الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( فإن لم يصم قبل يوم النحر ) . يعني الأيام الثلاثة ( صام أيام منى ) . قال ابن منجى في شرحه : هذا المذهب ، وقدمه في المغني ، والشرح ، والنظم ، والرعاية الكبرى في باب أقسام النسك ، وجزم به في الإفادات ، وصححه في الفائق ، وعنه لا يصومها . وتقدم ذلك مع زيادة حسنة في أواخر باب صوم التطوع ، وذكر من قدم ، وأطلق وصحح ، فعلى القول بأنه يصوم أيام منى : لو صامها فلا دم عليه ، جزم به جماعة . منهم المصنف ، والشارح ، وصاحب الرعاية وغيرهم ، وقدمه في الفروع ، وقال : لعله مراد القاضي وأصحابه ، وصاحب المستوعب وغيرهم : بتأخير الصوم عن أيام الحج وقوله ( ويصوم بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم ) . يعني إذا قلنا لا يجوز صوم أيام منى ، وكذا لو قلنا يجوز صومها ، ولم يصمها ، فقدم المصنف هنا : أن عليه دما على هذه الرواية . وهذا إحدى الروايات ، جزم به في الإفادات ، والمنور ، والمنتخب ، واختارها الخرقي ، وقدمه في المحرر ، والفائق وعنه إن ترك الصوم لعذر : لم يلزمه قضاؤه ، وإن تركه لغير عذر : فعليه مع فعله دم ، اختاره القاضي في المجرد ، وجزم به في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والتلخيص ، في المعذور دون غيره ، وقدم ابن منجى في شرحه : أنه إن تركه لغير عذر عليه دم ، وأطلق الروايتين في المعذور ، وعنه لا يلزمه دم بحال ، اختاره أبو الخطاب كما قاله المصنف عنه . قال [ ص: 515 ] الزركشي : وهي التي نصها القاضي في تعليقه ، وأطلقهن في المستوعب ، والمغني ، والكافي ، والرعايتين ، والحاويين ، والزركشي ، والفروع ، وقال : الترجيح مختلف . وأطلق الخلاف في غير المعذور : في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب والخلاصة ، والتلخيص ، وأما تأخير الهدي عن أيام النحر : فهل يلزمه فيه دم ، أم يلزمه مع عدم العذر ولا يلزمه مع العذر ؟ فيه الروايات المتقدمة في الدم ، وأطلقهن في الفروع ، والحاويين ، والمستوعب . إحداهن : يلزمه دم آخر مطلقا . قدمه في المحرر والفائق ، والثانية : لا يلزمه دم بحال سوى الهدي ، وقدمه في إدراك الغاية ، والثالثة : إن أخره لعذر : لم يلزمه ، وقدمه في الرعايتين ، وصححه في الكبرى ، وجزم به في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والخلاصة ، والكافي ، والتلخيص ، والشرح ، وإدراك الغاية ، وشرح ابن منجى في المعذور دون غيره . قلت : هذا المذهب ، والصحيح من المذهب أيضا : وجوب الدم على غير المعذور ، وأطلق الخلاف في غير المعذور : في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والخلاصة ، والكافي ، والشرح ، والتلخيص ، وحكى جماعة الخلاف في المعذور وجهين ، وفي غير المعذور : روايتين .

فائدتان . إحداهما : قوله ( ولا يجب التتابع في الصيام ) . اعلم أنه لا يجب تتابع ولا تفريق في الأيام الثلاثة والسبعة ، نص عليه ، وعليه الأصحاب ; لإطلاق الأمر ، ولا يجب التفريق ولا التتابع بين الثلاثة والسبعة إذا قضى . كسائر الصوم . [ ص: 516 ]

الثانية : لو مات قبل الصوم ، فحكمه حكم صوم رمضان على ما سبق يمكن منه أو لا ، نص عليه . قوله ( ومتى وجب عليه الصوم فشرع فيه . ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إليه إلا أن يشاء ) هذا المذهب ، وعليه الأصحاب . وفي الفصول وغيره : تخريج يلزمه الانتقال إليه . وخرجوه من اعتبار الأغلظ في الكفارة ، وقال ابن الزاغوني في واضحه : إن قرعه ثم قدر يوم النحر عليه نحره إن وجب إذن ، وأن دم القران يجب بإحرام . قال في الفروع : كذا قال . قال في القاعدة الخامسة : لو كفر المتمتع بالصوم ، ثم قدر على الهدي وقت وجوبه ، فصرح ابن الزاغوني في الإقناع : بأنه لا يجزئه الصوم ، وإطلاق الأكثرين يخالفه . بل وفي كلام بعضهم تصريح به . قوله ( وإن وجب ولم يشرع فيه ، فهل يلزمه الانتقال ؟ على روايتين ) وأطلقهما في الكافي ، والمغني ، والمحرر . والشرح والرعايتين ، والحاويين ، والفروع ، والفائق ، وشرح ابن منجى ، والزركشي وغيرهم . إحداهما : لا يلزمه ، وهي المذهب . قال في القواعد الفقهية : هذه المذهب . انتهى . وصححه في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والتلخيص ، والرواية الثانية : يلزمه . كالمتيمم يجد الماء . صححه في التصحيح ، والنظم ، والقاضي الموفق [ في شرح المناسك ] وجزم به في الإفادات ، وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز ، والخرقي ، والمنور ، والمنتخب ; لأنهم قالوا : لا يلزمه الانتقال بعد [ ص: 517 ] الشروع . قال في التلخيص : ومبنى الخلاف : هل الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب ، أو بأغلظ الأحوال ؟ فيه روايتان . انتهى . قلت : المذهب الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب . كما يأتي في كلامه في كفارة الظهار ، فعلى المذهب : لو قدر على الشراء بثمن في الذمة وهو موسر في بلده لم يلزمه ذلك . بخلاف كفارة الظهار [ واليمين ] وغيرهما . قاله في القواعد .

فائدة : قال في القواعد الفقهية ، في القاعدة السادسة عشر : إذا عدم هدي المتعة ووجب الصيام عليه . ثم وجد الهدي قبل الشروع فيه ، فهل يجب عليه الانتقال أم لا ؟ ينبني على أن الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب ، أو بحال الفعل ؟ وفيه روايتان ، وقاله في التلخيص ، فإن قلنا بحال الوجوب : صار الصوم أصلا ، لا بدلا . وعلى هذا : فهل يجزئه فعل الأصل ، وهو الهدي ؟ المشهور : أنه يجزئه ، وحكى القاضي في شرح المذهب عن ابن حامد : أنه لا يجزئه . قلت : يأتي في كلام المصنف في أثناء الظهار بخلاف في ذلك ، وأن الصحيح من المذهب : الاعتبار بحال الوجوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية