الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 6 ] قوله { فإن ملك السيد عبده مالا وقلنا : إنه يملكه فلا زكاة فيه } . يعني على واحد منهما ، وهو المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب قال ابن تميم ، وابن رجب في قواعده ، وصاحب الحواشي ، والقواعد الأصولية : قاله أكثر الأصحاب ، قلت : منهم أبو بكر ، والقاضي ، والزركشي .

وهو المذهب المعروف المقطوع به ، وجزم به في الوجيز وغيره ، وقدمه في الفروع ، والمحرر ، وابن تميم ، ومجمع البحرين ، والفائق ، وغيرهم وعنه يزكيه العبد ، ذكرها في الإيضاح وغيره ، وقاله ابن حامد ، واختاره في الفائق .

وعنه يزكيه العبد بإذن سيده ، قال ابن تميم : والمنصوص عن أحمد : يزكي العبد ماله بإذن سيده ، وعنه التوقف ، وقال في الفروع تبعا لابن تميم وغيره : ويحتمل أن يزكيه السيد ، قال في القواعد الفقهية ، وعن ابن حامد : أنه ذكر احتمالا بوجوب زكاته على السيد ، على كلا الروايتين فيما إذا ملك السيد عبده سواء قلنا يملكه أو لا لأنه إما ملك له ، أو في حكم ملكه ; لتمكنه من التصرف فيه . كسائر أمواله ، قلت : وهو مذهب حسن ، فإن قلنا : لا يملكه فزكاته على سيده بلا نزاع .

تنبيه : أفادنا المصنف رحمه الله أن العبد إذا ملكه سيده مالا : أن في ملكه خلافا ; لقوله " وقلنا إنه يملكه " ، واعلم أن الصحيح من المذهب والروايتين : أنه لا يملك بالتمليك ، وعليه أكثر الأصحاب ، منهم الخرقي ، وأبو بكر ، والقاضي ، قاله ابن رجب في قواعده وقواعد ابن اللحام ، وقال : هذه الرواية أشهر عند الأصحاب . قال في التلخيص في باب [ ص: 7 ] الديون المتعلقة بالرقيق والذي عليه الفتوى : أنه لا يملك ، قال في الفروع في آخر باب الحجر اختار الأصحاب : أنه لا يملك ، والرواية الثانية : يملك بالتمليك . اختاره أبو بكر ، قاله في الفروع ، وابن شاقلا ، وصححها ابن عقيل ، والمصنف في المغني ، قال في القواعد الأصولية : وهي أظهر ، قال في الفائق ، والحاوي الصغير : ويملك بتمليك سيده وغيره ، في أصح الروايتين ، قال في الرعايتين : لو ملك ملكه في الأقيس ، وأطلقهما في الفروع ، والتلخيص ، ومجمع البحرين ، والحاوي الكبير .

فائدة : لهذا الخلاف فوائد عديدة . أكثرها متفرقة في الكتاب ، ومنها : ما تقدم ، وهو ما إذا ملكه سيده مالا ، ومنها : إذا ملكه سيده عبدا وأهل عليه هلال الفطر ، فإن قلنا : لا يملكه ، ففطرته على السيد ، وإن قلنا : يملكه ، لم يجب على واحد منهما ، على الصحيح من المذهب ، واختاره القاضي ، وابن عقيل ، وغيرهما اعتبارا بزكاة المال ، وقال في الفروع : فلا فطرة إذن في الأصح ، وقيل : تجب فطرته على السيد ، صححه المصنف ، والشارح ، قلت : وهو الصواب ، وأطلقهما في القواعد الفقهية ، ويؤدي السيد عن عبد عبده ; إذ لا يملك بالتمليك ، وإن ملك فلا فطرة له ; لعدم ملك السيد ونقص ملك العبد ، وقيل : يلزم السيد الحر كنفقته ، وهو ظاهر الخرقي ، واختاره المصنف [ والشارح ] ، ومنها : تكفيره بالمال في الحج ، والأيمان ، والظهار ، ونحوها ، وفيه للأصحاب طرق ، ذكرها ابن رجب في فوائده ، وذكرتها في آخر كتاب الأيمان . [ ص: 8 ] ومنها : إذا باع عبدا ، وله مال . وللأصحاب أيضا : فيها طرق ، ذكرتها في آخر باب بيع الأصول والثمار في كلام المصنف ، ومنها : إذا أذن لعبده الذمي أن يشتري له بماله عبدا مسلما ، فاشتراه ، فإن قلنا : يملك بالتمليك ، لم يصح شراؤه له ، وإن قلنا : لا يملك ، صح ، وكان مملوكا للسيد ، قال المجد : هذا قياس المذهب عندي ، قال ابن رجب ، قلت : ويتخرج فيه وجه : لا يصح على القولين بناء على أحد الوجهين : أنه لا يصح شراء الذمي لمسلم بالوكالة . انتهى .

