الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن باعه الصبرة كل قفيز بدرهم ، والقطيع كل شاة بدرهم ، والثوب كل ذراع بدرهم : صح البيع ) وهذا المذهب . وعليه الجمهور . قال في الفروع : ويصح في الأصح . وجزم به في المغني ، والشرح ، والهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والوجيز ، والفائق وغيرهم . وقيل : لا يصح . وفي الرعاية الصغرى والحاوي الصغير هنا سهو ، لكونهما قالا " وإن باعه صبرة كل قفيز بدرهم : صح ، إن جهلا ذلك عند العقد ، وإن علما فوجهان . وإن جهله المشتري ، وجهل علم بائعه به : صح وخير . وقيل : يبطل " انتهيا . وهذا الحكم إنما هو في بيع الصبرة جزافا . على ما يأتي . فلعل في النسخ غلطا . فوائد

إحداها : يصح بيع الصبرة جزافا إذا جهلها البائع والمشتري نص عليه . ولو علم قدرها البائع وحده حرم بيعها . على الصحيح من المذهب . نص عليه . واختاره الخرقي ، وأبو بكر في التنبيه ، وابن أبي موسى ، وغيرهم . قال الزركشي : هذا منصوص أحمد . وعليه الأصحاب . وقدمه في المستوعب ، والمغني ، والشرح ، وغيرهم . [ ص: 313 ] وعنه مكروه . اختاره القاضي في المجرد ، وصاحب الفائق فيه . وأطلقهما في الفروع . فعلى القول بالكراهة : يقع العقد لازما . نص عليه . وعلى القول بالتحريم : لا يبطل العقد . وله الرد ، على الصحيح من المذهب . وقدمه في الفروع ، والمغني ، والشرح . وهو ظاهر كلامه في رواية ابن الحكم . وقال القاضي وأصحابه : هذا بمنزلة التدليس والغش ، له الرد . ما لم يعلم أن البائع يعلم قدره . جزم به في المحرر ، والنظم ، والزركشي ، وابن رزين ، وغيرهم . وقال في الرعاية الكبرى : إن جهله المشتري وحده ، وجهل علم بائعه به : صح . وخير فيه . وقيل : لا يصح ، وإن علم البائع به صح ولزم . انتهى . وقال أبو بكر ، وابن أبي موسى : يبطل البيع . وقدمه في الترغيب ، والحاوي الكبير ، وغيرهم . قال الزركشي : قطع به طائفة من الأصحاب .

الفائدة الثانية :

علم المشتري وحده مثل علم البائع وحده . وقدمه في الفروع . وقال : كما لم يفرقوا في الغبن بين البائع والمشتري . وقدمه الزركشي . وقدم ابن عقيل في مفرداته : أن المغلب في العلم البائع ، بدليل العيب لو علمه المشتري وحده جاز ، ومع علمهما يصح . وفي الرعاية وجهان . قال في الفروع : وهو ظاهر الترغيب وغيره . وذكرهما جماعة في المكيل . الفائدة الثالثة :

لو علم قدر الصبرة البائع والمشتري . فقيل : حكمهما حكم علم البائع وحده . على ما تقدم . وقدمه في الحاوي الكبير . قال الزركشي : فعموم كلام الخرقي يقتضي المنع من ذلك . وجزم أبو بكر في التنبيه بالبطلان [ ص: 314 ] وقال القاضي : البيع صحيح لازم [ وهذا الصحيح من المذهب . قطع به المغني ، والشرح . وشرح ابن رزين وغيرهم ، وقدمه في الفروع وغيره ] . وقال في الرعاية الكبرى : وإن علماه إذن فوجهان .

فائدة :

يصح بيع دهن في ظرف معه ، موازنة ، كل رطل بكذا . إذا علما قدر كل واحد منهما . وإن جهلا زنة كل واحد منهما أو أحدهما فوجهان . وأطلقهما في الفروع . وصحح المجد الصحة إن علما زنة الظرف فقط . وجزم في الرعاية الكبرى بعدم الصحة فيهما . واختاره القاضي . وصحح المصنف والشارح الصحة مطلقا . وهو الصحيح من المذهب . وإن احتسب بزنة الظرف على المشتري ، وليس مبيعا ، وعلما مبلغ كل منهما : صح ، وإلا فلا . لجهالة الثمن . وإن باعه جزافا بظرفه أو دونه صح . وإن باعه إياه في ظرفه كل رطل بكذا على أن يطرح منه وزن الظرف صح . قال المجد : لا نعلم فيه خلافا . وذكر قول حرب لأحمد : الرجل يبيع الشيء في ظرفه مثل قطن في جواليق فيزنه ويلقي للظرف كذا وكذا ؟ قال : أرجو أن لا بأس به . لا بد للناس من ذلك . ثم قال المجد : وحكينا عن القاضي خلاف ذلك . قال في الفروع : ولم أجده ذكر الأقوال إلا قول القاضي الذي ذكره الشيخ ، إذا باعه معه . انتهى . وإذا اشترى سمنا أو زيتا في ظرف ، فوجد فيه ربا : صح في الباقي بقسطه . وله الخيار . ولم يلزمه بدل الرب . جزم به المصنف ، والشارح ، وصاحب الفروع وغيرهم . [ ص: 315 ] قوله ( وإن باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم ) وكذا من الثوب كل ذراع بدرهم : لم يصح . وهو الصحيح من المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وجزم به المستوعب ، والرعايتين ، والحاويين ، والوجيز ، وغيرهم . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . وقيل : يصح . قال ابن عقيل : وهو الأشبه . كبيع الصبرة كل قفيز بدرهم ، لأن " من " و " إن " أعطت البعض . فما هو بعض مجهول ، بل قد جعل لكل جزء معلوم منها ثمنا معلوما . فهو كما لو قال : قفيزا منها . انتهى . وهو احتمال في المغني ، والشرح ، وقالا : بناء على قوله في الإجارة " إذا أجره كل شهر بدرهم " واختاره في الفائق . وقال في عيون المسائل : إذا باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم صح ، لتساوي أجزائها . بخلاف بيعه من الدار كل ذراع بدرهم . لاختلاف أجزائها ، ثم قال بعد ذلك : إذا باعه من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح . لأنه لم يبعه كلها ولا قدرا معلوما منها . بخلاف قوله " أجرتك هذه الدار كل شهر بدرهم " فإنه يصح هنا في الشهر الأول فقط للعلم به وبقسطه من الأجرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية