يجوز له العدول عنه إلى عظم الآدمي الميت لحرمته ، وينبغي أنه إنما يقطعه بعد إزهاق روحه حيث كان في قطع العضو زيادة تعذيب .

                                                                                                                            ولا يشكل عليه ما قالوه في السير من أنه لا يجوز له قتل ما لا يؤكل لاتخاذ جلده سقاء ، وإن احتاج إليه لإمكان حمل ذاك على مجرد الحاجة وما هنا ضرورة ، ثم قوله : وجب تقديم الأول يفهم أنه لو لم يجد إلا عظم آدمي وصل به ، ، وهو ظاهر كما لو وجد المضطر لحم آدمي ، وينبغي تقدم عظم الكافر على غيره ، وأن العالم وغيره سواء وأن ذلك في غير النبي ( قوله : ومداواته ) ومنها دهنه وربطه كما تقدم .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 21 - 22 ] قوله : ويؤخذ منه أنه لا يجوز الجبر بعظم الآدمي مطلقا ) أي سواء المحترم وغيره ، وأما ما اقتضاه من عدم الجواز وإن تعين فليس مرادا بل حكمه حكم العظم النجس كما قدمه الشارح ، كما أن ما اقتضاه أيضا من منع الجبر بغير عظم المزكى ليس مرادا أيضا . وفي حاشية الشيخ أنه لو وصل عظمه بعظم أنثى ينتقض وضوءه ووضوء غيره بمسه ما دام لم تحله الحياة ولم يكتس باللحم ، وهو سهو لما مر في باب الحدث من أن العضو المفصول لا ينقض مسه ولو سلمناه ، فكان ينبغي أن يقول : لا يصح له وضوء ما دام العظم المذكور كذلك ; لأنه ماس له دائما




                                                                                                                            الخدمات العلمية