قلت : ويتخرج الصحيح على القولين ، بناء على أحد الوجهين : أنه لا يصح شراء الذمي لمسلم بالوكالة ، ومنها : عكس هذه المسألة لو أذن الكافر لعبده المسلم الذي يثبت ملكه عليه أن يشتري بماله رقيقا مسلما . فإن قلنا : يملك ، صح ، وكان العبد له ، وإن قلنا : لا يملك ، لم يصح ، ومنها : تسري العبد ، وفيه طريقان : أحدهما : بناؤه على الخلاف في ملكه . فإن قلنا : يملك ، جاز تسريه ، وإلا فلا ; لأن الوطء بغير نكاح ولا ملك يمين : محرم ، بنص الكتاب والسنة ، وهي طريقة القاضي ، والأصحاب بعده ، قاله ابن رجب ، وقدمه في الفروع ، والثاني : يجوز تسريه على كلا الروايتين .

وهي طريقة الخرقي ، وأبي بكر ، وابن أبي موسى ، وأبي إسحاق بن شاقلا ، ذكره عنه في الواضح ، ورجحها المصنف في المغني ، قال ابن رجب : وهي أصح ، وحررها في فوائده ، وتأتي هذه الفائدة في كلام المصنف في آخر باب نفقة الأقارب والمماليك ، في قوله " وللعبد أن يتسرى بإذن سيده " بأتم من هذا ، ومنها : لو باع السيد عبده نفسه بمال في يده ، فهل يعتق ؟ والمنصوص : أنه [ ص: 9 ] يعتق بذلك ، وذكره القاضي مع قوله " إن العبد لا يملك " وقول القاضي على القول بالملك ، ومنها : إذا أعتقه سيده وله مال ، فهل يستقر ملكه للعبد أم يكون للسيد ؟ على روايتين ، فمن الأصحاب من بناها على القول بالملك وعدمه ، فإن قلنا : يملكه استقر ملكه عليه بالعتق ، وإلا فلا ، وهي طريقة أبي بكر ، والقاضي في خلافه ، والمجد ، ومنهم : من جعل الروايتين على القول بالملك . ومنها : لو اشترى العبد زوجته الأمة بماله ، فإن قلنا : يملك ، انفسخ نكاحه ، وإن قلنا : لا يملك ، لم ينفسخ ، ومنها : لو ملكه سيده أمة فاستولدها ، فإن قلنا : لا يملك ، فالولد ملك السيد ، وإن قلنا : يملك ، فالولد مملوك العبد ، لكنه لا يعتق عليه ، حتى يعتق فإذا أعتق ولم ينزعه منه قبل عتقه عتق عليه لتمام ملكه حينئذ . ذكره القاضي في المجرد .

ومنها : هل ينفذ تصرف السيد في مال العبد دون استرجاعه ؟ فإن قلنا : لا يملك ، صح بغير إشكال ، وإن قلنا : يملك ، فظاهر كلام الإمام أحمد : أنه ينفذ عتق السيد رقيق عبده ، قال القاضي : فيحتمل أن يكون رجع فيه قبل عتقه ، قال : وإن حمل على ظاهره ، فلأن عتقه يتضمن الرجوع في التمليك ، ومنها : لو وقف عليه . فنص أحمد : أنه لا يصح ، فقيل : ذلك يتفرع على القول بأنه لا يملك ، فأما إن قيل : إنه يملك ، فيصح الوقف عليه كالمكاتب في أظهر الوجهين ، والأكثرون على أنه لا يصح الوقف عليه ، على الروايتين لضعف ملكه [ ويأتي في كلام المصنف في أول الوقف ] .

ومنها : وصية السيد لعبده بشيء من ماله ، فإن كان بجزء مشاع منه : صح وعتق من العبد بنسبة ذلك الجزء ، لدخوله في عموم المال ، ويكمل عتقه من بقية [ ص: 10 ] الوصية ، نص عليه ، وفي تعليله ثلاثة أوجه .

