الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وسؤر الهر وما دونها في الخلقة طاهر ) ، وهو بقية طعام الحيوان وشرابه ، وهو مهموز . يعني أنها وما دونها طاهر . وهذا المذهب مطلقا بلا ريب . وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به كثير منهم . وقيل : فيما دون الهر من الطير . وقيل وغيره : وجهان ، وأطلقهما في الطير ابن تميم . [ ص: 344 ]

قال الزركشي : الوجه بنجاسته ضعيف . قال الآمدي : سؤر ما دون الهر طاهر في ظاهر المذهب . وحكى القاضي وجها بنجاسة شعر الهر المنفصل في حياتها .

فوائد

إحداهما : لا يكره سؤر الهر وما دونها في الخلقة على الصحيح من المذهب ، ونص عليه في الهر والفأر ، وقدمه في مختصر ابن تميم ، وجزم به في المذهب ، والمغني ، والشرح ، والتلخيص ، وقدمه في الفروع . وقال : وجزم به الأكثر ; لأنها تطوف ، ولعدم إمكان التحرز منها كحشرات الأرض ، كالحية . قال في الفروع : فدل على أن مثل الهر كالهر . وقال في المستوعب : يكره سؤر الفأر ; لأنه ينسي . وحكى رواية ، قال في الحاويين : وسؤر الفأر مكروه في ظاهر المذهب ، قال في الرعايتين : يكره في الأشهر . وأطلق الزركشي في كراهة سؤر ما دون الهر روايتين ، الثانية : لو وقعت هرة ، أو فأرة ، أو نحوها مما ينضم دبره إذا وقع في مائع فخرجت حية . فهو طاهر على الصحيح من المذهب ، نص عليه . وقيل : لا . وأطلقهما في المذهب ، والحاويين . وكذا الحكم لو وقعت في جامد ، وإن وقعت ومعها رطوبة في دقيق ونحوه : ألقيت وما حولها ، وإن اختلط ولم ينضبط حرم . نقله صالح وغيره . وتقدم ما حد الجامد من المائع عند قوله " ولا تطهر الأدهان النجسة " وتقدم اختيار الشيخ تقي الدين ، وصاحب مجمع البحرين في آخر ما يعفى عنه . الثالثة : لو أكلت الهرة نجاسة ، ثم ولغت في ماء يسير . فلا يخلو : إما أن يكون ذلك بعد غيبتها أو قبلها . فإن كان بعدها : فالماء طاهر على الصحيح من المذهب ، جزم به في المذهب ، والمستوعب ، والكافي ، والمغني ، والشرح ، وشرح ابن رزين ، وغيرهم ، وقدمه ابن تميم ، واختاره في مجمع البحرين . وقيل نجس . وأطلقهما في الرعايتين ، والحاويين ، والفروع ، والفائق ، والزركشي ، [ ص: 345 ] وغيرهم . وقال المجد في شرحه : والأقوى عندي : أنها إن ولغت عقيب الأكل نجس ، وإن كان بعده بزمن يزول فيه أثر النجاسة بالريق : لم ينجس . قال : وكذلك يقوى عندي جعل الريق مطهرا أفواه الأطفال وبهيمة الأنعام . كل بهيمة طاهرة كذلك . انتهى ، واختاره في الحاوي الكبير ، وجزم في الفائق : أن أفواه الأطفال والبهائم طاهرة ، واختاره في مجمع البحرين . ونقل أن ابنة الموفق نقلت أن أباها سئل عن أفواه الأطفال ؟ فقال الشيخ : قال النبي صلى الله عليه وسلم في الهرة { إنها من الطوافين عليكم والطوافات } قال الشيخ : هم البنون والبنات . قال : فشبه الهر بهم في المشقة . انتهى .

وقيل : طاهر إن غابت غيبة يمكن ورودها على ما يطهر فمها ، وإلا فنجس . وقيل : طاهر إن كانت الغيبة قدر ما يطهر فمها وإلا فنجس . ذكره في الرعاية الكبرى ، وإن كان الولوغ قبل غيبتها . فقيل : طاهر ، قدمه ابن تميم ، واختاره في مجمع البحرين . قال الآمدي : هذا ظاهر مذهب أصحابنا . قلت : وهو الصواب . وقيل : نجس ، اختاره القاضي ، وابن عقيل ، وجزم به ابن الجوزي في المذهب ، وقدمه ابن رزين في شرحه . وتقدم كلام المجد . وأطلقهما في المستوعب ، والفروع ، والكافي ، والمغني ، والشرح ، والرعايتين ، والحاويين ، ومجمع البحرين ، وابن عبيدان ، والفائق ، والزركشي ، وغيرهم . الرابعة : سؤر الآدمي طاهر مطلقا . وعنه سؤر الكافر نجس . وتأوله القاضي . وهما وجهان مطلقان في الحاويين ، والرعاية الكبرى . وقال : وقيل : إن لابس النجاسة غالبا ، أو تدين بها ، أو كان وثنيا ، أو مجوسيا ، أو يأكل الميتة النجسة : فسؤره نجس . قال الزركشي : وهي رواية مشهورة مختارة لكثير من الأصحاب . الخامسة : يكره سؤر الدجاجة إذا لم تكن مضبوطة ، نص عليه ، قاله ابن تميم ، وغيره . وتقدم أول الباب رواية بأن سؤر الكلب والخنزير طاهر . ويخرج من ذلك في كل حيوان نجس .

التالي السابق


الخدمات العلمية