الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ولا يجوز بيع جنس فيه الربا بعضه ببعض ومع أحدها أو معهما من غير جنسهما ، كمد عجوة ودرهم بمدين ، أو بدرهمين ، أو بمد ودرهم ) . وهو المذهب بلا ريب . وعليه جماهير الأصحاب . وقدموه ونصروه . ويأتي : إذا ظهر أن المدين من شجرة أو زرع واحد ، أو الدرهمين من نقد واحد وعنه يجوز ، بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره ، أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه . اختاره الشيخ تقي الدين في مواضع من كلامه فعليها يجوز بيع درهمين بمد ودرهمين ، ومدين بدرهم ومد . ودرهم ومد بدرهم ومد . ومدين ودرهم بمد ودرهم ، وعكسه . ولا يجوز درهم بمد ودرهم ، ولا مد بدرهم ومد ، ونحو ذلك . ومن المتأخرين كصاحب المستوعب من يشترط فيما إذا كان مع كل واحد من غير جنسه من الجانبين : التساوي . وجعل كل جنس في مقابلة جنسه . وهو أولى من جعل الجنس في مقابلة غيره . لا سيما مع اختلافهما في القيمة . فعلى هذه الرواية : يشترط أن لا يكون حيلة على الربا . [ ص: 34 ] ونص الإمام أحمد رحمه الله على هذا الشرط في رواية حرب . ولا بد منه .

وعنه رواية ثالثة : يجوز ، إن لم يكن الذي معه مقصودا ، كالسيف المحلى . اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله . وذكره ظاهر المذهب ونصره صاحب الفائق في فوائده . فأما إن كانت الحيلة من غير جنس الثمن : فإنه يجوز . على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب . وعنه لا يجوز . قال في الإرشاد : وهي أظهرهما . لأنه لو استحق وتلف لم يدر بم يرجع ؟ قال ابن رجب في قواعده : للأصحاب في المسألة طريقة ثانية . وهي أنه لا يجوز بيع المحلى بجنس حليته ، قولا واحدا . وفي بيعه بنقد آخر روايتان . ويجوز بيعه بعرض . رواية واحدة وهي طريقة أبي بكر في التنبيه ، وابن أبي موسى ، والشيرازي وأبي محمد التميمي ، وأبي عبد الله الحسين الهمداني في كتابه المقتدى ومن هؤلاء من جزم بالمنع من بيعه بنقد من جنسه وغير جنسه ، كأبي بكر . وقال الشيرازي : الأظهر المنع . ومنهم من جزم بالجواز في بيعه بغير جنسه ، كالتميمي . ومنهم من حكى الخلاف ، كابن أبي موسى . ونقل البزراطي عن الإمام أحمد رحمه الله ما يشهد لهذه الطريقة في حلي صنع من مائة درهم فضة ومائة نحاس : أنه لا يجوز بيعه كله بالفضة ولا بالذهب ، ولا بوزنه من الفضة والنحاس ، ولا يجوز بيعه حتى تخلص الفضة من النحاس ويبيع كل واحد منهما وحده .

تنبيه :

فعلى المذهب في أصل المسألة : يكون من باب توزيع الأفراد على الجمل ، وتوزيع الجمل على الجمل . وعلى الرواية الثانية : يكون من باب توزيع الأفراد على الأفراد .

[ ص: 35 ] فائدتان

إحداهما : للأصحاب في توجيه المذهب مأخذان .

أحدهما وهو ما أخذ القاضي ، وأصحابه : أن الصفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفي القيمة : يقسط الثمن على قيمتهما . وهذا يؤدي هنا : إما إلى تعيين التفاضل ، وإما إلى الجهل بالتساوي . وكلاهما مبطل للعقد في باب الربا .

والمأخذ الثاني : أن ذلك ممنوع . سدا لذريعة الربا . فإن اتخاذ ذلك حيلة على الربا الصريح واقع . كبيع مائة درهم في كيس بمائتين ، جعلا للمائة في مقابلة الكيس ، وقد لا يساوي درهما . فمنع من ذلك وإن كانا مقصودين ، حسما لهذه المادة . وفي كلام الإمام أحمد رحمه الله إيماء إلى هذا المأخذ . فلو فرض أن المدين من شجرة واحدة ، أو من زرع واحد ، وأن الدرهمين من نقد واحد . ففيه وجهان . ذكرهما القاضي في خلافه احتمالين :

أحدهما : الجواز ، لتحقق التساوي . والثاني : المنع ، لجواز أن يغلب أحدهما قبل العقد . فيقبض قيمته وحده . وصححه أبو الخطاب في انتصاره . قلت : وهو المذهب . وداخل في كلام الأصحاب ، لكن القياس الأول . وأطلقهما في الفروع ، وقواعد ابن رجب .

الثانية : لو دفع إليه درهما ، وقال : أعطني بنصف هذا الدرهم نصف درهم ، وبنصفه فلوسا ، أو حاجة أخرى : جاز . كما لو دفع إليه درهمين ، وقال : أعطني بهذا الدرهم فلوسا ، وبالآخر نصفين . وكذا لو قال : أعطني بهذا الدرهم نصفا وفلوسا جاز . ذكره المصنف والشارح وغيرهما

التالي السابق


الخدمات العلمية