ذكرها ابن رجب في فوائد قواعده ، وعنه : لا تصح الوصية لمعين ، ومنها : ذكر ابن عقيل : وإن كانت الوصية بجزء معين ، أو مقدر ، ففي صحة الوصية روايتان ، أشهرهما : عدم الصحة . فمن الأصحاب : من بناهما على أن العبد هل يتملك أم لا ؟ وهما طريقة ابن أبي موسى ، والشيرازي ، وابن عقيل ، وغيرهم ، وأشار إليه الإمام أحمد في رواية صالح ومنهم من حمل الصحة على أن للوصية لقدر [ من ] العين ، أو لقدر من التركة لا بعينه ، فيعود إلى الحق المشاع .

قال ابن رجب : وهو بعيد جدا ، ويأتي ذلك في كلام المصنف ، في باب الموصى له بأتم من هذا ، ومنها : لو غزا العبد على فرس ملكه إياه سيده ، فإن قلنا : يملكها العبد لم يسهم لها ; لأنها تبع لمالكها ، فيرضخ لها ، كما يرضخ له . وإن قلنا : لا يملكها أسهم لها ; لأنها لسيده ، قال ابن رجب ، قال الأصحاب : والمنصوص عن الإمام أحمد : أنه يسهم لفرس العبد . وتوقف مرة أخرى ، ولا يسهم لها متحدا ، وموضع هذه الفوائد في كلام الأصحاب ، في آخر باب الحجر في أحكام العبد .

تنبيه : هل الخلاف في ملك العبد بالتمليك مختص بتمليك سيده أم لا ؟ فاختار في التلخيص : أنه مختص به ، فلا يملك به من غير جهته ، وقدمه في الفروع ، والرعايتين ، وقال في التلخيص : وأصحابنا لم يقيدوا الروايتين بتمليك السيد ، بل ذكروهما مطلقا في ملك العبد إذا ملك ، قلت : جزم به في الحاويين ، والفائق ، قال في القواعد : وكلام الأكثرين ، يدل على خلاف ما اختاره صاحب التلخيص . [ ص: 11 ]

فإذا علمت ذلك : فيتفرع على هذا الخلاف مسائل : منها : اللقطة بعد الحول ، قال طائفة من الأصحاب : تنبني على روايتي الملك وعدمه ، جعلا لتمليك الشارع كتمليك السيد ، منهم : صاحب المستوعب ، وظاهر كلام ابن أبي موسى : أنه يملك اللقطة ، وإن لم تملك بتمليك سيده ، وعند صاحب التلخيص : لا يملكها بغير خلاف ، كذلك في الهداية ، والمغني ، والكافي ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، والمذهب ، والخلاصة والفائق ، وغيرهم : أنها ملك لسيده بمضي الحول ، ومنها : حيازة المباحات : من احتطاب ، أو احتشاش ، أو اصطياد ، أو معدن أو غير ذلك ، فمن الأصحاب من قال : هو ملك لسيده دونه رواية واحدة ، كالقاضي ، وابن عقيل لكن لو أذن له السيد في ذلك فهو كتمليكه إياه ، ذكره القاضي وغيره ، وخرج طائفة المسألة على الخلاف في ملك العبد وعدمه ، منهم المجد .

وقاسه على اللقطة ، وهو ظاهر كلام ابن عقيل في موضع آخر ، ومنها : لو أوصى للعبد ، أو وهب له ، وقبله بإذن سيده ، أو بدونه إذا أجزنا له ذلك على المنصوص فالمال للسيد ، نص عليه في رواية حنبل ، وذكره القاضي وغيره ، وبناه ابن عقيل وغيره على الخلاف في ملك السيد ، ويأتي أيضا هذا في كلام المصنف في باب الموصى له ، ومنها : لو خلع العبد زوجته بعوض فهو للسيد ، ذكره الخرقي . وظاهر كلام ابن عقيل : بناؤه على الخلاف في ملك العبد ، قال ابن رجب : ويعضده أن العبد هنا يملك البضع فملك عوضه بالخلع لأن من ملك شيئا ملك عوضه ، فأما مهر الأمة : فهو للسيد ، ذكر ذلك كله ابن رجب في الفائدة السابعة من قواعده بأبسط من هذا .

فائدة : تجب الزكاة على المعتق بعضه بقدر ما يملكه ، على ما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية